المشنوق لـ”الجمهورية”: للسَّير بالطائف كما هو

النوع: 

منذ 23 عاماً بالتمام والكمال أبصر اتّفاق الطائف النور. وبين 21 أيلول 1989 وبين 21 أيلول 2012 تغيّر العالم من سقوط جدار برلين إلى الثورات في العالم العربي وما بينهما 11 أيلول 2001 والخروج السوري من لبنان، ولكن على رغم كلّ هذه الأحداث الكبرى وغيرها ما زال لبنان مأزوماً والطائف لم يطبّق. وعن هذه الذكرى وحولها اختارت "الجمهورية" النائب نهاد المشنوق للحديث عن هذا الاتفاق والأسباب التي حالت دون تطبيقه وطبيعة الظروف التي ستتيح هذا التطبيق. وفي موازاة كلّ ذلك محاولة مقاربة مسألتين أساسيتين: الكلام على تحوّل الامتيازات من الرئاسة الأولى إلى الثالثة، ومدى تأثير النشوة السنّية التي ستنتج عن سقوط النظام السوري على الواقع اللبناني، خصوصاً أنّ مَن أَولى من النائب المشنوق، «المتّهم بسنّية زائدة»، للكلام عن هاتين المسألتين لتبديد بعض الهواجس.

هل ما زال اتّفاق الطائف قابلاً للتطبيق؟

-ليس هناك اتفاق غير اتفاق الطائف قابل للتطبيق، لأن أي اتفاق آخر يكون مشروع حرب. إلا أنّ هذا الاتفاق لم يُنَفّذ، إذ اعتُمِدت له الترجمة السورية منذ العام 1990 حتى 2005، وهي ترجمة كان يُقصد دائما منها المزيد من السيطرة السورية على القرار اللبناني. فبعد مشاركة السوريين في حرب تحرير الكويت غضّ المجتمع الدولي النظر عن الهيمنة السورية على القرار السياسي اللبناني. ولو أنّ اتفاق الطائف لم يكن قد وُضع لخدمة السياسة اللبنانية والاستقلال اللبناني، لما كانوا مضطرّين لاغتيال الرئيس رينيه معوض. عملياً، أي قراءة بسيطة ومبدئية للطائف بتفاصيله، بعد تحوّله الى دستور، تؤكد ضرورة تطبيقه.

كما أننا دخلنا منذ العام 2005 وحتى اليوم في صراعات سياسية حادة لدرجة انها لم تلغِ فقط تطبيقه بل ساهمت بتشويهه، كما حدث في انتخابات ذاك العام واتفاق الدوحة. فانتخابات العام 2005 جاءت نتيجة الحلف الرباعي، وانتخابات 2009 حصلت نتيجة اتفاق الدوحة الذي كان باعتقاد صانعيه أنّ عون سيفعل العجائب. "وبما إنّو ما ظبطت معو"، اضطرّوا أن يشنّوا انقلابا وتهديدات بواسطة السلاح بغية وضع اليد على السلطة بشكل انقلابي.

الطائف لا يُنتج جوائز

هل انتقص "الطائف" من صلاحيات الموارنة والشيعة؟

- إنّ الطائف اتفاق متوازن عاقل، منطقي، يناسب تركيبة المجتمع اللبناني. فلبنان معادلة كيميائية. وفي حين تعتقد كل طائفة فيه، وخاصة الموارنة والشيعة، أنه "انتُقص" من حقّها في الطائف، إلّا أنّ هذا الكلام عارٍ من المنطق. وفي هذا الإطار، لا يُنتج الطائف جوائز لأي طائفة كانت، من منطلق أنه إذا خصّص طائفة بمصالح معينة، فعليه بالتالي أن يقوم بالمثل مع كل الطوائف.

الإستنابات الشيعية بحق الطائف هي استنابات غير قابلة للتطبيق. الرئيس بري يقول شخصيّا إنّ تعديل الطائف هو حرب أهلية جديدة.

أمّا الموارنة فلديهم مشكلة صلاحيات رئيس الجمهورية، وبصراحة انا اعتقد انّ الموارنة لديهم مشكلة قيم، ولكن اقول إنّ الجسم الاسلامي في لبنان مهما كبر يبقى قلبه مسيحي وبالتالي لا يحيا الجسد بلا قلب، فلنبحث عن القيم وليس عن الاحجام. فالموارنة خسروا فعلاً السلطة عندما تخلّوا عن القيم، وعندما دخلوا في بازار السلطة اليومي، اصبح رئيس الجمهورية مضطرّا الى التصرف كأيّ سياسي آخر. لو أنّ رئيس الجمهورية (أيّا يكن) مترفّع عن كل شيء، من يتجرّأ على تجاوزه والوقوف في وجهه؟ لا أحد.

إذاً المسألة ليست مسألة صلاحيات، ربما هناك ثغرات في الطائف كمسألة حل مجلس النواب، فأنا سألت الذين شاركوا في ذلك الحين في الطائف، وقالوا لي انهم عقّدوا قضية حل مجلس النواب بسبب الاحداث التي كانت جارية في لبنان في ذلك الوقت، وقصّة النائب ميشال عون وحلّ المجلس. وبرأيي، هذا المبرّر سخيف، إذ لا يجوز وضع نص دستوري كردّة فعل على أحداث تطرأ.

الأمر الوحيد المتاح الآن هو التطبيق الكامل والدقيق للطائف بدون حساسيات وجنون، كقضية الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية على سبيل المثال، والتي لا يجوز عدم قيامها تحت شعار ان المرحلة لا تسمح والمسيحيون لديهم حساسية تجاه الموضوع الخ.. أصبحت الطوائف الأساسية أسيرة. فالشيعة أسرى السلاح، والموارنة اسرى صلاحيات رئيس الجمهورية، والسنّة اسرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

 

ولا يمكن لهذه الطوائف الخروج من اسرها الّا عبر الدستور. لا يمكن الاحتكام للافراد بل للنصوص. فكل ما حدث منذ عام 1990 وحتى اليوم لا علاقة له بالطائف لا من قريب ولا من بعيد، بل هو ترجمة أمنية سورية بحتة، وهدفها الأساسي هو تأكيد السيطرة الامنية السورية على لبنان. ومنذ سنتين الى اليوم دخلنا مرحلة اخرى هي المرحلة الايرانية، وهذا كله في الخارج، امّا في الداخل فعملياً لا تستطيع الطوائف ان تخرج من أسرها الّا عبر الدستور كما هو.

المشروع الايراني يشرف على نهايته

ما هي شروط تطبيق الطائف اليوم؟

- لا شروط لتطبيق الطائف، بل يجب السير به كما هو، وذلك عبر النزول الى مجلس النواب وإقرار الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، ما يفسح المجال للذهاب نحو الاستقرار مباشرة. يجب على الناس ان يضعوا هدفاً واحداً نصب أعينهم وهو تطبيق الدستور. فالذهاب نحو عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين هو جنون. ومن الوهم الاعتقاد انّ عدم تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية هو الذي يحمي الوضع المسيحي في لبنان، كما انّ تشكيل الهيئة لا يساهم بإلغاء الطائفية. بل الحلّ يكون بتنفيذ الطائف.

هل تتوقع تطبيق الطائف قبل انتهاء الهيمنة الايرانية التي دخل فيها لبنان منذ سنتين؟

- أعتقد أنّ المشروع الايراني يشرف على نهايته وهو ليس على بدايته. وبالتالي بطبيعة الحال، هناك مشروع لبناني سيخرج من مكان ما.

ما الظروف السياسية التي ستتيح التطبيق الفعلي للطائف؟

- إنتشار مزيد من الديموقراطية في البلدان العربية وقيام نظام ديموقراطي في سوريا مشابه لأيّ نظام ديموقراطي عربي، ما يشجّع بطبيعة الحال الذهاب الى الانتخابات وإلى الدستور.

 ألا تعتقد أنّ السلاح يحول دون تنفيذ الطائف؟

-بالتأكيد. الخيار الوحيد لبداية نهاية المشروع الايراني هو الانسحاب التدريجي للسلاح من الحياة السياسية اللبنانية. وهنا نتكلم على الخمس سنوات المقبلة وليس عن يوم غد.

 هل دخلنا في مرحلة الانسحاب التدريجي للسلاح؟

- لقد دخلنا مرحلة التهيئة للانسحاب التدريجي للسلاح، لأنّه لن تكون هناك حياة سياسية سويّة بين اللبنانيين من دون التفاهم على هذا الموضوع. لأننا جميعنا نريد ان نبقى في هذا البلد وأن تكون اوضاعه افضل. ولكن ما هي الخيارات؟ الخيارات تتعلق بميزان القوى: هل يسمح أم لا يسمح – هل يقنع أم لا؟ فتحوّل سوريا الى نظام ديموقراطي ستكون له نتائج ايجابية على لبنان.

الخيار الوحيد والنص الوحيد المتاح امامنا اليوم دون حروب هو اتّفاق الطائف. ومَن يقول إنّ هذا الاتفاق طُبّق يكون مخطئاً، فما ارتكب بحق الطائف من العام 1990 الى اليوم أحدثَ تشوّهات، ولكن النص ما زال هو الافضل والامثل للحياة السياسية اللبنانية.

تجربة الحريري استثنائية

 ماذا عن رئاسة الحكومة وصلاحياتها؟

- كثر يتكلمون عن رئاسة الحكومة وصلاحيات رئيسها، ولكن ذلك استناداً الى تجربة الرئيس رفيق الحريري، والواقع انّ كلّ مَن توالوا على رئاسة الحكومة لم يتمكّنوا من تحقيق ما حقّقه الرئيس الحريري، فتجربة هذا الاخير كانت تجربة استثنائية، وبالتالي فالمسألة ليست مسألة صلاحيات بقدر ما تتعلق بشخص الحريري. فالصلاحيات الجدّية والفعلية والمنفردة لرئيس الحكومة تنحصر بوضع جدول اعمال مجلس الوزراء فقط لا غير.

وعلى سبيل المثال، يتكلمون على موضوع الزام رئيس الجمهورية التوقيع على المواد. وبرأيي من الضروري إلزامه لسبب انّه بالنظام (أو الكتاب) فإنّه في حال عدم توقيع الوزير يمكن طرح الثقة به في مجلس النواب، والأمر سيّان فيما يخصّ رئيس الحكومة، في حين رئيس الجمهورية لا يخضع للمساءلة في هذا الإطار، ولذلك ألزموه بمدة، فبحسب الكتاب لا طريقة لمحاسبة رئيس الجمهورية، بينما هناك طرق مذكورة في الكتاب لمحاسبة رئيس الحكومة والوزير في مجلس النوّاب.

ما ردّك على مقولة إنّ رئاسة الحكومة تختزل مجموعة مؤسّسات تخوّلها ان تمسك السلطة التنفيذية بيدها؟

 

– صحيح هذه تجربة رفيق الحريري، في حين أنّ كلّ التجارب الباقية هي تجارب عادية ملتزمة بالنص، من الرئيس فؤاد السنيورة الى الرئيس سعد الحريري وصولاً إلى الرئيس نجيب ميقاتي. فأين هي الصلاحيات الاستثنائية التي تحلّى بها هؤلاء؟

وأرى أنّ أهمّ رئيس جمهورية مرّ على لبنان هو الرئيس الياس سركيس، وذلك على عكس ما يعتقد الجميع، فهو صلب، وهنالك فارق بين ان تكون مواجهاً وأن تكون صلباً. فقد كان صلباً لدرجة انّه نجح في إتعاب الرئيس حافظ الاسد من دون التفوّه بأيّ كلمة، إلى درجة أنّه بقي حاقداً عليه لغاية العام 1993، اي بعد 10 سنوات على وفاته، إذ خلال تجربة إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب في العام 1993 بدعم من الرؤساء الياس الهراوي ونبيه بري ورفيق الحريري، ذكّرهم حافظ الأسد في اجتماع اللاذقية بما فعله الياس سركيس في الثمانينات، ما يدلّ على مدى حقده عليه منذ ذلك الحين. إذاً الأساس هو في صلابة رئاسة الجمهورية وليس صلاحياتها.

ما يطمئن المسيحيّين هو مطلبنا

 هل أتى الطائف على ذكر قانون الانتخاب الأمثل للتركيبة اللبنانية؟

- نعم، الطائف تكلّم عن إعادة النظر بالتقسيمات الادارية، وعلى ما اعتقد يتحدثون عن 12 أو 14 دائرة. أمّا عن طبيعة القانون، فهناك ترجمات عديدة له، إلّا أنّه لم يأتِ على ذكر النسبية، ونحن أخذنا قراراً بتجاوز هذا الأمر مراعاة للحساسية المسيحية. فما يطمئن المسيحيين هو مطلبنا. وهذا ما يفسّر موافقتنا على مشروع الـ47 دائرة عندما عرضوه علينا، كما وافقنا على قانون الـ 61 دائرة.

ما هو القانون الأنسب؟

-بالمبدأ أنا مع الطائف، وفي التفصيل أنا مع ما يريح المسيحيّين.

 هل توافق على مقولة إنّ ثمّة مجموعة تطوّرات محلّية وعربية ودولية طرأت منذ لحظة توقيع الطائف ما يستدعي تعديلاً لهذا الاتفاق ومن بينها اختلاف حجم الطائفة الشيعية؟

- كلّ هذه التطورات تستوجب تنفيذ اتفاق الطائف، فالثورات في العالم العربي يجب أن تكون المحفّز لتنفيذ الطائف لا نقضه أو تعديله، فضلا عن أن حجم الطائفة الشيعية لم يتغير، وإذا كان ثمة فريقاً داخل الطائفة يقول لقد حرّرنا الارض اللبنانية عام 2000 وفاوضنا امام الجندي الاسرائيلي عام 2006 ونريد جائزة على هذين الامرين، فالنظام لا يُنتج جوائز، وفي حال تلاعبنا به قد ينتج حروباً. فلمَ اللف والدوران إذاً، وبالتالي فلنذهب الى الطائف بدون امراض مسيحيّة وارتباكات سنّية وأطماع شيعية – فلنعد الى النص Go by the book.

 هناك مقولة تقول إنّ سقوط النظام السوري سينتج نشوة سنّية في لبنان، هل توافق على هذه المقولة؟

- واقعيّاً، لا، ومعنويّاً يجوز. كقيادة سياسية نحن ملتزمون بالنص (إتّفاق الطائف). ولو أراد السنّة ان ينتشوا لأصابتهم النشوة في مصر. فالنشوة بالمعنى الفعلي تكمن في قيام الدولة.

هل دخل لبنان مرحلة التطبيق الفعلي للطائف؟

-سيدخلها بعد الانتخابات.

وهل ستتمّ الانتخابات؟

-قوّة إجراء الانتخابات أقوى بكثير من إمكانية تعطيلها.

 إلامَ تدعو القوى السياسية واللبنانيّين؟

– أدعوهم، بكل بساطة، الى تطبيق الطائف.

التاريخ: 
السبت, سبتمبر 22, 2012
ملخص: 
إنّ الطائف اتفاق متوازن عاقل، منطقي، يناسب تركيبة المجتمع اللبناني. فلبنان معادلة كيميائية. وفي حين تعتقد كل طائفة فيه، وخاصة الموارنة والشيعة، أنه "انتُقص" من حقّها في الطائف، إلّا أنّ هذا الكلام عارٍ من المنطق. وفي هذا الإطار، لا يُنتج الطائف جوائز لأي