الازمة اللبنانية بعد اتفاق الطائف بين المحددات الداخلية والمؤثرات الخارجية
لقد كانت المسألة الأساسية التي تسيطر على منطقة الشرق الأوسط طوال عقود وتسوغها هي الصراع العربي الإسرائيلي. إذ شكل هذا الصراع مركز ثقل تدور حوله المنطقة، وأثر بشكل أساسي في السياسة المحلية العربية وكذلك في العلاقات العربية والإقليمية، وحدد السياسة الإجمالية والروابط والصلات الدولية للمنطقة. غير أن هذا الأمر تغير في الفترة الأخيرة، إذ لم يبق الصراع العربي-الإسرائيلي الصراع الوحيد الذي يطبع المنطقة، رغم أنه لا يزال أساسيا. ومن بين أهم الأزمات أو النزاعات التي تعرفها المنطقة هي الأزمة اللبنانية، فلبنان يعاني على غرار دول الشرق الأوسط عديد الأزمات التي تهدد كيانه وأمنه باستمرار. ومع ذلك فإن لبنان له ما يميزه سواء في علاقاته التعاونية أو الصراعية، إذ يمثل تاريخ لبنان مسرحا للحروب الأهلية والنزاعات قبل الاستقلال وبعده. وتعد أعوام الحرب المستمرة من عام 1975 حتى 1989 أطول النزاعات الداخلية في لبنان. ولقد كان هناك توجهين حول أسباب هذه الحرب. إذ يرد التوجه الأول الحرب في لبنان إلى أسباب داخلية تتمثل أساسا في الطبيعة المذهبية والطائفية للنظام والمجتمع اللبنانيين، في حين يعتبر التوجه الثاني أن الحرب في لبنان لم تكن إلا حرب الآخرين على أرض لبنان، فأسباب الحرب هي خارجية بالأساس. ومع مرور الوقت أصبح من الصعب حصر أسباب الحرب الأهلية اللبنانية بما هو داخلي فقط أو خارجي فقط. ذلك أن الأسباب الداخلية والخارجية قد تشابكت فيما بينها واختلطت حتى نشأت فيما بين الاثنين علاقة سببية في الاتجاهين معا. وانتهت هذه الحرب –التي أدت إلى استنزاف البلاد طوال 15 عاما- بتوقيع اتفاق الطائف الذي سعى إلى إرساء أسس نظام سياسي جديد مع التأكيد على إزالة الطبيعة المذهبية للسياسة والمجتمع اللبنانيين. ومع ذلك، بقي لبنان بعد الحرب مشروعا غير مكتمل لترسيخ الدولة، كما حافظت كل من سوريا وإسرائيل على وجودهما العسكري في لبنان. 1/التعريف بالموضوع: يندرج موضوع هذه الدراسة ضمن مواضيع تحليل النزاعات الدولية. وبالنظر إلى لبنان كنموذج للنزاعات الدولية، نشير إلى أن الموضوع قد أشارت إليه العديد من الكتب والدراسات العلمية السابقة التي سعت إلى تحديد الأسباب الكامنة وراء تفجير الأزمة اللبنانية، بيد أن جل الدراسات التي اهتمت بدراسة الموضوع تقف عند الملامح الكبرى لهذه الأزمة، أو تتخصص في تحليل جزئية معينة كدور الطائفية في الأزمة اللبنانية أو الدور السوري في لبنان، أو تدرسه كتوجه محدد كالنزاع اللبناني الإسرائيلي. لهذا فموضوع دراستنا يحاول الوقوف عند أهم محددات الأزمة اللبنانية في فترة ما بعد الطائف مع التركيز على أهم المتغيرات الداخلية والتحولات الدولية التي أثرت في الوضع اللبناني بشكل أو بآخر. ولا تكتفي الدراسة فقط بتحديد أسباب الأزمة اللبنانية الداخلية والخارجية، وإنما تتجاوز ذلك لتدرس أهم محاولات حل هذه الأزمة. 2/ أهمية الموضوع وأسباب اختياره: إن أهمية الموضوع الذي نحن بصدد دراسته تنبع من خلال قيمة الدراسة في حد ذاتها. ومن خلال أهمية الموضوع النظرية، من حيث إلقاء الضوء على دور المحددات الداخلية والخارجية في تحليل وحل النزاعات الدولية. و بناءا على الأهمية التي يتمتع بها الموضوع وقع اختياري لموضوع الأزمة اللبنانية على ضوء متغيرات البيئة الداخلية والخارجية، بالرجوع إلى اعتبارات ذاتية و أخرى موضوعية: أ/ الأسباب الموضوعية: - موضوع الأزمة اللبنانية هو موضوع الساعة، ويحمل من المستجدات ما يجعله ميدانا خصبا للدراسة والبحث عن الأسباب وتقصي القضايا الأساسية في تحليله. - عدم معالجة هذا الموضوع من الناحيتين النظرية والفكرية وعدم البحث عن الأسباب أو العوامل المؤثرة في الأزمة اللبنانية باتجاه التعقيد أو الحل بالأسلوب العلمي القائم على التحليل والنقد. إضافة إلى اكتفاء الدراسات أو البحوث المتعلقة بلبنان بالتركيز على واحد من العوامل الداخلية كالطائفية أو الخارجية كالعدوان الإسرائيلي أو التدخل السوري. لذا كان هذا البحث جامعا لكل العوامل الداخلية والخارجية التي لها دور في الأزمة اللبنانية بشكل أو بآخر. ب/ الأسباب الذاتية: رغبتي الخاصة في دراسة النزاعات الدولية، ولبنان يعتبر النموذج الأفضل لذلك إذ مر لبنان قبل الاستقلال وبعده بمراحل نزاعية كثيرة منها الحروب الأهلية(الحرب الأهلية لعام 1958 والحرب الأهلية لعام 1975) ومنها النزاع مع إسرائيل في إطار الصراع العربي الإسرائيلي في أول الأمر ليتحول إلى نزاع لبناني-إسرائيلي نتيجة احتلال إسرائيل للجنوب اللبناني.
(ملخص عن اطروحة)