الكيانُ اللبنانيّ المُتشَظِّي في مِرآتِه المُتَكَسِّرة
إنفرطَ الكيانُ اللبنانيُّ في خِضمّ حروبٍ أهليّة وإقليميّة لم تنتهِ بعد .” . هذا ما يؤكّده الكاتب والأستاذ الجامعي اللبناني سهيل القش ، في الصفحة 41 من كتابه الجديد ، الصادر ، حديثاً ، عن ” دار رياض الرّيِّس ” في بيروت ، في طعة أولى 2022 ، تحت عنوان : ” المِرآةُ المُتَكَسِّرَة / تَشظِّي الكيانِ اللبنانيّ ” .
تَكاَذُبُ اللبنانييّن المُتَبَادَل
وانطلاقاً من مضمون هذا الكتاب ، فإنّ تَشظّي الكيان اللبناني ، سببه ، الأوّل والأساسيّ ، هو إنعدام الإنسجام الوطنيّ الفعليّ للمتَّحِدات الإجتماعيّة ، أي المُكوِّنات البَشَريّة ، التي يتألّف منها هذا الكيان . ذلك لأنها تتلبَّسُها طَبائعُ ونَوازِعُ طائفيّة / إنقساميّة ، يشهدُ عليها تاريخُها السياسيّ ، بأنّها طوائفُ لبنانية ، شاغِلُها الشّاغل هو التَّصارُعُ المُضني على السُّلطة ، على ما يؤكِّد هذا الكتاب ، لذلك ف ” إنّ القول – وعلى ما يؤكّد الكاتب – في الصفحة (248) ، بأنّ الطوائف والمِلل قد توافقت منذ نشوء لبنان ، مروراً بميثاق 1943 وصولاً إلى اتّفاق الطّائف والدوحة ، على اعتبار أنّ هذا الكيان هو وطنهم النّهائي إنّما هو تَكاذُبٌ متَبَادل .
تشظي الكيان اللبناني سببه الأول والأساسي هو إنعدام الإنسجام الوطني الفعلي بين مُتَّحِداته الإجتماعية الطائفية
ذلك أنّ الطوائف المُتصارعة على السّلطة تَعتبرأنّ تَفَرُّدَ أيّ طائفة بالسلطة على الكيان مرهونٌ بالقُطب الإقليمي أو الدولي الذي يحمي مؤقتاً هذه السلطة أو تلك .
ذلك أنّ الكيان ليس إلا إطاراً مؤقتاً لِمُتَّحِداتٍ يحكمها مبدأ الاستقواء بالخارج . ” وهذا الأمر متلازِمٌ – وعلى ما يؤكد هذا الكتاب – مع التّناقضات التي كانت تحملها هذه المتّحِدات لدى انضوائها في الكيان اللبناني ، وهي التناقضات الجوهرية التي بقيت على حالها أو كما هي ، إلى اليوم .
تناقُضَاتٌ قَطعِيّة !
إذ إنّ بين أصحاب هذه التناقضات ، إختلافاتٌ جوهريّة كثيرة جدّاً وكبيرةٌ جدّاً ، أيضاً ، والتي منها ، وكما جاء في الصفحة : ( 42 ) : ” إختلافٌ جوهريّ على مفهوم الولاء القومي والوطني . واختلافٌ جوهريّ حول مفهوم الديموقراطية بالذّات . واختلاف جوهري حول مفهوم الوحدة الوطنيّة . ” .
القول بأنّ الطوائف والمِلل اللبنانيّة قد توافقت منذ نشوء لبنان على اعتبار أنّ هذا الكيان هو وطنهم النهائي إنّما هو تَكَاذُبٌ متبَادَل.
إذن هذان الدّليلان الكبيران والساطعان ( الدليل المتعلّق بالتسلّط ، والدليل المتعلّق بالتناقضات الجوهرية ) هما على رأس الموانع الحادّة ، التي منعت المتَّحِدات الطائفية اللبنانية من الإجتماع على أرضيّة كيانيّة وأفُقٍ كيانيّ على مستوى التّوحّد الوطني . وهذا ما دفع الكاتب لأن يُعلِن متسائلاً ( في الصفحتين : 32 و33 ) : ” هل توجد امّة لبنانية مكتملة المواصفات ، مبنية على شعبٍ متجانس استطاع أن يصهر كل مكوّناته الدينية في عصبيّة موحَّدة الأهداف ؟ لهذا السبب – يقول : إعتمدنا تسمية مِرآة لِنَصِفَ الكيان اللبناني . ” .
حقائقُ ثلاث
وهذا التساؤل المشروع والحقيقيّ الذي اطلقه الكاتب ، يُظهِر معالِم انهيار الكيان اللبناني . فمِن هنا نعرف كيف أنّه كان الكيان اللبناني وما زال ، متشظّياً ، ومن هنا ، وبطبيعة الحال ، كيف ولماذا كانت وما زالت مِرآتُهُ متَكَسِّرَة . وذلك عائدٌ بالطبع – وبحسب هذا الكتاب – إلى ” أرجحيّة تَبَاعُد المُتَّحِدات الإجتماعيّة اللبنانية وفَرطِ عقد الكيان اللبناني . ” . ( ص 43 ) .
إذن إنّ هذا الكتاب يتمحور – بحثيّاً – حول : ( ألكيان اللبناني المتشظِّي في مِرآتِهِ المُتَكَسِّرة ) ، وهذه هي الحقيقة الواقعيّة ( خارج الكتاب أي على الساحة اللبنانية ) والبحثيّة ( داخل هذا الكتاب ) ، بتعقيداتها المحليّة والإقليمية والدولية ، المشرّعة على المجهول اللبناني بتَحَكُّماتِهِ الخارجيّة . هذه التعقيدات التي يتناولها ، القش بالتحليل التفصيليّ النّقديّ المتّصف بموضوعيّته العِلميّة في كتابه هذا ، الذي يبيّن فيه ( وفي أكثر من موضعٍ في صفحات هذا الكتاب ) أنّ : ” الحدود بين ” الداخل ” اللبناني و” الخارج ” الإقليمي والدولي إنّما هي حدودٌ واهية ” .
قراءة جديدة للكيان اللبناني
وتتألف محتويات هذا الكتاب من : ” مدخل ” ؛ و” مَتن ” ؛ ” و” خلاصات واستنتاجات ” . وجاء المدخل بعنوان : ” ألجبل ( جبل لبنان ) كحدٍّ فاصل بين الدخل والخارج ” ؛ ومَتن الكتاب مؤلّف من قسمين : ألقسم الأوّل بعنوان : ” يُروى عن لبنان ” ( وهو يتناول مختلف السرديات التي تتناول تركيبة السلطة في لبنان ) وهو من ثلاثة فصول : ألأوّل يناقش ” السرديّة اللبنانُويّة ” – كما يسميها . والثاني : يستعرض ” السرديات الاستشراقية ” . والثالث : يتمحور حول ” السرديات الماركسية ” . والقسم الثاني : يحمل عنوان : ” العرب بالمفرد والجمع ” ويتناول ما عُرف ب ” الفرادة اللبنانية ” بالذات . وهو، أيضاً ، من ثلاثة فصول : وهي : الفصل الرابع من هذا البحث وهو بعنوان : ” العرب مع وقف التنفيذ ” ، وهو يتناول كيفية القطيعة مع السردية اللبنانُوية . ويليه الخامس بعنوان : ” المقتلة السورية ” ، وهو يتناول طبيعة النظام البعثي السوري . ويليه الفصل السادس والأخير والذي يدور حول ” تَشَظِّي المِرآة اللبنانية ” مقَدِّماً عناصِرَ قراءةٍ جديدة للكيان اللبناني .