جورج بكاسيني في ورشة عمل لـ"المستقبل" حول اتفاق الطائف
لمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتوقيع اتفاق الطائف نظمت منسقية تيار المستقبل في صيدا والجنوب ورشة عمل بعنوان "اتفاق الطائف.. بين التطبيق والتعديل والالغاء" تحدث فيها مدير تحرير جريدة المستقبل جورج بكاسيني الذي واكب عن قرب مرحلة وظروف ولادة وثيقة الوفاق الوطني ووثقها في كتابه " اسرار الطائف من عهد امين الجميل حتى سقوط الجنرال " الذي صدر سنة 1993.
وشارك في الورشة ممثلون عن احزاب وقوى سياسية وحقوقيون واكاديميون ومفكرون وممثلو مجتمع ومدني وهيئات شبابية الى جانب اعضاء منسقية المستقبل في الجنوب وممثلين عن قطاعات ومكاتب التيار .
افتتحت الورشة بالنشيد الوطني اللبناني ثم بالوقوف دقيقة صمت حدادا على رواح شهداء تفجيري الضاحية وعن روح الراحل رفيق النقيب مدير عام جريدة المستقبل، ثم رحب منسق عام تيار المستقبل في الجنوب الدكتور ناصر حمود بالمحاضر والمشاركين ، واعلن هذه الورشة هي من ضمن باكورة ورش عمل ينظمها التيار في الجنوب وتتناول العديد من القضايا المطروحة على الساحة الوطنية .
د. متبولي
ثم ادار عضو منسقية التيار في الجنوب الدكتور مصطفى متبولي الورشة مستهلا اياها بكلمة قدم خلالها المحاضر فقال: يعتبر اتفاق الطائف من اهم انجازات الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي ادى الى انهاء الحرب الاهلية اللبنانية العبثية والى خروج الشعب اللبناني من ظلام دويلات الميليشيات التي فَكَكَتْ اوصال الدولة اللبنانية الى نور رحابة تاريخه الحضاري. ولقد بذل الرئيس الشهيد جهوداً كبيرة من اجل تقريب وجهات النظر بين النواب اللبنانيين الذين اجتمعوا في مدينة الطائف (30 ايلول - 22 تشرين الأول 1989) اثمرت صياغة وثيقة الوفاق الوطني التي تم التصديق عليها من مجلس النواب اللبناني في جلسة استثنائية عقدت في مطار القليعات بتاريخ 5 تشرين الثاني 1989. ويعتبر الاستاذ جورج بكاسيني من الاشخاص القلائل الذين تابعوا عن قرب المخاض العسير لولادة وثيقة الوفاق الوطني وكان من نتاج هذه المواكبة النهارية و الليلية تأليفه كتاب "اسرار الطائف من عهد امين الجميل حتى سقوط الجنرال " الذي صدر سنة 1993.
وطرح متبولي عدة تساؤلات قال انها تُعَبِّرُ عن هواجس غالبية الشعب اللبناني ومنها :هل ان وثيقة الطائف ما زالت صالحة للتعبير عن الأسس الميثاقية، وهل يمكن تعديل وثيقة الطائف؟ ، وهل يمكن الغاء المناصفة بين المسيحيين والمسلمين و ابدالها بالمثالثة ، و ما هو مصير المواد الدستورية في وثيقة الطائف التي بقيت حبراً على ورق مثل انشاء مجلس الشيوخ وهل هناك امكانية لتطبيقها في ظل الظروف الحالية؟.
بكاسيني
ثم تحدث جورج بكاسيني ، فاعتبر انه "ليس صحيحا ما يردده البعض في السر او في العلن من ان اتفاق الطائف هو المشكلة وان ما يواجهه لبنان من ازمات سببه هذا الاتفاق " بل ان الصحيح هو "ان اتفاق الطائف هو الحل وان المشكلة تكمن فيمن يرفض تطبيقه املا منه في الوصول الى مؤتمر تأسيسي لتغيير النظام السياسي في لبنان " .
وقال: المشكلة الاكبران رفض تطبيق الطائف ياتي ممن يعارضون تنفيذه في العلن، ومعهم قوى سياسية اخرى تؤيد تطبيقه في العلن وترفض ذلك في السر . والمقصود هنا معظم القوى السياسية التي تناوبت على رفض الالتزام بهذا الدستور خلال مرحلة الوصاية السورية وبعدها وصولا الى اليوم . واذا كان الطائف قام في حينه على معادلة شعارها "السيادة مقابل الاصلاح" بوصفها تسوية وطنية تاريخية ترضي المسيحيين المطالبين بانسحاب الجيش السوري من لبنان ، كما ترضي المسلمين المطالبين باصلاحات سياسية في النظام، فان تطبيق هذه المعادلة جرى تشويهه بسبب الطعن الدائم به من جانب طرفين وازنين اسلاميا ومسيحيا لم يعترفا اصلا بالطائف منذ نشاته، وهما حزب الله والتيار الوطني الحر، ذلك ان الحزب لم يكتف بالاعتراض على انسحاب الجيش السوري من لبنان بعد اسابيع من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحت عنوان "شكرا سوريا"، وانما ذهب الى خلق وصاية ايرانية بديلة على لبنان، اما التيار الوطني الحر فما زال يعترض حتى اليوم على مجموعة من الاصلاحات التي اقرت في الطائف وابرزها تلك التي طالت صلاحيات رئيس الجمهورية محددا مواصفات جديدة لهذا الرئيس تحت عنوان "الرئيس القوي" .
واضاف: اكثر من ذلك ، فان الطرفين المذكورين تواطآ على محاولة نسف اصلاحات اخرى في الطائف متكافلين متضامنين مع قوى اخرى طالما ايدت الطائف، من خلال الدعوة الى اقرار ما سمي "قانون اللقاء الارثوذكسي" متجاهلين ان الطائف نص على "المحافظة" دائرة انتخابية ، وعلى "اعادة النظر في التقسيم الاداري بما يؤمن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات" . والأخطر من ذلك ان حزب الله اطاح بندا اساسيا في الدستور يفترض ان يخضع لتوازنات دقيقة في النظام وهو قرار " الحرب والسلم : الذي يحتاج وفق الطائف الى "موافقة ثلثي اعضاء مجلس الوزراء "، بوصفه احد المواضيع الأساسية كما سمي في النص، مثل حالة الطوارىء، وحل مجلس النواب ، والتعبئة العامة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية وغيرها ..
وتابع: اذاً، وبدلاً من ان يكون هذا الدستور سببا موجبا لإتفاق اللبنانيين حول كيفية ادارة شؤونهم الوطنية ، اتفق معظم اللبنانيين على اطاحته ، كل لسبب ، ما احدث هذه الاختلالات المتفاقمة في نظامنا السياسي والتي توجت اخيرا بشغور موقع رئيس الجمهورية لأسباب كثيرة من بينها اعتراض بعض القوى السياسية على الطائف ومحاولة استبدال نصوصه الواضحة والصريحة بأخرى لا علاقة لها بالدستور مثل ان يكون رئيس الجمهورية "قوياً " في طائفته بمعزل عن قدرته على توفير الأكثرية اللازمة في المجلس النيابي كما ينص الطائف. ومعنى ذلك ان المشكلة لا تكمن في اتفاق الطائف وانما في عدم التزام قوى كثيرة بنصه وروحه ، والدليل على ذلك الأجوبة التي تلقاها الرئيس سعد الحريري من الكتل النيابية بعد تكليفه برئاسة الحكومة ردا على سؤال وجهه الى جميع الكتل اثناء الاستشارات النيابية في مجلس النواب ، ومفاده " ما هو موقفكم من استكمال تطبيق الطائف " ، فكان جواب غالبية الكتل " ليس وقته الآن ".
وقال: على ان الرئيس الحريري اطلق لاحقا مبادرة أخرى لتنفيذ الطائف ، اثر الجدل حول " قانون اللقاء الأرثوذكسي " ترمي الى انشاء مجلس للشيوخ بعد اجراء تعديل دستوري يعلق شرط الغاء الطائفية السياسية لفترة يتم التوافق عليها وتطبيق اللامركزية الادارية الموسعة ، الا انها بقيت حبرا على ورق ، ولم تكلف معظم القوى السياسية نفسها عناء مناقشتها او على الأقل التعليق عليها، ما يعني عدم وجود ارادة سياسية للإلتزام بتطبيق ما يمثل حلا لأزمات اللبنانيين بدلا من البحث عن مشكلة تلو الأخرى . والدليل على ذلك انه لو " استحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية مع انتخاب اول مجلس نواب على اساس وطني لا طائفي " ، لما كانت اثيرت هذه الروائح الطائفية المقيتة ، التي اضيفت الى روائح النفايات ، حول الجلسة التشريعية التي انعقدت امس واليوم . ولكان الموقع الطبيعي لمناقشة ملفات لها علاقة بهواجس الطوائف هو مجلس الشيوخ بدلا من المنابر او الشارع .