القبس تنشر أوراقا من مذكرات البطريـــرك صفير (1992 – 1998).. حول لبنان استياء الأسد وخدام الدائم يعود لمعارضته المرنة للدور السوري 4

النوع: 

 بحلول تشرين الأول 1992، أي مع انتهاء العمليات الانتخابية، تحولت بكركي الى مرجعية وطنية مساوية للمرجعيات الدستورية الثلاث مجتمعة التي باتت تمثل فقط مواقع نفوذ سورية تنفذ سياسة دمشق في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. فيما استمرت بكركي المعقل اللبناني الحر الأخير الرافض للأمر الواقع الذي نظّر له كثيرون، واستقوى به آخرون، ودعا فريق ثالث البطريرك الى الالتحاق به على قاعدة تحالف الأقليات الدينية لتعزيز وضع المسيحيين واعطائهم أكثر مما هو مقدّر لهم في الدستور. وبين تأمين مصلحة اللبنانيين، وتأمين مصلحة المسيحيين، اختار البطريرك أن يدافع عن لبنان لثقته بأن ما هو خير للبنان هو خير للمسيحيين. يغطي الجزء الثاني من السيرة البطريركية الأحداث الواقعة بين العامين 1992 و 1998 وموقف البطريركية المارونية منها، في فترة صعبة للغاية، كان على البطريرك الماروني السادس والسبعين أن يوازن خلالها ويوفق بين أمرين: أن يدافع عن شعبه المستهدف بشكل مبرمج، والثاني أن يحافظ على الخط الوطني للبطريركية المارونية التي طالما تميزت بالدفاع عن الكيان اللبناني ومقوماته ككل. لقد كان أسهل على سيد بكركي في المرحلة السابقة أن يقصر مقاربته للشأن العام على مواقف وطنية تطال الخير العام للّبنانيين تاركاً للقوى السياسية المسيحية مسؤولية التفاهم مع القوى السياسية الاسلامية على الشؤون التفصيلية وحقوق كل طائفة. بيد أنه وجد نفسه مضطراً الى أن يتولى مهمة الدفاع عن المسيحيين الذين تعرضوا لحملات مركزة من قمع وسجن ونفي واعتقال وتعذيب. صفير تساءل دائماً عن جدوى زيارة دمشق مادامت مصلحتها البقاء في لبنان في غضون ذلك، كان لسيد بكركي أكثر من موقف يدعو الى أطيب العلاقات مع سوريا، وقال في حديث صحفي: «ليست العلاقات سيئة من ناحيتنا بين بكركي ودمشق، نحن نقول ان سوريا هي جارة، ومنطق الأمور يفرض أن تكون العلاقة بين الجيران على أحسن حال. وهذا ما نتوق اليه، انما لكي تكون هذه العلاقة على أحسن حال، يجب أن يشعر شعب كل من هذين البلدين، أنه سيد أمره والقرار في شؤونه الخاصة يرجع اليه من دون شريك، فالسيادة لا مجال فيها للشراكة. اما أن يكون الانسان سيد أمره واما لا يكون». ولم يأت الجواب السوري على مبادرتي الوزير جورج افرام والنائب رشيد الخازن الا في الخامس من آذار 1993، عندما نقل افرام الى سيد بكركي ما أبلغه اليه صديقه السوري ويمكن اعتباره انهاء لكل الاتصالات: «لقد التقيت الرئيس الأسد، وقال لي ان البطريرك وقف منه موقفاً سلبياً. والشيخ رشيد هو الذي أبلغ العماد الشهابي هذا الموقف. أرى أنه من الأفضل ألا يصير اتصال بيني وبين البطريرك في انتظار أن تنضج الظروف فتستأنف اذ ذاك المساعي». وتكوّن اقتناع لدى السيد البطريرك أن لا فائدة من الاتصال ما دام لبنان لا ينعم بالسيادة والاستقلال وما دام الجيش السوري يرابض فيه. طريقة خدام لقد كوّن الحبر الماروني، من خلال ما بلغه عن خدّام، انطباعاً بأنه عدائي، وقاس، ولا يعامل المسؤولين اللبنانيين بالاحترام الذي تفترضه مكانتهم السياسية. وقد استنتج، مع تكرار شهادات العائدين من دمشق، أن «طريقة خدّام تقوم أولاً على التعبير عن استياء وانتقاد ثم لا يلبث أن يعلن عن رضا». وعندما نُقلت اليه ملاحظة بأن نائب الرئيس السوري بدا «لطيفاً وسلساً ولبقاً»، لم يكتم سيد بكركي استغرابه لسماعه مثل هذا الكلام. كثرة من السياسيين تعرف أن خدّام لا يكن الود لبطريرك الموارنة ولكن قلة فقط تعرف سبب هذا الجفاء الذي تعود جذوره، على ما يكشف نائب الرئيس السوري، الى دفن الرئيس سليمان فرنجية في تموز 1992، ويروي: «فيما كنا خارجين من منزل الرئيس الراحل، التقينا، البطريرك صفير وأنا، على الطريق. لا أذكر اذا كان ألقى التحية أو لم يفعل. وفي التأبين الذي ألقاه في الكنيسة، أشاد البطريرك بمواقف الرئيس فرنجية في لوزان فقط. أنا فهمت من الكلام أن هذه الاشادة لا تندرج في خانة الكلام الوفاقي، فهل كان من الضروري أن يتبنى موقفاً أوقف مسيرة الوفاق الوطني؟ طبعاً، كان هناك تجاهل كامل لسوريا ودورها في خطابه، وهذا ما استرعى انتباه عدد كبير من السياسيين اللبنانيين الذين سجلوا أمامي هذه الملاحظة فيما بعد، لكن هذه الأمور الصغيرة لا يجدر أن يتوقف الانسان عندها». عدائية خدام تبين من خلال محاولتي افرام والخازن أن سوريا، في تلك المرحلة، كانت ترفض حتى سماع مطالب البطريرك صفير، معتبرة أن على الخاسر أن يكون أكثر ليونة واستعداداً للأخذ والرد. وقد عكست أجواء العائدين من دمشق استياء سورياً بالغاً من مواقف البطريرك صفير الداعية الى اعادة انتشار الجيش السوري وتنفيذ صحيح لسائر بنود اتفاق الطائف. وكان زوار نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام في شكل خاص يعودون بانطباع واحد مفاده أن المسؤول السوري يكنّ عدائية لافتة لسيد بكركي الذي كانت تبلغه معظم انتقادات خدّام من غير أن يعلق عليها أو يستنكرها أو يستفسر عن أسبابها. حتى أصبحت انتقادات نائب الرئيس السوري بالنسبة اليه أمراً اعتيادياً يسمعه من كل زائر يقصده بعد عودته من دمشق. وعندما قال له رئيس حزب الكتائب الدكتور جورج سعادة في الثامن من نيسان 1993 انه عائد من لقاء مع خدّام ولم يقل ان الأخير انتقد سيد بكركي في حضرته، استغرب البطريرك صفير وكتب في مفكرته: «هذه المرة يبدو أن نائب الرئيس السوري لم ينتقدنا مثل المرات السابقة». كان عبد الحليم خدّام في تلك المرحلة ممسكاً بالملف اللبناني من قبل القيادة السورية. وفي يده، كما كان يقال، قدرة الحل والربط. مكتبه كان محجة السياسيين اللبنانيين ومن يرغبون في تعاطي السياسة، مستقبلاً. جدول مواعيده ممتلئ دائماً ومعظم زواره من اللبنانيين الذين كانت تغص بهم العاصمة السورية وبخاصة فندق الشيراتون: رؤساء ووزراء ونواب ومشاريع رؤساء ووزراء ونواب، في الموالاة والمعارضة. امساك خدّام بالملف اللبناني جعله يصبح الرجل الأقوى في لبنان حيث كان يليه في النفوذ رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة فيه غازي كنعان ومن ثم أقرب السياسيين اللبنانيين الى سوريا. وكانت درجة القربى من دمشق غير ثابتة وقابلة للتبدل ومع كل تبدل كان يقوى نفوذ بعض أقطاب السلطة على البعض الآخر. نفوذ خدّام شبه المطلق في لبنان جعل الوزير جنبلاط يقول في النصف الثاني من التسعينات في حلقة ضيقة مكونة من مستشاريه الأقرب اليه: «عبد الحليم خدام هو رئيس وزراء لبنان ورفيق الحريري وزير خارجية سوريا» أما تعريف نائب الرئيس السوري للدور الذي قام به بين منتصف السبعينات وحتى مطلع عام 1998 فهو: «لم أكن وحدي ممسكاً بالملف اللبناني بل كان هناك لجنة مسؤولة، برئاستي، عن هذا الملف من الناحيتين السياسية والأمنية. وكانت اللجنة مؤلفة من ثلاثة أشخاص: العماد حكمت الشهابي واللواء ناجي جميل الذي حل مكانه اللواء غازي كنعان فيما بعد، وأنا. وكانت مهمة اللجنة دراسة الوضع ورفع التقارير الى قيادة الحزب التي يرأسها الرئيس حافظ الأسد لأخذ القرار المناسب». ثمة من قال للبطريرك الماروني أن خلفية استياء نائب الرئيس السوري مردها أيضاً الى احجام سيد بكركي عن ذكر وجود المسؤول السوري في بداية التأبين عندما توجه بالكلام الى المسؤولين اللبنانيين. كما تضيف معلومات أن «المسؤولين السوريين كثيراً ما تندّروا فيما بينهم، في حضور خدّام أو في غيابه، بفكرة الاشادة بموقف الرئيس فرنجية في لوزان وكثيراً ما قالوا ألم يجد البطريرك شيئاً يشيد به غير اشتباك فرنجية مع خدّام واحتكامه لدى الرئيس حافظ الأسد لفض الاشتباك؟»، بيد أن شخصية على اطلاع عميق بمجريات الحياة السياسية اللبنانية تؤكد أن سبب استياء المسؤولين السوريين كافة، وليس فقط الرئيس السوري حافظ الأسد ونائبه عبد الحليم خدّام، يعود بالدرجة الأولى الى مواقف البطريرك صفير الذي «عارض بكثير من الاصرار والحكمة والمرونة والدراية والفعالية الدور السوري في لبنان»، فيما يرد الوزير سليمان فرنجية العلاقة السيئة الى الاختلاف في وجهات النظر في السياسة والتباعد في المواقف». حرب ينصح بالمهادنة وقد بلغت عدائية خدّام حداً كبيراً وصلت الى درجة التهديد «بتكليف أحد أبناء الطائفة المارونية بالرد عليه»، كما نقل النائب السابق بطرس حرب في الثاني من كانون الأول 1993 اثر عودته من دمشق، حيث أبدى نائب الرئيس السوري استياء كبيراً من مواقف البطريرك صفير واعتبر أن «عليه أن يلزم ديره ولا يتكلم في السياسة، ما شأنه في السياسة أصلاً؟» وتمنى بطرس حرب أن يهادن البطريرك الماروني سوريا بعض الشيء «لأنها ستؤذي لبنان اذا خرجت منه مكرهة. ونحن لا نزال في حاجة الى الجيش السوري لاخراج حزب الله من الساحة ونزع سلاحه». ولفت الى أن حكمت الشهابي اعتبر أن عدم الكلام على سوريا والسيادة وما شابه من الثوابت التي ينادي بها البطريرك تشكل مؤشراً ايجابياً لاقامة علاقة ودية مع دمشق. بيد أن سيد بكركي أوضح لضيفه أن سوريا هي التي تدعم حزب الله وتسمح بنقل السلاح اليه من ايران عبر الأراضي السورية. وأوضح أنه تحاشى، في الفترة الأخيرة، ذكر اسم سوريا في كلامه «غير أننا بعض الأحيان نقول بوجوب اخراج كل الجيوش غير اللبنانية من لبنان، وحتى الجيش السوري بعد خروج الجيش الاسرائيلي». رد عبيد على الراعي وقد لفت البطريرك صفير، بعد سماعه كلام حرب، قيام الوزير جان عبيد بالرد على تصريح أدلى به المطران بشارة الراعي الى اذاعة لبنان الحر حول الممارسة السورية في لبنان. وألمح عبيد، في الوقت عينه، الى دور البطاركة الموارنة واعتدالهم، «كأنه يقول خلافاً لما ننتهجه من مواقف غير معتدلة». وجاء عبيد، في التاسع من كانون الأول، يشرح الدافع الى انتقاده حديث المطران الراعي بقوله ان «أقوال سيادته أثارت حساسيات كان يجب تلافيها، لذلك انتقدته كيلا ينتقده مسلمون فيتوتر الجو وتحدث فتنة». فأجابه سيد بكركي بأن انتقاده كان قاسياً وكان بالامكان الاستغناء عنه. وفي اقتناع البطريرك الماروني في حينه أن عبيد، سوري النزعة، استجاب لايحاء نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام بالهجوم. تحذيرات وخلال عام 1993، كما في الأعوام اللاحقة، حاول الكثيرون اقناع البطريرك الماروني بضرورة التخلي عن مطلب خروج الجيش السوري باعتبار أن الجيش اللبناني ليس جاهزاً بعد لتولي الأمن وبسط سيطرة الدولة على مناطق نفوذ حزب الله والمخيمات الفلسطينية. وبعض المسؤولين صرّح علناً بهذا الموقف وبعض آخر أسرّ به للبطريرك مثل النائب السابق بطرس حرب. وكان للوزير ميشال اده في السادس والعشرين من أيلول موقف مماثل محذّراً من الخطر الذي يمكن أن تشكله الجزر الأمنية في حال انسحبت القوات السورية. واستمر الممسكون بزمام السلطة، ومن تعاقبوا عليها بعدهم، يحذّرون من فتنة طائفية ان سحب السوريون جيشهم. ولكن البطريرك الماروني رفض هذه المقولة لأن سوريا هي التي تسلح هذه الجزر أو تعطيها حرية الاحتفاظ بتسلحها. وفي بيان الأساقفة الموارنة الصادر عن اجتماعهم في الحادي والثلاثين من آذار، ورد نقد «للأصوات الرسمية التي تقول بعدم تمكن الجيش من بسط سلطة الدولة على مجمل الأراضي اللبنانية، وذلك لافتقاره الى الجهوزية. ترى هل هو ذاهب لخوض معارك طاحنة مع عدو شرس ليحتاج الى دبابات وصواريخ ومعدات غير متوافرة لديه، أم الى أهله وذويه واخوانه ويكفيهم وجوده الى جانبهم، ولو أعزل، ليشعروا بالطمأنينة والثقة والأمان؟». السلام آت! واستؤنفت صيف 1993 الدعوات للتقرب من دمشق ومحاولة فتح خطوط مباشرة معها. وفي هذا الاطار، حمل السفير جوني عبدو، المدير السابق لمخابرات الجيش، في السادس عشر من آب، الى الديمان، اقتراحاً بايفاد رسول من قبل البطريرك صفير الى الرئيس السوري حافظ الأسد. بدأ عبدو حديثه باستعراض صعوبة المرحلة التي يمر بها لبنان، وقال ان المسيحيين يفقدون كل يوم بعض وزنهم. ولفت الى أن السلام آت وسيتقرر معه مصير بعض البلدان في منطقة الشرق الأوسط ومن بينها لبنان، وقد «أصبح الشأن اللبناني بيد السوريين وبخاصة بيد حافظ الأسد. لذلك أرى أنه من المفيد جداً اقامة علاقة خاصة معه، وأقترح اسم فؤاد بطرس ليكون رسولكم اليه فيستطلع مدى استعداده على مساعدة لبنان على استعادة ذاته وسيادته واستقلاله تمهيداً لزيارة تقومون بها الى دمشق اذا كان هناك تعهد بالحصول على المطلوب». وأضاف المدير السابق لمخابرات الجيش: «من الضروري أن يعرف السوريون أن لبنان بامكانه أن يساعد سوريا على تحسين وضعها مع الغرب، لا سيما مع الفاتيكان فيكون عندها وسيط ناجح. وفي المقابل، لا بد من سوريا، ليتمكن لبنان من تحجيم حزب الله، اذا أشرفت المفاوضات من أجل السلام على نهايتها. ومعروف أن الأسد يريد نجاح مؤتمر السلام خلافاً لنائبه عبد الحليم خدام». ما جدوى الزيارة؟ بعد عشرة أيام حمل رئيس حزب الكتائب جورج سعادة والأمين العام كريم بقرادوني اقتراحاً بزيارة دمشق «لوضع الأمور في نصابها». وبعد أن جرى التطرق الى موضوع مقاطعة الانتخابات النيابية في الصيف السابق واستجابة الكتائب لموقف بكركي، على ما قال سعادة، بدأ بقرادوني الحديث في موضوع زيارة البطريرك الى العاصمة السورية بالسؤال: «هل تزورون سوريا، غبطة البطريرك؟» فرد الحبر الماروني باجابة تتساءل عن جدوى الزيارة وفرص نجاحها في ظل التوقيت الراهن. وحضر وزير الخارجية السابق فؤاد بطرس الى الديمان في السابع والعشرين من آب 1993، وتبادل وجهات النظر في ما خص زيارة محتملة يرى البعض أن على البطريرك القيام بها الى دمشق. وخلص الى الاحتمالات التالية: – زيارة الى الرئيس الأسد لا تأتي بنتيجة ايجابية ترتد سلباً على جميع المسيحيين. – ايفاد رجل ثقة لمقابلة من هم حول الرئيس الأسد، لكن يبقى السؤال هل يوصلون الحديث الى الرئيس السوري وهم لهم سياستهم وقد يعرقلون. – ايفاد رجل ثقة الى الأسد باسم البطريرك سراً انما هل يبقى الأمر سراً؟ أليس من الممكن أن يسرّب الأسد الخبر لغرض محدد؟ – ماذا بامكان الرئيس السوري أن يعطي لبنان؟ وهو لا يمكنه أن يسحب جيشه من لبنان، وهذا مطلبنا، ما دام الأميركيون يصرون عليه بالبقاء لازالة حزب الله وهو لا يريد أن يزيله لأنه يشكل له حجة ليبقى في لبنان وليستمر بصداقته مع ايران واستفادته من هذه الصداقة. صراع الخلاف وفي هدوئه المعتاد، قال وزير الخارجية السابق: «الوضع في سوريا رغم استقراره الظاهر مهزوز، والحديث الخافت حول خلافة الأسد انفتح. الرئيس يريد ابنه خليفة له فيما عبد الحليم خدّام وحكمت الشهابي يريدان الحكم لهم أي للسنة وليس للعلويين. ومبدأ التحالف مع العلويين الآن يغضب السنة الذين سيكونون معاديين لنا اذا استولوا على الحكم. في اعتقادي، يجدر انتظار ما ستسفر عنه محادثات السلام ومجانبة التورط في مشروع غير مضمون على الأمد الطويل». فكرة من؟ وبحسب النائب السابق بطرس حرب الذي زار بكركي في السابع من تشرين الأول 1993، فان رئيس الجمهورية الياس الهراوي طرح مع نظيره السوري حافظ الأسد لدى زيارته الأخيرة الى دمشق مسألة العلاقة بين سوريا والمسيحيين ومصلحتها في استمالتهم اليها، وشعر أنه كان لكلامه صدى قبول لدى الرئيس السوري. وجرى، بعد ذلك، الحديث عن امكانية قيام البطريرك الماروني بزيارة الى العاصمة السورية وعن الأسباب التي تحول دونها. ولم يعرف البطريرك ما اذا كانت فكرة زيارة دمشق نابعة من النائب السابق بطرس حرب أم أن رئيس الجمهورية كلفه باثارة الموضوع مع سيد بكركي. وفي نهاية اللقاء نقل حرب رغبة رئيس الجمهورية في أن يزوره الحبر الماروني للتهنئة بالانتقال الى قصر بعبدا. فعبّر البطريرك عن استعداده للقيام بهذه الزيارة في القريب العاجل. وعشية عيد الميلاد، حضر عضو لجنة الحوار المسيحي-الاسلامي حارس شهاب الى بكركي وبرفقته ضابط سوري متقاعد مقيم في باريس، اسمه سليم الحسن له مداخله على الرئيس الأسد ويحادثه بحرية، على ما قيل للبطريرك. جاء به شهاب للبحث في سبل التقارب بين بكركي ودمشق. وبدا الحسن أنه واثق من نفسه ورأى أن البطريرك لم يفعل شيئاً للتقرب من دمشق وأنه يكفي أن يزور الرئيس الأسد وأن لا يطلب شيئاً منه ويكفي أن يقول له في نهاية الزيارة أن هناك بعض مطالب سيفضي بها الى أمين السر ليحققها.

الكاتب: 
أنطوان سعد
المصدر: 
التاريخ: 
السبت, نوفمبر 26, 2005
ملخص: 
كان عبد الحليم خدّام في تلك المرحلة ممسكاً بالملف اللبناني من قبل القيادة السورية. وفي يده، كما كان يقال، قدرة الحل والربط. مكتبه كان محجة السياسيين اللبنانيين ومن يرغبون في تعاطي السياسة، مستقبلاً. جدول مواعيده ممتلئ دائماً ومعظم زواره من اللبنانيين الذي