حلقة عشرين 30/ هل لبنان الكبير مشروع قابل للحياة؟
ناقش الإعلامي ألبير كوستانيان في الحلقة التي بُثّت مساء الإثنين في 15 كانون الثاني 2024 تحت عنوان" هل لبنان الكبير مشروع قابل للحياة؟" هذا السؤال الإشكالي المصيري مع ضيوف الحلقة النائب حليمة القعقور، والاكاديمي الباحث في السياسات العامة الدكتور أنطوان حداد، والناشط السياسي إياد البستاني.
*ألبير كوستانيان: مساء الخير. حلقتنا الليلة بعنوان "هل لبنان الكبير مشروع قابل للحياة؟" وستتناول ملفا وجوديا من غير حدود أو محظورات. هل لبنان أصبح دولة فاشلة؟ وما هو دور النظام السائد في الازمات المتتالية التي تضرب الاستقرار فيه؟ وهل هناك مقايضة آتية بين السلاح وشكل الدولة؟ وما هي معالم وجدية المشروع الفيدرالي للبنان؟ أسئلة عديدة سنبحثها مع ضيوفنا النائبة حليمة القعقور، والاكاديمي الباحث في السياسات العامة الدكتور أنطوان حداد، والناشط السياسي إياد البستاني.
أتوجه بسؤالي لحليمة القعقور: نحن اليوم نعيش في ظرف خاص في ظل ما يحدث في فلسطين، هل إنفتحت في سياق هذه الظروف التاريخية، نافذة معينة لتغيير المنطقة ككل، بما فيها الحدود الخارجية أو الداخلية لهذه الدول؟
-حليمة القعقور: لا شك في أننا في مرحلة جديدة، جديدة-قديمة على امتداد مراحل زمنية طويلة موجودة في أجندات إقليمية ودولية. ونحن في هذا البلد أكثر البلدان تأثيرا بهذه الظروف الدولية والاقليمية، خاصة مع الضعف الذي تعاني منه الدولة. وبرأيي أننا بتنا نلامس مفهوم الدولة الفاشلة. وهنا بالتحديد يصبح الوطن عرضة للتأثّر وليس للتأثير. ولا شك أننا نرى خطرا كبيرا جدا عند حدودنا التي تشهد حربا، وفي داخل دولتنا اللبنانية. وهذا الواقع يتطلب منا نحن اللبنانيين وعيا كبيرا، وأنا لا أتوجه هنا إلى الزعماء، بل إلى عامة اللبنانيين،علينا أن نعرف كيف نتعامل مع هذه الازمة المؤقتة والدائمة، القصيرة المدى والطويلة المدى. هناك شيء بنيوي في نظامنا اللبناني ليس سويًّا، يوجد علل في هذا النظام ومشكلات كثيرة جدا، ومطلوب من الشعب اللبناني أن يحدد من أين نبدأ بإصلاح النظام كي لا تنهار الدولة في المستقبل عند أي هزة سياسية أو أزمة ما، وكيلا تباشر الخطابات الطائفية والعنصرية والفئوية بلعب دورها المعروف،وجعْل الناس يشعرون بأنهم على أبواب حرب أهلية. من أجل ذلك كله، علينا أن نتمتع بالمسؤولية وأن يكون لدينا فكر سياسي ومشروع سياسي لتحديد أيّ لبنان نريد، كي نبدأ بالحدّ من التأثير القادم من كل هذه الخارطة الدولية التي ترتسم من جديد.
* كوستانيان: أنطوان حداد، الحدود المنبثقة عن اتفاق سايس-بيكو هي وديعة للاستعمار وكثيرا ما نُدِّد بها، ونرى أن شعوب المنطقة متمسكة نوعا ما بهذه الحدود في العراق وسوريا ولبنان،هل حدود سايس-بيكو وحدود العشرينات من القرن الماضي هي اليوم عرضة للتغيير في هذه الازمة الكبيرة التي تمر بها المنطقة؟
-أنطوان حداد: جوابي السريع هو لا. فأنا أعتقد أن هذه الحدود هي حدود الضرورة، وقد أصبحت الخيار الذي لا يوجد غيره، فبمقابلها هناك مشغوليات كثيرة لا أعتقد أنه باستطاعة أحد تحملها والادعاء بأنه نقيضها.عموما أنا أرى أن هذه السنة ستكون مفصلية، فما شاهدنا ونشاهده في الخمسة أشهر الاخيرة، خصوصا مع إنطلاق طوفان الاقصى، أضاء مجددا على مجموعة المشكلات التي كانت مخبأة تحت السجادة، ولم يعد هناك أي مجال للإبقاء عليها في هذا المخبأ.
* كوستانيان: مشكلات غير القضية الفلسطينية؟
-حداد: طبعا. ولكن فلأبدأ بالقضية الفلسطينية التي كانت منذ آخر مرة دُفنتْ فيها عملية السلام مع موت أو إغتيال ياسر عرفات، وكان قبله قد إغتيل إسحق رابين، تواجه نوعا من الإصرار من قِبل اليمين الاسرائيلي في دفن القضية الفلسطينية، وكان يوجد طبعا تواطؤ أو تساهل أو تخاذل دولي وعربي، حيال هذا الموضوع. واليوم تبيّن للجميع أن هذا الحال لا يمشي.
لذا، ومن حيث المبدأ، فقد عادت هذه القضية إلى البروز وإلى ضرورة السعي لإيجاد حل لها. ولكن هل سنة 2024 هي سنة الحل؟ أنا لا أعتقد ذلك، ذلك لأن الحلول تحتاج إلى أطراف جاهزة، وفي الواقع لا يوجد أي طرف جاهز. بالنسبة للطرف الفلسطيني، غير معروف منْ يمثّل الشعب الفلسطيني اليوم، حماس التي لديها شرعية الميدان، أو السلطة الفلسطينية التي لها الشرعية القانونية ؟ وما بينهما إلى الآن واد سحيق، ولا أعلم إن كان هناك منْ يحاول اليوم أن يوفق بينهما.
* كوستانيان: يعني 2024 هي بداية مسار على صعيد المنطقة من البوابة الفلسطينية؟
-حداد: نعم، وكنت أريد أن أتابع وأستكمل هذه الصورة وأقول يوجد في الجانب الاسرائيلي هذه المشكلة لكنها أسهل عندهم، فبالرغم من أن المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع عنصري، إلا أنه نظام ديمقراطي، وباستطاعتهم أن يفرزوا وأن يجدوا البديل، بالرغم من وجود قضايا بنيوية معيقة لهم. فهناك غلبة لليهود الشرقيين واليهود الروس على اليهود الاشكِناز، الذين هم برأيي متمسكون أكثر بسياسات الهوية وبتصفية القضية الفلسطينية. فهذه المسألة عندهم تشكل صعوبة. إلى ذلك هناك مشكلة الوسيط، لا أحد يمكنه أن يلعب هذه اللعبة ويكون بحجمها غير الولايات المتحدة، والولايات المتحدة لا تستطيع أن تكون ذلك الوسيط النزيه. وهي أصلا على امتداد التاريخ، كان من الصعب عليها أن تكون وسيطا نزيها. إلى ذلك هناك شبه إستحالة وسط الإنتخابات الرئاسية الأميركية هذه السنة، أن تقوم بهذه المهمة. اليوم أصبح هناك وعي أقوى لضرورة حل القضية الفلسطينية، إنما يوجد اليوم عجز أمام هذا الحل.
* كوستانيان: ما هو تأثير هذه القضية الاساسية في المنطقة اليوم على لبنان؟
-حداد: أرى أن تأثير هذه القضية الاكبر على لبنان، يتعلق بمستقبل الدور الإيراني، فأنا أعتقد أن إيران حجزت لنفسها مقعدا أكبر مع القضية الفلسطينية، شئنا أم أبينا. هناك ثلاث جبهات أصبحت إيران شريكا رئيسيا معها. وأعتقد أنه عندما تتم الحلول، فإن إيران ستطالب بالحصة الايرانية التي ترضيها، وإلا سنحمل معنا هذه الازمة للعام 2025.
* كوستانيان: إياد بستاني، على ضوء المستجدات الجارية في فلسطين، كيف تقيّم تجربة لبنان الكبير، أسألك هذا السؤال الذي هو عنوان هذه الحلقة،لأننا نرى في العديد من وسائل التواصل في السوشيل ميديا أن اللبنانيين بنسبة كبيرة منهم يرون أن لبنان الكبير كان غلطة. ما تقييمك للبنان الكبير كمشروع قابل للحياة؟
-إياد البستاني: لبنان الكبير قابل للحياة، والمشكلة ليست مشكلة دولة، بل مشكلة نظام. لبنان الكبير قابل للحياة مثلما لبنان الصغير أيضا قابل للحياة. يعني إذا قسّمنا لبنان إلى ملل، ستكون كبلدان صغيرة قابلة للحياة، وإذا عمَلْنا لبنان الكبير بنظام فيدرالي ومجتمع تعددي بنظام مركزي، نكون أدخلنا أنفسنا إلى نفق مظلم، وسيصار إلى متابعة تدمير كل ما بنيناه، وسنصل إلى وقت ما، بعد خمسين أو مائة سنة قادمة، إلى مناتشة بعضنا البعض على سلطة مركزية مهترئة.
* كوستانيان: هل تصف بكلامك الوضع الحالي؟
-البستاني: أكيد، فمنذ مائة سنة مع وجود شيء إسمه لبنان الكبير، رأينا أنه في العام 1920 تم الإعلان عن لبنان الكبير، وفي العام 1926 نشأ النظام المركزي. فعندما جرى اتخاذ القرار بأن يكون هناك بلد إسمه لبنان التعددي، فالخلاصة المنطقية التابعة له هو إنشاء نظام مشابه لهذا المجتمع المتعدد. لكنّ المشرّع آنذاك قال أريد أن أعمل نظاما يرتكز على الاكثرية التي كانت آنذاك للموارنة، وأن يكون الحكم لهم. فتم عمل نظام مركزي أدخلنا إلى مائة سنة من الخصومات بين الملل.
* كوستانيان: الملل هي كلمة عثمانية، أنت تقصد النظام القانوني للطوائف؟
-البستاني: لنكن أكثر دقة، كلمة ملل باللغة العثمانية والفارسية تعني القوم. وهنا أريد الرجوع للكلام عن كارثة 1926.
* كوستانيان مستطردا: علما أن كلمة ملّة واردة في الدستور.
-البستاني: أحسنت، وهذه هي الكارثة. فنحن لغاية 1926 كنا نعيش في نظام دستوري إسمه المتصرفية. وباعتقادي كان هذا النظام معترفا بالملل كقومية. لكنّ دستور 1926 ترجم كلمة ملّة إلى طائفة.أنا هنا المارونية لم تعد هويتي، صارت ديني.أنا قد لا أذهب إلى الكنيسة، والامر نفسه ينطبق على السني والشيعي، نحن لا نصنف الناس بناء على صلواتهم، بل بناء على هوياتهم.
* كوستانيان: ما تعليقك حليمة القعقور على هذا الكلام، ولبنان الكبير بمساحته ال 10452 كلم مربع الذي أصبح شعارا في الثمانينات من القرن الماضي، معروف أن المواطنين المسلمين فيه لم يكن عندهم الشغف أو الحماسة له في مطلع القرن العشرين، اليوم نرى أن هذا الامر تغير، وأصبح لديهم هذا الشغف للكيان.
- القعقور: كلمة الكيان أصلا بعيدة عن كلمة الدولة. هل هو شغف للكيان أم شغف للسلطة؟ فيما نحن نتحدث اليوم عن عودة بناء الدولة. المشكلة اليوم أننا ينبغي أن نبني دولة تدير التعددية بطريقة صحيحة، ولا يمكن الحديث عن أطراف بدون المركز. لئن كان البعض يريد الذهاب إلى اللامركزية أو إلى الفدرالية، مطلوب أن تكون الدولة بمركزيتها هي القوية. وطرح الفدرالية كمشروع لإدارة هذا التنوع في المجتمع اللبناني، ليست برأيي هي الطريقة التي تحمل الحل وهي مرفوضة أصلا. إن كنت تريد الذهاب ليس فقط إلى التجربة في لبنان، بل إلى تجربة أروشا أو تجربة بلفاست أو البوسنة والهرسك، هذه الاتفاقات أنهت الحروب ما بين الملل أو المجموعات، وقالت لهم تتشاركون كلكم في السلطة، وكان هدف هذه الاتفاقات إرساء إستقرار وليس سلاما مستداما، وليس هدفها إنشاء ديمقرطية وحقوق الانسان ودولة المواطن. هذا ما يجب علينا أن نعمل لأجله. بمعنى أي دولة نريد؟ نريد دولة مواطن ومساواة بين كل المواطنين، دولة ينتمي فيها كل مواطن إلى بلده لا إلى ملته وطائفته. هذا ما نريده نحن.
النظام التوافقي عندنا أتى أعطى حقوقا لمجموعات وضرب حقوق الافراد وأصبح هناك حقوق الطوائف وحقوق المجموعات الإثنية أو اللغوية وهي ضد فلسفة حقوق الانسان والمساواة. وكل الانظمة التوافقية إن درسناها، نجد أنها لم تنجح ولن تنجح في إدارة أي اختلاف. بل بالعكس لقد عززت التطرف وأصبحت المؤسسات...
* كوستانيان مقاطعا: حضرتك توافقين على وجود مشكلة نظام بنيوي توافقي، ولكنك تذهبين أكثر إلى المواطنة أكثر ودولة القانون؟
-القعقور: نعم، المؤسسات صارت سلاحا إثنيا وطائفيا ولغويا. هناك أنظمة توافقية أتت لتدير هذا النوع من الاختلاف، وفشلت طبعا، وهناك أنظمة توافقية فدرالية، قالت أريد الفدرالية من التوافقية، وأيضا هي لم تنجح في إدارة الاختلاف بشكل صحيح، ولم تنجح في التخفيف من خوف كل طرف من الآخر. أنا أتفق مع إياد بوجود خلل في النظام وبوجود الخوف من الآخر الذي زُرِع بطريقة ممنهجة ضمن خطة موضوعة من قبل الزعماء الذين استفادوا من وجود هذا النظام وأصبحوا يدخلون إلى الاعمق فالأعمق للوصول إلى محاصصات طائفية والوصول إلى أبعد الحدود. أنا في الجامعة اللبنانية ويمكنني أن أقيّم لك هذه الحدود وهذا المستوى من خلال ما هو سائد فيها من تقسيم للمراكز والمناصب والتعيينات الادارية على أساس طائفي واضح جدا.
* كوستانيان: ما رأيك دكتور أنطوان بهذه المعضلة، وهل هناك شيء يلفت نظرك عند المسيحيين اليوم، فهناك حذر عند المسيحيين من لبنان الكبير، والذي أصبح كبيرا بسبب إصرار البطريرك الماروني آنذاك. هل عندما التحق الجميع بلبنان الكبير، حدثت "نقزة" مارونية بالتحديد من هذا الكيان الذي إسمه لبنان الكبير؟
-حداد: بداية، ومن وجهة نظري هناك إحباط معمّم لدى كل اللبنانيين-علما أن كلمة إحباط غير موجودة في اللغة لكنها تُستخدم- مما آلت إليه الامور. لا شك في أن هناك خاصية مسيحية دائما، وربما هناك نوع من الخذلان عند المسيحيين، باعتبار أن المؤسسة الدينية المسيحية المارونية تحديدا، كانت هي المساهم الاكبر في إنشاء هذا الكيان، ووجدت اليوم أن لبنان لا يلبي حاجات الحد الادنى الذي يتوقعها "المسيحي" واللبناني عموما.
أنا أريد أن أكون منصفا في هذا السياق، فالتجربة اللبنانية لم تكن دائما تجربة فاشلة، بالرغم من أننا نجد فيها الكثير من مظاهر الفشل. وإذا أردنا تصنيف الدولة الفاشلة، سنرى أن دولتنا هي على طريق الفشل، أو هي تفشل تدريجا. دولتنا كان لديها محطات منيرة جدا. وأنا كشخص وعبر تاريخي كنت عروبيّ الهوى، أي ميالا إلى أبعد من لبنان، لكني أصبحت اليوم أؤيد لبنان بطريقة أكثر بكثير.
لبنان وبخلاف ما يقوله إياد، كان له أول دستور في الشرق يحمل هذه الدرجة من الحداثة. طبعا مصر كان عندها دستور ولكن لم يبق منه شيء فيما بعد. وليس بالصدفة أن تنشأ في لبنان أول شركة طيران في المنطقة، وأول تلفزيون وأول مستشفيات، وأول نظام تعليمي يخرّج قادة للمنطقة. هذه الامور باستطاعتنا أن نرجع إليها كي نقول إنها علامات مضيئة جدا في تاريخ لبنان، ولبنان الكبير. ثم إن هذه المستشفيات و المدارس والشركات التي تحدثت عنها، لم تقتصر على المسيحيين، بل كانت نتاج الكل. وتجدر الاشارة إلى أن مجموع مَنْ تخرّج من المدارس التي يديرها مسيحيون، خلال خمسين سنة قبل إنهيار الليرة،تفوق نسبته ضعفيّ الخريجين المسيحيين الذين تعلموا فيها. وهذه الخلطة بالذات تنتج فعلا الانتماء اللبناني لا الانتماء الديني. إن الهوية التي تنطلق من الانتماء الديني-حتى لا أسميها الهوية الدينية- ليست هي الطاغية، ويمكن أن تكون مرنة، فهي في مرحلة تطغى، وفي مرحلة أخرى تتراجع.هي ذات تراتبيات مرنة. مثلا، لم يكن هناك هوية شيعية نافرة في لبنان، كان هناك مسلمون ومسيحيون، ولا أقول الهوية الشيعية النافرة بمعنى سلبي. الطائفة الشيعية لها تاريخ حديث جدا، بدأ مع السيد موسى الصدر الذي أراد عكس ما تطرحه القيادة الشيعية الحالية.
بالمقابل، لا نجد عند المسيحيين كتلة صماء إسمها المسيحية. ولكن عندما طغى الشعور الأقلوي لدى المسيحيين ، أصبح لديهم حسابات أخرى. عندما نشأ لبنان الكبير كان هناك الكثير من الأرثوذكسيين يرغبون بضم وادي النصارى إليه، ولو حصل ذلك لكان عندنا غير لبنان هذا، ولكانت الاكثرية الارثوذكسية هي الطاغية. برأيي لا يمكن إختزال الهوية الطائفية، خصوصا مع حصول إختلاط على مدى النظر بين السني والشيعي وبين المسلم والمسيحي في الزواج. مثلاً، مُعبّر جدا أن سامي الجميل حفيد مؤسس حزب الكتائب ورمز السياسة المسيحية والمارونية السياسية، يتزوج من سيدة سنيّة المذهب.
* كوستانيان: وطوني فرنجية حصل معه نفس الموضوع.
-حداد: نعم، لكني أتحدث عن سامي كرمز لآل الجميّل. وكذلك آل فرنجية فهما من عائلات مسيحية.
-القعقور: أريد أن أعلق على مسألة مهمة جدا ذكرها الدكتور أنطوان. هو قال إن الهوية الدينية ليست ثابتة. وهي فعلا كذلك إذا انسابت بطريقة طبيعية. هنا الانظمة التوافقية في هذا المضمار تحصر كل الهويات الطائفية وتجعلها قادرة على التعايش. وذلك ما أحاول أن....
-حداد مقاطعا: هناك أنظمة توافقية نجحت واستطاعت أن تدير الاختلاف والتنوع.
- القعقور: عندما أقول إدارة التنوع في لبنان، يعني لا ينبغي أن نحصر هذا التنوع فقط بالانتماء الطائفي. هناك الكثير من الاسس التي يمكن الاستناد إليها.
* كوستانيان: أستاذ إياد، هل برأيك أن الهوية الدينية هي حصرية طائفية، وكيف تعالج هذه المسألة؟
-البستاني: أولا، كلنا في لبنان لدينا هوية مزدوجة، هوية عضوية، وهوية تعاقدية. ولا وجود لثقافة بدون دين، هذا من ناحية وجود سوسيولوجي تعددي في لبنان، وعلى هذا الصعيد تحدثنا كثيرا عما يجب فعله وما لا يجب فعله. التنظير جميل، ولكن لماذا لا نذهب إلى سؤال الشعب والناس ضيعة ضيعة وبلدة بلدة، من يريدون أن يدير لهم شؤونهم، ما هي آراؤهم إلخ... عندما يعطوننا الاجوبة تتشكل المعطيات بصورة وافية.
* كوستانيان: هل برأيك إذا سألنا اللبنانيين هذه الاسئلة، سيعطوننا الاجوبة التي تتفق مع رؤية السائل؟
- البستاني: أنا لا يهمني أن تكون الاجوبة تتوافق معي، المهم أن تكون المعطيات واضحة. وبالعودة إلى صميم الموضوع، أقول إن لبنان لديه عاملان جامعان، هما العامل الجيني والعامل الجغرافي. فالموقع الجغرافي في لبنان يعطيك إحساسا بأن الناس الذين يعيشون فيه متضافرين.هذا ما يجمعهم الجينات والجغرافيا.
* كوستانيان: سيدة حليمة، هل عندنا مشكلة نظام، وأنت الآتية من صفوف الثورة إلى المجلس النيابي، هل نظامنا يمكن العمل عليه، أم أنّ سياسيّينا هم العاطلون، أين تكمن المشكلة برأيك؟ هل هي مشكلة أداء أم مشكلة نظام أم مشكلة سيادة؟ البعض يقول إن السلطة الحقيقية اليوم هي لحزب الله.
- القعقور: المشكلة تكمن في هذه العناوين الثلاثة مجتمعة. هناك مشكلة في النظام حقيقية جدا، وهي ما قبل العام 1926، ونحن نعلم من المتصرفية إلى لبنان الكبير كانت أرضنا دائما تُستغل، وكان إختلافنا يُستغل لسيطرة دول الخارج عليها، بدءا من الدولة العثمانية وفرنسا و..إلخ. مشكلة النظام تكمن أيضا في مشاركة الكل في السلطة، وهذه المشاركة فشلت وأسهمت في زيادة التطرف والكراهية للآخر والخوف منه.إن مشكلة المنظومة الحاكمة هي مشكلة كبيرة جدا،وبقدر ما هي مجرمة وفاشلة، أصبح عندنا دستور ظلٍّ سمّوه عرفا دستوريا، وهو ليس عرفا. نحن نعلم أن العرف لا يمكن أن يكون تمييزيا ولا يمكن أن يخالف الدستور والاتفاقات الدولية، فهُما أعلى من العُرف.
إن هذا العرف الدستوري الذي وضعته المنظومة الحاكمة،جعلني في كل إجتماع في اللجان النيابية أصارع وأرفع الصوت وأتحفظ عليه. هذا العرف أتى ليتقاسم الحكام من خلاله كل المؤسسات العامة وأثّر على الخدمات العامة، ولم يعد هناك حقوق متساوية، أثّر أيضا على الإنماء المتوازن والعدالة الاجتماعية وضرب المواطنة. كل ذلك تم بسلوك ممنهج إتفقوا عليه( كلن يعني كلن) أتوا وتحاصصوا وقرروا مثلا أن رئيس الجامعة اللبنانية يجب أن يكون شيعيا، وفي صيدا يجب أن يكون سنيّا...إلخ ومثل هذه الامثلة تنطبق على كل المراكز والمناصب الادارية في الدولة. كل اللجان الني خضنا فيها النقاش لعمل إصلاحات قانونية، مثل لجنة الادارة والعدل، ولجنة الاعلام، كانوا يتحدثون فيها عن توزيع المجموعات بناء على التوازن الطائفي حتى ولو لم يكن ذلك موجودا في النص. هذه التركيبة هي عبارة عن ممارسات هم اخترعوها لتكون مفتاحا لهم في الحوكمة، وهي ليست عرفا.
أما بالنسبة للسيادة،أتساءل كيف نبني دولة بدون سيادة، دولة لا تمنع التدخل الخارجي ولا تعالج حصرية السلاح الذي وردت في اتفاق الطائف؟ هذه لا يمكن أن تكون دولة ذات سيادة، بل هي شكل لنظام...وبإمكاننا أن نجري نقاشا كبيرا جدا حول هذه المسألة.
* كوستانيان: ذكرت حليمة إتفاق الطائف، هل لا يزال هذا الاتفاق قادرا برأيك دكتور أنطوان على بناء الدولة التي تحاكي إنتماءات البعض الطائفية أو المذهبية، هل ما زال إتفاق الطائف قابلا للحياة؟
-حداد: قلت في بداية الحلقة إن حدود سايس-بيكو هي حدود الضرورة، وأقول الآن إن إتفاق الطائف هو نظام الضرورة. هناك تفاوت حاليا ما بين لبنان الحقيقي الذي تحدث عنه إياد، وبين لبنان الرسمي، علما أن لي نظرة تختلف عن نظرة إياد. أشاطره الرأي بوجود هذا التفاوت، ولكن أقرب شيء إلى لبنان الحقيقي موضوع على الطاولة، وأحسن أداة للإنتقال إلى لبنان الحقيقي وأفضل جسر عبور هو إتفاق الطائف.
إن لبنان اليوم يواجه ثلاثة تحديات، تحدث عنها إياد وحليمة بتفاصيل تُظهر وجهة نظر كلّ منهما. نعم هناك شيء يتعلق بالسيادة، وشيء بالنظام، وشيء له علاقة بالحكمية الصادقة. هذه الاشياء الثلاثة نراها في المنظومة الحاكمة، كما أسمتها حليمة، بحيث أصبحت السلطة تجسد إنتهاك الدستور بدرجة غير مسبوقة: تبعية للخارج، وأجندات الخارج، بدءا من الخارج السوري إلى الخارج الايراني. هذا بالاضافة إلى مشكلة قائمة في النظام بإدارة العلاقة ما بين الطوائف. وسوء الادارة بينهم تفاقمت طبعا مع الاختراع المسمى "القانون الارثوذكسي" الذي ردّ الناس إلى تجربة خمسين سنة من الانتخابات على طريقة الدوائر والمصالح والتنافر بين البكوات، ردّها إلى محل أسوأ من تلك التجربة الانتخابية المتخلفة.
هذا القانون هو أسوأ ما حصل للبنان، والعديد من الناس يعتبرونه أمرا مشينا وأنا أعتبره رجوعا إلى الوراء وفيه إنتكاسة.
أما بالنسبة للشيء الثالث المريع الذي حصل هو أن الموجودين في الحكم مسحوا السيادة بالارض ومزقوا كل ما هو جميل. واتفقوا فيما بينهم أنهم باستطاعتهم أن يحكموا البلد من خلال الفساد، وأن يضعوا أيديهم على مقدرات الدولة. لقد أصبح عندنا
" سيبة" مؤلفة من ثلاثة أرجل تنتهك السيادة والقانون والنزاهة في الادارة. هذا باختصار عصر الانحطاط اللبناني.
* كوستانيان: أستاذ إياد، كثيرون وصفوا هذا القانون الانتخابي بأنه رجعي ويردك إلى إنتمائك الحصري الديني كي تصوّت للطائفة. يعني إذا أنا أرمن أرثوذكس وزوجتي شيعية، كل واحد منا يُصوّت لانتمائه الديني، فسِّر لنا ذلك.
-البستاني: أنا كتبت مقدمة هذا القانون الذي تم طرحه في العام 2005، كتبت الاسباب الموجبة له في خمسين صفحة. عندما كان لبنان فيه إمارة مسيحية وإمارة ثانية درزية، مشى الارثوذكسيون في المتصرفية لأنها تعطي كل ملة من الملل قدرتها في إدارة شؤونها بنفسها، وأن تعبر عن نفسها وتعيش فلسفتها الخاصة بالتاريخ.
عموما أنا أريد أن أتحدث هنا عن السيادة التي تحدد العدو من الصديق. ولكن في لبنان وبوجود الملل على اختلافها، تتغاير نظرة كل ملة في تحديد العدو من الصديق،فالذي قد أراه أنا عدوا يراه غيري صديقا، والعكس صحيح. فالسيادات في لبنان ليست
على مستوى وطني. وكلام الدكتور أنطوان هو كلام صحيح، فالبلد الحقيقي هو البلد القانوني. شارل ديغول تحدث كثيرا عن هذه النظرية، بمعنى أنه إذا أردت أن تنظر إلى بلد وتجد فيه عدم تلاؤم بين تركيبته القانونية وبين واقعه السوسيولوجي، يكون بلدا فاشلا، مثل لبنان والسودان. وعندما تنظر إلى بلد تتطابق فيه المنظومة القانونية مع واقعه السوسيولوجي تكون الحوكمة فيه مميزة.
لبنان فيه ثلاثة أشياء، فيه البلد غير الدولة وغير القومية. علما أن البلد هو مفهوم جغرافي، والدولة هي مفهوم سياسي قانوني، والقومية هي مفهوم تاريخي. وعندما نتحدث عن وطن في لبنان، لا نجد أن لبنان وطنا.
- القعقور: هل تؤمن بأن الدولة موجودة؟
- البستاني: أكيد البلد كدولة موجود في القانون.
-القعقور: وهل تعترف بي كلبنانية مثلي مثلك وتتعايش معي؟
-البستاني: أكيد أريد ذلك وأعترف بذلك. أنا برأيي أن دستور سويسرا نجح لأنهم لم يدخلوا إليه ديباجة القومية السويسرية، كل واحد لديه قوميته ومفهومه. أما النظريات الفرنسية التي تنادي بوضع قومية فوق قومية، لا تؤدي إلى شيء. بل هي نزعة ملة تريد أن تطغى على ملة أخرى. تماما مثلما حصل في بلدنا، طغت المارونية السياسية في الماضي ثم أتى دور السنية السياسية والشيعية السياسية اليوم.
-حداد موجها سؤاله إلى إياد: أريد أن أسألك عن الهوية الطائفية هل هي ثابتة أم متحولة أم متحركة؟
-البستاني:أكيد هي تتغير.
-حداد: عندما يحدث تغير أو تطور، ألا تأخذ ذلك بعين الاعتبار؟
-البستاني: أحسنت وأوافقك الرأي تماما. البلدان التي تحكم نفسها بنفسها والتي لديها قانون أرثوذكسي تحديدا، هي مع تغيّر الشعب لتغيّر النظام.
* كوستانيان: أريد أن أسألك إياد في بلجيكا وروندا الأمور واضحة عندهما، ولكن في لبنان هذه الامور هي أقل وضوحا، هناك الكثير من العائلات المشتركة، هل هي بالنسبة إليك جامدة وغير متحركة قليلا؟
-البستاني: أكيد ليست جامدة، بل متحركة ولنسأل الناس ماذا يريدون.
* كوستانيان: دكتور حداد، قبل أن نغوص في موضوع الهوية والمشاريع الفدرالية، أسألك هل هناك مقايضة بين سلاح حزب الله وبين النظام؟ كان ملفتا ان يدعو السيد حسن نصرالله إلى مؤتمر تأسيس في العام 2012 وكأنما لبنان غير مؤسس بعد. دعا إلى قيام الدولة، أي تعالوا لنؤسس دولة سوية. هل كل ما نعيشه اليوم هو بغية حصول المكون الشيعي على مركز أفضل في النظام اللبناني، خاصة وأن الطائفة الشيعية لم يكن لديها مكامن قوة في الماضي كما هي عليها اليوم؟
-حداد: أعتقد بالمستوى الاول أن الكلام عن مؤتمر تأسيسي يمكن وصفه إما بالسطحي أو المتسرع أو الملغوم. وهو كلام غير سويّ وجرى سحبه من التداول. إن قصة إعادة التأسيس إذا أردت أن تراها من المنظار الشيعي فهي في مستواها الاول تصبو إلى إعادة توزيع السلطة بين الطوائف. وقد وصلت إلى حدها الاقصى، ولا يمكن أن تزداد حصة الشيعة أكثر مما هي عليه اليوم.
* كوستانيان: في الدولة الشرعية أم في الدولة الموازية؟
-حداد: حتى في الدولة الشرعية، أخذت مداها الاقصى. في كل برلمانات العالم لا أعتقد أن رئيس مجلس النواب يتمتع بالصلاحيات التي يتمتع بها رئيس المجلس النيابي في لبنان، فهو يُنتخب لأربع سنوات، وبربع عدد أصوات الناخبين.
على صعيد المستوى الثاني، بالنسبة لموقع لبنان في الاقليم، ففي واقع اليوم لبنان هو تحت النفوذ الايراني بسبب الشيعية السياسية التي تمسك بمفاصل السلطة نتيجة معادلة معينة. فإلى أين تذهب أبعد من ذلك؟ لبنان واقع تحت شعار" الممانعة" بالمعنى الاقليمي، فما هو معنى المقايضة هنا؟ يتحدثون عن انتخاب رئيس للجمهورية يكون مواليا لهذه السلطة الفعلية والدستورية، والسؤال هو الاتيان برئيس للجمهورية لأي هدف؟ ليكرس مسألة تمسّك الشيعية السياسية بالسلطة؟ ثم هم ماذا يعنون بالثلث؟ يعني أن الشيعة في المجلس النيابي يصبحون الثلث، والسنّة الثلث والمسيحيون الثلث. هذه أفضل طريقة للتقسيم، بذا يكونون قد قطعوا آخر خطوة على طريق التقسيم.
* كوستانيان: حليمة القعقور، هل الحرب الدائرة في جنوب لبنان وغزة هي التي ترينا مرة أخرى كم أن اللبنانيين مختلفون على مواضيع أساسية؟ نحن نرى فئات كثيرة في لبنان لا تشعر بأنها معنية بما يجري في غزة وحتى في الجنوب اللبناني. هل تشعرين أن هذا الامر يُظهر وجود خلل في محل ما، أم أنك تلمسين وجود تضافر ونوع من أنواع الوحدة الوطنية بالحد الادنى؟
-القعقور: أكيد هناك خلل، وكل مرة تنشأ فيها حادثة أو حرب، تعود وتظهر هذه المشكلة. حالتنا مثل جمر تحت رماد. أحيانا نقول إن الامور على ما يرام، وأحيانا يظهر هذا الانقسام العمودي عندنا ويرجع الخوف من الآخر، وعدم الثقة بالآخر اللبناني في أي حدث. المشكلة أن النظام الذي قام على أساس التحاصص الطائفي يشجع كل حديث عنصري ومذهبي وطائفي ويتقاسم السلطة على أساس ذلك. وكلما استطاع أن يشد عصب جماعته ويقول لهم إن الخطر هو الآخر، كلما كبرت حصته في الدولة. المشكلة أن الجميع منخرطون في هذا النظام ويمارسونه، وحزب الله من ضمنهم. هو يقول هذه جماعتي التي في الجنوب وأنا أدافع عنها. والآخرون يقولون له أنت دافع عن جماعتك وممنوع أن يدخل الجيش و ممنوع أن تأخذ مساعدات، وهو يقول هذا الذي أريده أصلا. وهذان الخطابان الموجودان يخدمان بعضهما البعض.علما أن الجنوب هو جنوبنا وأرضنا وكل شخص لبناني يموت في هذه المواجهة هو خسارة لنا وللبنان. ويجب علينا أن ندافع عن بلدنا ضد العدو الاسرائيلي المحتل ونقف إلى جانب غزة وفلسطين.
-حداد: أنا برأيي أن الجبهة التي فُتحت في الجنوب لا تخدم الحرب في غزة، بل هي عرّضت لبنان للخطر.
* كوستانيان: إياد البستاني ما رأيك بما سمعته من منطلق النظام والكلام عن الحياد؟ فدعاة الفدرالية بالعادة، يرفقون إليها الدعوة إلى الحياد. هل الحياد في مشروعكم هو مدماك أساسي، وكيف يترافق هذا الامر مع الفدرالية، وهل هذا الطرح ممكن أن يكون عمليا في هذه الظروف التي نعيشها؟
-البستاني:أولا أريد أن أتحدث عن أهم نقطة، من وجهة نظري القصة ليست قصة حرب، بل هي قصة سرديات وطنية. السردية الوطنية لكل ملة من هذه الملل هي سردية مختلفة. والذي يأتي ليفرض على الآخر سرديته الوطنية يكون يحضّر له خروجه من التاريخ. لا يمكن لجهة أن تحدد لي من هو صديقي ومن هو عدوي.
-القعقور: هذه النقطة لا تحتمل وجهة نظر، هناك عدو يسرق مياهنا ويستبيح أرضنا وسماءنا.
-حداد: أنا أتشارك هذه السردية الوطنية مع حليمة، لكن موقفي يختلف معها حول ضرورة هذه المعركة الحاصلة اليوم أم لا.
-البستاني: عندما يحكى عن شيء إسمه وحدة الساحات، ماذا يعني وحدة الساحات في اللغة الفرنسية؟ يعني صراع الحضارات. هذه هي الرسالة المُمرّرة. أنا من أي حضارة والآخر من أي حضارة؟ ليست هي ذاتها. معنى وحدة الساحات أي أريد أن أنفيك. اليوم هو نفسه الذي يفرض عليّ تسمية العدو، إن قال لي إن روما عدوّ؟ هل أعتبرها عدوّا؟ هل الولايات المتحدة عدو؟ أكيد لا.
* كوستانيان: وإسرائيل؟
-البستاني: لدي وجهة نظر خاصة هنا، فالمشروع الاسرائيلي جاء لينهي مسيحيي الشرق. وعندما نتطلع إلى الواقعية السياسية أرى أن فرض السردية على الآخر يعني إخراجه من التاريخ لإنهاء وجوده الحضاري.
* كوستانيان: هل أنت متضامن مع أهل الجنوب في هذه الحرب، هل تشعر بوجود هذه الحرب؟
-البستاني: كلا، لا أشعر أن البلد فيها حرب، عندما انهمرت عليّ القذائف في الحرب هل تضامن معي أحد؟ كنا نقتل بعضنا البعض، لن نكذّب على أنفسنا. ثم من الذي هددهم في الجنوب كي يفتعلوا الحرب، لا أحد. نريد أن نحكي الواقع، نحن المسيحيين في لبنان بعد ثلاثين سنة لن نكون موجودين فيه. نحن نريد أن نعدّ نظاما نرى من خلاله ألف سنة إلى الامام.إذا أردنا أن يعيش أولادنا في لبنان بطريقة أفضل، ينبغي أن نجد نظاما يسمح بذلك، وأرى ان النظام الفدرالي هو الانسب. إذا أخذت لبنان بدون المسيحيين، يوجد السنّة والشيعة والدروز. ما هو النظام الامثل ليتمكنوا من العيش مع بعض في سلام ونظام وأمان؟ أكيد النظام الفدرالي. النظام الفدرالي ملائم لحوكمة من جهة، وللتعددية من جهة ثانية.
-القعقور: أريد أن أقول إن هناك تعريفا في القانون الدولي للسيادة بالحد الادنى، وأنا أعتبر أن الكيان الاسرائيلي هو عدو لبلدنا لأنه منتهك لسيادتنا وجونا وبحرنا وأرضنا.
* كوستانيان: من الواضح دكتور أنطوان أن هناك طلبا في لبنان للحوكمة المحلية التي يمكن أن ترتدي عدة أوجه كالوجه الفدرالي، والوجه اللامركزي، هل تعرّف لنا ما هي اللامركزية، وما هو الفرق بين اللامركزية الادارية والفدرالية والمناطقية واللامركزية المالية؟ نسمع مفردات كثيرة، المواطن ضائع، فما هي حقيقة هذه الطروحات؟
-حداد: لا أعرف إذا يمكننا إختصارها، ولكن هي تنطلق من فكرة وجود دولة مركزية، ووجود مستوى من الدرجات في التنزيل، أي تنزل إلى مستوى أدنى في التشريع أو في التنفيذ أو في الاستفادة. فعندما يكون عندك تشريح محلي مطلوب أن يكون عندك برلمان محلي يصدر التشريعات. وأقوى درجة من اللامركزية هي الكونفدرالية، لأن السلطات الموجودة لدى الكونتون الواحد تكاد نسبيا تلامس السيادة. الدرجة الاقل هي الفدرالية، يأتي من بعدها اللامركزية الموسعة، خصوصا عندما تشتمل على الشق المالي، وصولا إلى اللامركزية غير المالية، واللاحصرية التي هي موجودة في لبنان حاليا. وللحقيقة هناك مسألتان موجودتان مع بعضهما، اللاحصرية التي هي القائمقام، واللامركزية الني هي البلديات التي لها صلاحيات وسقف معين لا تشرع وليس لها سلطة أمنية.
* كوستانيان: هل حضرتك مع توسيع هذه الصلاحيات ضمن مشروع لامركزي موسع؟
-حداد: طبعا،أنا مع اللامركزية الموسعة مع الشق المالي الواضح. فاتفاق الطائف لا يتحدث بدقة عن اللامركزية الادارية المالية، فالشق المالي فيها قد يساهم في إعطاء نوع من الطمأنينة للأفراد وإن كانت مبنية على المناطق لا على الميلاد، وهو يحسّن الانماء والحوكمة.
* كوستانيان: أستاذ إياد أنت وضعت كتابين وطرحت مشروع دستور أساسي لجمهورية لبنان الاتحادية أو الفدرالية.إشرح لنا هذا المشروع سيما وأن فدراليتك مبنية على الإثنو-جغرافية.
-البستاني: إذا كنت تعتبر أن مشكلة لبنان هي صراع المركز مع الاطراف، ستذهب إلى اللامركزية، وإذا كنت تعتبر أن مشكلة لبنان هي صراع حضارات، فستذهب إلى الفدرالية، ما هي الفدرالية الإثنو-جغرافية؟ هي فدرالية تحترم الناس هناك 1302 بلدية في لبنان، والفكرة الجميلة الخاصة بنا هي أن نأخذ الحقوق إلى الناس، لا أن نأتي بالناس صوب الحقوق. الفدرالية تقول لأهل لاسا مثلا إبقوا في أرضكم وأجروا معاملاتكم في منطقتكم لستم مضطرين للذهاب إلى مدينة بعيدة. هناك موزاييك لبناني ينبغي المحافظة عليه، وسيكون هناك أربعة برلمانات أهمها البرلمان الفدرالي ولن تكون هناك انتخابات وطنية. مشروعي فيه الكثير من التفاصيل ومعالجة المواضيع التي تتعلق بشؤون المواطن مثل الوصية والإرث والزواج إلخ. فتعدد الكانتونات يعطي حلولا خاصة بكل كانتون على حدة.
-القعقور: بمشروعك هذا كيف ستحل الأزمات الخارجية، هل يكون لكل كانتون جيشه وسلاحه؟ وقد يتحاربون مع بعض؟
-حداد: أنا أرى في الاتجاه التاريخي أنه لا يزال هناك حاجة لإنشاء إطار يواكب إنتقال لبنان نحو أن يكون دولة مدنية أكثر. فبالاساس لبنان القانون هو دولة مدنية غير مكتملة، وأهمية اتفاق الطائف أنه يضع الدولة على سكة من هذا النوع ويتيح لها الإمكانات مع قبول الناس بها. واتفاق الطائف وضع منطلقات تدريجية لها مثل إنشاء هيئة وطنية لإلغاء الطائفية في لبنان. كلنا نعلم أن الانتماء الطائفي هو أمر متجذر في لبنان. وأنا أزعم أن هذا الامر ليس أبديا، وهو أمر على المدى الطويل معيق للبنان ولتطوره. لذلك إذا بقينا على ما نحن عليه، فلن نذهب حتى إلى الدولة الفدرالية والكونفدرالية بل سنذهب إلى الصوملة والتفتت. عندئذ نكون فعلا قد حصلنا على نوع من الفدرلة القسرية والتقسيم. الدولة لا تزول على الورق مثل الصومال. صومال القانوني موجود، لكنّ صومال الفعلي أين هو؟ وأنا برأيي أن كل الاطراف لبنانية التي دخلت في تجربة الكونتونات وما يشبه التقسيم من العام 1975 إلى العام 1990، ندمت على تجربتها هذه، ولا سيما القوات اللبنانية، لأن هذا الامر هو موضوع مدمر للمسيحيين المقيمين ما بين المدفون وكفرشيما، كذلك فعل وليد جنبلاط وخرج من هذا الخيار. باعتقادي ليس لدينا خيار إلا أن نتيح آليات سلمية، والشيء الوحيد الموجود على الطاولة والذي يعطيك خارطة طريق هو إتفاق الطائف بغض النظر عن موقف الذين لا يستسيغونه.