18 عاماً على اتفاق الطائف.. النائب السابق باخوس يروي لـ( الجزيرة ) الدور السعودي التاريخي: المملكة أحاطتنا بكل الوسائل والتضحيات.. واتهمنا المتضررون بالتوقيع زوراً

النوع: 

 

الطائف، هذا الاسم الذي يتردد في لبنان يومياً ربما عشرات المرات على لسان مسؤوليه ونوابه وناسه، ماذا يعني لهذا البلد؟ الطائف هي اختصار لاتفاق الطائف الذي حصل في مدينة الطائف السعودية في خريف العام 1989م، والذي أنهى الحرب اللبنانية بتوافق على وثيقة جديدة يحكم بواسطتها لبنان بعد أكثر من مئة وخمسين ألف قتيل وجريح. اثنان وستون نائباً لبنانياً استضافتهم القيادة السعودية وأمنت لهم المكان الآمن ووسيلة الاتصال المباشرة فيما بينهم ليخرج الاتفاق التاريخي إلى النور. أحد المجتمعين في الطائف وواحد من المقربين من الرئيس رينيه معوض الذي كان أول رئيس للبنان بعد الطائف، يتذكر كيفية إقرار الاتفاق التاريخي. النائب السابق أوغست باخوس، يستعرض ل(الجزيرة) الدور السعودي الإيجابي الذي سهل المعوقات وأزال العراقيل.

* ما هي الخطوات التي سبقت ذهابكم كنواب لبنانيين إلى مدينة الطائف السعودية لإقرار الاتفاق التاريخي الذي أنهى الحرب في لبنان؟

- لا يسعني أن أتكلم عن الطائف قبل ان أرسم صورة عن نواب سنة 1972م. قيل إن انتخابات سنة 1972 النيابية من أفضل الانتخابات التي جرت في لبنان. والفضل في ذلك يعود إلى الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي كان رئيساً للجمهورية في حينها، وجرت الانتخابات بكل تجرد وأفرزت نواباً يمثلون الشعب اللبناني على حقيقته.

وصادف ان نواب 1972 عانوا كما عانى اللبنانيون آلام الحرب العبثية التي حصلت في لبنان وعشنا في الملاجئ كباقي أفراد الشعب. وكنا كلما اضطررنا أن ننزل إلى مبنى مجلس النواب الموقت في (قصر منصور) عند منطقة المتحف، نقابل بقذائف ورشقات. هذه الحالة استمرت طيلة عشرين سنة، عشنا مع بعضنا وتكونت حالة أخرى بيننا كنواب. تكونت حالة أبوة بيننا وبين كبارنا أمثال صائب بك سلام وعادل عسيران وأدوار حنين وتوفيق عساف وجوزيف سكاف.. وغيرهم. هؤلاء الكبار تكونت علاقة أبوة وبنوة بيننا وبينهم. وعندما حصل مؤتمر تونس الذي تمثل فيه كل من سليم الحص والعماد ميشال عون وتكونت فكرة إلزامية مشاركتنا في وثيقة الوفاق الوطني في الطائف. كنا نحن في تجمع النواب الموارنة المستقلين الذي كان يضم الرئيس الهراوي، بطرس حرب، طارق حبشي، جبران طوق، وحبيب كيروز وأنا. حضر يوماً إلى مكتبي جبران طوق وقال: ما رأيك، هل نشارك بالطائف؟

قلت له نعم ولماذا لا نشارك نحن؟ ولكن فلنتصل أنا وإياك بالعماد ميشال عون وكان رئيساً للحكومة العسكرية في بعبدا. طلبت أن يستقبلنا وتجاوب فوراً وذهبنا. قلت له: لا نريد أن نختلف معك يا عماد. نحن صممنا أن نذهب إلى الطائف. أتمنى عليك لما لي من دالة عليك (لأن هناك صداقة كانت تربطني منذ أيام الخوري يوسف عون وقسم كبير من آل عون في مناطقنا) أتمنى عليك أن تدعو غداً أو بعد غد إلى اجتماع عاجل في مركزك في بعبدا لتجمع فيه كل نواب المنطقة الشرقية وكان عددنا 27 وتجاوب معي وحضرنا بعد يومين. كان النائب الراحل ألبير مخيبر موجوداً. كنا مسلمين ومسيحيين: عثمان الدنا، محمود عمار، عبدو عويدات، رفيق شاهين، صبحي ياغي، وكان جورج سعادة موجوداً. في اليوم التالي اجتمعنا وطرحت الموضوع عليه وقلت: نحن صممنا ونريد أن نذهب من دون أن نختلف معك وأصر عليه أيضاً جورج سعادة. البير مخيبر قال: لا يمكنني ان اركب الطائرة. إذ إنه لم يستقل طائرة طول حياته. وعبدو عويدات قال: أنا مريض أعفوني لأن حالتي الصحية لا تسمح وكنت أتمنى أن اذهب معكم.

اذاً، كان هناك إجماع على الذهاب. قلت للعماد عون: درسنا الموضوع وقد يتعذر علينا الاتصال بك من الطائف لأن الاتصالات الهاتفية بلبنان كانت صعبة يومها. فقال: أنا سأكلف داني شمعون أن يكون حاضراً معي دائماً لأتلقى ملاحظاتكم، أي أن داني يتلقى منكم الاتصالات. وأردف قائلاً: من يرغب أن يذهب عن طريق المطار لأسهل له السفر، ومن منكم يريد الذهاب عن طريق قبرص لأهيئ له طوافتين لنقلكم إلى هناك. وكان نصيبي أنا طريق قبرص. إذاً توافقنا معه. وقال أنبهكم من أن يضغطوا عليكم. فأجبنا: نحن جماعة راشدون وكل واحد يتحمل مسؤولياته الوطنية، المهم أن نبقى على اتصال معك. ذهبنا إلى المملكة، وعندما وصلنا، أذكر كلمة صائب بك سلام: يا أولادي يا أحبائي يا أبنائي، الفشل ممنوع. كانت هذه الفكرة تهيمن علينا، انه مهما كلف الأمر فالفشل ممنوع. وأشير هنا إلى أن مدة ولاية رئيس المجلس النيابي حينذاك الرئيس حسين الحسيني كانت قد انتهت، إنما توافقنا نحن بشكل حبي على ترئيسه المؤتمر وتوزعنا مجموعات. منها ما سمي لجنة (العتالة) أي العمل الشاق والمضني. وكل فريق تمثل في هذه اللجنة. وكان يمثل مجموعتنا فيها، النواب نصري المعلوف وبطرس حرب وادمون رزق وجورج سعادة.

* وما هو دور لجنة (العتالة) هذه؟

- كنا نريد من يتحمل أعباء الاجتماعات ليلاً ونهاراً. فقد كنا نجتمع مجموعات: واحدة عند جوزف سكاف وأخرى عند صائب بك وثالثة عند عادل عسيران وأخرى عند ادوار حنين. السعوديون أعطوا لكل نائب شقة. فكنا نجتمع عند كاظم الخليل لنتلقى مخابرة يومية من داني شمعون. كان داني يتصل يوماً بميشال ساسين، ويوماً آخر ببيار دكاش والاثنان أحياء يرزقان. وكنا نعرض على العماد عون مجريات ما يحصل. نعرض عليه ما يحصل ويوافق. أتذكر أنه بعد 15 يوماً قال بيار دكاش لداني شمعون: أنا أريد أن أجمع أغراضي وأعود إلى لبنان. لست موافقاً، فسأله لماذا؟ فقال: لأن الاتجاه هو نحو تعيين النواب الجدد وعددهم 40 من قبل الحكومة، وأنا من القائلين بضرورة انتخابهم من قبل النواب. أتذكر أننا كنا نرفع صوتنا على الهاتف لنسمع داني لرداءة الاتصالات. فيقول داني: لا يا بيار اعرف من أين أتحدث معك- ويقصد أنه يتحدث وقربه العماد عون. قال داني لبيار: (أعد فرد حقائبك وابق هناك). بعد 15 يوماً، على هذه الحال، وموافقة العماد عون يومياً، يطلب داني شمعون ميشال ساسين ويستعرض أموراً معه ويوافق.

أتذكر قبل ما ننتهي بخمسة أيام أو ستة يطلب داني شمعون ميشال ساسين، ويقول له: إياكم أن تنتخبوا رئيساً للجمهورية في احدى السفارات، كما تناهى إلى علمنا. فقد وردت فكرة يومها في أذهان بعضنا ان نقوم بانتخاب رئيس للجمهورية في سفارة لبنان في السعودية أو في السفارة اللبنانية في فرنسا. حذرنا الجنرال: إياكم ثم اياكم أن تقدموا على مثل هذا العمل. أذكر أنه بعد هذا التحذير انتفض احدنا وهو الراحل نصري المعلوف، وكانت تربطه صداقة بالعماد ميشال عون. قال: اسمحوا لي غداً يجب تعطيل كل أعمال المؤتمر أريد أن أتغيب 24 ساعة وأعود.

وبالفعل صبيحة اليوم الثاني توجه إلى جدة مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود فيصل والرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي لم يكن قد تولى رئاسة مجلس الوزراء يومها. توجه الثلاثة إلى جدة لمقابلة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان يومها ولياً للعهد. وعرض المعلوف على الملك عبدالله توجيه دعوة إلى العماد ميشال عون حتى يطرح بعض أفكاره ويأتي معه الرئيس سليم الحص، فيتداول الاثنان أمام المجموعة الأفكار حتى تكون قناعة. وهكذا قابلوا جميعاً الملك فهد ووافق.

* إذن الملك عبدالله أخذهم إلى المرحوم الملك فهد، بعد اقتراح نصري معلوف؟

- نعم. وبالفعل، سخر الملك فهد طائرته الخاصة، التي حملت الأخضر الإبراهيمي إلى قبرص على أن ينتقل مع الوفد لمقابلة ميشال عون.

ونحن انتظرنا على عدد الدقائق النتيجة. عرفنا انه وصل وبقي في فندق سمرلاند واتصل بالعماد ميشال عون دون نتيجة. المرة الأولى قالوا له انه مشغول باجتماع. المرة الثانية قالوا للأخضر إن عون نائم. وفي المرة الثالثة قالوا له صراحة إنه لا يريد ان يستقبلك.

* اذاً العماد عون غيّر رأيه. لماذا؟

- فهمنا إنه كان يريد أن يقول: انتخبوني رئيساً للجمهورية وثم بلغوني، ممنوع أحداً آخر.

* وماذا حصل بعدها؟

عندما بدأنا نتداول فيما بيننا. كان لولب الحركة بالفعل الشيخ رفيق الحريري وكان ضابط الارتباط بيننا وبين سلطات المملكة ومع اللجنة الثلاثية. كان يتحمل مشقة حل العقد. أتذكر أنه ذهب مع الأمير سعود الفيصل مرتين أو ثلاث مرات إلى دمشق لحلحلة العقد بيننا وبينها، وكان له الفضل الأول.

* هل من موقف معيّن وقفه الرئيس الراحل لا تنساه؟

- مازال راسخاً بذهني أنه كان رجلاً عظيماً. لم أكن أعرفه. وأتذكر أن رينه معوض وإلياس الهراوي مع بعضهما كانا يقولان لي: هذا الشخص سيصبح رئيس حكومة لبنان، لماذا لا تتعرف عليه يا أوغست.

* من وقتها يفكرون به رئيساً للحكومة؟

- نعم، قلتُ لهم: ليس لدي مانع. أتذكر أنه قابلني وكأنه كان يعرفني منذ عشر سنين. وغمرني وقال لي ما أتذكره حرفياً: أسمع عنك كثيراً، لماذا لا تسأل عني. كان يتكلم عنك نسيب لحود، صرت احبك زيادة.

تداولنا نحن واياه بالحلول وتوافقنا. وكانت النية متجهة نحو انتخاب رينه معوض رئيساً للجمهورية. الياس الهراوي قال: اتركوني للآخر. ذهبنا لنحضر الجلسة النهائية لمؤتمر الحوار، وكان في جدة. تكلم الملك فهد، كلاماً عاطفياً وأبوياً تجاه لبنان.

* ماذا قال؟

- تكلم إرشادات محبة. أحبوا بعضكم على قدر ما نحبكم، وخلاص لبنان بيدكم وتحمّلوا مسؤولياتكم.

قررنا من بعدها، وقلنا للرئيس الحسيني نذهب إلى فرنسا في طريقنا، بعد ما شكرنا السلطات السعودية. مررنا على الجزائر لشكر المسؤولين فيها، ومررنا على مراكش نشكر الملك الحسن الثاني. واستقررنا في فرنسا. هناك اتذكر دعانا الرئيس الحريري على ترويقة كان ضيفه فيها الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر.

اتذكر أنني كنت موجوداً في فندق صغير إلى جانب السفارة اللبنانية اسمه (أوتيل فيكتور ايغو). عندما زعل منا العماد عون، أصدر قراراً بحل المجلس. اتى التلفزيون الفرنسي وسألني ما رأيك، فقلت هذا عمل انقلابي ليس لديه صلاحيات حل المجلس. هو رئيس حكومة عسكرية كان مكلفاً لتحضير الأجواء الصالحة لانتخابات رئاسية لا ليلعب دور الرئيس. بعد بث المقابلة قامت الدنيا عليّ. وفي اليوم الثاني وفي طريقي من الفندق صادفتني مجموعات لبنانية تريد اغتيالي. دخلوا إلى السفارة ولم يكن السفير موجوداً. أتذكر كان يوجد صحفيان من الديار يغطيان الأخبار في فرنسا، دخلا معي إلى السفارة وأقاما لي سياجاً للحماية.

ومن بعد جدل طويل عفوا عني وتركوني. وجاءني خبر في حينه أنه تم وضع متفجرة في بيتي في بيروت لأنني تكلمت هذا الكلام. وكانت زوجتي وابنتي في المنزل فلم أعد أعرف عنهما شيئاً.

الرئيس الحريري أتى يواسيني في باريس. قلت له: أريد ان اطمئن على عائلتي. وهو بحكم اتصالاته وسعيه طمأنني على عائلتي وهذا اتذكره جيداً.

* فلنعد إلى السعودية. كيف جرت أجواء المؤتمر؟

كان يقول لي نصري المعلوف إن القيادة السعودية يهمها أمرنا مثل كأفراد عائلتهم. وبالفعل ما فعلوه معنا احاطونا بكل وسائل التكريم خلال فترة 28 يوماً والتضحيات كلها، كل الوسائل سهلوها لنا.

* بعد فرنسا، كيف اتيتم إلى لبنان وانتخبتم رينه معوض؟

- نحن ذهبنا إلى الطائف في أيلول ووقعنا عليه بتشرين الأول. بعدما حل عون المجلس اتفقنا على رينيه معوض. اتينا من فرنسا إلى لبنان. وترشح إلى جانب معوض، جورج سعادة من أجل الديمقراطية. رينيه معوض كان رئيس لجنة مال في المجلس، وأنا رئيس لجنة ادارة وعدل وكنا متفقين.

* لماذا لم تترشح أنت إلى الرئاسة؟

- لا.. كان معروفاً أنني سأكون وزير عدل مع رينيه معوض. كتب معوض هذا الأمر بيده. قال لي لا تتركني. وقل لهم إن ينتخبوني بالإجماع. جورج سعادة قال لي إذهب إلى الياس الهراوي. الياس الهراوي قال لي اتركوني خميرة. وبالفعل فقد نال بضعة أصوات.

* أين انتخبتم؟

- بطائرة الحريري أتينا من فرنسا ونزلنا بمطار القليعات وعملنا جلسة البرلمان وانتخبنا رينيه معوض مع 50 صوتاً تقريباً والقليل لجورج سعادة و4 اصوات للياس الهراوي.

قال لي معوض: لا تبتعد عني. وذهبت من القليعات إلى اهدن. قسم من النواب ذهب إلى منتجع لاس بالماس عند مدخل طرابلس، وقسم بقي في إهدن.

وأتذكر أن أشخاصاً مقربين من عون أتوا للرئيس معوض، فحولهم عليّ. قال أحدهم: ميشال عون يريد ان يمشي (من بعبدا). قلت ما هي شروطه؟ قال يريد ان يكون وزير دفاع. قلت: نقبل.

فقال الشخص: انتظر حتى منتصف الليل، ثم جاءني الاتصال ليلاً وقال لم يعد يريد ذلك.

* ما كان موقف البطريرك صفير على الطائف؟

- كان بطرس حرب وخاتشيك بابكيان يطلعانه على التطورات وكان يوافق. كذلك كان سمير جعجع موافقاً.

* عندما تقررت العملية على ميشال عون كنتم أنتم موافقين على الموضوع، لأنكم وجدتم انه لا يوجد حلاً آخر؟

- حصلت العملية ونحن غائبون. حصلت عندما هجموا عليّ ونسفوا بيتي. وذهبوا عند البطريرك أيضاً أكملوا فعلهم الشنيع. ثم بعدما انتخب رينيه معوض، ذهبنا إلى البطريرك نستنكر.

* ماذا حصل بعد اغتيال الرئيس معوض؟

- عندما اغتيل رينيه معوض 22 تشرين، كنت وقتها قد ذهبت إلى باريس. لم تكن الحكومة قد تألفت، فلو شكل حكومة لكان ربما لم يمت. كان بالحكم منذ 14 يوماً فقط. أتذكر أن نسيب لحود أتى إليّ وذهبنا ونزلنا بالشام. وانتقلنا من الشام إلى أوتيل المسابكي في شتورة. وقلنا للراحل بيار حلو: جئنا لأجلك(أي لانتخابك رئيساً). فقال: ما مت ما شفت مين مات؟ كان السوريون قد قابلوا الرئيس حسين الحسيني، وتم الاتفاق على اسم الرئيس الياس الهراوي.

الكاتب: 
منير الحافي
المصدر: 
التاريخ: 
الجمعة, مايو 18, 2007
ملخص: 
اتذكر أنني كنت موجوداً في فندق صغير إلى جانب السفارة اللبنانية اسمه (أوتيل فيكتور ايغو). عندما زعل منا العماد عون، أصدر قراراً بحل المجلس. اتى التلفزيون الفرنسي وسألني ما رأيك، فقلت هذا عمل انقلابي ليس لديه صلاحيات حل المجلس. هو رئيس حكومة عسكرية كان مكلف