الفيدرالية التي ستقضي على ما تبقى من لبنان

النوع: 

 

يشهد لبنان تصاعداً في لهجة التصعيد الطائفي، وتلويحاً بمشاريع من نوع الفيدرالية واللامركزية الموسعة، تسببت باتهامات وسجالات بين أطراف عدة، وذكّرت بأيام الانقسام الحاد، حين ظهرت أفكار تقسيمية إبان الحرب الأهلية (1975-1990)، التي انتهت بإقرار اتفاق الطائف وبإصلاحات دستورية طوت صفحة هذه الاتجاهات.

وبين فترة واخرى تطرح مشاريع سياسية جديدة تحت عنوان : معالجة الازمة اللبنانية وقيام دولة مستقرة لا تواجه ازمات ومشاكل داخلية، ومن ضمن هذه المشاريع الدعوة الى تطبيق الفيدرالية، باعتبار ان لبنان منقسم الى مجموعات ثقافية ومجتمعية متنوعة، وهناك خلافات سياسية وفكرية فيما بينها، وان الحل الوحيد لمعالجة هذه المشكلات هو الدعوة لقيام نظام فيدرالي يقيم الدولة المركزية ولكنه يترك لكل مجموعة او منطقة تطبيق الاحكام والسياسات التي تناسبها.

والسؤال هو، ما هي طبيعة المشاريع الفيدرالية التي تطرح في لبنان؟ وهل هذه المشاريع تشكل حلا للمشكلة اللبنانية او أنها سبب جديد لمزيد من الازمات والتفجير والصراعات بين مختلف المناطق والمكونات اللبنانية؟

ومع استمرار الشغور الرئاسي، واشتعال الخلافات بين الكتل السياسية، عاد الحديث عن “الفيدرالية” للواجهة، حيث تطالب بعض الأصوات بضرورة إحلال النظام الفيدرالي بدلا عن اتفاق “الطائف”.

هذه المطالب التي سبق طرحها في مناسبات عدة، ظهرت جلية عبر مؤتمر حمل عنوان “العقد الجديد من نظام الطائف إلى النظام الفيدرالي”، والذي نظمه ما يعرف باسم “المؤتمر الدائم للفيدرالية”، ويدعو المؤتمر إلى ضرورة الانتقال إلى نظام يرتكز على الأسس الديموغرافية – الجغرافية حفاظًا على الكيان ومنعاً للتقسيم.

بات اتفاق الطائف يحمل إشكالية تتمثل في مركزية النظام والذي يظل خاضع لمعادلة “الأقوى” وذلك بحسب الموازين والظروف التي تحدد من هو الطرف أو “الطائفة” الأقوى، والحفاظ على الكيان الحالي للبنان يستوجب القيام بدستور جديد يعالج الخلل البنيوي للنظام المركزي، يراعي الخصوصيات والهويات الجماعية الطوائفية من خلال النظام الاتحادي الفيدرالي مع تبني فكرة الحياد الدولي.

إن موضوع الفيدرالية مطروح منذ تشكيل لبنان، وكان هناك دائما وجهتا نظر، الأولى عند الزعماء المسيحيين والتي تنظر إلى لبنان الصغير والأغلبية المسيحية مع وجود ضئيل للطوائف الأخرى، وهو ما يرجح أن يكون الحكم لديهم، والثانية تتحدث عن لبنان الكبير بأقطابه الأربعة، وهو ما تم تشكيله بحدوده.

النظام القائم في لبنان يمكن وصفه بديمقراطية الطوائف، حيث يتم الأخذ بمعيار الميثاقية في المقرات الرسمية (الحكومة والبرلمان) على أن يكون هناك طرف مسيحي وآخر مسلم من أجل اعتماد أي قرار، والانتقال من هذه الديمقراطية إلى فيدرالية الطوائف والتي تعني وضع هذا التقسيم الطائفي في شكل مؤسسي.

أن طرح الفيدرالية يعني تقسيم لبنان لدويلات طائفية، وهو ما يذكر اللبنانيين بالحرب الأهلية التي امتدت لسنوات طويلة، وأصبح هناك بيروت الشرقية والغربية، مؤكدة أن كل لبناني سواء كان مسلماً أو مسيحياً يمتلك الحس الوطني ينتقد تلك المرحلة، ولا يأمل في عودتها مرة أخرى.

حزب الله” هو أكثر من عمل على ضرب الصيغة اللبنانية بروحيتها عبر استهدافه كل المكونات الرافضة للخضوع لإملاءاته ومصادرته القرار السياسي والسيادي، العسكري والأمني، وانخراطه في حروب عبثية دون العودة لا للدولة ولا للشعب اللبناني”.

وحزب الله” هو المعني الأول بالاغتيالات من رفيق الحريري إلى لقمان سليم وما بينهما، وحزب الله جعل من التوافق بدعة لبنانية عنوانها الوحيد تتفقون على ما أقرره أو لا حياة ولا هناء ولا استقرار لكم ولوطنكم الذي أرفض هويته المتنوعة.

ان اعادة طرح هذه المشاريع وغيرها من الدعوات التقسيمية يؤكد ان الوضع اللبناني يعاني من ازمة عميقة تحتاج الى حوار ونقاش ومعالجة، واليوم هناك فرصة مهمة من اجل الانطلاق في العمل لمعالجة هذه الازمة والا يصبح الداعون الى الفيدرالية اقوى وقد تصبح مشاريعهم اكثر قابلية من قبل اصحاب القرار، فهل تُقطع الطريق على الفيدرالية عبر الحوار وتطبيق اتفاق الطائف كاملا؟ او تصبح الدعوة الى الفيدرالية مقبولة واكثر واقعية لحل الازمات المختلفة.

مؤتمر الفيدرالية والمناقشات التي شهدها يؤكد الحاجة للحوار المباشر بين اللبنانيين، سواء من اجل الاستماع الى وجهات النظر المختلفة او تقييم التجربة اللبنانية ودراسة اتفاق الطائف او للبحث عن حلول لمختلف الازمات، واذا تجاهلنا كل ذلك فنحن حتما ذاهبون الى حروب وانقسامات جديدة، وقد اعتبر بعض المشاركين أننا نعيش اليوم في حرب أهلية صامتة، وقد تشتعل هذه الحرب في أي لحظة في حال لم نجد الحلول لأزماتنا المختلفة.

الكاتب: 
نضال العضايلة
التاريخ: 
الأربعاء, مايو 24, 2023
ملخص: 
بات اتفاق الطائف يحمل إشكالية تتمثل في مركزية النظام والذي يظل خاضع لمعادلة “الأقوى” وذلك بحسب الموازين والظروف التي تحدد من هو الطرف أو “الطائفة” الأقوى، والحفاظ على الكيان الحالي للبنان يستوجب القيام بدستور جديد يعالج الخلل البنيوي للنظام المركزي