أثر المحاصصة الطائفية علي استقرار النظام السياسي اللبناني: دراسة حالة للطائفة الشيعية ” 2005 – 2014 “
الـــمـــقــدمـــة :
منذ إقرار نظام المحاصصة الطائفية عام 1943م عند استقلال لبنان وإقرار اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، ولبنان لم يهدأ له بال، وأصبح يعاني من مشكلات متتالية، وتُعد الطائفة تعبير عن المجموعة التي لديها معتقدات واحدة، ولكنّ الطائفية تكون بمثابة المرض الموجود في النظام السياسي، الخاص بالدولة، إذا تم صبغها بصبغة سياسية، وإذا حدث تنافس من أجل تحقيق الطائفة أهدافها. وبالتالي يبدأ المجتمع في الانقسام وتتحول كل طائفة إلى فاعل مستقل بذاته عن الطوائف الاخرى، وأقر نظام المحاصصة الطائفية تقسيم المناصب السياسية على أساس طائفي، فرئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة الوزراء للسنة، ورئاسة مجلس النواب للشيعة، وذلك ما يُسمى بالديمقراطية التوافقية التي تسعى لتقسيم المناصب السياسية بين الفئات الأساسية في المجتمع، لعدم حدوث صراع سياسي ومنع هيمنة طائفة دون الاخرى، وانهيار النظام السياسي للدولة.
ويُعد لبنان منذ نشأته، من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعًا، حيث يعيش فيه نحو 18 طائفة معترف بها، ومشكلة لبنان متجذرة، لم تظهر بين ليلة وضحاها، بل إن لبنان منقسم طائفياً بشكل واضح، وقد ظهرت الطائفية فيه منذ العام 1840م، حيث تم إقرار نظام المحاصصة الطائفية. تلا ذلك اتفاق الطائف الذي أقر استقرارا سياسيا نسبيا ومؤقتا، ولم يقدم حلًا نهائيًا لمشكلة التنافس على السلطة وتولي المناصب، بل إنه جعل الدولة رهينة الحسابات والتوازنات الطائفية، وعرضة للابتزاز المصلحي والانتهازية من الداخل ومن الأطراف الخارجية التي تستغل ورقة الطائفية، لتحقيق مصالحها في هذه الدولة. كما جعلت الأفراد عرضه لتغيير معتقداتهم وأفكارهم وتحالفاتهم من أجل الحصول على مكاسب أو مناصب معينة، وتتم الدراسة في إطار عام 2005م منذ مقتل رفيق الحريري حتى عام 2014م وحدوث مشكلة فراغ منصب رئيس الجمهورية الرابعة.
وتُعد الطائفة الشيعية من أبرز الطوائف المتواجدة في لبنان، وفي بداية النظام الطائفي، كانت الشيعة مهمشة بشكل كبير، ثم بعد حدوث الصراع اللبناني الإسرائيلي، اكتسبت الشيعة مكانة كبيرة عند اللبنانيين، وخاصة حزب الله الذي يظهر في صورة الحامي للأراضي اللبنانية. وتعاني الطائفة الشيعية من اختلالات كبيرة داخليًا، حيث لا يوجد ممثل واحد عن الشيعة، بل أكثر من ممثل، كحزب الله وحركة أمل وغيرهم، وتشتهر الطائفة الشيعية بالقدرة على التفاوض والمساومة وعقد التحالفات السياسية، مثل التحالف مع التيار الوطني الماروني الحر وتكوين تحالف 8 آذار ضد السنة المكونيين لتحالف 14 آذار.
ثـــانـــيـــًا الـــمــــشـــكــلــة الــبــحـــــثــيـــة:
شكلت الصيغة الطائفية في لبنان تحديًا كبيرًا وفعليًا أمام الدولة اللبنانية ونظامها السياسي ولجأ لبنان إلى تقاسم السلطة كحل للطائفية السياسية. وكان الاتفاق الوطني بالأساس، يقوم على تقاسم السلطة بين الموارنة والمسلمين، ولكنه عزز من سلطة الموارنة، لأن رئاسة الجمهورية في يد الموارنة، ولكنّ إتفاق الطائف عدّل ذلك التوزيع، وقلل من صلاحيات رئيس الجمهورية، لصالح رئيس الوزراء ومجلس النواب، وتتمثل القوى السياسية في لبنان بعد مقتل رفيق الحريري عام 2005م من تحالفين أساسيين: تحالف 14 آذار الممثل للسنة ويحصل على72 مقعد في البرلمان وهو مكوَّن من (تيار المستقبل، القوات اللبنانية، حزب الكتائب اللبنانية، لقاء قرنة شهوان، حزب الوطنيين الأحرار، حركة التقدمي الاشتراكي، حركة اليسار الديمقراطي، الكتلة الوطنية اللبنانية)، وتحالف 8 آذار يحصل على 56 مقعد وهو ممثل للشيعة والمعارضة ويتكون من (حزب الله، حركة أمل، التيار الماروني الحر، الحزب الديمقراطي اللبناني، تيار المرده، حركة مجد، حزب الطاشناق، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب البعث العربي الاشتراكي، حركة التضامن)، ويتكون مجلس النواب من 128 مقعد ويتم تقسيمهم كالتالي: 34 مقعد للموارنة، 27 للسنة، 27 للشيعة، و14 ارثوذكس، و8 للدروز، و8 كاثوليك، 5 للأرمن الأرثوذكس، 2 علويين، 1 أرمن كاثوليك،1 انجيليون، 1 أقليات.
وتدور المشكلة البحثية حول فكرة تقاسم السلطة واتفاقيات تقاسم السلطة التي عقدتها الطائفة الشيعية حتى تحافظ على وجودها كفاعل أساسي في النظام السياسي اللبناني، ويكون التساؤل البحثي “ماهو تأثير تقاسم السلطة على استقرار النظام السياسي اللبناني؟”، يتكون لبنان من 18 طائفة معترف بها ولكل طائفة قانون أحوال شخصية خاص بها، ولا يوجد إحصاء رسمي منذ عام 1932م معترف به حول نسبة كل طائفة لأن ذلك الإحصاء سيؤدي حتمًا إلى قلب موازيين القوى الأساسية في لبنان، وبالتالي إعادة تقسيم السلطة على أساس نسبة كل طائفة من السكان، ويعتقد أن الطائفة الشيعية هي النسبة الأكبر بنسبة 31.6% نحو ثلث السكان، تليهم السنة بنسبة 31.3% ولكنها مازالت إحصائيات غير رسمية[1]، وهناك إحصائيات عام 2022م تؤكد أن نسبة الشيعة أصبحت 45% من السكان، ويتركز معظم الشيعة في جنوب لبنان والمناطق الغربية والشمالية من وادي البقاع وجبيل وبعلبك وبيروت وكسروان وشمال لبنان. وبعض العلويين مقيمين في منطقة جبل محسن في طرابلس، وأغلبية الشيعة ينتمون إلى المذهب الاثني عشري.
بدأ الشيعة في الظهور في لبنان، على يد الإمام موسى الصدر الذي عمل على تحسين أوضاع الشيعة مع تأسيس المجلس الأعلى الشيعي اللبناني، وتشكل التجمع الجنوبي مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وقام بتشكيل حركة أمل لمواجهة العدوان الإسرائيلي. بعد ذلك شهدت الساحة ظهور حزب الله كمنشق عن حركة أمل لأنه يريد أتباعه الارتباط بإيران، وظهر حزب الله لمقاومة إسرائيل في عام 1982م ومثل ذراعا أساسيا لإيران وسوريا داخل لبنان، وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية عام 2000م استمر حزب الله بالاحتفاظ بسلاحه وبعد الصراع الإسرائيلي اللبناني عام 2006م قرر حزب الله دخول الحياة السياسية والمشاركة فيها والحصول على مقاعد تمثله في مجلس النواب والحكومة كممثل أساسي عن الشيعة، بالتحالف مع حركة أمل والتيار الماروني الحر وعدد من الأحزاب الاخرى، من أجل السيطرة على الثلث المعطل في البرلمان لإستحالة إصدار أي قرار من دول موافقة الشيعة، وفي الحكومة التي تتكون من 30 وزراة يحصل الشيعة على 5 وزرات و6 للموارنة، 7 للسنة، 4 للروم الارثوذكس، 3 للروم الكاثوليك، 3 للدروز و2 للأرمن من الارثوذكس، وتحالف الشيعة بشكل أساسي مع التيار الماروني، لأنه يمتلك أكبر عدد مقاعد في الحكومة ومجلس النواب، وبالتالي سيمتلك الثلث المعطل.
وكذلك انضم ميشال عون رئيس التيار الوطني الماروني إلى تحالف 8 آذار وتحالف مع حزب الله ليضمن عدم تعرضه لأذى من الجانب السوري وضمان تأييد حزب الله في ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وكانت مشكلة حزب الله الأساسية وحركة أمل “كممثليين عن الشيعة” مع تحالف 14 آذار هو قضية سحب سلاح حزب الله والمحكمة اللبنانية الدولية والثلث المعطل في البرلمان والحكومة، ومنذ ذلك الوقت يمثل الشيعة فاعلا أساسيا في النظام السياسي اللبناني، وخاصة حزب الله. فقد قام الشيعة بإسقاط حكومة التوافق الوطني عام 2010م عند انسحاب وزرائهم من الحكومة اعتراضًا على سياسة سعد الحريري، واستطاع الشيعة تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية منذ عام 2014م حتى عام 2016م لتمسكهم بتعيين ميشال عون رئيسًا للجمهورية، بغية تحقيق مطالبهم وأهدافهم، وحزب الله يمثل الشيعة كفاعل أساسي في إطار تقاسم السلطة وبالتالي يميل إليهم ميزان القوى في إطار تحالفهم مع الموارنة ضد السنة، لأن السنّة دائمًا يمثلون عدوا أساسيا للشيعة، فهم يمتلكون رئاسة الوزراء، وهذا ما يعارضه الشيعة، فهم يرغبون في السيطرة على ذلك المنصب.