تصاعد الجدل اللبناني حول الوجود السوري

النوع: 

كانت الدعوة الى انسحاب القوات السورية من لبنان مطلبا سوريا قبل ان يكون لبنانيا، او غير لبناني، لكنه تحول الى دعوات من بعض القوى الروحية والسياسية اللبنانية، مؤخرا من اجل تحقيقه تحت عناوين واهداف واسباب عدة ابرزها: طالما ان قوات الاحتلال الاسرائيلي قد انسحبت في مايو الماضي، فان على الجيش السوري ان ينسحب من لبنان لان الحاجة الى دوره قد انتفت بعد التحرير. مع العلم ان ثمة احتلالا اسرائيليا مازال قائما في «مزارع شبعا» والتهديدات الاسرائيلية ضد لبنان تتلاحق يوميا، مترافقة مع خروقات الطائرات للاجواء والقيام باعتداءات بالقصف، عن بعد، اي من داخل فلسطين المحتلة باتجاه بعض القرى والمناطق اللبنانية. اضافة الى ان المبادرة السورية بادخال وحدات من جيشها الى الاراضي اللبنانية عام 1976 تحت شعار وعنوان عريضين حددهما الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد في حينه وهما يصبان في «وأد الفتنة الطائفية في لبنان ووقف الاقتتال الاهلي والحيلولة دون تحرير مؤامرة تقسيمه». وكانت الاحاديث والوقائع ساخنة آنذاك باتجاه اتهام الولايات المتحدة الامريكية بحياكة هذه المؤامرة على يدي وزير خارجيتها السابق هنري كيسنجر. اعطيت تلك المبادرة توصيفات عدة آنذاك ابرزها انها لحماية المسيحيين مما كان يسميه البعض «بالخطر الاسلامي ـ الفلسطيني» عليهم، وثمة ترحيب مسيحي حار ابرزه كان من رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية وزعماء موارنة عديدين. ويلاحظ ان القوات السورية اشتبكت فور دخولها الى لبنان بالقوى المسلحة الوطنية ـ الاسلامية والفلسطينية وعلى الاخص في منطقتي صوفر الجبلية، وصيدا الجنوبية الساحلية، وللعلم بأن المبادرة المذكورة تمت بعد عقود من العلاقات المضطربة بين البلدين، تميزت بشكل خاص باغلاق الحدود من الجانب السوري ويعود السبب الرئيسي لذلك الى ان سوريا كانت تعتبر باستمرار ومازالت، ان لبنان يشكل ممرا للمؤامرات الخارجية ضدها نتيجة ضعف الدولة والتفكك الطائفي في النطاق السياسي العام. وبين رؤية البعض لايجابية الوجود السوري، كان البعض الآخر يعارض هذا الوجود ويراه واقعا سلبيا مفروضا يتطرف الرأي احيانا لوصفه بالاحتلال، فالوجود السوري يدخل حلبة السياسة في لبنان ويحرك قطعها على الرقعة الشطرنجية، كان لـ «بيان الاربعاء» وقفة معه في حوارات ادارها منتداه مع رئيس الوزراء رفيق الحريري ووزير النقل والاشغال المهندس نجيب ميقاتي النائب الدكتور البير مخيبر، وزير الخارجية السابق فارس بويز، ورئيس تحرير جريدة «النهار»، جبران تويني، والنائب محمد قباني و رئيس تحرير جريدة السفير طلال سلمان، وجاءت الاراء كما نعرضها: في البداية كان لابد لنا من الوقوف على الرأي الرسمي بمعنى رأي الحكومة اللبنانية، ولرئيس الوزراء رفيق الحريري رأيه الذي يلفت فيه الانتباه الى سؤال مهم هو: ـ لماذا لم يطبق اتفاق الطائف خاصة لجهة ما ورد فيه من اعادة انتشار الجيش السوري خلال سنتين؟ ـ يقول الحريري: الخلاف محصور حول هذا الامر اي اعادة الانتشار. لكن من هنا نقول ان التأخير لم يحصل في تنفيذ بنود الطائف، التأخير ليس من العرب او سوريا او لبنان، بل حصل نتيجة استمرار الاحتلال الاسرائيلي لعشر سنوات بعد التوقيع على «الطائف» وقبل انسحابه في مايو الماضي. و للاسف لم يتكلم احد في هذا الامر، لكنني لا اقول ذلك بقصد القاء اللوم على اي انسان، بل لاؤكد انه يجب ان نضع ايدينا بين بعضنا البعض لنبذ الخلافات والتركيز على نقاط اتفاقنا لا على النقاط في الاختلاف. اننا نتعاطى جميعا مع سوريا على اساس انها دولة جارة وصديقة وشقيقة، وسنحافظ على علاقة ممتازة معها ولا نقوم باية مشكلة معها. مصارحة الشقيق والصديق ـ هل يناقض ذلك اصرار بعض الاطراف على مصارحة السوريين وبحث كل الامور المشتركة معهم؟ ـ الحريري: بالعكس، فانني مع بحث كل الامور انما من موقع الصديق والشقيق والاخ، قد نختلف على بعض المصالح كما يحصل احيانا بين الاشقاء في العائلة الواحدة. هذا موضوع جوهري، ونحن العرب نملك من الحساسية ما يجعل لمثل هذه الامور ان تلعب دورا اساسيا في حياتنا، من هنا ندعو الى التعاطي بمودة واخوة مع سوريا، وليس بالشكل الذي حصل سابقا، وهو ما طوينا صفحته واصبح وراءنا، انا اقدر امورا عدة في ما يطرحه البطريرك صفير، فهناك تقدير لشخصه، وهو كبير جدا، ويعلم منا ذلك، لكننا لا نستطيع ان نقول للبنانيين كل يوم ان في البلد العديد من المشاكل ثم نطلب منهم عدم الهجرة مثلا. ـ كيف يتم التنسيق بين لبنان وسوريا؟ وهل هو قائم اساسا، او عكس ذلك كما تقول اطراف محلية عدة؟ ـ اننا ننسق مع سوريا رسميا في امرين، وهذا شأن علني لا نخجل منه، الاول يتعلق بالسياسة الخارجية في ما يرتبط بالصراع العربي ـ الاسرائيلي فقط، ولا يوجد تنسيق خارجي اكثر من هذا الصراع، ونحن ننسق في الكلمة مع السوريين. اما الامر الثاني فهو ما يتعلق بالشئون الامنية، وهذا بسبب وجود القوات السورية في لبنان، واعتقد ان هناك توافقا عليه، فنحن لولا الدعم السوري لما كان عندنا جيش، ولو لم تكن سوريا تريد استقلال لبنان لما ساعدت على بناء هذا الجيش، واعتبر ان لا استقلال من دون جيش يحميه، معنى ذلك ان سوريا تصرفت بمسئولية، وفي اتفاق «الطائف» ما ينص على ان القوات السورية تقوم مشكورة بمساعدة الدولة اللبنانية ببسط سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية، ومن دون ممالأة اقول ان الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عهد الرئيس السابق الياس الهراوي حتى العهد الحالي برئاسة العماد اميل لحود، قامت بما يتوافق مع اتفاق «الطائف» والدستور فيما يتعلق ببسط سلطة الدولة على كامل اراضيها، وقامت سوريا بالتزاماتها كاملة، وغير منقوصة في هذا الاتجاه، اما مسألة تعيين موظف كبير هنا او آخر هناك ، فهذا ليس من عمل سوريا، وهي لا تتدخل به اساسا. وينهي الحريري موقفه على هذا الصعيد قائلا: ومستدركا لكن يجب ان نقدر ان ابواب السوريين مفتوحة امام الناس، ولا تقفل سوريا الباب امام احد فعندما يريد احدهم ان يترشح لمنصب محافظ فيمكن ان يزورها ويطلب ذلك ولكن يجب ان نرى ما اذا كانت سوريا تطلب ذلك من المسئولين اللبنانيين، اللبناني هو من يطلب، فانا وخلال ست سنوات من رئاستي للحكومات السابقة لم يقل لي اي مسئول سوري لماذا لا تعين هذا المحافظ او ذاك، ثم ان المحافظين الذين تم تعيينهم في المراحل الاخيرة في بيروت لا يعرفهم السوريون. وهنا اكرر ما سبق ان اشرت اليه سابقا، وهو ان اسرائيل لم تنسحب من لبنان الابعد عشر سنوات من اتفاق الطائف، فلماذا هذا الاصرار على الربط بين انسحابها ومطالبة السوريين بانهاء وجودهم العسكري في لبنان فيما مازالت مزارع شبعا محتلة مثلا. تكامل المصالح ضروري يرفض الرئيس الاسبق للجمهورية امين الجميل المنطق الذي يتحدث عن وجود تناقض بين السيادة اللبنانية والمصالح الاقليمية لسوريا: «المطلوب بعض الحلول التي تحمي هذه المصالح وتحقق امنيات اللبنانيين في السيادة والاستقلال الكاملين، فالوفاق اللبناني ليس ضد مصلحة سوريا، ولا تتناقض سيادتنا مع مصلحتها الاقليمية فبالامكان التوافق على تأمين هاتين والمصالح وانني مستعد لزيارة سوريا والبحث مع قيادتها في هذا الامر وفيما يسود بين اللبنانيين من هواجس، لان المطلوب، اولا واخيرا، ان يكون هناك تكامل بين مفهومي سيادة لبنان ومصالح سوريا الاستراتيجية، لا تناقض بين الاثنين، وهو ما يجب ان نكون متفاهمين عليه مع الاخوة في سوريا، فثمة ثوابت لبنانية لايختلف لبنانيان حولها، ومنها ضرورة الاستمرار في التضامن اللبناني ـ السوري، ضمن التزام لبنان بالتضامن العربي، ودعوته الدائمة، وعمله الدؤوب للحفاظ عليه، ومن الثوابت ايضا دعم صمود سوريا في نزاعها مع اسرائيل، فهي في خندق واحد مع لبنان في مواجهتها. ويدعو الرئيس الجميل الى: «اقامة اطيب العلاقات مع سوريا، مضيفا: خاصة وانني كنت المس عاطفة خاصة تجاهي منها عندما كنت رئيسا للجمهورية واعمل حثيثا من اجل تثبيت تلك العلاقات المميزة بين بلدينا. ويكشف ان ثمة خلافات في الرأي كانت تحصل اثناء لقاءاته مع الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، لكنه يؤكد انها: كانت لقاءات حميمة وودية وايجابية وحبية لمعالجة اية خلافات، وهو (الاسد) كان يعتبرني من اقرب الناس الى قلبه، وهذا ما ردده باستمرار امام المسئولين العرب والكثيرين من الاصدقاء. ثم يعطي الجميل نوعا من التبرير لبقاء الوجود العسكري السوري مؤقتا في لبنان، فيقول: «مازالت سوريا غير مستعدة لطي الملف اللبناني بشكل يحفظ مصالح لبنان العليا، وغير جاهزة لتحقيق ما يطمح اليه اللبنانيون، رغم الاتفاقيات القائمة بين البلدين، واتفاق الطائف، والمعاهدة اللبنانية السورية، حيث نصت كل هذه الوثائق على ضرورة تحقيق الوفاق واعادة تمركز الجيش السوري خارج بيروت والجبل والشمال المشكلة ليست في حساسيات شخصية ضد ذلك الوجود بل في عدم استعداد سوريا لذلك لاسباب اقليمية. علاقة بناءة وايجابية وزير الاشغال والنقل المهندس نجيب ميقاتي اكد ان الخيار الوحيد امام لبنان ان تبقى علاقته مع سوريا بناءة وايجابية وبالتالي غير سلبية او هدامة، خاصة وان سياسة الحكومة تصب في هذا الاطار رغم وجود بعض انواع المعارضة التي ترتدي في احيان كثيرة طابع الصمت. ـ سألنا الوزير ميقاتي: الى اي حد بلغ الانقسام بين اللبنانيين في ظل التشنجات السياسية والطائفية الحاصلة؟ ـ الوزير نجيب ميقاتي: لا شك ان هناك آراء مختلفة، وتعبيرا غير واضح لكن لم نصل الى حد التفرقة الكاملة، اليوم توجد آراء متعددة ونحن معها، ومع التفكير المتنوع، والمعارضة البناءة التي تعطي قيمة اضافية للاداء السياسي. انا مع تفاعل الافكار وتبادلها حتى نحقق صيغة واحدة، ليس لنا خيار سوى وحدة لبنان والوطن، وعلينا ان نتصرف ضمن هذا الاطار. ـ لماذا لا تتحمل الحكومة مجتمعة مسئولية وضع اليد على ملف العلاقات السورية ـ اللبنانية وخاصة الوجود السوري في لبنان؟ ـ يبادر رئيس الحكومة رفيق الحريري دائما لتحصين وتحسين العلاقات اللبنانية ـ السورية، هذا ما اراده كرجل متابع معه للذي يحصل. فقد تواكبت اصوات بعد الانسحاب الاسرائيلي وتحرير الجنوب طرحت اعادة النظر في الموضوع السوري، فكانت الحكومة السابقة مواكبة للموضوع وهذا توجه الرئيس اميل لحود، على ان تكون العلاقة ممتازة، مع الاخوة السوريين الامر الذي يتحقق بتعزيز التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية. ـ لكن الشارع اللبناني يتحرك ضمن حالات صدامية ضد استمرار الوجود العسكري السوري في لبنان، فلماذا؟ ـ من المؤكد بان الشارع لا يلم بالموضوع، ولا يملي القرار. هناك مصلحة لبنانية عليا يدركها المسئولون اللبنانيون ويحرصون على استمرارها وتطويرها مع دمشق. الشارع عنده آراء وافكار، ونقول هل الشارع المعارض هو المعارضة البناءة التي سوف نتبناها، هل الموالاة تعرف كيف توالي؟ اليوم يوجد عندنا طرفان في الموالاة: طرف يوالي لانه مقتنع والطرف الآخر موال بصمت وتوجد ايضا معارضة غير بناءة، لترى ما لها في هذه الدولة من حصص، ومعارضة بناءة تتكلم لتحسين الاداء، لتعطي اضافة للاداء السياسي اللبناني وهذه نرحب بها. فالدور السوري في لبنان اعطى في كثير من الاوقات نتائجه التي كانت دائما لمصلحته بالاستقرار الامني والتعايش بين اللبنانيين واعادة بناء الدولة ومؤسساتها، لم يكن دورا سلبيا خلال كل الفترة السابقة بالتعاون بين الدولتين. الآن لدينا واقع نحن نوجد فيه، بغض النظر اذا كنا نتوافق سياسيا او لا نتوافق، فهذا الواقع هو الجغرافيا السياسية. نحن ليس لدينا خيارات كبيرة في هذا الموضوع، الخيار ان تكون علاقاتنا مع سوريا علاقة على مستوى جيد بين الدولتين وتكون بناءة وايجابية وغير سلبية وهدامة، هذا في نظري والذي اراه دائما، توجد نقاط تجاذب كثيرة بين اللبنانيين هذه النقاط نعرفها ونعرف اسبابها وخلفياتها. والسؤال هل نصل الى علاقة افضل عندما نكون سلبيين مع سوريا؟ وهل هذا الذي نريده؟ يجب ان تبرمج الحكومة اولوياتها وتتفادى اثارة المواضيع التي يمكن ان تفرز مواقف متشنجة يستفيد منها بشكل خاص العدو الاسرائيلي ويضعف موقف لبنان. يجب ان يكون هناك حديث لبناني ـ اعلامي اساسي ليرى المواطن ايجابيات وسلبيات هذا الموضوع. ـ من يقود هذا الحديث؟ ـ المفروض كل واحد من موقعه وقناعاته وكلنا متداخلون في المعترك السياسي، وثانيا الحكومة بشخص رئيسها تعبر. ـ البعض يقول ان هناك تجاذبا بين الوزراء هل هذه حقيقة ام شائعة؟ وهل بين الوزراء خلاف حول معالجة الملفات الشائكة خاصة منها العلاقات اللبنانية ـ السورية، والملاحظ ان الرئيس لحود وحده يتصدى للمواضيع، فاين الحكومة والوزراء؟ وهل هناك خلاف حول المعالجة من اجل ذلك؟ فالحكومة تتجاهل مناقشة هذه المواضيع لتقود هي الحوار والحديث بهذا الاتجاه؟ ـ لم ار تجاذبا في الموضوع بين الوزراء، عندما يطرح اي موضوع خلال جلسات الحكومة، حيث لا يكون هناك اي مخالف لرأي الرئيس لحود وللتصور الذي يعطيه في بداية الجلسة. ويحصل توافق ويكون الكلام في سياق التوافق ومسار العلاقات المميزة مع سوريا ويجب ان نصور هذا الموضوع ونتعاطى به من زاوية مصلحة لبنان العليا، واؤكد بان الوقت لم يفت حتى نستفيد من هذا الحوار ولكي نقدر ان نبني لمصلحة بلدنا ونحن بحاجة لهذا الحوار لكي يكون بناء. اصدقاء لسوريا .. ولكن! النائب الدكتور البير مخيبر من اشد المعارضين علنا لاي وجود او دور سوري في لبنان، ويدلل على ذلك قوله: اذا انسحبت سوريا من لبنان، فلن يبقى لها فيه الا الاصدقاء. ـ سألنا الدكتور مخيبر: لماذا؟ ـ د. مخيبر: من تصفح الصحف اللبنانية في الفترة الاخيرة تلمس دون شك الخلاف بين الشعب والحكومة، فالحكومة وانصارها وبعض وزرائها يشعرون بضعف موقفهم القانوني في الرد على مطالب الشعب التي يطرحها البطريرك صفير وتتبناها المعارضة. فالحكومة وادواتها واعلامها لجأوا الى نوع من الفتاوى التي تشكل خللا في النصوص الدستورية وفي ثوابت الدولة لانها عجزت عن الامساك بقوانين تؤمن قانونية نهجها واقتراحاتها، لكنها تطلب في الوقت نفسه من الشعب ضبط النفس وعدم التحديد لكي نتمكن من التفاوض بخصوص خروج الجيش السوري من لبنان. والشعب يرى ان الاستقلال والسيادة لا يتطلبان حوارا ولاتفاوضا لان الدستور يحمي الاستقلال والسيادة والقرار الحر، وان مجرد التفكير في التفاوض في هذا الشأن مع سوريا يعتبر كفرا بالدستور. فالحكومة تقول ان الوجود السوري شرعي في لبنان، لكن نحن نقول انه غير شرعي، وغير صحيح، لان هذا القبول لا يستند الى مسوغ دستوري، وهكذا يرى الناس ان ماتقوله الحكومة هو التحدي بعينه. ومن ثم جددت الحكومة في القمة العربية الاخيرة في العاصمة الاردنية عمان لتربط المسار اللبناني بالمسارين السوري والفلسطيني، وهذا الامر يتنافى ايضا مع الدستور اللبناني. اسأل السلطات اللبنانية: من هو بحاجة الآن الى الجيش السوري: الشعب الفلسطيني المنتفض يوميا ضد اسرائيل ام لبنان الذي تحررت اراضيه؟ لذلك فماذا يعمل الجيش السوري في لبنان حتى الآن؟ التوازنات السياسية ـ وزير الخارجية السابق النائب فارس بويز يقول: ان اتفاق الطائف جاء نتيجة اعتبار البعض في لبنان ان رؤساء الجمهورية يتخطون صلاحياتهم ويمارسون سلطة قوية من دون الاخذ في الاعتبار التوازنات السياسية القائمة، وعلى هذا الاساس انيط بمجلس الوزراء مجتمعا السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) ويمكن لرئيس الجمهورية ان يشارك في اجتماعات المجلس حين يريد لكن لا يستطيع ان يمارس هذه السلطة لوحده. ويتابع قائلا: اتى الاتفاق ليقول انه لا يمكن للحكومة ان تمارس مهامها قبل ان تنال ثقة مجلس النواب، وكان ذلك رد فعل على الحكومة العسكرية التي شكلها العماد ميشال عون. ـ ولكن هل تحققت روحية الطائف فيما يتعلق بتشكيل الحكومات وعلاقاتها مع رئيس الحكومة؟ ـ بويز: حتما لم تتحقق لان الحكومات وبدل ان تتألف من القوى السياسية الحية الموجودة في البلاد تحكمت في تأليفها الاستنسابية وغيبت قوى واحزابا فاعلة، وكان يجب ان يكون لمجلس الوزراء نظام داخلي وان يكون لمجلس الوزراء مؤسسة منفصلة عن رئاستي الجمهورية والحكومة ويكون لها نظامها ومركزها وامينها العام. وبعد ان يستعرض بويز الثغرات الاخرى في تطبيق اتفاق الطائف وخصوصا على صعيد سلطة مجلس الوزراء، يشير الى موضوع العلاقة مع سوريا، فيرى ان الطائف جاء ليضع نوعا ما، برمجة لعملية تسلم الدولة سلطاتها وممارسة سيادتها ومسئولياتها، لكن ذلك لم يتم على الرغم من مرور 12 عاما على الطائف، وتحول الاتفاق للتغطية على هذا الموضوع ويحاول البعض طرح موضوع الغاء الطائفية السياسية مقابل بحث موضوع العلاقة مع سوريا وكأن الشعور هو كيفية البحث عن اية ثغرة لتجميد تنفيذ الخطوات الاخرى. ـ ما الذي تقترحونه لاعادة الاتفاق الى سكة التنفيذ؟ ـ كثير، ولكن الابرز: 1ـ ان تقوم الدولة بحوار اخوي واضح غير علني من اجل وضع برنامج عمل يقدم جدولة لتسلم الدولة مسئولياتها. 2ـ ان تؤلف حكومة وفاق وطني حقيقية. 3ـ ان يطبق مجلس الوزراء نظامه الداخلي المحدد. 4ـ ان يمارس مجلس الوزراء بشكل صحيح مسئولياته. مطلوب استراتيجية ينتقد النائب نسيب لحود رئيس الحكومة رفيق الحريري لايراده في بيانه الوزاري الذي نالت حكومته الحالية به ثقة مجلس النواب وصف الوجود (العسكري) السوري في لبنان بالمؤقت والشرعي والضروري، مشيرا الى ان العلاقات اللبنانية ـ السورية معقدة. ويدعو لحود الى حوار رسمي بين الحكومتين اللبنانية والسورية يتم على اساسه تحديد نقاط عدة تتعلق بذلك الوجود منها مدى الحاجة اليه، ونقاط تواجده، وعدده وعديده، لانه ليس من احد يصدق ان احتياجات لبنان للدعم العسكري السوري لم تتغير خلال السنوات العشرين الماضية، فقد انتهى هذا الدعم للقوات المسلحة اللبنانية في حفظ الامن مثلا، بعد قيام مؤسساتها وتطورها وتطويرها، لكن يبقى المطلوب فقط من حكومتي البلدين، ان تحددا معا نقاط تواجد الجيش السوري فيما يختص بحاجة لبنان وسوريا الى هذا الوجود، بما يتعلق بالضرورات الاستراتيجية المشتركة في الصراع العربي ـ الاسرائيلي. وفيما يتمنى لحود النجاح لاية مبادرات في التوفيق بين بيروت ودمشق لوضع استراتيجية مشتركة حقيقية، تنسق العلاقات، وتتضمن آلية تفاهم حول مستقبل الوجود السوري، خاصة مبادرة الوزير السابق فؤاد بطرس، ينتقد عدم قيام الدولة اللبنانية بأي تحرك في ذلك الاتجاه: لان ذلك يستند الى تلك الكلمات الثلاث التي وردت في البيان الوزاري، لا اكثر ولا اقل. ويدعو الى وجوب انتقال العلاقة المشتركة من منطق ميزان القوى الى ثقة متبادلة، تكون مبنية على احترام مشترك للسيادة والاستقلال، الامر الذي يعزز مجالات التعاون، ويفتح المزيد من ابوابها لمصلحة البلدين معا. انما لا مجال للوصول الى هذا الطلب المنشود الا باستعادة الثقة المتبادلة، التي لا يمكن ان تبنى سوى على احترام كل بلد لسيادة واستقلال الآخر، ولا يجب ان يتم ذلك تحت الضغط خاصة وان امكانات سوريا في الضغط على لبنان اقوى بكثير مما لدى لبنان. اما النائب الماروني بطرس حرب فيؤكد انه: ليس لدى احد من اللبنانيين رغبة في استعداء سوريا، بل ان يكون البلدان شقيقين ومتعاونين يؤمن الواحد منهما مصلحة الآخر في ظل احترام متبادل. ويلفت الى ان البطريرك صفير يدعو الى تلك المقولة. لكن حرب يستدرك قائلا: ولكن مشكلتنا ان قرار الدولة اللبنانية ليس عندها، لارتباطه بظروف اقليمية من جهة، وبالتوجيه السوري من ناحية اخرى. اذن فالدولة غير قادرة على اقامة حوار حول الوجود السوري اذا لم تكن دمشق راغبة بذلك، لكن الواضح ان مواقف البطريرك صفير لا تتضمن اي استفزاز لسوريا لا على الصعيد الوطني، ولا على مستوى العلاقات المشتركة، وليس فيها اي موقف فئوي او طائفي، فهو لم يطلب اي مطلب للطائفة المارونية، بل كان، ومازال، يؤكد على ان اللبنانيين، بجميع طوائفهم وفئاتهم وشرائحهم يريدون السيادة والاستقلال والحرية من دون اي استعداء لسوريا، بل بالعكس، الحفاظ على العلاقات الاحسن والافضل معها، وبرأيه ان سوريا ولبنان محكومان بعلاقات خاصة كجيران و«الجار قبل الدار» فقدر بلدينا بالتالي ان يكونا على علاقة وثيقة وجيدة بحكم الترابط الجغرافي المميز بينهما، فسوريا محيطة تقريبا بكل لبنان. ويضيف النائب حرب قائلا: انني انصح السلطة اللبنانية لان هذا من مصلحتها بالدرجة الاولى، كما من مصلحة لبنان، ان تبادر الى اقامة الحوار الوطني الداخلي، وفتح الملفات والقضايا التي يمكن بحثها بكل تعاون ومحبة مع البطريرك صفير الذي يطلب السيادة والاستقلال، كما يتمنى اي لبناني، وليس بخروج الجيش السوري، ولاهو يعتبر ان هذا الجيش عدو، بل يلفت الى ان اتفاق الطائف ينص على اعادة تمركز الجيش السوري في سهل البقاع (بعد الانسحاب الاسرائيلي). لذلك فالامر منصوص عليه في الاتفاق الذي اقره النواب الذين يمثلون الشعب، الا ان الاهم من ذلك يبقى الارتقاء بالدور السوري في لبنان الى ماهو ابعد من الشئون السياسية الداخلية واقصد ما يجب طرحه على المستوى القومي المتبادل. ثم يتساءل حرب في اطار تأكيده على وجوب تمتين العلاقات المشتركة بين البلدين: كيف يمكن ان نقتنع بان الدور السوري سيكون مستحبا في لبنان، فيما الحدود بين سوريا ولبنان مشرعة للبضائع والمنتجات التي تغرق الاسواق اللبنانية، في الوقت الذي تسد فيه الابواب الخارجية امام الصناعات والمنتوجات اللبنانية، والزراعية كما يعمل العمال السوريون في لبنان دون اية ضوابط على حساب العمالة اللبنانية. منطق الضرورة يقول رئيس حزب «الكتائب» منير الحاج: وردت في وثيقة الطائف فقرة عن العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا، ويفترض ان البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير قد قرأها جيدا، وهو لايكن اي عدائية لسوريا ومن المصلحة العامة ان نفصل بين هذه القراءة للبطريرك صفير وبين النبرات العدائية التي يساهم فيها بعض السياسيين وحقن الناس بها، في سبيل استغلالهم لمصالح سياسية معينة، نحن في حزب الكتائب مع مواقف البطريرك المطالبة باستكمال تنفيذ «الطائف» لكن لا نؤيد اطلاقا الذين يستغلون مواقفه لاهداف شخصية وفئوية، فالوجود العسكري السوري ليس ابديا في لبنان، بل هو في جميع الاحوال، سيبقى مؤقتا، هذا ما يعتبره لبنان، وكذلك سوريا التي تعترف باستقلال لبنان وتؤكده، وتعتبر ان ماقامت به منذ العام 1976، ولا تزال هو خدمة له ولاستقلاله وسيادته وحمايته من الاعتداءات والاطماع الاسرائيلية، ولو لم يكن الامر كذلك فلماذا ساعدت في بناء مؤسساته بعد الحرب، خاصة المؤسسات العسكرية والامنية، وفي مقدمتها الجيش ؟ هناك من يتحدث عن ان سوريا تعمل لضم لبنان اليها، هذا غير صحيح، لانها كانت قد استفادت من فرصة دخولها العسكري اليه عندما كان يتخبط بالاقتتال والفوضى والانقسامات، وهناك من يتساءل عن شرعية الوجود السوري، وهذا امر في غير محله، باعتبار ان الضرورة هي التي تحدد شرعية عمل ما، او بالعكس سواء كانت هناك نصوص قانونية او لم تكن. ويتابع الحاج قائلا في اطار توضيح الضرورة، والتأكيد عليها: يجب مناقشة ذلك الوجود ضمن اطر واضحة، اولها بين البطريرك ورئيس الجمهورية، ثم بين الرئيس اميل لحود والقيادة السورية في نطاق عميق من المصارحة الواقعية تحدد الضرورة لبقاء القوات السورية في لبنان، خاصة في ظل الغليان والبركان المتحرك في المنطقة. فاذا اقتنع البطريرك بتلك الضرورة يتم تسويقها في الاوساط المسيحية في لبنان، لانه ليس من العاملين لاثارة الشارع المسيحي، فهو يدرك ان هذا يؤدي الى تحريك الشارع المقابل الاسلامي فتعود النعرات الطائفية التي يريدها بعض السياسيين، لكن مايهم البطريرك صفير ليس السيادة والاستقلال فحسب، بل ان يبقى محافظا على علاقات مميزة مع سوريا، وهذا ما عبر عنه مرارا وتكرارا كلما طرح قضية الوجود العسكري السوري في لبنان وذلك في اطار الارشاد الرسولي الداعي الى الانفتاح داخليا وخارجيا. اذن فهو يطرح الامر من زوايا عقلانية وهادئة وايجابية، انما المطلوب الاتفاق على تحديد الضرورة ثم تتم اعادة انتشار القوات السورية على اساسها بتوافق الجميع. دور الاعلام عضو كتلة قرار بيروت النائب محمد قباني يعتبر انه حتى نفهم اتفاق الطائف يجب ان نستعيد الظروف التي ادت اليه وهي حروب دائمة بدأت قبل انعقاده بخمسة عشر عاما وكان الاجتماع في الطائف بالتالي محاولة جادة لتحقيق هدفين: ـ اولا: انهاء الحرب الاهلية ووقف العنف. ثانيا: معالجة اسباب الحرب بما يمنع تكرارها كل فترة من الزمن. ولقد تحقق الهدف الاول واصبحنا ننعم بالامن، اما الهدف الثاني فجرت مقاربته من خلال «وثيقة الوفاق الوطني» التي كرست في الدستور والتي نقلت البلاد من نظام طائفي تتحكم فيه امتيازات طائفية معينة الى نظام طائفي جديد اكثر عدالة في توزيع المسئوليات بين القوى السياسية، والاتفاق ينقل السلطة الاجرائية من رئيس الجمهورية منفردا، وهو بالعرف ماروني، الى مجلس الوزراء مجتمعا حيث تتشارك جميع الطوائف في اتخاذ القرار السياسي وقيادة البلاد. ويضيف قباني: لقد تم تطبيق جزء كبير من الاتفاق، وان كانت هناك نواقص تحتاج لاستكمال، لكن علينا ان نعي ان هذا الاتفاق هو اتفاق مرحلي لما يسمى بالجمهورية الثانية وهو مطروح للتعديل والتطوير كلما احتاجت البلاد ومصلحتها الوطنية الى ذلك، وهذا يعني انه ليس اتفاقا نهائيا وسرمديا، لكن في الوقت نفسه فهو ليس اتفاقا عاديا يمكن ان ننقض عليه ببساطة ونتبرأ منه اذا لم يعجبنا، اننا من دعاة تطوير الطائف ولكن الى الامام وليس الى الوراء، اي الانتقال الى النظام اللاطائفي بديلا لنظام التوازن الطائفي الدقيق! ـ ماهي الاشكالات التي عانى منها الاتفاق؟ ـ المطلوب الالتزام بالدستور والقوانين في حياتنا السياسية اليومية ولا نستطيع ان نعدل صلاحية هنا او هناك لمجرد ان هذا المسئول قوي او ان ذاك المسئول ضعيف فالحامي هو الدستور والقوانين والتقاليد السياسية. ـ ما رأيك بالدعوة لتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية مقابل الدعوة لبحث العلاقات اللبنانية ـ السورية؟ ـ في هذا الموضوع بالذات يجب ان نميز بين الاساس والتفاصيل، فالاساس بالنسبة لالغاء الطائفية السياسية ان تبقى هدفا كبيرا من اجل انقاذ البلاد من العفن الطائفي، ولذا من الضروري انشاء الهيئة من المسئولين الاساسيين وعدد من الاعضاء، وواجبها دراسة ووضع خطة لالغاء الطائفية السياسية ومهمة الهيئة اذن التخطيط، اما عملية الالغاء فانها مسألة وطنية لاتتم الا نتيجة مناخ وفاقي ووطني يؤدي لتعزيز الوحدة الوطنية اما بالنسبة لإعادة انتشار القوات السورية فهذا يعود لاتفاق الحكومتين اللبنانية والسورية وفق الحاجات الامنية للبلدين الشقيقين وحسب ظروف المنطقة وتطورات الصراع مع العدو الصهيوني ولا يجوز ان يكون هذا الموضوع موضع سجالات او مزايدات اعلامية. ـ ماهي المزايدات الاعلامية، وما المقصود بها؟ ـ يرد رئيس تحرير جريدة «السفير» طلال سلمان، وهو من مؤيدي الدور السوري في لبنان فيقول: هناك صراع على السلطة يتخذ اشكالا حادة. وربما تنشأ الحدة من ان المناخ الذي تدور فيه هذه المعركة السياسية هو مناخ متوتر، وتستخدم فيه الاسلحة الطائفية التي تنذر دائما بالخطر. ولكن في هذه اللحظة السياسية لااظن ان اللبنانيين مستعدون للدخول في الحرب الاهلية. انما هناك خلاف سياسي جدي بينهم، ولكن مع الاسف لغياب المؤسسات السياسية او لضعفها، كالاحزاب والنقابات والهيئات وربما ايضا بسبب ضعف المجلس النيابي ايضا فبات الكيان السياسي اللبناني يتبلور على شكل منازعات طائفية، ولان النظام في لبنان نظام طوائف ولان السلطة بالتالي حصص طائفية فان اي خلاف في موضوع توزيع الحصص بين الطوائف ينعكس في الشارع، ويتم تسويقه على صورة منازعات طائفية. ان جوهر الخلاف في لبنان سياسي مغلف يستثير الغرائز والحساسيات الطائفية باعتبار انها من وسائل اللعبة السياسية في البلد. واعتقد ان هناك صراعا على النظام، ومحاولة لاعادة صياغة هذا النظام، هناك طرف يعتبر انه قد خسر باتفاق الطائف شيئا من سلطته ويحاول تعويضها والعنوان دائما سوريا. هذا الخلاف حول النظام وحول مكاسبه او مغانمه او كيفية توزيع الصلاحيات داخل اطاره .. كل ذلك يعني ان النزاع متجدد دائما في لبنان، ففي كل فترة تثور الخلافات خصوصا ان المجتمع يتطور وكثير من الفئات التي كانت خارج نعيم السلطة قد دخلت الى هذا النعيم، فأعيد التوزيع، وبالتالي هناك ربما من يشعر الآن بانه قد اخذ منه اكثر مما يجوز، بينما الآخرون يفترضون انهم لم يأخذوا بعد ما يكفي. اذن هناك نوع من المطالبة باعادة صياغة النظام، ويحمل شعارا طائفيا، لذا يطرح الموضوع بنبرات طائفية حادة، وتطحن سوريا في وسطها حتى تعطي الموضوع ابعادا سياسية تتجاوز الداخل ولكن حقيقة الامر ان الصراع اولا واخيرا حول السلطة والنظام وحصص الطوائفية في النظام. اتفاق الطائف كان تسوية سياسية في مرحلة محددة، قد لا تكون قد انتهت الآن ولكنها تسوية مؤقتة، ولابد ذات يوم من اعادة النظر به، ما يعني انه في كل فترة، وفي بلد مثل لبنان قائم على التسويات، ومعادلة صعبة ومعقدة لحفظ كل الطوائف فيه فانه من الطبيعي ان يعاد النظر فيه على الاقل، ليس في ركائز التسوية وانما في تطبيقاتها وتعديل تطبيق ممارسة اعادة النظر في مآخذ التجربة. أدوات مخابراتية سألنا تويني رئيس تحرير جريدة «النهار»: ـ هل يعاد انتاج حرب اهلية جديدة في لبنان ومن المنتج، وماهي الأدوات؟ وهل «الجنون القاتل» سيبقى في عين «فرحه الدائم» فيه؟ ـ ليس هناك اي انتاج لحرب اهلية جديدة، انما هناك محاولات لخلق نعرات طائفية اداتها اجهزة مخابرات مأجورة وابواق رخيصة جدا، واكبر برهان على ذلك ان هناك حاليا وعيا لبنانيا، الذي لو كان موجودا عند اندلاع حرب 1975 لما سقط اكثر من 200 قتيل مثلا. لكن اللبنانيين علموا تماما انهم استعملوا خلال الحرب، وكانوا آداة في بعض المراحل، ولذلك هم يعلمون اليوم ان الذي يحصل هو من صنع المخابرات التي تسعى لايجاد مبرر لاقفال بعض الملفات التي نطالب بفتحها، وابرزها الوجود السوري في لبنان، واسترداد الاستقلال السياسي، والقرار اللبناني المستقل، وفتح الحوار اللبناني ـ اللبناني الداخلي. ـ هل تلك الادوات المخابراتية عربية أم اجنبية؟ حسب تقديرك السياسي؟ ـ برأيي ان السوريين، وعن خطأ منزعجون من مطالباتنا في فتح حوار لبناني ـ سوري، ومن ان اللبنانيين التقوا مسلمين ومسيحيين ومن اليسار واليمين حول المطالبة بهذا الطرح باعتبار ان هناك ضرورة له. ويعتقد السوريون ان اي حوار وطني لبناني سوف يكون على حسابهم، لكننا نقول انه يجب ان يكون الحوار منصبا لصالح العلاقات اللبنانية ـ السورية الذي يجب ان تكون واضحة ومبنية على اسس واضحة كي نقدر على تثبيت الجيرة الطيبة. في الوقت الحاضر هناك مشكلة في العلاقة اللبنانية ـ السورية على مستوى الشعب اللبناني والنظام السوري، وايضا هناك مشكلة تجاه الاداء السوري في لبنان، نحن نعتبر ان هذا الواقع بحاجة الى حل لكن الامر لا يحصل الا بالحوار الوطني المحلي. ـ دائما كان هناك عدم ثقة في التعاون، على مدى عقود ولم ينتج ذلك الا الحروب او النعرات، فهل عدم الثقة مازالت قائمة حتى الآن؟ ـ تغير الزمن. ـ تغير بين أية اطراف؟ ـ تقصد بين اللبنانيين. ـ المقصود بين اللبنانيين والسوريين؟ ـ ما يعيد الثقة ان يفهم السوريون انه اذا كان لبنان موحدا وقويا ومرتاحا لعلاقته مع سوريا فانه يكون الدرع الاول في الدفاع عن قضايا السوريين وبالاخص استرجاع الجولان. اما اذا كان لبنان ضعيفا، ولا يملك ثقة بسوريا وبالدور السوري في لبنان، واذا كان يعتبر نفسه وبعض اللبنانيين يعتبرون انفسهم بانهم مستهدفون من قبل السوريين فلا نقدر على الطلب من هذا الجسم اللبناني المريض ان تنتقل العدوى منه ولتكون عافية للسوريين، فاذا كان لبنان مريضا فستصاب سوريا بالمرض نفسه. اعتبر ان السوريين بحاجة الى لبنان القوي، والى وحدة شعبه والعلاقات الطبيعية، والصريحة من خلال مصارحة كما الى لبنان الدولة الحرة السيدة والمستقلة. لذا فان على السوري ان يعلم بان لبنان عندما يستكمل سيادته واستقلاله فهو قوة لسوريا ضد اسرائيل. ـ خلال 25 عاما من الحرب والدور السوري في لبنان الذي مر في عدة مراحل لم يحن الوقت بعد لكي يكون تفاهم على المصالح المشتركة؟ ـ اكيد كي يكون تفاهم يجب ان يكون هناك حوار. ـ ثمة مفارقة: فمن جهة تطرح ممنوعات مفروضة منها انه لا استقرار، ولا توحيد، ولا لقاء وطنيا: ومن الجهة الاخرى تؤكد على التلاقي اللبناني الذي يتوسع. لماذا لا تنتصر ارادة الداخل على الممنوع من الخارج؟ اللبنانيون متفقون الآن على الكثير، لكن متى يصلوا الى نتيجة ان ينتهوا من الخارج؟ ـ لا حوار خارج الدولة اللبنانية، وهي ليست حرة لسوء الحظ، لكن اللبنانيين الاحرار هم الاداة التي تجعلك تكرس هذه الارادة الحرة، ومؤسسات الدولة، التي مازالت مكبلة وليست حرة. ـ اذن المرحلة الاولى من الحوار يجب ان تتم مع الدولة؟ ـ اكيد، دائما. ـ هذا غير حاصل على الآن برأيك؟ ـ لان الدولة مقفلة ابوابها وليس اللبناني، الدولة هي التي تفرض نفسها كفريق، لذا فان ابوابها مقفلة. ـ اذن نقول ان هناك خطوات للخروج مرحليا من الازمة؟ ـ يجب على الدولة ان تعول لتتبنى وتعتمد لغة الحوار وتستمع لابنائها، وتنقل مخاوفهم الى الطرف السوري، وتفاوضه وتعود لفتح حوار لبناني ـ لبناني داخلي حول كل الآفات وحول كل المخاطر التي يواجهها لبنان حاضرا ومستقبلا. ـ حسب تقديرك المرحلة الجديدة الى اين تتجه؟ ـ دقيقة جدا، ممكن ان تحمل اجوبة واضحة وصريحة وسوف تقرر مصير لبنان. ـ لكن الاجواء متفائلة وتتحدث عن انتهاء شتاء الخلافات والبدء بربيع المصالحات؟ ـ ان شاء الله، لكن بالنهاية فالمشكلة هي عند الدولة، فاذا كانت تعتبر ان ربيع المصارحة مع سوريا قد أتى فأهلا وسهلا به، بل نأمل ان نصل الى صيف من العلاقات المتبادلة والمتكافئة.

التاريخ: 
الأربعاء, مايو 9, 2001
ملخص: 
وردت في وثيقة الطائف فقرة عن العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا، ويفترض ان البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير قد قرأها جيدا، وهو لايكن اي عدائية لسوريا ومن المصلحة العامة ان نفصل بين هذه القراءة للبطريرك صفير وبين النبرات العدائية التي يساهم فيها بعض الس