أ.ألحان فرحات لموقع(أجيال قرن ال21):”إنّ الفدرالية اتحاد وليست تقسيما

النوع: 

 

أ.ألحان فرحات لموقع(أجيال قرن ال21):”إنّ الفدرالية اتحاد وليست تقسيم، حيث أنّ عملية تجزئة وتقسيم لبنان لا تحتاج إلى نظام معين كي تتم، بل إلى نوايا سيئة وتخوين وانعدام للثقة بين المكونات المجتمعية. فمكمن التقسيم في النفوس قبل النصوص؛ ولما لا تخبرنا الطغمة الحاكمة – منذ العام 1990 حتى يومنا هذا- أليس لبنان وطنًا مقسّمًا ضمنًا بين أمراء الحرب والأحزاب الطائفية المسيطرة بالرغم من وجود نظام مدني مركزي؟!”

يجري موقع أجيال ملف خاص حول ” إمكانية تحقيق الفدرالية في لبنان: أي تحديّات وفرص”!!

مقدمة:

قبل طرح الفدرالية “الجديد – القديم” كخلاص للبنان من آتون الفساد ومنطق اللّا- دولة السائد اليوم، بحسب رؤية الأستاذ الحان فرحات المتخصص في مسألة الفدرالية، كان لنا حوار مباشرمعه قبل المقابلة، حيث استطرد الأستاذ فرحات في بعض النقاط التي أوردناها في المقدمة، نوردها كما جاءت لأهميّتها،فقد استوجب علينا استحضار وتفسير بعض الحقبات والمراحل التاريخية وظروف لبنان منذ نشأته الى يومنا هذا  قبل الدخول في موضوع الفدرلة، وجاء استطراده كالتالي :

١–  تم الاستقلال بتوافق مع فرنسا في حينه.

–  الإتفاق مع الدولة الفرنسية كان مع المسيحيين بشكل خاص -خاصة الموارنة- بغض النظر عن موقف باقي الجماعات الطائفية، حيث كان معظم المسلمين  رافضين لقيامة  جمهورية لبنانية مستقلة عن سوريا.

٢–  لكن في منتصف الخمسينات تعاظم دور بريطانيا وحلف بغداد مما أدى إلى الانتفاضة ضد بشارة الخوري ومجيىء كميل شمعون (بغداد- بريطانيا).

– هذه المعلومة غير دقيقة، بحيث أن الرئيس كميل شمعون انتخب عام 1952 بعد ثورة بيضاء، أمّا حلف بغداد فقد تأسس عام 1955. حيث أنّ الإنتفاضة ضدّ بشارة الخوري كانت بوجه تمديد ولايته ومواجهة للدعم الفرنسي المباشر له بوجه منافسيه المحليين.

 ألحان وليد فرحات - كلمة خاصة مباشرة إبّان إنعقاد المؤتمر الدائم ...

٣– هزيمة بريطانيا في العدوان الثلاثي ضد مصر وصعود دور أمريكا، مما أدى إلى اندلاع ثورة ١٩٥٨ ومجيىء الجنرال شهاب (عبدالناصر- أمريكا) ١٩٥٩. والى ١٩٦٧ كان النفوذ المصري رقم ١ في تشكيل الوزارة.

–  لا ضرورة لدولنة الأحداث البنانية في كلّ تفصيل سياسي تاريخي. فالسبب الرئيسي لثورة 1958 كان تزوير الإنتخابات النيابية وإسقاط أهم رموز اليسار اللبناني وأهمهم كمال جنبلاط وصائب سلام. طبعا لا نتنكر لكون فؤاد شهاب وصل بموافقة جمال عبد الناصر عندما كان عبد الحميد السراج في سوريا وهو مؤسّس المكتب الثاني في سوريا الّذي مأسّس لقيامة لشقيقه المكتب اللبناني فيما بعد والّذي أحكم قبضته المخابراتية على لبنان في عهد الشهابية وحتى العام 1970.

٤–  حرب ١٩٦٧ أطاحت بالنفوذ الناصري وتقدم التحالف الثلاثي (شمعون- الجميل- اده) ولم يبق لعبد الناصر الا اتفاق القاهرة: المقاومة الفلسطينية.

–  كان الرئيس كميل شمعون قد رفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بتهمة تسليح عبد الناصر للفلسطينيين في لبنان، لكن المصريين ربحوا الدعوة بعد صدور تقرير مبعوثي مجلس الأمن بعدم صحة الشكوك تجاههم وكان أنذاك السيد سامي شرف مبعوث جمال عبد الناصر إلى الأمم المتحدة الّذي لعب فيما بعد دور مهم وأساسي في السياسة الداخلية للبنان منذ العام 1958/1959.

٥–  حرب ١٩٧٣ عززت قوة مصر – سورية. واضعفت معادلة ١٩٦٧نسبيا . وهذا ما هيأ للحرب الاهلية ١٩٧٥ حيث عكست ميزان قوى عربي -غربي سوفياتي- صهيوني. مما أدّى أدى إلى انقسام لبنان وما عرفه من تقلبات حتى١٩٨٢ ثم من تقلبات حتى اتفاق الطائف.

–  الحرب الأهلية اللبنانية لها أسبب عدّة أهمها غياب الثقة بين المكونات اللبنانية، والموقف المتباين تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، كما الغبن والإجحاف بحق المسلمين في السلطة وخوف المسيحيين على وجودهم من خلال تمييع لبنان وإنصهاره بالأمة العربية الإسلامية.

٦–  ميزان قوى جديد عربي إقليمي دولي من١٩٩١ وما بعد أدى إلى ما شهده لبنان من تغيرات في موازين قواه الداخلية.

– ميزان القوى العالمي والإقليمي لمّا يستجد في لبنان منذ العام 1991، بل إنّ السبب الرئيسي يكمن في هشاشة النظام السياسي كما الوصاية السورية وقضم حقوق المسيحيين، فتغييب زعمائهم بالنفي والحبس إضافةً إلى تعاظم القوّة العسكرية للمقاومة الإسلامية الشيعية، إبّان الإحتلال الصهيوين لجنوب لبنان، الأمر الّذي جعل من لبنان ساحة للتجاذبات الدولية والإقليمية، جرّاء الموقع الإستراتيجي للبنان على البحر الأببيض المتوسط كنافذة لعالم الشرق نحو عالم الغرب. أخيرا، لن ننسى فساد السلطة السياسية المتعاقبة والتي دفعت لبنان إلى قعر الهاوية التي نعيش فيها كلبنانيين منتظرين النزع الأخير.

بدايةً وقبل كل شيئ ، هل لبنان بالأساس غلطة تناسلية ام فعلًا اصبح كيان محدد وواضح الحدود والصيغة؟

 ما دام هذا الكون مخلوق، فكلّ شيئ فيه مدبّر من قبل الخالق سبحانه وتعالى. بما معناه لا شيء في الخَلق قد يكون بعد أن كان… “غلطة”؛ لأنّ الخالق حاشى وكلّا أن يخطئ في خلقه، أكان ذلك في جماد أو نبات أو حيوانات عاقلة (البشر) وغير عاقلة.

أمّا الّذي يخطئ فهو الإنسان؛ فإن كان لبنان “غلطة” فذاك عن سابق إصرار وتصميم من قبل البشر. فلبنان في ظُلّ السلطنة العثمانية كان أرض تابعة للخلافة يأهلها إسلام وغيرهم من أبناء الديانات المتعددة الأخرى. ومع المعنيين والتنّوخيين ولِد ما يسمّى “لبنان الكيان” (إمارة جبل لبنان)، وكان حكما أقرب إلى الكونفدرالية أنذاك. ومن هنا كانت إنطلاقة كيانية لبنان السياسي المعاصر. لبنان الكيان الّذي أراد حكامه أنذاك – وأبرزهم فخر الدين المعني الثاني الكبير- الإستقلال عن السلطنة العثمانية، وهم من الأمراء المسلمين الموحّدين (بني معروف) خلافًا لإرادة المسلمين الآخرين وأبرزهم من الطائفة السنية، الّذين كانوا يتبعون طواعية للسلطنة المستعمرة أرضنا أنذاك معتبرين أنّ الخلافة الإسلامية موجودة لدى السلطان العثماني.

وتوالت الأحداث، وسالت الدماء بين اللّبنانيين – مسيحيين وموحِّدين – في بادئ الأمر وكانت الأسباب كثيرة؛ فأنشأ نظام القائمقاميتين حقنًا للدماء سنة 1840، ومن ثمّ تلاه ذلك مأسّسة لبنان الكيان وفق نظام المتصرفية سنة 1860 – وهو ما يشبه الفدرالية – وظلّ الوضع هكذا حتى سقوط الدولة العثمانية ونشوء دولة لبنان الكبير بسعيٍ حثيث من مسيحيي لبنان وعلى رأسهم الموارنة طبعا، بعد إتفاقات دوليّة كانت تخدم القوى الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية، قبل أن تخدم الشعوب اللبنانيّة الساعية إلى وطن سيد حرّ مستقل.

وقد أوردنا هذا السرد التاريخي البسيط، لنؤكد أنّ لبنان ليس غلطة، وإنّما عبارة عن غاية منشودة لكلّ “فئة طائفية” تعيش في كنف هذا الكيان الصغير الكبير، ذي الموقع الإستراتيجي المهم على ضفاف المتوسط في الشرق، بحيث كانت تسعى كُلّ فئة أو جماعة دينيّة للوصول إلى السلطة والحكم بما يتلائم وجودها كهويّة مجتمعيّة لها خصوصيّتها، كما هواجس وطموحات تعني أبنائها قبل أفراد الجماعات الأخرى.

وبعد أن أصبح لبنان جمهورية “ديمقراطية” معترف بها دوليا، لها “شبه” حدود رسمية، ودستور مبتور، وصيغة حكم هجينة.. سلّمت كافة الشعوب التي تأهله بكيانيته، بعد أن كان لبنان في عين البعض من جماعات المسلمين ولاية أو محافظة من سوريا الكبرى. بالتالي، لا يمكن لأي قوى بعد اليوم أن تعود بالزمن إلى الوراء أو أن تلغي كيانية لبنان الجمهوريّة ذات الهويّة الدولية.

لبنان ليس غلطة… بل رسالة إنسية وجودية لكافة “الشعوب اللبنانية” التي تأهله وتحمل جنسيته، وهنا نكرر عبارة الشعوب اللبنانية لا الشعب اللبناني، بحيث أنّ لبنان مكوّن من مجموعة شعوب تأهل أرضه تعود بجذورها في عمق التاريخ إلى ما قبل كيانيته، ومن واجب هذه الشعوب التعايش بسلام وإستقرار وإحترام الآخر كما التخلّي عن كذبة العصر المسمّاة بـ “العيش المشترك”.

س1: ما هو تعريف الفدرالية وأيّ فدرالية تصلح للكيان اللبناني؟

-يمكن لأي باحث أو مطالع شرط أن يكون قارئًا بعين الحقيقة في معاجم اللّغة من أن يتبيّن وبسهولة أنّ الفدرالية بمعناها اللغوي المعجمي والتفسيري تعني الإتحاد و الإتفاق… ويا لجمال وروعة هذا الطرح السياسي الّذي يمكنه جمع التناقضات في بوتقة إتحاديّة سياسيّة نموذجية تضمن تطبيق العدالة قبل المساواة. وشتّان بين الإثنتين.

وقبل الشروع في تفسير الفدرالية وماهيتها وكيف تصلح للبنان. علينا أولا أن نشير إلى نقطة مهمّة جدًا. من خلال دراستنا لإختصاص العلوم السياسية وأبحاثنا المتواضعة التي قمنا بها، والتي أفضت عن تقديم دراسة بحثية للتخرّج نلنا عليها – ولله الحمد – درجة الإمتياز والمرتبة الأولى بين باقي الطلاب في جامعة الجنان كلية العلوم السياسية – فرع صيدا، وذلك  للعام الدراسي 2018/2019. يمكننا القول بأنّ مقاربة الطرح الفدرالية من قبل أغلبية الشعوب اللّبنانية هي مقاربة غير صحيحة وغير صائبة.

فمن واجب الجميع أن يعلموا بأنّ الفدرالية تقارَبُ وفق بُعدين داخل الدول القائمة. الأول على مستوى الشكل. والثاني على مستوى النظام السياسي. فلا يمكن القول بالنظام الفدرالي إن لم يتفق الشعب على شكل الدولة الفدرالي أولا. والشكل يعتمد على “تشريح” الهويات المجتمعية للشعوب اللبنانية وإحصائها إحصاءً دقيقًا كما تحديد مواقع سكنهم وكيف يأهلون أرض لبنان ليصار بعدها إلى الدخول في حوار بنّاء جامع حول ماهيّة النظام. (ملاحظة: الإحصاء الرسمي الأول والأخير والوحيد في لبنان كان في ثلاثينيات القرن الماضي في لبنان).

نحن في لبنان وفي هذه المرحلة بالذّات، لم نتخطَ بعد –كشعوب لبنانية- مرحلة الفَهم والإدراك لماهيّة الفدرالية، حتى ندخل في نقاش الشكل والنظام السياسي فيما بعد. لهذا نعتبر من مسؤولية اللّبنانين أن يبحثوا أكثر ويستنبطوا أسرع معنى وجوهر الطرح الفدرالي، حتى يصار بعد ذلك إلى تحديد شكل الدولة، وفي المرحلة الأخيرة يكون البحث في النظام السياسي العادل الأكثر ملاءمة للوطن.

وفي حال أردنا تقديم إجابة مقتضبة نهائية وصريحة، بعد الإقرار بأنّ وطننا مكوّن من مجموعة شعوب مفروض عليها التعايش بسلام فيما بينها، بعيدا عن تبعية جماعة لأخرى الأمر الّذي يحتّم رفع الغبن عن الأقليات، وتكريس مبدأ فصل السلطات والمداورة وتأمين العدالة الإجتماعية قبل العدالة السياسية، والإقرار بالطائفية كنعمة وليس نقمة والتخلّي عن كذبة العيش المشترك المقيتة كما هرطقة إلغاء الطائفية السياسية، لا شكّ عندها في أنّ الفدرالية الأكثر ملاءمة للبنان ستكون فدرالية الطوائف، والتي لن تقوم إلا وفق نظام إتحادي سياسي تعددي على أساس الحياد التام للبنان عن الصراعات الدولية والإقليمية، والعيش بمحبة ووئام بين كافة الطوائف التي تحمل الجنسية اللبنانية.

س2: هناك نماذج فدرالية مثل المانيا وسويسرا وبلجيكا والامارات… سؤالي ما أهميّة الفدرالية في تلك الدول التي تختلف في خصوصيتها وشؤونها ولغتها وقومياتها عن لبنان؟

-يخطئ اللبنانيون لو فكّروا في عملية “إسقاط” نموذجٍ فدراليٍّ دولي على لبنان، أكان من ناحية الشكل أم من ناحية النظام.. ذا لأنّ لوطن الأرز خصوصيّة كيانيّة في الشرق الأوسط، ولا يشبه أيّ دولة أو كيان في كافة أقطار الأرض.

…. في الجغرافيا: لا يمكن التغاضي عن مجاورة لبنان للكيان الصهيوني الغاصب، كما سوريا البعث، ولا يمكن التنكّر لموقعه الإستراتيجي كنافذة للشرق على الغرب من بوابة البحر الأبيض المتوسط الأمر الّذي يشكّل مطمعًا لبعض الدول الإقليمية والدولية.

…. في التاريخ: لا يمكن التنكّر لمسألة التعدّدية الطوائفية للمكونات اللبنانية وهوياتها الوجودية المتباينة، فمنها مكونّات عربية، وأخرى ترفض أن تنسب للعرب فتتبنّى شعار المشرقية، ومنها من ينسب نفسه للفرانكوفونية، أو يفاخر بإنتمائه للشعوب السامية وغير ذلك من التصنيفات المتراكمة عبر التاريخ والتي أنشأت حضارات بشرية مختلفة إجتمعت جماعاتها في نهاية المطاف داخل وطن هجين إسمه لبنان.

…. في الإقتصاد: لبنان بلد مَدين، غير منتج، غارقًا في الفساد، وأسباب إقتصادية كثيرة تجعل من لبنان وطن لا يشبه أي بلد آخر.

…. في الإجتماع: عوامل عدّة موجودة داخل المجتمعات اللبنانية تؤكد على استحالة إنصهار الشعوب اللبنانية، ذلك لوجود إنقسامات عامودية عقائدية، ايديولوجية، طبقية، فكريّة وغيرها تحول جميعها دون تكوين مجتمع واحد منصهر.

كُلّ هذه الأسباب وغيرها تحول دون مواءمة أي شكل أو نظام فدرالي غربي أو حتى عربي مع لبنان، وهنا يتحتّم على النخب السياسية اللبنانية (أشدد على عبارة “النخب السياسية” وذلك لكثرة الرويبضات الّذين يعملون في مجال الشأن العام) الشروع في حياكة نظام اتحادي تعددي نموذجي عادل يتلاءم مع قيام دولة فدرالية لبنانية عصرية عادلة سيدة ومستقلة.

أمّا أهمية وجود الفدرالية في تلك الدول، تكمن في مجال الإستقراء، والتحليل واستخلاص النتائج والحلول التي قد تدفع بالنخب السياسية اللبنانية إلى طرح الشكل الأفضل والنظام الأعدل على مستوى لبنان. فتلك الدول لا ولن تنفع اللبنانيين سوى بكونها نماذج تستحق الدرس والبحث وأخذ العبر. أمّا الحلّ الوطني فنشدّد على أنّه لا ولن يكون سوى صناعة محليّة بموافقة كافة الجماعات والطوائف اللبنانية.

س3: لماذا في لبنان هناك قلق وجودي من تحقيق الفدرلة؛ أولا لاعتبارات ان الدين أهم من الجغرافيا (وقد شهد لبنان هذه النوازع أيام الفتح العربي) وثانيًا، لأنّ المسيحي يرى امتداده في الغرب المسيحي، والاسلام في الشرق العربي – الإسلامي. برأيكم كيف تعالج الفدرلة هذه الإشكالية المسيحية – الإسلامية في صراع الهوية والانتماء؟

-قلنا سابقا ونكرر، أنّه هناك نوعان من الناس فقط يرفضان الفدرالية:

…. النوع الأول: يرفضها لجهلٍ في ماهيّتها، وذا ليس بعيب فيه , عار يلحق به، فمعرفة الفدرالية ليست فرضًا عليه، لكنّ يسهل التفاهم والتواصل مع هذا النوع من الشعوب اللبنانية الرافضة لطرح الفدرالية على قاعدة “الإنسان عدو ما يجهل”، فربما لو تبيّنوا حقيقة الطرح وجماليّة ماهيته، لقبلوها وساروا فيها لا بل ربما كانوا سبّاقين إلى تطبيقها.. بالتالي، لا يمكن تصنيف هذا النوع في خانة الشعب القلِق على وجوده.

…. النوع الثاني: وهو النوع الأخطر. لأنّه يرفضها لغاية في نفس يعقوب!! يرفضها لأنّها تشكّل خطرًا على مصالحه الضيقة ونفوذه في الدولة، كما قد تكون سببا في محاسبته أمام القضاء. ربما يرفضها لأنّه يخشى على تاريخ معين ضاع بين قصاصات التاريخ المهترئة. يرفضها خوفا من المجهول. يرفضها لأنه ما تعود على التجديد والتغيير على قاعدة “شرٌّ نعرفه، أهون من شرٍّ سنتعرف عليه”. هذا النوع من الشعوب اللبنانية أخطر من الأعداء على الوطن، لأنّهم يرفضون التصحيح والتجديد خوفا على وجودهم الزمني متناسين مصلحة الوطن بشكل عام.

وفيما خصّ الإعتبارات… فبرأينا أخطأ ويخطئ مَن يُفصِل الدّين عن الجغرافيا… فلا يجب أن ننسى أنّ لبنان ابن هذا الشرق وهو أرض الرسل والأنبياء والمقدّسات. كما أنّ الأديان عبارة عن حضارة، والحضارة تضرب بعمق التاريخ وجودها، ووجود الحضارة ممأسَسٌ على الجغرافيا. فلا يمكن فصلهما البتّة. من هنا نتأكد أيضًا بأحقيّة وصوابية الطرح الفدرالي لأنّه طرح يؤاخي بين الدّين والجغرافيا، الأمر الذي سيعود على الشعوب اللبنانية بشعور الراحة والإطمئنان والإنتماء كما سيلامس وجدانهم وجوهر وجودهم.

وفي مسألة الإمتداد المسيحي والإسلامي، وكما أوضحنا سابقا، أننا قد وصلنا إلى مرحلة الإقرار بكيانية لبنان الحالي، أي الجمهورية اللبنانية القائمة اليوم ذات الهوية الدولية صاحبة ال 10452 كلم2، بالتالي يستحيل العودة إلى الوراء؛ من هنا واجب الشعوب اللبنانية أن تتبنى مبدأ الحياد الإقليمي والدولي، والإلتفات فقط إلى صون البيت الداخلي، والترفع عن التخوين، وإزكاء الثقة فيما بينها، خذوا مثالَ البيت والعاصفة. فإذا كانت العائلة تسكن في منزل كثير الأبواب والنوافذ فهبّت عاصفة هوجاء، فما تصنع تلك الرياح يا ترى داخل البيت، في حال أبقيت الأبواب والنوافذ مفتوحة عن قصد أو بغير قصد؟! لا شكّ سيحلّ الدمار والخراب. ولكن، ماذا لو اتفقت العائلة بالإجماع على وجوب إقفال الأبواب والنوافذ تفاديا للنتائج المأساوية، فلا غروَ سيصان المنزل من داخله مهما عصفت الرياح فيه أو خرّبت أطرافه وضواحيه. فلبنان المسيحي الإسلامي الّذي وصفه البابا يوحنا بولس الثاني يوما بالوطن الرسالة، يجسّد فكرة تلك العائلة التي تعيش في منزل واحد والتي يفترض عليها أن تصون بيتها الداخلي وتحيّده عن الرياح الهوج التي قد تعصف به.

س4: البعض يجد في الفدرالية مشروعا لتقسيم والكانتونات الطائفية المتناحرة حيث أن الدولة لم تجد حلاً على المستوى الفساد واحترام حقوق الطوائف، فكيف ستحقق الفدرالية خصوصية كل طائفة ضمن كل  امارة او محافظة او بلدية؟

-في حال كانت الشعوب اللبنانية المعادية للفدرالية -دون وجه حقّ أو لإفتقارها للحجّة العقلية المنطقية- تنفر أو تنبذ تسمية الكونتونات، فلا ضير في استخدام تعبير المحافظات والأقضية. فالتسمية ليست مشكلة أمام آليات التطبيق والغاية المرجوة من هذا الطرح.

وكما قلنا آنفا، إنّ الفدرالية اتحاد وليست تقسيما، حيث أنّ عملية تجزئة وتقسيم لبنان لا تحتاج إلى نظام معين كي تتم، بل إلى نوايا سيئة وتخوين وانعدام للثقة بين المكونات المجتمعية. فمكمن التقسيم في النفوس قبل النصوص؛ ولما لا تخبرنا الطغمة الحاكمة – منذ العام 1990 حتى يومنا هذا- أليس لبنان وطنًا مقسّمًا ضمنًا بين أمراء الحرب والأحزاب الطائفية المسيطرة بالرغم من وجود نظام مدني مركزي؟! أوليس لبنان وطنًا مقسمًا طائفيًا حسب أهواء الزعماء؟! فنحن نختبر ونعيش التقسيم المقنّع دون الفدرالية، وهذه الأخيرة لم تطرح إلّا لتوحّد الوطن لا لتجزئته، وذلك من خلال قوننة الواقع الطائفي ضمن نظام سياسي اتّحادي عادل، بعيدا عن التكاذب والنفاق والرياء، لتكرّس منطق الكفاءة بين أفراد الطائفة الواحدة وتطبق العدالة الإجتماعية بين كافة الأطراف، وترفع التبعية والغبن والذمية عن الشعوب اللبنانية المغلوبة والتي بمعظمها تصنف من الأقليات.

بالتالي، إنّ خصوصية الطوائف ستتحقق من خلال النظام السياسي الفدرالي المطروح وعلى أساس طائفي، حيث تفرُز كلّ جماعة نخُبًا فلا حصرية ولا تبعية بل سيادة وحرية واستقلالية والأهم من كلّ ذلك تحقيق عدالة إجتماعية تسبق تحقيق العدالة السياسية. فنتفادى هرطقة الديمقراطية التوافقية الكاذبة، ونذهب إلى ديمقراطية اتحادية طائفية واقعية حقيقية عادلة تساوي بين كافة الشعوب اللبنانية في الحقوق والواجبات.

س5: لا شكّ أن سلاح حزب الله هو من أعقد المساءل في السياسة الخارجية والدفاعية للبنان؟! سؤالي كيف ستحل الفدرلة اشكالية سلاح حزب الله  وضمان أمن واستقرار لبنان أولًا من التدخلات الخارجية وحماية الأقليات التي ستكون ضمن حكم الأكثرية؟

-مسألة سلاح حزب المقاومة الإسلامية الشيعية في لبنان، ليست مسألة خارجية أكثر ما هي مشكلة داخلية. فالخارج لم ولن يجد طريقًا للداخل اللّبناني متى أرادت الشعوب اللبنانية ذلك، واتفقت على الإتحاد والعيش بسلام وكرامة وفق منطق العدالة والمساواة. وفي هذا السؤال نقاط مهمّة يجب توضيحها.

يجب أن نفرّق بين حزب المقاومة من جهّة وبيئته الحاضنة من جهة أخرى -من مناصرين ومحازبين- لأنّ مقاربة مسألة الحزب كمؤسّسة عسكرية وسياسية هي مغايرة للمقاربة التي نتناول فيها شعبه وبيئته. فعلى الصعيد الشخصي مثلا – وأنا لست شيعيا ولن أكون- لي إخوة وأخوات لا بل دكاترة فاضلين لا يمكنني أبدًا أن أفيهم حقهم عليّ وهم من المؤيدين وربما المنتمين لحزب المقاومة. بالتالي، لا ولن يأتي يوم قد أظلم فيه شعب المقاومة الإسلامية الشيعية أو أن أهاجمهم (لا سمح الله)، لأنّهم إخوة لنا في هذا الوطن، وقدرنا أن نتعايش معهم ويتعايشوا معنا، خاصة أنّ التاريخ قد أثبت بأنّه لم ولن يستطيع فريق من الأفرقاء أن يلغي آخر على مساحة أرض لبنان. أمّا الحزب كمؤسّسة فننتقد أداءه السياسي على هفواته وأخطائه (ومنها حرب أيار الداخلية) التي قلنا فيها يومها :”قد نسامح ولكن لن ننسى، وسنكتب ما حصل لأولادنا وأحفادنا كي يعتبروا ويحرصوا”. فالمواجهة بالسياسة مشروعة، لكن لا ولن يأتي يوم علينا قد يدفعنا للتآمر على إخواننا مع العدو أو أيّ طرف خارجي كان. فالغدر ليس من سماتنا أبدا ولا يجب أن يكون من سمات أيّ مكوّن من المكونات اللّبنانيّة. هنا، من المفروض أن نؤكد بأنّ العدو الصهيوني هو كيان غاصب، ومن الواجب مواجهته بكافة الطرق الدبلوماسية وحتى العسكرية في حال اقتضى الأمر، شرط أن يكون قرار المواجهة يعكس إجماعًا وطنيًا، فيتحملّ اللّبنانيين كافة وزر المواجهة كوطن واحد موحّد. ومن هنا تبرز أهمية الفدرالية.

ووفق ما ذكرناه، وبما أنّ حزب المقاومة هو حزب اسلامي شيعي، بغض النظر عن سرايا المقاومة التي نراها ورقة سياسية داخلية لا أكثر ولا أقل، ولا شكّ سيأتي اليوم الّذي يدرك فيه الحزب أنّه لا مناص من التواضع والتفاهم مع كافة المكوّنات اللبنانية داخليا، خاصة في حال تدهورت أوضاع البلد الإقتصادية والتي قد تقود إلى نزاعات داخلية لا تحمد عقباها؛ ففي حال تكتلت كافة الطوائف حول مشروع الفدرالية لن يتبقى للحزب سوى مقاربة الحلّ الوطني الّذي يجمع عليه أغلب الأفرقاء اللبنانيين (في حال أجمعوا الأغلبية على الفدرالية)، هذا دون أن ننسى الأوضاع الإقليمية وصعوبتها ومستقبل الدول الإقليمية التي لا يعرف مستقبلها. فالحزب مؤسسة سياسية وعسكرية شيعية بمستوى دويلة ضمن الدولة اللبنانية، وهذا واقع معروف لا يحتاج لتحليل أو تكهن وتفسير.. وعليه، تولّد لدى باقي الطوائف تخوّف من دور الحزب داخليا، وفقدوا عامل الثقة معه نتيجة أحداث وتجارب داخلية دامية كثيرة.

وبما أنّ بيئة الحزب تعاني اقتصاديا واجتماعيا كباقي المكوّنات اللبنانية، فلا مناص للحزب سوى البحث عن حلول داخلية تريحه على مستوى قاعدته على الأقل إن لم نقل على المستوى الإقليمي والدولي. الفدرالية تريح الحزب في بيئته، وتسهّل عليه إدارة شؤونه الداخلية فتسهيل وتنظيم الحياة في المحافظات التي يتواجد فيها، كما تبعد عنه سهام التخوين من الشعوب اللبنانية الباقية، كذلك تخفف عنه الضغط الدولي في حال ساهم في قيامة دولة لبنان الاتحادية، عندها سيسهل إيجاد استراتيجية دفاعية وطنية تدخله ضمن إطار دولة المؤسسات التي تجمع الجميع تحت سقف دستورها الإتحادي.

أمّا كل ما تبقى من كلام لنزع سلاح الحزب، أكان بالضغوط الدولية أو بالتفكر في نزاعات داخلية، لا يعدو كونه مجرّد هرطقات و مناكفات وخطابات “شدّ عصب” لا تفيد بل تضر الوطن. إنّ حزب المقاومة الإسلامية قوي بناسه وليس بسلاحه. ونحن لن نخاطر بخسارة أهلنا الشيعة أو معاداتهم بل نريد التقارب معهم لنبني وطنا اتحاديا نعيش فيه معهم بسلام واستقرار كإخوة لبنانيين نتكامل معهم ونتعايش معهم بسلام. وإذا ما أردنا مواجهة العدو فلنواجهه بقرار وطني جامع.

س6: وفق أي صيغة سيتم تنفيذ الفدرالية في لبنان وعلى أي قاعدة او اعتبارات؟

-عندما نقرأ مفهوم صيغة لا يمكننا ربطه بمنطق قيام الدولة من زاوية. لماذا؟ لأنّ الصيغة اللّبنانية عبارة عن اتفاق معنوي قائم على قاعدة طائفية “مبتورة” غير علمية، أوصلت البلاد إلى ما هي عليه. فلماذا نتحدث بالصيغة ولماذا نحتاجها ما دمنا نطرح فكرة نظام سياسي اتحادي عادل؟! فيما مضى كان قد أوجد السياسيون ما يسمّى بالصيغة 1943، كذلك إتفاق الطائف 1990 يمكن اعتباره صيغة سياسية هجينة، ذلك لأنّ الدستور اللبناني لمّا يقدّم الغاية المرجوة منه في بسط العدالة بين كافة المكوّنات اللّبنانية. أمّا مع الفدرالية فلا حاجة لنا لصيغة أو اتفاقات على حساب الدستور. لماذا؟! لأنّ الفدرالية:

تضمن وجود دستور مركزي اتحادي يبسط العدالة بين كافة الطوائف اللبنانية بغض النظر عن أعداد أفراد تلك الطوائف.

تقونن الواقع الطائفي بطريقة عادلة وعلمية منطقية يطمئن لها الجميع.

ترفع الغبن والذمية عن الأقليات والجماعات أو المكوّنات المستضعفة في البلاد.

تصون قضايا الدفاع والخارجية والمالية وفق دستور مركزي شامل يحتضن إجماعًا وطنيًّا.

تساهم في تطبيق مبدأ فصل السلطات بشكل حقيقي. على سبيل المثال: إنتخاب السلطة القضائية من الشعب من خلال مندوبين قانونيين منتخبين في المحافظات مباشرة من المواطنين وعلى مستوى العاصمة المركزية أيضًا.

إنشاء سلطتين تشريعيتين مركزيتين (مجلس شيوخ ومجلس نواب)، كما إيجاد مجالس تشريعية في المحافظات تراعي التوزيع الديمغرافي الطائفي ضمن المحافظات.

إلغاء مجلس الوزراء وإنشاء مجلس رئاسي تعاونه إدارة تنفيذيّة تتبدل مع تبديل المجلس بعد دورة كاملة غير قابلة للتمديد، بحيث تتمثّل كلّ المكونّات في المجلس الرئاسي وذلك وفق القيد الطائفي كيلا يشعر أي شعب من الشعوب اللبنانية بالغبن والإجحاف أو عدم الإنتماء للدولة.

هذه بعض النقاط الرئيسية التي تؤسّس لقيامة دولة لبنان الإتحادية العادلة، طبعا في حال توفرت النوايا السليمة بين كافة الشعوب اللبنانية.

س7: البعض يجد مشروع الفدرالية في لبنان ضرب من الجنون لانه عليه ان يكون مسبوقا باصلاحات اولية مثل الغاء الطائفية السياسية او بالأحرى الطائفية. برأيكم هل الفدرالية ستعيد تكريس نزعة واشكالية الطائفية والخوف على حقوق الطوائف تفاديا لتكرار تجربة شكيب ارسلان التي انتهت بمعارك بين الدروز والموارنة 1958 أو الاستعانة باسرائيل لحمايتها كما حدث  في الحرب الفلسطينية-اللبنانية او شمال العراق وجنوب السودان،  كيف تعلق؟

-نبدأ بالإجابة على هذا السؤال من نهايته، بحيث لا نقبل ولا نؤيد كما نشجب أي تعامل مع كيان العدو لأي سبب كان. الكيان الصهيوني عدوّ لبنان والأمّة، مغتصب للحقوق وقد انتهك ولا زال ينتهك حرمة الأرض والدولة في لبنان، وهذا تاريخٌ واضح وضوح الشمس لا يقبل الشك البتّة.

الفدرالية لن تعيد نزعة واشكالية الطائفية في لبنان، بل ستقوننها وتشرعنها في نظام سياسي عادل، وتصنع وطنا بشكل فدرالي اتحادي يلائم تعددية هوياته المجتمعية. أمّا الّذي يرى في الفدرالية ضرب من الجنون، فلا يتبقَ لنا سوى أن نسأله أن يأتينا بطرح أسلم وأفضل من طرحنا، معللًا طرحه بالحجج والبراهين العقلية الواقعية لا الرومانسية الخيالية، وإلّا… كفى مزايدات ومهاترات، لأنّ الشعوب اللبنانية تقبع في قعر الهاوية وقد شارف الجميع في الوطن على النزع الأخير.

للمرّة المليون نكرّر، استحالة إلغاء الطائفية السياسية، فتلك هرطقة سياسية بكل ما للكلمة من معنى. فلمن لا يعلم أو لا يفقه في علم السياسة أبسط قواعده، سنشرح له أمرًا بسيطًا: الطائفية هي توصيف لحالة شعب معين له خصوصية دينية معينة (على سبيل المثال رجل يمارس الرياضة نقول له أنت رياضي، بحيث لا يمكن خلع الصفة عن الموصوف). الطائفة تعني بوتقة من الناس يتفقون أو يجتمعون على عقيدة معينة خاصة وثقافة خاصة بهم تحاكي حضارتهم الخاصة التي شكلت هويتهم المجتمعية عبر التاريخ. أمّا السياسة وبتفسير بسيط أيضا، هي النظم والقوانين التي تعنى في إدارة شؤون المجتمعات البشرية والتي تعكس أصلا إرادة الشعوب وفق قاعدة أساسية مفادُها:” الشعب مصدر السلطات”. بالتالي، وكخلاصة واضحة (لأنّ ما نقوله ليس بعلم متدينة طائفية، وبين السياسة)، والأهم أنهم هم عينهم المواطنين المتدينين سيكونون مصدر السلطات التي ستطبق السياسات.

أمّا إذا توفرت في أيدي أحد اللبانيين أو احدى الجماعات في لبنان عصاء سحرية قادرة على محو ما في عقول ونفوس المواطنين من عقائد وثوابت وأسس تعكس جوهر هوياتهم المجتمعية المتعددة، فتعيدهم جميعا إلى حقبة آدم وحوى ربما.. عندها فقط وبوجود مثل ذاك السحر، لا بدّ أن نقرّ ونعترف بأنّ الفدرالية ضرب من الجنون.. لكن في حال لم تتوفر تلك العصاء السحرية، ولا يزال ذاك “البعض” يرفض الفدرالية وخاصة أنّه لا يملك أيّ حلّ أو طرح سياسي بديل… فليسمح لنا بالقول أنّ وجوده هو وأمثاله في السياسة اللبنانية ضرب من الجنون.

س8: لقد شهد لبنان أربعة انظمة حكم اي، نظام الامارة، والقائمقاميتين، والانتداب والاستقلال. بماذا تميّز كلّ نظام؟ وما هي ثغراته؟ ونقاط ضعفة وقوته؟ وأين كان الخلاف الاسلامي-المسيحي في كل من الصيغ؟ وما هي هواجس كل ظائفة من كل هذه التراكمات التي اوصلت لبنان الى هذا الإنحلال ودمار وتفتيت الكيان اللبناني؟

-إنّ ما ذكر في السؤال، لا يجب قراءته كأنظمة للبنان بل أشكال حكم فيه.. لماذا؟ على سبيل المثال، لأنّ الإمارة كانت تتبع هيكليا للسلطنة العثمانية وهذا نوع من الكونفدرالية، ولا يمكن أن نناقش النظام لأنّه كان مرتبطا بشخص الأمير نفسه وتبعيته للسلطة العثمانية المركزية مع هامش حرية في القرارات داخل الإمارة فقط. وسنوضح الإجابة أكثر.

… الإمارة: كان شكل الحكم كونفدرالي. من ميّزاته أنّه أسّس لكيانية لبنان كوطن له مساحة جغرافية معينة وهوية دولية خاصة عند الإنفتاح على الغرب (إيطاليا بالتحديد مع أمير توسكانة)، في تلك المرحلة لم يكن هناك أي مشاكل بين الطوائف لأنّ “أغلب” شعوب الإمارة كان عدوّهم واحد (السلطنة العثمانية) وكانوا مجتمعا زراعيا وحرفيا ولا سياسات خارجية أو طموحات دولية تدفع بهم للإقتتال الداخلي.

… القائمقاميتين والمتصرفية: هنا تحول شكل الدولة من كونفدرالي إلى فدرالية مركبّة “غير مكتملة”، ذلك لغياب السيادة المحلية، حيث أوجد الأمير بشير الشهابي الثاني -بمباركة من العثمانيين- هذا الشكل من الحكم (أو الإدارة داخل الحكم إذا صحّ التعبير) بغية إيقاف الإقتتال الداخلي والحرب الطائفية المستعرة عندما شعر الموارنة بغبن الموحّدين عليهم، في حين شعر المسلمون الموحّدون أن الحكم من حقهم وحدهم نتيجة مبادرتهم ومواجهتهم وتضحياتهم الجمّة التي قدموها في مواجهة السلطنة العثمانية، طبعا لن نتناسى دور العثمانيين في إزكاء الفتنة على قاعدة فرق تسد. ولأنّ الحرب ليست حلّ والإقتتال الداخلي لا يفضي إلى نتيجة مرضية، عمد الأمير إلى إيجاد حلّ القائمقاميتين الذي فرض السلام في مكان ما وتوقف القتال بعد أن شعر كلّ من الطرفين بأنّه ممثل في السلطة بشكل عادل، وهذا نوع من قوننة الطائفية السياسية التي نسعى إليها من خلال الفدرالية التي نطرحها.

… الإنتداب: لن نكرّر ما أوردناه سابقا، ولكن يمكننا أن نضيف بأنّه لا يمكننا الحديث عن نظام سياسي في ظل وجود أي محتل أو منتدب أو متسعمر. بالتالي، لا يمكن مناقشة شكل دولة لبنان الكبير بالرغم من وضع دستور عام 1926 في ثوب ديمقراطي عصري حديث أراده الغرب خدمة لمصالحه، كذلك تطبيقا لرؤيته التقسيمية في الشرق الأوسط وقد ساعده في ذلك غياب الأنظمة العادلة في الدولة العربية بحيث كانت تشعر بعض الطوائف بالغبن والتبعية والذمية ما دفع بها للسيطرة على الحكم من أجل تبديد هواجسها وطموحاتها الوجودية. فلا مميزات أو ايجابيات للإنتداب بل سيئات وسلبيات فقط. وتبقى أهمّ نقاط ضعف شكل الدولة اللبنانية في ظل الإنتداب، أنّ الأخير دفع إلى توسيع الشرخ بين المكوّنات وأسّس إلى حروب داخلية ستمعن في تدمير منطق الدولة الحلم، وذلك لغياب منطق العدالة الحقيقية بين كافة مكوّنات الوطن.

برأينا، لبنان لم يحصل على إستقلاله الحقيقي قبل العام 2005. فإستقلال 1943 كذبة دولية كبيرة. وكل فترات الحكم منذ ذاك التاريخ كانت مدولنة وكانت الحكومات اللبنانية تقف في موقف التابع للحكومات الإقليمية تارة والدولية تارة أخرى. وبعد الإنتداب كانت الوصايات العربية والدولية والتي أفضت إلى وصاية سورية إستمرت لما يقارب الثلاثين عام، أمعنت خلالها الدولة “الشقيقة” في تغييب منطق الدولة اللبنانية وحالت دون قيام نظام سياسي عادل،  ولعبت دورًا كبيرا إبّان الحرب الأهلية كرّست خلاله النزاعات والحروب الأهلية الداخلية. طبعا ولن ننسى الإحتلال الصهيوني لبلادنا وخاصة الجنوب ما يؤكد فكرة الإستقلال “الناقص” الّذي ذكرناه سابقا.

لكن  وللأسف في العام 2005، وبعد أن أتيحت للبنانيين فرصة حكم نفسهم بنفسهم، وعوضا عن الشروع في بناء دولة عبر المصالحة والمصارحة الوطنية كما التأسيس لنظام سياسي اتحادي عادل، تمسكّت الطغمة الحاكمة باتفاق الطائف الأرعن (البعض منهم خوفا على مصالحهم الضيقة وبقاء زعاماتهم)، وربطوا نفسهم باللعبة الدولية والإقليمية، فما استطاعوا تحييد لبنان وثبتوا على كذبة العيش المشترك وهرطقة إلغاء الطائفية السياسية وهو الأمر المستحيل تنفيذه، إلى أن وصل الحال باللبنانيين إلى هذا الدرك من الإنحطاط والإنكسار والدمار المعنوي والتفكك الأسري والإجتماعي، والّذي سيتليه دمار مادي إجتماعي وطني شامل ولا شك، قد لا تحمد عقباه.

ختامًا، قال هتلر يوما: “التاريخ لا يعيد نفسه إلّا عند الشعوب الغبيّة”… وعليه، يبقى الأمل أن تترفع الشعوب اللّبنانية عن كلّ ما يقودها إلى تكرار التاريخ. فبالأمس دخل “الغريبُ” أرضنا محتلًا ووصيًّا متحججًا بإيقاف الحرب الأهلية… واليوم في حال وقعت النزاعات والمناوشات الأهلية، مسؤولية الجميع أن يعوا بأنّ الدبّ الروسي ينتظر في الغابة على تخوم الحدود، متهيئًا للحظة الإنقضاض على مساحات العسل المترامية فوق شواطئ لبنان متذرّعا بحجّة إيقاف الحرب الداخلية اللبنانية خدمة الإنسانية، بينما هو لا يخدم إلّا حلمه التاريخي القيصري الرامي إلى السيطرة والوصول لمياه المتوسط الدافئة. فكم من الصعب أن نطرد دبًّا عن قفير النحل قبل أن يهشّمه بالكامل بعد أن يقتل نحله؟! وإمّا العبرة فلمن يعتبر، وإن لله في خلقه شؤون.

أؤمن بالحق وأعيش لأنطق به.

أعيش مبدئي ما بقيت: أن أموتً واقفًا حرًّا مفكّرا، خيرٌ لي من أن أعيش جاثيًا جاهلًا مقموعا.

الكاتب: 
أورنيلا سكر
التاريخ: 
الأحد, يونيو 7, 2020
ملخص: 
ولما لا تخبرنا الطغمة الحاكمة – منذ العام 1990 حتى يومنا هذا- أليس لبنان وطنًا مقسّمًا ضمنًا بين أمراء الحرب والأحزاب الطائفية المسيطرة بالرغم من وجود نظام مدني مركزي؟! أوليس لبنان وطنًا مقسمًا طائفيًا حسب أهواء الزعماء؟! فنحن نختبر ونعيش التقسيم المقنّع