مؤتمر في جامعة الحكمة عن "لبنان وإمكانات النهوض" الحسيني: المشروع اللبناني عظيم لكن أخطاره كثيرة

النوع: 

 

إفتتحت جامعة الحكمة المؤتمر السنوي العاشر بعنوان "لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض"، في صرحها الرئيسي في فرن الشباك، برعاية ولي الجامعة راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر. شارك فيه، الرئيس حسين الحسيني، ورئيس الجامعة المونسنيور كميل مبارك، وحضرها وزراء ونواب حاليون وسابقون وممثلو قيادات وهيئات قضائية وامنية وعسكرية وتربوية واجتماعية ورؤساء جامعات وأصحاب إختصاص في السياسة والقانون والمال والأعمال وخبراء وآكاديميون.

افتتح المؤتمر بالنشيد الوطني وبكلمة امين عام الجامعة الدكتور انطوان سعد قدم فيها المؤتمر واشكالياته، وقال: "لبنان اليوم لا يشبه أيام لبنان فالجسد الوطني المنهك أقعدته المعاناة، إذ تكسرت عليه نصال الأزمات، المزمنة والمستجدة، وتقاطعت على أرصفته تحولات ينتجها الخارج وتتفاعل في الداخل".

وسأل: "هل ان قدرة اللبنانين قادة وساسة ومفكرين محدودة حقا أم محددة واقعا من قبل القوى التي تنتج الظروف وتبرمج المواقف وتتحكم عن بعد بالمواقع والتحركات؟".

مبارك

ثم ألقى المونسنيور مبارك كلمة، أوضح فيها الى أن "الدعوة الى المؤتمر تهدف الى "تضامن القطاع الخاص مع أهل القرار من أجل البلوغ الى خواتيم سليمة، لأن الأزمات التي تهدد لبنان في هذه الفترة من تاريخه تزداد حدة وضراوة وتحمل تداعيات خطيرة مما يضع الوطن والدولة والشعب امام اسئلة مصيرية تتطلب مقاربات جدية ومعالجات ملحة في مختلف الاتجاهات".

واعتبر أنه "إذا ما تداخلت في لبنان اسباب الازمات ونتائجها أفقيا وعموديا وخارجيا ودخليا، إلا أن إمكانات النهوض ليست مستحيلة إذا ما توفر للبنانيين حد من الوعي لما يصيبهم، ومن القلق مما ينتظره مستقبلهم، ومن السعي الى التغيير بواسطة خيارات وقيادات عودتنا على الثقة بنهجها الوطني".

وقال: "القراءات الوصفية والنقدية لواقع لبنان اليوم تؤسس لهذا الوعي المطلوب، فندخل معا الى جوهر المعاناة وأسبابها، ونتلمس تداعياتها الموجعة على كلِ مفاصل الوطن، ونسعى مع الساعين الى استنباط الحلول، مدركين تمام الادراك، أن المطلوب ثورة على الذات، قبل الثورة على السلطة، لمحاولة إصلاح ما فسد، من أجل ايجاد العلاج الدائم بلا قتل ولا معوقين ولا تصفيات ولا يتامى. ذاك أن الحرية والاصلاح لا يقاسان بخيارات طالبيهما، بل بارتباطهما بالحقيقة والعدالة والخير العام، وإلا انقلبا الى فوضى وشكلا خطرا على الوطن والشعب".

المطران مطر

ثم ألقى راعي المؤتمر المطران مطر كلمة عرض فيها للأوضاع اللبنانية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، بدءا من دولة لبنان الكبير التي "هي دولة أعلنها الانتداب الفرنسي وقبل بها مؤتمر الصلح في فرساي على إثر الحرب العالمية الأولى. لكنها أيضا دولة حلم بها وأرادها شعب مناضل شغف بالحرية والمواطنة وسط أمبراطوريات لم تكن تقيم وزنا لمثل هذه القيم الكبرى"، وقال: "ما كان الإجماع كاملا في البداية حول فكرة هذا الوطن، لكنه كان قائما وحقيقيا، والتاريخ يشهد أنه قد تعاظم وتكامل عبر مسار وحدوي عرفه لبنان طوال قرن مضى. وقد ثبت معه أن أزمة عبور الوطن اللبناني إلى مستوى دولة قائمة ذات سيادة لم تكن سوى أزمة نمو وارتقاء حقيقي على صعيد المنطقة بأسرها. كم تحدث البعض عن الكيان اللبناني واصفا إياه بالمصطنع، وكأنه كيان معزول عن أمة وعن محيط أوسع. لكن هذه الآراء أصابت تراجعا كبيرا بمقدار ما برز لبنان رسالة في العيش المشترك السوي وفي المواطنة الحقة ، في ظل دولة مدنية تؤدي الإجلال لله وتستلهم القيم الإيمانية التي تقدمها لها أديان شعبها. حتى أننا بتنا على يقين من أن لبنان هذا يستطيع أن يلعب دورا أساسيا في انتقال منطقته كلها إلى حال المواطنة التي تؤمن للجماعات فيها مصيرا مطمئنا بفعل المؤالفة فيما بينها، وبفضل اعتراف الدولة بعطاءات كل مكون من مكوناتها وإبراز هذه العطاءات إلى حيز الوجود".

أضاف: "هكذا تطور المسار اللبناني بتأرجحه بين انعزال واندماج حتى بلغ قمة التأليف بين هاتين الحركتين والمصالحة الهادفة بين الوحدة والتنوع، سياسيا وثقافيا فظهر في منطقته وفي العالم مواكبا لحركة التاريخ لا معاكسا لها ولا خارجا عنها".

وسأل: "هذا على مستوى كياننا الوطني. وهنا يطرح علينا السؤال التالي: هل أن الدولة التي أنشأناها والدستور الذي ارتضيناه والنظام الذي نحيا في ظله، تعرف كلها مسارا متقدما أم هي الآن عرضة لتداعيات خطيرة من شأنها أن تهدد الكيان نفسه بالضياع؟".

ولفت الى "ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الدولة والدستور والنظام لا يمكن أن تلغى من الوجود وأن تستبدل بغيرها، وكأن التجربة اللبنانية في هذا المجال لا قيمة لها أو هي خالية من الإيجابيات. فليس ضروريا قتل المريض ثم إحياؤه من جديد، بل يجب التدخل في أية عملية تجرى على هذا الجسم الوطني، على أساس إبقائه على قيد الحياة وتحسين أوضاعه بصورة تعيد إليه عافيته ونشاطه".

وقال: "لقد اكتشفنا مع الزمن أن ديمقراطيتنا يجب أن تكون على صورة شعبنا ومثاله، أي مبنية على التوافق في الأساس وعلى العقد الاجتماعي التام بين أطيافه بغية إنشاء وطن واحد وصوغ مصير واحد. قد نكون مررنا مع الزمن بحالات استئثار في الحكم تنقلت من يد إلى يد. وهذه ليست موضوع قبول لدى شعب ضنين بحريته مثلما هو ضنين بعيشه المشترك. لذلك يصبح ضروريا أن نلجأ إلى الحوار بصورة مستمرة، وذلك بغية تثبيت الكيان الوطني، والمبادرة إلى أي إصلاح يأخذ الميثاقية بعين الاعتبار ويعززها ليكون إصلاحا ناجحا. ومن غير المقبول في كل هذه المحاولات أن يشكك بعضنا ببعض أو أن نتبادل انتزاع الصفة الوطنية أحدنا من الآخر".

وردا على من ينتقدون النظام الطائفي في لبنان، أشار الى أنه "وسيلة لضمان المشاركة بين كل الجماعات في حكم بلدانها، ولتخطي الفروقات التي أقيمت بينها على مدى قرون من الزمن".

وختم: "كل هذه القضايا تحتاج إلى فكر معمق وإلى جو سلام نابع من قبول الآخر بغية تطوير الشرق بأسره وإعادته إلى العافية والإبداع".

الحسيني

والتأمت الجلسة الأولى تحت عنوان: "هل اصبح لبنان حقا في دائرة الخطر؟ التداعيات السياسية والدستورية" وترأسها الرئيس حسين الحسيني وشارك فيها رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان، رئيس مجلس الخدمة المدنية الوزير السابق الدكتور خالد قباني، عميد كلية الحقوق في جامعة الحكمة الدكتور مارون البستاني.

وقال الرئيس الحسيني: "علينا ان نحذر انفسنا اذ نتحدث عن انفسنا الفردية، او عن انفسنا الجماعية، فالنفس اللبنانية امارة بالمبالغة، لهذا الدافع او ذاك او لهذه الغاية او تلك. الدولة اللبنانية دولة من الدول، والدول جميعها كما نعلم، انما هو، في غابة، قد نسميها مجتمعا دوليا على سبيل التفاؤل. لكن هذه التسمية لا تقينا شرور الغابة، وان كانت معبرة عن الأمل ببعض الإشارات الانسانية، بل داعية الى السير في هذا الإتجاه المرغوب. والدول جميعها كما نعلم، تولد وتموت وبعضها قد ينتحر فلا خلود طبيعيا هنا، بل صراع من اجل البقاء، وهو بقاء لا سبيل اليه الا بالإرتقاء المتواصل الى ما شاء الله".

اضاف: "قد قلت ما قلت على سبيل التحفظ، واعود الى لبنانيتي الواقعية او المتوهمة، فأرى ان الأخطار التي رافقت طريقنا وما زالت، هي من الواقع لا التوهم. المشكلة هنا ليست في وجود اللأخطار وفي تعرفها، فقد عرفنا ما قد نجم عنها وما وزلنا فيه، المشكلة هي في سبب فهمنا لهذه الأخطار وفي توفير امكانات مواجهتها بالرشد الكافي وبالشجاعة المطلوبة".

وتابع:" لن اخوض في هذا المقام في فهمي الدستوري والسياسي لما نحن فيه ولما ينطوي عليه من الأخطار، بل من الكوارث الوطنية، فالوقت لا يتسع، كما انني لم اتوقف يوما عن ابداء الرأي، او توجيه التحذير في هذا المجال، ذلك الى حد الشعور، لا اقول باليأس بل بالضجر. سأكتفي هنا بالإشارة المقتضبة الى الأساس الوجودي لمشكلات اللبنانيين، وهو اساس لا بد من اظهاره، والا تغب عنا الأسباب في ما نواجهه من نتائج."

ورأى: "ان المشروع اللبناني عظيم لكنه مشروع لمن يريد، لا شيء قد تم انجازه لمن يهوى انه مشروع انساني عظيم. ولكن حيث العظمة تظهر الأخطار، وحيث الخطر يكمن الخلاص، والخلاص هنا في تحقق الصفة الإنسانية اي بالارتقاء المتواصل الى ما شاء الله.

قد يقال هنا، هذا شعور وهمي بالعظمة، هذا القول بالتوهم يكذبه وجود الأخطار نفسها، من الداخل ومن الخارج. وفي اي حال العظمة انما هي بالنسبة الى الغاية من المشروع الممكن وليس من استهانة بالغير في الواقع".

وختم: "لنقارن هذه الرؤية للمشروع اللبناني بصغارة الحياة السياسية اللبنانية، او بصغارة الفهم الطائفي لوجود لبنان واللبنانيين، او باستصغار بعض اللبنانيين انفسهم في علاقتهم بالغير او بطلب الإستقواء بهذا الغير. الا يكفي ذلك مدخلا للدخول في دائرة الخطر؟".

سليمان

وألقى الدكتور عصام سليمان محاضرة مسهبة بعنوان "الصيغة والنظام والدستور وامكانات الصمود"، اعتبر فيها ان "بنية المجتمع اللبناني مركبة ومعقدة، وتشكل الطائفة الدينية المكون الأكثر بروزا فيها"، وقال: "ان العصبيات لا تزال تتحكم في تصرفات وسلوك الغالبية العظمى من ابناء الطوائف، فالإنتماء الى الطائفة هو عصبية اكثر مما هو انتماء ديني ومذهبي".

ورأى ان "العيش المشترك وجد في لبنان تعبيرا عنه في الصيغة التي قامت عليها الدولة وقضت المشاركة الطوائفية في الدولة بتوزيع المراكز الأساسية بين الطوائف، وهذا التوزيع له ما يبرره". وقال: "لا يمكن قيام دولة جامعة لطوائف تتحكم فيها العصبيات من دون وضع ضوابط للصراع على السلطة في ما بينها".

ورأى ان "عقلنة الممارسة السياسية في اطار المؤسسات الدستورية تتطلب توضيح المفاهيم التي قام عليها النظام السياسي وهي العيش المشترك والوفاق الوطني والمشاركة الطوائفية في السلطة".

ودعا الى "توسيع صلاحيات المجلس الدستوري باعطائه صلاحية النظر بدستورية القوانين التي تتشكل على اساسها السلطة السياسية والإدارت المحلية، وتحديدا قانون الإنتخابات النيابية وقانون اللامركزية الأدارية".

قباني

وألقى الدكتور قباني مداخلة بعنوان "الديموقراطية في لبنان بين الواقع والممارسة" قال فيا: "في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديموقراطية، فالمواطن يجد نفسه تحت كم هائل من الضغوط الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والمناطقية والطائفية التي تسلبه القدرة على اتخاذ القرار الحر فكيف بممارسته؟ ويتجلى ذلك اكثر ما يتجلى عند الإنتخابات النيابية... ولم تكن الحياة الديموقراطية والسياسية والدستورية في لبنان من حيث الممارسة بدءا من اقرار الطائف وتحويل الصلاحيات التي تضمنها الى مواد في الدستور ترجمة صادقة لأحكام الدستور كما يقتضي ان تكون بل اتجهت الحياة السياسية والدستورية اتجاهات اخرجت الدستور عن مساره الطبيعي الصحيح، ونقضت احكامه وابتعدت عن كل ما يجعل الدولة دولة قانون ومؤسسات سواء في ما يتعلق بقانون الإنتخابات او بتشكيل الحكومة او في ما يخص المسألة الطائفية او حل مسألة الإنماء المتوازن والامركزية الادارية الموسعة او في مسألة المشاركة في الحكم".

وعرض لعدة اشكاليات منها: النظام الإنتخابي، تشكيل الحكومة، الغاء الطائفية السياسية، الإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية الموسعة والمشاركة في الحكم.

وختم بأن النظام السياسي والدستوري في لبنان يستعصي على الفهم والتصنيف، وقال: "الأشكالية هي ان ممارسة الحكم تتم من خارج الدستور- ولا احترام لقواعده ومبادئه، حيث النظام هو نظام توازن القوى الداخلية المتغيرة والمتبدلة التي تتحكم بها موازين القوى الإقليمية والدولية والتي تسيرها المصالح والتنازع على النفوذ".

البستاني

وألقى الدكتور البستاني مداخلة عن "ذهنية المواطنة بين الإنتماء والألتزام"، فعرف بالمواطنة وعدد العوائق التي تحول دون قيامها ومنها "الزبائنية التي تقوم على اصطفافات خلف الزعيم لنيل المكاسب".

وقال: "أصبح اللبناني يعتقد بأن حمايته لا تتوفر الا في كنف جماعته وطائفته التي تعيش على بقعة معينة من أرض الوطن... وأدى الفرز السكاني الى تقليص المناطق المختلطة والى تجميع الناس كل فئة في مناطق ذات لون طائفي طاغ. وبنتيجة هذا الواقع أصبح يطالعنا، من وقت لآخر، مشهد غريب. فعندما تستهدف منطقة بعمل ارهابي توزع الحلوى على الطرقات في المنطقة الأخرى. وعندما يشيع نبأ وفاة زعيم منطقة، تنطلق زغاريد الفرح في المنطقة الأخرى".

وختم: "عندما يفقد الناس الثقة بالمواطنة، لا يعود الوطن يعني لهم الشيء الكثير، ولا تعود تجذبهم اليه سوى الذكريات والتقاليد، فيطرقون اصقاع الأرض، يفتشون عن وطن بديل، وعن وثيقة سفر أخرى تعطيهم ضمانة، ولو وهمية، لا يجدونها في وطنهم الأصلي".

التاريخ: 
الجمعة, أبريل 4, 2014
ملخص: 
هل أن الدولة التي أنشأناها والدستور الذي ارتضيناه والنظام الذي نحيا في ظله، تعرف كلها مسارا متقدما أم هي الآن عرضة لتداعيات خطيرة من شأنها أن تهدد الكيان نفسه بالضياع؟".