القبس تنشر أوراقا من مذكرات البطريـــرك صفير (1992 – 1998).. حول لبنان حكومة الـحريري تخفف من صدمة الانتخابات .. دون إعادة التوازن(7)
اختار البطريرك أن يدافع عن لبنان لثقته بأن ما هو خير للبنان هو خير للمسيحيين. يغطي الجزء الثاني من السيرة البطريركية الأحداث الواقعة بين العامين 1992 و 1998 وموقف البطريركية المارونية منها، في فترة صعبة للغاية، كان على البطريرك الماروني السادس والسبعين أن يوازن خلالها ويوفق بين أمرين: أن يدافع عن شعبه المستهدف بشكل مبرمج، والثاني أن يحافظ على الخط الوطني للبطريركية المارونية التي طالما تميزت بالدفاع عن الكيان اللبناني ومقوماته ككل. لقد كان أسهل على سيد بكركي في المرحلة السابقة أن يقصر مقاربته للشأن العام على مواقف وطنية تطال الخير العام للّبنانيين تاركاً للقوى السياسية المسيحية مسؤولية التفاهم مع القوى السياسية الاسلامية على الشؤون التفصيلية وحقوق كل طائفة. بيد أنه وجد نفسه مضطراً الى أن يتولى مهمة الدفاع عن المسيحيين الذين تعرضوا لحملات مركزة من قمع وسجن ونفي واعتقال وتعذيب. دمشق كلفت كرامي بالـحكومة كثمن معنوي لتوزير جعجع المتهم باغتيال شقيقه في المقابل، ثمة من رأى أن تكليف عمر كرامي كان نوعاً من الضرورة لأنه يفترض بالحكومة الأولى التي ستشكل بعد انهاء حالة العماد ميشال عون أن تضم من بين قادة الميليشيات سمير جعجع المتهم باغتيال شقيقه الرئيس رشيد كرامي. وليس بامكان سوريا تجاهل حلفائها فطلبت تكليف عمر كرامي كنوع من «ثمن معنوي له لقاء قبوله بتوزير جعجع»، وبالطبع، لم يُطرح موضوع تكليف الحريري مهمة تشكيل الحكومة التي ستُجري الانتخابات النيابية في صيف 1992، ويذهب نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي الى حد اعتبار أن شرط الافساح في المجال أمام وصوله الى رئاسة الحكومة كان اجراء الانتخابات النيابية: «حقق الرئيس السوري حافظ الأسد انتصارات كبيرة. أدخل جيشه، أمنّ وصول رئيس جمهورية قريب منه، ألّف حكومة يأمن جانبها، بنى الجيش وحصّنه على الشكل الذي يريده، ولكن بقي سلاح سري لا يستطيع التعامل معه وسوريا لا تعرف فيه هو سلاح الدولار، وقد رأينا كيف أن خطوط الدفاع التي بنيت سقطت أمام سلاح الدولار. وبعد مطالبة اللبنانيين وعلى رأسهم المسيحيون بالاتيان برفيق الحريري لمعالجة التدهور، وافقت سوريا على هذا المطلب، ولكن اشترطت إجراء الانتخابات النيابية كي يكون مجلس النواب المعقل الذي يحمي من اجتياح النظام». لماذا تكليف الحريري؟ فيما يرى الوزير السابق ميشال اده أن السوريين قبلوا بالحريري «لأن البلاد كانت مهددة بانهيار اقتصادي كامل. وشكل وقف الانهيار في ذلك الوقت أولوية قصوى بالنسبة الى القيادة السورية لأنه متى حدث ذلك لم يعد هناك شيء مضمون»، أما الوزير فؤاد بطرس فيرى أن «السوريين يقبلون بالحريري لأنه بامكانه أن يؤمن لهم بعض الأمور على المستويين الخارجي والداخلي لكنهم حذرون جداً حياله، وهذا أمر ثابت أمس واليوم». لم يحن موعد تكليف رفيق الحريري تشكيل حكومة الا في الثاني والعشرين من تشرين الأول من العام 1992، واستغرقت عملية التأليف، التي لم تكن سهلة»، تسعة أيام، وبدأ الكلام حول ضرورة اعطاء صلاحيات اشتراعية للحكومة، قبل أن يتمكن رئيس المجلس نبيه بري من حسم الجدل والحيلولة دون ذلك، لاعتباره ان «من شأن هذه الصلاحيات تهميش دور مجلس النواب ودور رئيسه، والالتفاف على النظام البرلماني برمته. ولولا دعم سوريا لكانت الحكومة أخذت صلاحيات اشتراعية ووضعت المجلس على الرف». كان البطريرك صفير قد أصبح في جو تكليف الحريري غداة الانتخابات مباشرة، عندما زاره سمير فرنجية بتكليف من الرئيس العتيد لمجلس الوزراء في الثاني عشر من تشرين الأول، وقال له: «يبدو أن رفيق الحريري سيدعى الى تشكيل الحكومة الجديدة. والرجل يميل الى المجيء بأناس يوحون بالثقة وباخصائيين لوزارات الخدمات. فعلّق سيد بكركي أن هذا الأمر هو شرط نجاحه، أما اذا عادت الوجوه ذاتها فلن تعود الثقة، ولن تنهض البلاد من كبوتها». ووعد فرنجية بمبادرة البطريرك صفير بما سيكون. حكومة.. ثقة وفي اليوم نفسه، استقبل الحبر الماروني رئيس الرابطة المارونية شاكر أبو سليمان الذي أخبره أن رئيس الجمهورية الياس الهراوي استدعاه مرتين، وطلب منه أن يزور البطريرك الماروني ويسأله: ماذا يريد، وما هو تصوره لمرحلة ما بعد الانتخابات؟ فشرح له سيد بكركي موقفه قائلاً له: «لن نطلب اعلان العصيان المدني ولا حل المجلس النيابي المزوّر فوراً لأن الانتخابات اذا أجريت مجدداً الآن تأتي بالنتيجة ذاتها. وقد يكون الحل تشكيل حكومة توحي بالثقة، تعطى صلاحيات اشتراعية، ولو في قطاعات معينة كالقطاع الاقتصادي لتخفف عن كاهل الناس. وبعد ذلك يصار شيئاً فشيئاً الى إصلاحات دستورية وحل مجلس النواب». وأوضح الحبر الماروني للموفد الرئاسي أنه لا يسمي أشخاصاً للحكومة العتيدة متمنياً، على عادته في كل مرة يعرض عليه تزكية أسماء، أن تعتمد الكفاءة والنزاهة قاعدتين لاختيار كل الوزراء وليس فقط الوزراء الموارنة. وأردف السيد البطريرك: «قل للرئيس الهراوي ان بامكانه الاعتماد على موقفنا المتشدد للوقوف في وجه السوريين. نحن معه ولا نريد أن يسقط لأن السوريين قد يأتون بسواه ممن لا يكون أحسن منه». في نهاية المقابلة، وعد أبو سليمان بنقل فحوى اللقاء والعودة الى البطريرك الماروني حاملاً اجابات على الأفكار التي طرحها. بعد مرور بضعة أيام، عاد الرئيس السابق للرابطة المارونية الى بكركي بعد أن نقل الى رئيس الجمهورية جواب البطريرك صفير على سؤاله: ماذا يريد البطريرك؟. وقال أبو سليمان: «بعدما عرضت على الرئيس الهراوي موقف غبطتكم أجابني بأنه سيكلف رفيق الحريري تشكيل الحكومة المقبلة التي ستعطى صلاحيات واسعة في الحقلين الاقتصادي والمالي لكي ينهض البلد اقتصادياً. ووعد الرئيس أيضاً بتشكيل المجلس الدستوري وباصلاحات في حقل الادارة. وقال أيضاً انه سيوفد اليكم تباعاً من يقوم بنقل ما يريد نقله اليكم عن التدابير التي سيتخذها، وانه سيزوركم بعد ذلك بغية التنسيق في المواضيع المصيرية». رفع عتب ولكن زيارة رئيس الجمهورية، الى بكركي، تأخرت حتى عيد الميلاد من العام نفسه، وجاءت شكلية كأنها تندرج في اطار رفع العتب أو التعبير عن نوع من الاستياء من موقف البطريرك الماروني، بعد أن كان ما كان. فوصل الهراوي في الساعة التاسعة والربع متأخراً نحو ربع الساعة عن بدء القداس الذي كانت المؤسسة اللبنانية للارسال تنقل وقائعه مباشرة على الهواء. وبعد انتهاء الاحتفال الافخارستي، قدّم رئيس الجمهورية تهانيه بمناسبة العيد، وغادر الصرح البطريركي الذي كان يعج برجال الأمن، من غير أن يطلب عقد خلوة مع البطريرك صفير. حقيبة السنيورة استغرق تشكيل الحكومة تسعة أيام. ويرد الرئيس الهراوي السبب الى اصرار الحريري «على توزير عدد كبير من الأصدقاء والمقربين اليه واستبعاد آخرين لا لسبب الا لكونهم لا يروقون له». ولأن ممثلي الشيعة في الحكومة أصروا على أن يتولى واحد منهم حقيبة المال. فيما «أراد الحريري اسناد هذه الحقيبة الى فؤاد السنيورة فاعترض نبيه بري وحلّت المسألة بأن احتفظ رئيس الحكومة بوزارة المال». كان الحريري راغباً في تشكيل حكومة توحي بالثقة، وتُشعر الرأي العام أن ثمة ما تغير بالفعل في النهج الحكومي. وكان يعتقد أنه ان تمكن من توزير أشخاص ينسجمون مع طريقة عمله، ويدينون له بالولاء، فانه سينجح في تحقيق الوعود التي أطلقها بالنهوض والازدهار واعادة بيروت الى سابق عهدها. لهذا سعى الى أن تضم الحكومة أكبر عدد ممكن من فريق عمله في القطاع الخاص الذي حقق به انجازاته الاقتصادية ومشاريعه الضخمة. ثوابت.. سورية أما على صعيد التمثيل المسيحي في الحكومة فسعى الى أن تضم التشكيلة الحكومية، وزراء يوحون بالثقة للمسيحيين، ولا يستفزون سوريا. لكن كان لدمشق موقف جازم في نقطتين: اسناد الوزارات الأساسية لحلفائها، وتوزير من تعتبرهم سوريا أصدقاء لها. وقد اعتبر هؤلاء من الثوابت السورية في كل التشكيلات الوزارية في عهد الهراوي، وفي طليعتهم الوزير الياس حبيقة الذي يعتبره نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام «أفضل عقل ماروني قابله»، وبرزت مشكلة أسماء الوزراء المسيحيين، والموارنة بالتحديد، الذين يفترض أن يعطوا الحكومة شيئاً من التوازن أو التمثيل بعد أن تم حجز مقاعد من تعتبرهم سوريا من الثوابت. واعتبر، في حينه، أن توزير ميشال اده وجورج افرام وأسعد رزق كان بمثابة بادرة تجميلية وابداء حسن نية تجاه البطريرك صفير والمسيحيين المقاطعين. وقد بذل الهراوي والحريري جهداً لاقناع اده وافرام ورزق بالمشاركة في الحكومة. وكان البطريرك صفير يتابع عملية ولادة الحكومة الحريرية الأولى، من خلال بعض من عُرض عليهم التوزير ومن خلال سمير فرنجية الموفد من الرئيس المكلف، بعد أن عبّر عن تفاؤله لصدور مرسوم تكليف الحريري في عظة الأحد. وقال في الخامس والعشرين من تشرين الأول 1992: «ان ما جرى في الأسبوع الفائت على الرغم من جميع التحفظات المشروعة على الصعيد الوطني، من شأنه أن يعلل نفوس اللبنانيين بتعزيز الثقة بوطنهم، وهي ثقة لم يفقدوها على الرغم من كل ما كان، وان وطناًً أثخنت جسده الجراح واحتلت أرضه وامتهنت كرامة أبنائه وسلبت ارادته، ولا يزال يحتفظ بثقته بنفسه، لهو وطن لا يمكن أن يموت. وهذا مناط أمل ومعقد رجاء. هذا اذا عرف أن يرتفع المسؤولون عنه في أدائهم السياسي والاداري والوطني الى مستوى من الأخلاق. ذلك أن القديس أغوسطينوس يقول: ان الامبراطوريات والممالك والامارات، دون أخلاق، ليست سوى عملية سطو وابتزاز». توازنات وشجع البطريرك الوزير السابق جورج افرام على دخول الوزارة الحريرية الأولى عندما زاره، في الثامن والعشرين من تشرين الأول، ليسأله: «هل ترون من المناسب أن أقبل مقعداً وزارياً عرضه عليّ الرئيس المكلف رفيق الحريري؟» فأجابه: «نحن نرحب بذلك، طبعاً اذا كان هذا لا يضر بالأعمال الواسعة التي تديرونها». فيما أطلع سمير فرنجية، من قبل الحريري، البطريرك الماروني على المحادثات الجارية بشأن تشكيل الحكومة، و”التوازنات التي يجب أخذها في الاعتبار، والأشخاص الذين يصر السوريون على الاحتفاظ بهم، واسناد وزارات مهمة الى كل منهم مثل الداخلية والخارجية والمال والدفاع». صدرت مراسيم تشكيل الحكومة في الأول من تشرين الثاني، وضمت ثلاثين وزيراً نصفهم يوزّر للمرة الأولى. وكان الانطباع الأول الذي تركه تشكيلها، في أوساط المعارضة، هو أنها «لا تغضب ولا ترضي. الحكومة بفضل رئيسها رفيق الحريري ساهمت في التخفيف من صدمة الانتخابات، وفي تلطيف الواقع السياسي الذي نتج عنها، لكنها لم تنجح في اعادة التوازن السياسي المفقود بعد الطائف مع حكومات اللون الواحد، وان يكن اللون السياسي لحكومة الحريري «غير فاقع» كما من قبل، ويصح فيها القول انها حكومة اللون الرمادي. واذا كانت الحكومة لم تصحح الوضع ولم تعده الى قواعده الأساسية، فانها أوقفت، حتى اشعار آخر، حال الانهيار السياسي العام الى حد معين. وترافق ذلك مع امتصاص النقمة الشعبية التي كان في أساسها تردي الوضع الاقتصادي (…) ان المعارضة تنظر بايجابية الى حكومة الرئيس الحريري». إرادة مرتهنة وأعلن البطريرك صفير مع المطارنة الموارنة، ترحيبه الحذر بالحكومة في البيان الصادر عن المجلس بعد اجتماعه بتاريخ الرابع من تشرين الثاني 1992: «ان الحكومة الجديدة، على الرغم مما رافق تشكيلها من مشاورات ومساومات أكدت للبنانيين ان ارادتهم الوطنية مرتهنة، ولا رأي لهم في النهاية في شؤونهم الخاصة، قد أنعشت بعض الأمل في القلوب، بدليل تراجع سعر صرف العملات الأجنبية»، ويلفت البطريرك صفير، بعد مرور اثنتي عشرة سنة، الى أنه كان يرمي، من خلال موقفه هذا، أن يبعث بعض الأمل في قلوب الناس، أكثر مما كان يستند الى وعود خاصة من الحريري قطعها له: “كان يعدنا، بما كان يعد به كل الناس، بأنه سيحاول أن يُغير في البلد». أما في الموالاة، فما ينال رضا سوريا ينال رضا الجميع. ولكن خلق التأليف بعض الانزعاج لدى الهراوي وبري، ظهرت مفاعيله تباعاً، خصوصاً في مسائل متعلقة بطريقة توزيع الحقائب ومحاولة الحريري استبعاد صهر رئيس الجمهورية الوزير فارس بويز عن وزارة الخارجية. وكان أول وزير يزور البطريرك صفير بعد اعلان التشكيلة الحكومية، وزير الثقافة والتعليم العالي ميشال اده الذي جاء، في الرابع من تشرين الثاني، يضعه في صورة رؤيته للوزارة المستحدثة. وفي سياق الحديث قال اده لسيد بكركي: «اذا كانت سوريا قبلت بمجيء رفيق الحريري رئيساً لمجلس الوزراء فذلك عائد لموقفكم الصلب منها». إحجام.. أو تنسيق لم يكن تعامل القوى المعارضة مع حكومة الحريري واحداً. وتراوحت المواقف بين احجام كلي عن التعاطي معه ومع الحكومة التي يرأسها، مثل العماد ميشال عون، وبين العلاقة الجيدة والتنسيق في الحد الذي تسمح به ظروف الحريري، مثل القوات اللبنانية. فعلى رغم الصداقة الشخصية التي تربط ممثل عون في لبنان، فاروق أبي اللمع، برئيس الحكومة، لم تنشأ أي علاقة بين القائد السابق للجيش والحريري. واقتصر الأمر على بعض زيارات قام بها أبي اللمع الى منزل رئيس مجلس الوزراء لأن «الجنرال كان يقول لي شو بدنا فيه، هذا رجل سعودي وأميركي، اترك هذا المنحى. كنت، في البداية، من جملة القائلين بأنه يجب ألا تعطي المعارضة الحريري رصيداً. لكني، بعد أن حكّمت عقلي بدلّت رأيي وصرت لا أرى أفضل منه للبنان من حيث العلاقات التي يتمتع بها على المستوى الدولي». ترحيب من جعجع من جهتها، اعتبرت القوات اللبنانية أن مجيء الحريري يشكل الناحية الوحيدة غير القاتمة في المشهد السياسي اللبناني. وحافظت على علاقة ثابتة معه بعد أن كُلّف تشكيل الحكومة، وقد زاره سمير جعجع عشية اعلان الحكومة، في قصر صالحة، وتشاور معه في امكانية التعاون في المرحلة المقبلة. “أزعج هذا التقارب الرئيس الياس الهراوي، وغيره من القوى المؤثرة في لبنان، وكانت النتيجة أن تعرضت مواقع القوات اللبنانية، بعد ساعات معدودة من الزيارة، في بلونة وطبرجا وجونية والأشرفية الى عمليات دهم وتفتيش، وقد صادر الجيش بعض هذه المراكز. قيل في حينه أمران: ان رئيس الجمهورية غضب لأن جعجع الذي يعتبر أنه سلفه الكثير قرر أن يتعاون مع الحريري بدلاً منه. أما الأمر الثاني فهو أن ما للحريري معطى من دمشق وما لدمشق يبقى لدمشق، وما كان سائداً في السابق على المستوى الأمني والسياسي لن يتغير». تطمين صفير وقد برّر مدير المخابرات في الجيش اللبناني العقيد ميشال رحباني للبطريرك صفير حملة المداهمات، في الخامس من تشرين الثاني، بالقول ان بعض الطلاب الجامعيين كانوا يراقبون حركة الجيش فأوقفهم. ونفى أن يكون الجنود السوريون يرتدون زي الجيش اللبناني ليقوموا بعمليات دهم وتفتيش بحثاً عن مطلوبين لبنانيين أو سوريين. كما حاول رحباني طمأنة البطريرك الماروني الى ما يجري في الجيش من تشكيلات واعادة هيكلة. وقال ان ثلاثة ضباط مسيحيين اسندت اليهم مراكز قيادية، وان الجيش يستعد لاستلام الضاحية الجنوبية من بيروت بعد انكفاء السوريين عنها. وكشف أن أربعة شبان كانوا دخلوا المدرسة الحربية في عهد العماد ميشال عون وقضوا فيها نحو سنتين، ثم أبعدوا، سيقبلون مجدداً فيها. في اللقاء بين الحريري وجعجع، في منزل الأول، بدا أن الهمّ الأول للرئيس المكلف الحصول على الصلاحيات الاشتراعية. وكاد يقول انه لن يقبل المضي في مهمته ان لم تعط حكومته هذه الصلاحيات، وأنه لن يقبل بأن تفرض عليه أمور لا يقتنع بصوابيتها. ولكن بعد مضي يومين على هذا اللقاء، تأكد لرئيس مجلس الوزراء أن مسعاه في هذا الخصوص فشل “لأن بري خربطها»، فاعتبرت القوات اللبنانية أن عدم اعطاء الصلاحيات الاشتراعية للحكومة مؤشر غير مشجع، وأن الحريري سيكون مكبلاً وغير قادر على تحقيق الكثير في ظل المعادلة القائمة. وتنامى في القوات اللبنانية قلق من أن لا يتمكن رئيس الحكومة من أن «يُقلّع ويصمد ويصبح، بالتالي، أداة في يد الوضع السوري متى ما دخل اللعبة». غير أن سمير جعجع بقي على اقتناعه بوجوب المحافظة على علاقة وثيقة مع الحريري في انتظار تحسن الظروف المتحكمة بالبلاد حتى يتمكن من التعاون معه علناً. فقائد القوات اللبنانية كان يعتبر أن لا بد من أن يكون ثمة تقاطع بين الطوائف في التركيبة اللبنانية، وبما أنه كان يرى نفسه في موقع متقدم مسيحياً وأن الحريري في موقع متقدم اسلامياً، فان التقاطع بينهما من شأنه أن يبني تعاوناً مميزاً على المستوى الوطني، متى انحسر النفوذ السوري الذي لم يكن ليطمئن لهذه العلاقة التي “ضُربت نتيجة الخوف منها من جانب أطراف مسيحية في السلطة ومن جانب دمشق». الـحلقة الثامنة صدمة مـــن المــــواقــــف الإسلامية.