إتفاق الطائف... أين مجلس الشيوخ؟

النوع: 

 

اتّفق المجتمعون في الطائف على جملة بنود، شكّلت الإطار الذي أوقف المدفع الذي دمّرَ البلد بشرًا وحجرًا، وكان نتيجة تسوية إقليمية دولية جاءت في أعقاب حرب الخليج، وكان الدستور، بعد مخاض التطبيق، الذي أدّى إلى اغتيال رنيه معوض بعد انتخابه، وانتخاب الياس الهراوي رئيسًا للجمهورية. من بنود الطائف ما نُفّذَ، ومنها ما أُجِّلَ، ومنها ما لم يُنفّذ الى يومنا هذا، وفي مقدّمها مجلس الشيوخ. روحية الطائف نصّت على إلغاء الطائفية السياسية، كمقدّمة لبناء دولة عصرية تقوم على المواطنة لا على الزبائنية الطوائفية، ومن هنا كان الميل الى اعتماد قانون انتخابي بدائرة واحدة خارج القيد الطائفي، ولكون لبنان، في تركيبته، قام على أساس المكونات المتعددة قوامها عائلات روحية مختلفة، مسلمة ومسيحية، وكل فئة تقسّم الى مذاهب، كان لا بدّ من مؤسسة تحفظ حقوق هذه المكونات، وتشكّل الضمانة لها ولدورها في الحكم، بالقرارات المصيرية التي تحدّد هوية لبنان وسياسته العليا، فكان بند مجلس الشيوخ الذي يشكّل المكان المناسب لضمّ هذه العائلات الروحية، وبالتالي يُصار إلى فكّ قيد مجلس النواب من الإطار الطائفي من دون إقلاق الطوائف.

من هنا، وبحسب توزيع الرئاسات على العائلات الروحية، بالعرف الدستوري، كرئاسة الجمهورية للموارنة، ومجلس النواب للشيعة، ومجلس الوزراء للسنّة، كان لا بدّ من أن يُناط مجلس الشيوخ، لطائفة الروم الأرثوذكس بطبيعة الحال. أما وقد تأخّر إنشاء هذا المجلس الى يومنا هذا، صار التعويض عنه، بإناطة نيابتي رئاسة مجلس النواب والوزراء للروم الأرثوذكس، كبديل طبيعي عن رئاسة مجلس الشيوخ المؤجّلة.

لذا لا بدّ اليوم، وفي إطار الحوارات الجارية أو المطروحة، ثنائية أكانت أم جماعية، في إطار البحث عن حلول جذرية لمشكلات النظام الذي بات مولّدًا للأزمات بدل الحلول، والفراغات بدل الإنجازات، والخلافات بدل التوافقات حتى على الأولويات، لا بدّ من طرح الذهاب فوراً، وبإرادة جامعة تتخطّى الـ 86 نائباً، إلى إنشاء مجلس للشيوخ، وإناطة رئاسته لطائفة الروم الأرثوذكس، وإعطاء نيابة رئاسة لطائفة الموحّدين الدروز، وأخرى لطائفة الروم الكاثوليك، ونيابة رئاسة مجلس الشيوخ للطائفة الأرمينية.

تُناط بمجلس الشيوخ مناقشة والتصويت على القرارات المصيرية ذات الأهمية الكبرى، التي ترسم توجّهات الدولة الأساسية، ويُترك التشريع لمجلس نيابي مُنتخب خارج القيد الطائفي، يعكس صورة النسيج الوطني من دون اصطناع أو قيود، وننطلق باتجاه الدولة المدنية التي تليق بمواطن عصري مع احترام المكونات التي منها تشكّل لبنان ولا يزال.

المطلوب اليوم في ظلّ الأزمة الكيانية التي يمرّ فيها لبنان، العودة فورًا الى إرادة المشرّع التي عبّر عنها الدستور في المادة 22، التي نصّت على ما يلي:

«مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحيته في القضايا المصيرية».

تبدو هواجس المشرّع واضحة في الحفاظ على احترام ودور العائلات الروحية التقليدية، لأنّ النظام لا بدّ أن يكون وليدة المجتمع وشبيهه، لا أن يكون مُسقطًا عليه وغريبًا عنه، وبالتالي لا بدّ للمجتمع أن يطمئن للنظام السياسي الذي يعيش تحت كنفه لكي يقتنع به ويحسن تطبيقه.

وأيضاً يظهر الهدف الثاني في الذهاب بالدولة والمؤسسات نحو المدنية والتقدّمية والتطور، الذي يمكن أن يبقى رهينة الأفكار وأسير الضوابط والهواجس التقليدية، لذا لا بدّ من إطلاق اليد التشريعية من القيود الطائفية، وذلك من خلال مجلس النواب المُنتخب خارج القيد الطائفي، الذي يمثل الإرادة الشعبية التي تجنح دائمًا نحو التطور والتغيير، مع الحفاظ على إرادة الأمّة التي ترغب بالتمسّك بموروثاتها وتقاليدها، وهذا ما سيضمنه وجودها في مجلس الشيوخ بحسب التقليد الطائفي الذي يعكس تركيبة الأمّة ويطمئنها.

وهكذا من خلال مجلس الشيوخ، نضمن الجمع السليم بين التقليد والتجديد، وبين الالتزام والتطور، تماشياً مع تغيّرات الزمن الذي كنا نسابقه في ستينات القرن الماضي، وأصبحنا اليوم بفضل تعثر النظام السياسي، وانعدام الرؤية والجرأة على تطويره، بما يحاكي ويواكب الزمن، أصبحنا خارج السباق وخارج الزمن.

الكاتب: 
الياس مخايل المر
التاريخ: 
الجمعة, أكتوبر 6, 2023
ملخص: 
المطلوب اليوم في ظلّ الأزمة الكيانية التي يمرّ فيها لبنان، العودة فورًا الى إرادة المشرّع التي عبّر عنها الدستور في المادة 22، التي نصّت على ما يلي: «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية