بو خليل لـ”الجمهورية”: “الطائف” قابل للتطبيق لولا السلاح
جوزف أبو خليل أو عمّو جوزف كما ينادونه تحبّباً، هو من المخضرمين والقلّة القليلة التي عاصرت أدقّ المراحل وأخطرها في الأزمات اللبنانية المتلاحقة من العام 1958 مروراً بحرب 1975 وصولاً إلى اتّفاق الطائف وانتفاضة الاستقلال، وعلى رغم كلّ هذه الأحداث وتقلّباتها بقي عمّو جوزف وفيّاً إلى المدرسة الكتائبية. ولعلّ أهمّ ما كشفه لنا في المقابلة معه أنّه بدأ يكتب تجربته السياسية والحزبية، هذه التجربة التي تشكّل وحدها مدرسة في المناقبية والوطنية ودرساً إلزاميّاً لكلّ حزبيّ قرّر الانخراط في الحياة الحزبية.
*هل تعتقد أنّ اتّفاق الطائف ما زال قابلاً للتطبيق؟
-نعم، الطائف قابل للتطبيق، فجوهر الموضوع يتمحور حول نزع السلاح الذي لا يجوز أن يبقى خارج إطار الشرعية، هذا السلاح الذي حال ويحول دون تنفيذ الطائف. فالرئيس بشير الجميّل لم يكن يقبل مجرّد الكلام بالدستور، وكان مقتنعا تمام الاقتناع بأنّ دور الموارنة يكمن في إمساكهم بزمام الأمور في البلد والمحافظة عليه. فهم عصب لبنان، ولا يجوز أن يفقدوا هذا الدور. وأنا على يقين، أنه لو تمّ تعديل الدستور قبل الحرب، لما كان طرأ أيّ تغيير على المشهد المأسوي في ظلّ وجود السلاح واللعبة الإقليمية. والدليل أنّ اتفاق الطائف لم يطبّق على رغم توقيعه والسبب السلاح السوري ومن ثمّ سلاح "حزب الله".
البعض يطالب بإسقاط النظام لاعتماد نظام بديل، أيّ نظام هو هذا؟ لا يجوز هذا الأمر. فإذا كان لا بدّ من تطوير أيّ نظام سياسي، يجب أن يتمّ ذلك من خلال أدواته الخاصة، أي أن يخضع هو نفسه للتطوير وليس استبداله.
*ما الذي يحول دون تطبيق الطائف؟
-السلاح السلاح السلاح.
*هل تكمن مصلحة المسيحيّين بالتمسّك بالطائف؟
- إتّفاق الطائف هو دستور، ويجب تطبيق الدستور، ولمعرفة الخلل والشوائب التي يجب تعديلها يجب تطبيقه أوّلا. العيب السياسي في اتفاق الطائف أنّه جاء في إطار تسوية لوقف الحرب الأهلية، ونتيجة حرب شُنّت على موقع رئاسة الجمهورية، أي على مركز القرار. واليوم هناك شبه إجماع أنّ مركز القرار ضائع بين رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء. فهو يملك الصلاحيات، لكن من دون أدوات تنفيذ. وعلى سبيل المثال، يستطيع الوزير أن "يُنيّم" مرسوما في دُرجه قدر ما يشاء، في حين أنّ رئيس الجمهورية لا يمكنه الاحتفاظ به أكثر من 15 يوما، فلا أدوات تنفيذية بين يديه.
أمّا المدخل لتعديل النظام فهو قانون الانتخاب.
ففي كلّ مرة كان يتمّ فيها إنجاز قانون انتخاب جديد كان يتبيّن أنّ المقصود فيه المزيد من الغلبة.
المطلوب تطوير النظام على وقع الممارسة، لأنّ استبداله بنظام آخر سيكون في نظرنا نظاماً استبدادياً كما هي الحال السائدة في محيطنا، حيث الأقلية الطائفية تتحكّم بالأكثرية أو الأكثرية الطائفية بسائر الأقلّيات.
إلغاء الطائفية "فزّاعة"
* هل تؤيّد مبدأ إلغاء "الطائفية السياسية"؟
- نظام الطائفية السياسية أو قاعدة التمثيل الطوائفي في الدولة ومؤسّساتها متّصل بالحضور المسيحي.
لا نرى مبرّراً للعودة إلى تصريف فعل ألغى ويلغي ونلغي الطائفية السياسية، والمطلوب تطوير النظام اللبناني لا الإلغاء والدخول في أيّ سجال أو في عملية تصريف لفعل ألغى. إلغاء الطائفية السياسية يحتوي على اختلالات. والمطالبة به كانت دوماً فزّاعة للمسيحيّين، وبالتالي يجب سحب هذا الموضوع من التداول والتحدّث بموضوعية. وما بُني بعد الطائف لا يحتاج إلى أدلة للإشارة على استعصاء اتّخاذ وتنفيذ القرارات وآليات الحكم ومؤسساته.
الحديث عن الصيغة اللبنانية هو حديث عن النظام السياسي الأصلح والأفضل لبلد كلبنان، وهذا يعني اعترافاً بالخصوصية، أي بما أفرزته التجربة الملموسة خلال القرن العشرين ودعوة ثانية إلى اجتراح إطار نظري مرجعي لقراءة وفهم وتحليل وتطوير النظام اللبناني.
* هل توافق على مقولة أنّ الطائف شرّع السلاح عندما أتى على ذكر "المقاومة "؟
-إبّان الاحتلال، شرّع الطائف "المقاومة" إذ نصّ على تحرير الجنوب بشتّى الوسائل، ولكنّه شرّع "المقاومة" المتعدّدة الأديان بمن فيهم الموارنة. إلّا أنّ النص لم يحدّد "المقاومة المسلّحة"، بل ترك الباب مفتوحا على العمل السياسي والديبلوماسي. فالقرار 425 قرار دولي وهو صالح للتطبيق. ولكن من حيث المبدأ، لا يمكن لبلدٍ تقوم فيه المؤسسات، أن يكون دولة حقيقية بكل معنى للدولة، في ظل السلاح، فمفهوم الدولة يعني أنها تفرض سيادتها المطلقة على أراضيها، والدولة المنقوصة السيادة ليست بدولة، فكيف ستفرض سيادتها وسط مجموعات متواطئة بالسلاح ويقيمون بؤراً أمنية، تحت ذريعة "المقاومة"؟ "المقاومة" كان مبرّر وجودها أثناء الحرب، ولكن اليوم لم يعد هناك من اعتداءات على أمن الوطن، فما هي هذه المزحة ؟ حتى الولايات المتحدة، وهي دولة عظمى، لا تستطيع أن تحمي نفسها باللجوء إلى السلاح فقط، بل هي تستعين بالقرارات الدولية وتعتمد على السياسة والديبلوماسية والعلاقات الدولية، وهذا فضلاً عن أنّ لسلاح حزب الله دوراً إقليميّاً وإيرانيّاً وليس دوراً وطنيّا.
-"لبنان أوّلا"
* هناك من يقول إنّ نظرية الشيخ بيار الجميّل بأنّ "قوّة لبنان في ضعفه" كانت خاطئة، فما هو ردّك؟
-كلمة "ضعفه" تعني "شرعيّته"، فالدول تحافظ على نفسها وعلى سلطتها الدفاعية من خلال "شرعيّتها"، إلى جانب "الشرعية الدولية"، وذلك بواسطة القانون وليس السلاح. فالقوانين المحليّة والدوليّة هي التي تحكم العلاقات بين الشعوب. أمّا عن مقولة أن "لا قانون" فهي تعود إلى وجود السّلاح الذي يُغرق البلد.
* ما شعورك عندما ترفع الطائفة السنّية شعار "لبنان أوّلا" الذي كان حزب "الكتائب" أوّل من رفعه؟
- هذا مكسب لبناني وطني ويجب الحفاظ عليه والسعي للمزيد منه. فوحدة أيّ بلد أو أيّ شعب لا تأتي بالفطرة، بل ذلك يُبنى عبر الزمن من خلال التجارب المتراكمة.
* هل تعتقد أنّ وصول الإسلاميين إلى السلطة يعني سقوط مفهوم "لبنان أوّلا" لدى السنّة في لبنان؟
- لا أعتقد ذلك، ولكن يجب أن لا ننسى العامل الدّيني.
إذا سقط النظام السوري فجأة، حُكماً سيحلّ محلّه الإسلاميّون، إلّا أنني آمل ان لا يحصل ذلك. ولكن إن حصل فستمتدّ مواكب المهنّئين من بيروت إلى الشام، إنّما من منطلق تعاطفي، إذ لا أعتقد أنّ ما تحقق في العام 2005 من تحوّل لدى الطائفة السنّية قابل للتغيير. لذلك، يجب المحافظة على الإنجازات التي تتمّ عبر التاريخ.
- أيّ نظام هو الأمثل ليحلّ مكان النظام السوري برأيك؟
- النظام الديمقراطي، ولكن هذا بعيد المنال في ظل الظروف الراهنة. ولكن الجديد الذي ستشهده سوريا هو التداول السلمي للسلطة. فالطائفة السنّية بشكل عام تعترف بمفهوم الدولة على غرار مصر.
الربيع العربي
*هل الربيع العربي يشكّل مصلحة للمسيحيين في لبنان خصوصا وأنهم كانوا السباقين في هذا المجال؟
أعظم حدث بالنسبة إلى لبنان هو ما يحصل حوله من ربيع عربي، لكنّ لبنان بلد حريات محاط بأنظمة استبدادية، ولأننا نقوم بما هو نموذجي، فإنّه من الصعب علينا أن نعيش بين الأنظمة الاستبدادية المحيطة، ما دفعنا ثمنه غاليا ووقعنا بهذه النكبة.
* هل تنظر بعين الأمل إلى الربيع العربي؟
– من دون شك، أنا متفائل، ولكن يبقى عندنا تساؤل حول كيفية الانتقال من الاستبداد والحاكم المطلق إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان. وهذا المسار يتطلّب وقتاً لانتقال السلطة بالطرق السلمية وهذا أمر طبيعي. فالمستقبل هو للديموقراطية والتاريخ لا يسير إلى الوراء بل دائما إلّا الأمام.
*ما هو تعليقك على المؤتمر التأسيسي الذي طرحه السيد حسن نصرالله؟
مفهوم "المؤتمر التأسيسي" يدلّ على أن طارحه يريد إعادة النظر بالأسس التي قام عليها البلد والنظام. لا غنى عن الحوار الحقيقي والتفاهم في العمق، لكي يعبّر كلّ فريق عن هواجسه. المطلوب تفاهم في العمق، ولكنّ التفاهم شيء والانقلاب على الدستور شيء آخر، ومن ثم هناك بديهيات من غير المسموح عدم التوافق حولها على غرار السيادة والاستقلال واحتكار الدولة للقوة المسلحة وعلاقات لبنان الخارجية. من الواضح أنّهم لا يريدون تطبيق اتفاق الطائف، كما أنّهم لا يريدون مؤتمراً تأسيسياً، "كلو حكي"، لأنّ هدفهم الأساسي إبقاء هيمنتهم على البلد، فيما المسألة بسيطة جداً، فالأساس هو تجريد البلد من السلاح والباقي تفاصيل.
لا بديل عن الطائف
* ما البديل عن اتفاق الطائف؟
-لا بديل عن الطائف. وشرط قيام الدولة هو أن تبسط سيادتها الكاملة على كل أراضيها وعلى كل المقيمين على أراضيها. وإذا لم يتأمّن ذلك فكل اتفاق يبطل مهما كان. ما دام لبنان لا يحكم إلا بنظام سياسي يعبّر عن طوائف مجتمعة، فتعالوا إلى صيغة تحقّق الديموقراطية التوافقية في أهدافها ومقتضياتها وتؤمن الحرية المنشودة. ولنعطِ نموذجاً يحتذى بنظام طوائفي وطني إنساني عادل يحترم حقوق مواطنيه الوجودية فنعيشَ زماننا في وفاق واستقرار. سلاح حزب الله ليس ملكه، وهو منخرط في مشروع إقليمي، إذ إنّهم اليوم مرتهنين لإيران التي تدعمهم. إلّا أن الوقت، وتحديداً الظروف الإقليمية، سيكون الكفيل بحلّ مسألة السلاح.
*هل توافق على المقولة التشكيكية التي تقول إنّ المسلمين والسّنة تحديداً، لم يتبنّوا عبارة "لبنان أولاً" إلا عندما وضعوا يدهم على السلطة؟
-من يقول ذلك هو "حزب الله" الذي يشنّ حرباً على رئاسة الحكومة في إطار الصراع السني – الشيعي. ولكن في جميع الأحوال، فإن التحوّل الذي طرأ لدى الطّائفة السّنية مهم جداً بالنسبة إلينا نحن المسيحيين، ويجب أن نعرف كيف نحميهم ونحافظ عليهم وعدم التشكيك بهم.
* هل تخشى على مستقبل المسيحيين في لبنان وما هي خارطة الطريق التي تراها مناسبة لإعادة استنهاض وضعهم واستعادة دورهم الريادي؟
– الوعي لوجودهم وأهميته، وهو رصيد كبير. فالمنطقة بكاملها تعرف أهمية الوجود المسيحي فيها. وتنمية هذا الوجود يحتاج إلى دور حضاري يبدأ عبر تغيير النظام الاقتصادي الريعي بنظام يخلق فرص عمل للشباب.