دستورالطائف بين الإجتزاء والتشويه ثم الانتهاك

النوع: 

 

نظم "النادي الثقافي العربي"، ضمن فعاليات "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" في دورته الرابعة والستين، ندوة بعنوان " دستورالطائف بين الإجتزاء والتشويه ثم الانتهاك". أدار الندوة الدكتور حارث سليمان وشارك فيها الوزيرالسابق بطرس حرب، الأستاذ حسان الرفاعي، الدكتور رزق زغيب.

إستهل الدكتور حارث كلامه بالقول: بعد مرور ثلاثة و ثلاثين سنة على توقيع "وثيقة الوفاق الوطني"، وبعدما أصبحت هذه الوثيقة في صلب الدستور اللبناني، من خلال التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب بموجب القانون الدستوري رقم 18 بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر 1990، وبعد هذه الحقبة الطويلة الحافلة بالأحداث والتطورات، تنعقد هذه الندوة لتجري تقييما وقراءة لمسار الممارسة السياسية اللبنانية، ولتتفحص مدى إلتزام السلطات العامة والأطراف السياسية بالدستور اللبناني نصا وروحا، ولتعيد نقاش إيجابيات إتفاق الطائف وسلبياته، وذلك بعد وضعه قيد التنفيذ والممارسة، خلال ثلاثة عقود من تاريخ لبنان.

 والأسئلة - المفاتيح التي علينا بحثها في هذه الندوة، دون التطرق إلى المقدمة الميثاقية التي أضافتها الوثيقة حول نهائية الوطن اللبناني وهويته العربية، تتلخص بالتعديلات الجوهرية التي أدخلها الطائف على توازن السلطة وتسيير عمل مؤسساتها وبالأهداف التي سعى إلى تحقيقها وإنجازها.

 لم يكن مؤتمر الطائف خاتمة لحرب كما يطيب للبعض توصيفه فقط، بل رنت هذه الوثيقة إلى:

أولا: إستعادة الدولة لسيادتها الوطنية ووظائفها كافة، عبر تحرير لبنان من الوصاية السورية والاحتلال السوري، ونزع سلاح الميليشيات كافة، وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي.

ثانيا: نقل السلطة الإجرائية من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء، ومنح المسلمين( وليس المسيحيين) نسبة المناصفة في البرلمان ومواقع السلطة وإدارتها.

ثالثا: وضع مسار تدريجي لتجاوُز الطائفية على مراحل، تبدأ بهذه النقاط:

أ-إلغاء الطائفية الإدارية بشكل فوري، لأن ذلك ورد في الوثيقة الدستورية. واعتماد الكفاءة في بناء هياكلها، أي لا مناصفة في الإدارة في الوظائف ما دون الفئة الأولى.

ب- إلغاء الطائفية السياسية عبر نظام المجلسين، واعتماد المحافظة في قانون الإنتخاب كدائرة إنتخابية، بعد زيادة عدد المحافظات الخمس.

ج- تشكيل هيئة وطنية تُعنى بإلغاء الطائفية من النفوس، بعد إلغائها من النصوص، والإنتقال إلى دولة مدنية حديثة.

رابعا: إقرار اللامركزية الإدارية والإنمائية الموسعة واعتماد الإنماء المتوازن بين المناطق والعاصمة.

 وغنيّ عن القول، إنّ الصراع على السلطة والنفوذ، ما زال قائما محتدما ومستمرا، قبل إقرار الطائف وبعد إقراره وتحوُّله إلى دستور يُلزم جميع الاطراف بتطبيقه والاحتكام إلى بنوده ، ولذلك، فبدلا من أن يكون الطائف مرجعا تنتظم الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية طبقا لمندرجاته، وقاعدة معيارية يقاس عليها أي سلوك سياسي أو ممارسة ديمقراطية، أصبح الدستور طابة يتقاذفها السياسيون، ويجاهرون في كل مناسبة، تارة باجتزائه فيقبلون بنص يجري تطبيقه، ويرفضون نصا آخر، فيتم تأجيله والتهرب من تطبيقه، بذريعة التوافق أو اللجوء إلى آليات التعطيل، وتارة بتشويهه فيحمّلونه ما ليس فيه ، أو يعفون أنفسهم من الإلتزام به بحجّة السعي إلى تطويره. وقد فات كل هؤلاء أنّ لا شرعية لأي سلطة  ولا طاعة لشعب لقرارات حكّامٍ خارج إلتزامهم بسيادة الدستور، وتسليمهم الطوعي باحترام القانون، وكل قانون.

 نبدأ هذه الندوة  التي تندرج في قسمين: ومع بداية القسم الاول منها، نستمع إلى المداخلة الاولى وهي للشيخ بطرس حرب. والشيخ بطرس غني عن التعريف، هو محام وسياسي حصل عام 1965 على إجازة في حقوق القانون اللبناني والفرنسي، من جامعة القديس يوسف. إنتُخب نائبا في الاعوام 1972، 1976، 2005،2000، 2009، قاطع الإنتخابات عام 1992، شغل عدة حقائب وزارية، بين العام 1979 و 1980 كان وزيرا للتربية والاشغال، ومن سمات  تلك المرحلة، أنه فتح مطار بيروت بعد الإضراب ، وفتح مطار الرياق المدني. ثم عُيِّن بين العام 1990 و1992 وزيرا للتربية، فكان له أنه أحدث عيد العلَم، الذي أصبح عيدا رسميا في عهد الرئيس الياس الهراوي. والشيخ بطرس هو برلماني لامع وسياسي أيضا، بقي أثناء الحرب خارج إطار أحزاب الجبهة اللبنانية، لعدم إيمانه بالعنف، وساهم بإنشاء تجمع النواب الموارنة من المستقلين، مارس دوره التشريعي كبرلماني بجدية وفعالية. شارك في العام 1997 بإنشاء اللقاء الوطني السداسي مع الرئيس حسين الحسيني وسليم الحص وعمر كرامي ومحمد يوسف بيضون ونسيب لحود. وكان لهذا اللقاء السداسي موقع  بارز في المعارضة الموضوعية لسياسات حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري.

بين العام 2009 و2011  كان وزيرا للعمل في حكومة سعد الحريري، وفي العام 2014 عُيّن وزيرا للاتصالات في حكومة الرئيس تمام سلام، وفي العام 2018  خسر الإنتخابات النيابية بقانون جبران باسيل، بعد أن أمضى أربعين عاما في العمل البرلماني عبر دورات مختلفة.  

تعرّض في العام 2012 لمحاولة إغتيال عبر تخريب المصعد الذي يستخدمه في مكتبه.

 نبقى الآن مع مداخلة الشيخ بطرس حرب، وسؤالنا له هو عن التغيير الذي طرأ على السلطة الإجرائية عمليا وليس نظريا، ومقارنة هذا التغيير قبل الطائف وبعد الطائف.

الشيخ بطرس حرب: بداية أشكر الدكتور حارث ومنظمي هذا اللقاء، لأننا بحاجة في هذه الأيام إلى الحوار، خصوصا في بلد كلبنان الذي لا تستقيم الأمور فيه، من دون حوار.

السؤال المطروح يتطلب وقتا طويلا وهو مشروع كبير جدا، ولكنني سأحاول في هذه الفترة الزمنية القليلة المعطاة لي، أن أختصرالجواب.

أولا:  ما الذي حدث بتعديل صلاحيات السلطة التنفيذية قبل الطائف وبعد الطائف؟ قبل الطائف كان رئيس الجمهورية في الدستور اللبناني ينص على صلاحيات لرئيس الجمهورية في نظام رئاسي، يتمتع فيه الرئيس

بأقصى الصلاحيات الممكنة، وهي كانت تتجاوز صلاحيات رئيس الولايات المتحدة. لماذا تمتّع الرئيس بذلك؟ الجواب، لأن السلطة الفرنسية المنتدبة وقتذاك، أعدّت دستورا لمصلحة المسيحيين الذين كانوا مقربين إليها، فأعطت كل الصلاحيات إلى رئيس الجمهورية، حيث كان هو الذي يعين الوزراء ويختار رئيس الحكومة إلخ، ولكن أثناء ممارسة هذه الصلاحيات نشأت مشكلات عدة، وكثرت الشكوى عند الطوائف الأخرى من الغبن اللاحق بهم، وطالبوا بالمشاركة في السلطة. مقابل ذلك، قال المسيحيون لهم نحن نخاف من أن نتنازل عن هذه الصلاحيات، فتذوِّبوا لبنان وتجعلوه جزءا من سوريا.

فبما بعد، وقعت الحرب اللبنانية وذهبنا إلى إتفاق الطائف، فلم يكن هناك إمكانية، خصوصا بعد تطور الاحداث والمباحثات والنقاشات والاوراق الدستورية التي وضعها الزعماء اللبنانيون، فيما بينهم، إمّا عبر سوريا أو مباشرة، لم يكن هناك إمكانية لإيقاف الحرب في لبنان وإخراج الوجود السوري منه، إلا بإعطاء الحق للمسلمين في المشاركة في السلطة. علما أنه على الارض، لم يكن التطبيق للنظام السابق هو تطبيق للنظام الرئاسي إطلاقا. فرئيس الجمهورية في النص كان لديه صلاحيات مطلقة، إنما بالممارسة لم يمارسها مرة. لماذا؟ لأن رئيس الجمهورية مثلا عند تشكيل الحكومة، حيث كان له الحق في اختيار الوزراء وتعيينهم وفي اختيار رئيس للحكومة من بينهم، كان يُجري منذ الإستقلال إلى تاريخ الطائف، إستشارات نيابية، ثم يسمي رئيسا للوزارة ويكلفه ومن ثم رئيس الوزارة يُجري إستشارات نيابية ويتفقون مع بعضهم على  إعلان الوزارة. فما الذي حدث؟ ما حدث أننا ألغينا حرية رئيس الجمهورية في أن يختار بالمطلق رئيسا للحكومة وأعطينا هذا الامر للنواب في تسمية الرئيس المكلف. لقد أخذنا في عين الاعتبار أننا إذا أردنا وقف الإقتتال بين اللبنانيين، فيجب أن نقيم هذا التوازن ، من هنا حوّلنا السلطة التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية والذي لا تبعة عليه حسب أحكام الدستور في المادة 60،  فلا توجد ولا مسؤولية عليه، حولناها  إلى مجلس الوزراء  المؤلف مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. هذا هو التدبير الاساسي الكبير الذي وضعناه في اتفاق الطائف.

  هذا الأمر لا شك ترتبت عليه نتائج كثيرة، ولكن ثمة منِ ادّعى أنّ رئيس الجمهورية أصبح "باش كاتب"، و حاول بعض المسؤولين إدعاء أنّ الرئيس لم يعد له الحق في فعل أي شيء. وأذكر هنا القصة التي حدثت في عهد الرئيس الياس الهرواي، عندما  كان الرئيس سليم الحص لديه نظرية تقول إن رئيس الجمهورية ليس له حق في أن يصرح ولا أن يقابل رئيس دولة رأسا برأس. آنذاك كان الرئيس الهراوي يقول ممازحا: إن الرئيس الحص يقول ليس لي الحق أن أدخل إلى الحمّام لوحدي". بالطبع هذا الأمر غير صحيح، فقد بقي لرئيس الجمهورية صلاحيات، أولا: صلاحيات تشكيل حكومة أساسية. فإذا لم يوافق رئيس الجمهورية على  مرسوم الحكومة وتشكيلتها ، فلن يوقع مرسومها، وهذه إحدى المشكلات التي واجهناها ونواجهها في هذا المجال، وهي ليس لها حل. لقد وضعنا في اتفاق الطائف هذا التدبير، كوني كنت مشاركا  أساسيا مع النواب في كتابة نصوص الاتفاق ، ولم نضع الحل عند وقوع الخلاف بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. وقتها قلت لهم تعالوا نحتكم إلى مجلس النواب إذا اختلف الرئيسان على تشكيل، بحيث إذا نالت الحكومة نصفًأ زائدًا واحدًا من الاكثرية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، تُحلّ المسألة فتتشكل الحكومة ويتساكن رئيس الجمهورية معها، تماما مثل ما هو سائد في النظام الفرنسي، حيث يتساكن رئيس الجمهورية  في فرنسا مع رئيس الحكومة، إذا كان رئيس الحكومة يتمتع بالاكثرية النيابية. وأذكر آنذاك أن النواب السنّة إجتمعوا وقالوا لنا لا نريد أن نغير شيئا في  في هذا النص الوارد، نترك المسألة لحكمة الرؤساء ووطنيتهم، فنحن نتعاطى مع رؤساء. وبالتالي أظهرت التجارب وخصوصا في الفترة الاخيرة، أنّ هذا القرار كان خطأ وقعنا فيه.

   لقد تم الإعتقاد أنّ منْ يتولى المناصب  العليا، هم رجال سلطة وطنيون، رجال كبار وعظماء، إلا أننا اخطأنا كثيرا، فلم يكن ههنا لا كبار ولا عظماء.  نحن كنا متكلين على أن هذا التكريس كان موجودا في الماضي ولم يتعطل،  وللحقيقة  بات اليوم يتعطل، وأصبح رئيس الجمهورية إذا لم يعجبه التشكيل وإذا لم يفرض شروطه بكاملها على الرئيس المكلف بتشكيل الوزارة، فلن يوقع مرسوم التشكيل، من هنا شهدنا الصراع بين صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات رئيس الحكومة، حيث ظلت عملية تأليف حكومة تمام سلام 11 شهرًا حتى تمت الموافقة على تشكيلها. وهناك وزارات بقينا عامين وأكثر ننتظر تشكيلها، فجرى تجميدها، لأنه لم يُصَر إلى تعيين الوزير المراد توزيره، وهو جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون الذي لم يكن رئيسا للجمهورية بعد. ثم استمرت تجارب مماثلة لهذه التجربة فيما بعد.

  طبعا هذه المشكلة لا يمكننا أن نجد حلا لها، إلا إذا عدّلنا الدستور، بما لا يمس التوازنات الأساسية التي قام عليها الدستور. من هنا ما زلت أقترح أنه لا بد من تحديد مهلة لتشكيل الحكومة، ومع انتهاء هذه المهلة يذهب الرئيس المكلف بتشكيلته الوزارية إلى مجلس النواب ويطرحها من أجل نيل الثقة، فإذا نالت الاكثرية يصبح رئيس الجمهورية ملزما بإصدارها. هذا هو رأيي، فلا نستطيع أن نستمر في الحالة التي نعيشها متكلين على مزاجية رئيس الجمهورية ومزاجية الرئيس المكلف، وإن لم نعمد إلى تبني هذا الحل، فستظل هذه المشكلة دائمة ومستمرة في لبنان.

   ثانيا: بالنسبة لصلاحيات رئيس الجمهورية، فقد كان هو في الماضي يتولى المفاوضات الدولية، وبالتالي لا تُعتبر مبرمة إلا بعد موافقة مجلس النواب. وفي التعديل الجديد الذي وُضع في دستور الطائف، أصبحت السلطة الإجرائية بيد مجلس الوزراء، وأصبح رئيس الجمهورية يتولى المفاوضات بالإتفاق مع رئيس الحكومة، ومن ثم لا تُصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، ثم تُرسل إلى مجلس النواب إذا كانت المعاهدة تتضمن شروطا مالية معينة. للحقيقة هناك أمور عديدة جرى تعديلها، منها أن رئيس الجمهورية له الحق في أن يرسل رسائل إلى مجلس النواب، هذه كانت محفوظة في الماضي، المادة 49 التي يتكلم عنها كل الناس بما يخص كيفية إنتخاب الرئيس فيها، ولكنهم لا يتكلمون عن الجزء الأول منها، وأنا أود إيضاحها هنا، ففي دستور ما قبل الطائف، كانت المادة 49 تحكي عن انتخاب رئيس الجمهورية فقط، أمّا بعد تعديل هذه المادة في الطائف، فقد  تمّ توصيف موقع الرئيس فيها وما هي أهمية الرئيس. سأقرأ على حضراتكم الفقرة الأولى منها: "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، وهو رمز وحدة الوطن ، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقا لأحكام الدستور. ويرأس المجلس الأعلى للدفاع". هذه الفقرة أحادت رئيس الجمهورية عن الصراع السياسي بين الكتل والأحزاب السياسية، ووضعته في  موقع أرفع من ذلك، فليس بالضرورة أن يحضر مجلس الوزراء، في حين كان في الماضي إنْ لم يحضر هو، فلا تُعقَد جلسة لمجلس الوزراء. كان يوجد آنذاك مجالس وزارية تجتمع وتتخذ قرارات، ولكي تصبح هذه القرارات نافذة، كانت تحتاج إلى انعقاد مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية. اليوم أصبح مجلس الوزراء بإمكانه الإجتماع واتخاذ مقررات وليس قرارات، من غير حضور رئيس الجمهورية بالضرورة، فإن لم يعجب الرئيس بهذه المقرارات، سواء إتُخِذت في أثناء حضوره للجلسة أم في غيابه عنها، فله الحق في طلب إعادة النظر فيها، فإن لم يردّها تُعتبر نافذة.  لماذا تم وضع هذا البند، لأنه في الماضي كان العديد من القوانين التي تصدر وتُرسل إلى رئيس الجمهورية، كان يضعها في الجرّار، فلا يردّها ولا يوافق عليها، من هنا وضعنا هذا الشرط وقلنا  في حال لم يوافق عليها ولم يردّها، تُعتبر نافذة.

لقد استنفدت الوقت المخصص لي في الندوة، فشكرا لكم .

د. حارث سليمان: المداخلة الثانية للمحامي الاستاذ حسّان الرفاعي. هو محام بالإستئناف ساهم في كتابة "حسن الرفاعي حارس الجمهورية" الصادر سنة 2018 وهي دراسة حول المطالبة بمحاكمة الرئيس ميشال عون وفق المادة 60 من الدستور ، وله مقالات عديدة نُشِرت في مجلات متخصصة.  أما المداخلة التي سيقدمها الأستاذ حسّان  فهي حول "المحاولات المتكررة لتشويه الطائف عبر آليات التعطيل وممارساته، من الاتفاق الثلاثي حتى إتفاق الدوحة، ثم نظرية الميثاقية والثلث المعطل".  الكلام لك.

أ. حسان الرفاعي: أشكرك على هذا التقديم، أنا لست كاتبا، سأتكلم باللغة المحكية وسأحاول قدر الإمكان أن أشرح الأفكار وأطرح شهادات. بداية أقول نحن نعيش في نظام برلماني، وهذا النظام البرلماني يجعل من رئيس الجمهورية حَكَما، وبدون هذا الحكم لا تستقيم مجريات اللعبة، وعلى هذا الحَكم أن يكون نزيها وأن يكون فوق الكل، وأن لا يلعب مع الأفرقاء، ولذلك فهو غير مسؤول سياسيا. هذا كان في السابق، قبل عهد ميشال عون، أمّا اليوم فهناك العديد من الأمور للأسف، لا أريد الدخول فيها، ولا أريد إجراء مقارنة مع فرنسا بنظامها البرلماني، ما إذا كانت تصح أو لا تصح، فعندما أتى الماريشال الفرنسي باتريس دو مكماهون وكان  يريد تجاوز الوزراء وكان يعيّن هو الوزراء ويفعل ما يريد ، قام النواب بالإكثرية وقالوا له إلى هنا ونقطة انتهى. فجرى حلّ المجلس بالاكثرية ونشأت الأعراف البرلمانية. فكيف نقول نحن إننا أخذنا النص من الفرنسيين ولم نأخذ الاعراف؟ لقد أخذنا الاعراف بدليل ما قاله معالي الوزير حرب عن الإستشارات النيابية، وما كان يفعله عون في ممارسة منصبه، كان كأنه ملك على الجمهورية، وليس رئيسا للجمهورية، كأنه يعيش في إمارة، يرفض توقيع هذا المرسوم أو ذاك ويضع في الجوارير كل الذي لا يريد إصداره.

  النقطة الثانية التي أريد الدخول إليها، أننا  نعيش في نظام ديمقراطي، والنظام الديمقراطي وخاصة عندما يكون برلمانيا، يكون هناك تنوع في الأحزاب، ففي مجلس النواب تتمثل كل الطوائف والأحزاب السياسية، وما رأيناه هو واقع أتى من خارج الدستور، فقوانين الانتخابات هو واقع على الأرض يجعل من الثنائية الشيعية تحتكر صنفا معينا، فإن ذهبت لإنتخاب رئيس مجلس النواب أم لم تذهب، فلا يوجد غير الرئيس الحالي، بالمقابل، يقول لسان حالهم نحن نقاطع جلسات مجلس الوزراء، يعني أن الجلسة صارت غير ميثاقية ولا يحق لها الإنعقاد. هذه الممارسات هي ممارسات ديكتاتورية، الله خلق مليون من المذهب الشيعي في لبنان، إلا انك كيفما أدرت قانون الإنتخاب، فستأتي هذه المجموعة النيابية عينها. وهذه المسألة هي ضد الديمقراطية، وذلك قبل أن نقول إذا ما كان إتفاق الطائف جيدا أم غير جيد.

  النقطة الثالثة، إذا ما دخلنا في قلب الدستور، يتماثل في ذهننا ما يحدث من آليات تعطيلية ، فعندما نقول "الإتفاق الثلاثي" الذي كان قبل الطائف، معنى ذلك أن الطائف تبنى ما ورد في هذا الاتفاق الثلاثي، وهذه هي الكارثة الكبرى، لأنه فعلا هناك العديد من النصوص التي سمّمت الطائف، آتية من الاتفاق الثلاثي، بالمراجعة  وبناء على الكتب التي عندي والوثائق، باعترافات أصحاب العلاقة وبمقارنة النصوص، نجد مباشرة وقبل الطائف، أن ورقة الرئيس الحسيني و كذلك ورقة الرئيس الحص، كانت تقول إن نصاب مجلس الوزراء هو النصف زائد واحد. أي إن القرارات كلها تُتخذ بالنصف زائد واحد، وإذا استقال نصف عدد الوزراء فالحكومة "بتطير". كذلك ورقة الرئيس صائب سلام  الذي أخذها إلى تونس في العام 1989 تقول ذات الشيء. في حين أن الورقة التي صيغت في الاتفاق الثلاثي تقول بنصاب الثلثين، والوزير لا يقيله إلا زملاءَه  في مجلس معين  وبآلية صعبة، وتُعتبر الحكومة مستقيلة إذا استقال نصف أعضائها. ولكن فيما بعد جعلوا النصاب في الطائف الثلثين. عنما نعاين هذه الامور لا نجد فقط الاتفاق الثلاثي وحده الذي رعاه الرئيس حافظ الاسد مع الميليشيات، إنما للأسف في كتاب الدكتور جورج سعادة وكتاب أسعد الشفتري الذي كان يفاوض هو وسعادة في الاتفاق الثلاثي، كل واحد منهما في مجاله، ندرك أن هذا الثلث الذي جرى وضعه آنذاك، هو ثلث مُعطل، هم أرادوه معطلا حتى لا يتمكن أحد من أن يغلب رئيس الجمهورية الذي جرى إنتزاع صلاحيات منه، كما يدّعون، وبالتالي عندما رأى ثلث الوزراء الذين يشكلون نصف مجلس الوزراء، وهم المسيحيون، أنهم يستطيعون تعطيل الإجتماع و القرار في الجلسة، قالوا يومئذ "هكذا نحن مطمئنون".

   أمّا بما خصّ مسألة الحكومة وفترة تشكيلها، فالرئيس صائب سلام طالب بقوة أن يكون هناك فترة عشرين يوما لرئيس الحكومة كي يشكل وزارته، وبعدها بإمكانه أن يطلب عشرة أيام إضافية من مجلس النواب، والرئيسان الحسيني والحص تكلما بشي شبيه لهذا الطلب، فقالوا لهم إذا حدث شيء من هذا القبيل نلجأ إلى مجلس النواب، جورج سعادة قال في كتابه لا يمكننا القبول أبدا بهذا الشيء، لا نقبل أن يُكسَر رئيس الجمهورية. هو معه حق في ذلك، فلنتصور أن مجلس النواب يخذل رئيس الجمهورية ويكسر كلمته، فيصبح مجبرا في التعاطي مع  الحكومة التي كان رافضا لتشكيلتها. هناك إستشارات نيابية ملزمة هي التي تسمي الرئيس المكلف، وعندما تسقط الحكومة، فالرئيس المكلف هو الذي يذهب إلى بيته، أما رئيس الجمهورية فيبقى في منصبه ستة أعوام لا أحد يقيله، وعليه أن يؤدي دور الحَكم ويستخدم صلاحياته في ردّ القوانين وردّ المراسيم، ، فهل من المعقول أنّ تعديل الدستور يحتاج إلى نصاب الثلثين وقرار الثلثين، ونجد أن كل إجتماع لرئيس الوزراء يحتاج إلى الثلثين، حيث ينتظر رئيس الحكومة" كما الشحاذ" هل سيحضر الوزراء أم لن يحضروا؟ الثلث المعطل هم أرادوه مُعطِلا كما سمّاه جورج سعادة وأسعد الشفتري وسواهما، وتباهوا به، ورجعوا إلى لبنان من مدينة الطائف، ليقولوا نحن لم نبع صلاحيات الرئيس. فتصوروا لكي تمشي أمور البلاد كل أسبوع، مطلوب أن يحضر ثلثا الوزراء، ولا أنسى أن هناك من أراد أن يضع  نصاب الثلاثة أرباع في الإتفاق الثلاثي في ورقة فاروق الشرع-  أمين الجميّل، لكي يطوقوا مجلس الوزراء أكثر فأكثر. من استفاد من ذلك؟  الثنائي الشيعي إستفاد، أما المسيحي فلم يستفد بالمرة ، حبذا وأتمنى ومستعد أن أقبّل يد كل واحد سياسي ماروني، أن يقول عندما  خرج السوري سنة 2005،  أنّ هناك أشياء زُرِعت في وقتها، وهم أوحوا إلينا أنها تحمينا، ولكن تبيّن فيما بعد أنّها تضرّنا.

  لنفترض معا، أنه جرى إنتخاب رئيس للجمهورية ب 65 صوتا، ولنفترض أن دولة الرئيس السنيورة، كلفه النواب بتشكيل الوزارة، ولنفترض أنه شكلها بعدما أخذت منه وقتا، ثم جاء وزير من داخل الحكومة يريد أن يعمل "عنتريات" وصار يسرّب المحَاضر، فلا يستطيع الرئيسان أن يقيلاه، بل يلزمه الثلثان من زملائه لكي يتمكنوا من إقالته. وأستذكر هنا الرئيس صائب سلام الذي قال إن المراسيم العادية كيلا تبقى في الجارور،  لا يكون رئيس الجمهورية ملزما بها خلال 15 يوما حتى تُعتبر نافذة، بل مطلوب أن يحتكم  إلى مجلس الوزراء، فيما إذا أراد وزير من وزارته أن يضع المرسوم العادي في مكتبه ويقفل عليه، وذلك لكي  تستقيم أمور البلد وتسير الاعمال بمسارها المطلوب. هذا الإقتراح للأسف، لم يمشوا به في الطائف.

  النقطة الرابعة، سألني الدكتور حارث عن الميثاقية، برأيي إنّ الميثاقية كما وردت في الفقرة "ياء" هي  "تفنيصة". هناك الميثاق الوطني من سنة 1946، وإذا قلنا أن عدد المسيحيين يماثل عدد المسلمين في لبنان، فلأنظر إلى  هذه الطاولة وهذه الندوة، هل يوجد ميثاقية في لقائنا هذا، وهل المطعم الذي ندخل إليه أو الجامعة التي ندرس فيها تتطلب ميثاقية؟ هذه لعبة يلعبون بها لا أكثر، وأنا  أراهنك على أنك إذا وزّعت الآن ورقة وقلما وطلبت من الحاضرين أن يكتبوا في ثلاثة أسطر، ما هو ميثاق العيش المشترك، وكتب كل واحد منهم  جوابا مطابقا للآخر، أعطيك  ما تريد. وشكرا.

د. حارث سليمان: المداخلة الثالثة معنا هي للدكتور رزق زغيب. هو دكتور في القانون الدولي من جامعة بانتيون أساس( باريس 2) حائز على إجازتي الحقوق اللبنانية والعلوم السياسية من جامعة القديس يوسف في بيروت، أستاذ محاضر في هذه الجامعة، وهو أيضا محام في الإستئناف، عضو لجنة الترقيات العلمية في المركز العربي للبحوث القانونية التابع  لجامعة الدول العربية، مؤسس وأمين سر المركز اللبناني للدراسات الدولية، له مقالات عديدة نُشرت في مجلات متخصصة. الكلام لك.

د. رزق زغيب: مهما كانت نظرة المرء إلى إتفاق الطائف، يمكن القول إنها كانت وستبقى  في تاريخ لبنان،خاتمة الحرب الأهلية الخامسة التي عرفها لبنان في تاريخه منذ العام 1841 والتي تميزت بطول أمدها وشراستها، فقد خطفت أكثر من 144 ألف قتيل و 184 ألف جريح وفق إحصاء أعلنه سفير الولايات المتحدة أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الاميركي، والأدهى من ذلك كله، عمق آثار هذه الحرب في تفسيخ المجتمع، وفي زرع آفات في مختلف حناياه، من قمة الهرم وهو يتمظهر في طريقة ممارسة الحكم من قِبل أهله، وصولا إلى قعره، فيما أمست عليه طبيعة العلاقات اليومية بين أفراد هذا المجتمع العاديين.

 لم يولد إتفاق الطائف أيها السادة من العدم، بل هو عصارة أوراق وحوارات وإتفاقات أُجهِضت على التوالي، ولم يُكتَب لها النجاح. وقد شاءت الاقدار أن يجري صياغة هذا الاتفاق ويُقرّه منْ بقي على قيد الحياة من شخصيات عاشت وعاصرت إزدهار الوطن وعزّه، ونالت شرعيتها من صناديق الاقتراع المتنوعة طائفيا، وليس من فوّهات بنادق أمعنت في تفرقة أبناء الوطن الواحد، ديْدنُها الحوار وسلاحها الكلمة ومرتعها التسوية، فاعتصمت في قاعة مجلس النواب التي أصبحت بحكم الظروف، قاعات متنقلة، واكتفت بين جولة قتال وأخرى في وطن مقطع الاوصال، بالجري في حلبة المجلس، حيث تجلى منها منْ سطّرت خطاباته في القانون والتاريخ  وعلم السياسة والاجتماع ، قطعا أدبية أغنت الحياة البرلمانية، فباتت محاضر المجلس شاهدا أمينا لها.

  لقد اعترى هذا الاتفاق الذي يمكن اختصاره باتفاق تكريس وتنظيم المشاركة في الحكم، ثغرات عديدة، أظهرت الممارسة الحاجة إلى معالجتها، إلا أن ذلك لا ينفي عن هذا الإتفاق ميزته الأساسية، أنه وبعد أن كان الدستور جزءا لا يتجزأ من الميثاق الوطني، بات معه أي مع (إتفاق الطائف) الميثاق الوطني ومع إقرار التعديلات الدستورية جزءا من الدستور، لا بل في صلبه، على ما أكده المجلس الدستوري في قرار له، إعتبر فيه أن الميثاقية تقتضي الالتزام بالدستور وإجراء الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها.

  وقد تصدى الاتفاق، وهذا هو لب الموضوع، في باب الإصلاحات السياسية إلى آليات تشكيل السلطة، لا سيما المؤسسة الامّ وهي مجلس النواب، فبعد أن أكّد فيما سيصبح بندا من مقدمة الدستور، أنّ الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة، يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، كرّس المناصفة في توزيع المقاعد النيابية بين المسيحيين والمسلمين، على أن تتوزع نسبيا بين الطوائف كل من الفئتين وبين المناطق، بعد أن تمّ رفع عدد أعضاء المجلس من 96 إلى  108 وليس إلى 128 تأمينا لذلك، على أن تقوم الحكومة إستثنائيا بملء المراكز المستحدثة والشاغرة عن طريق التعيين، فيستمر المجلس مؤتمنا على اتفاق الطائف في ولاية ممددة حتى أقله العام 1994، ريثما يُستكمل بناء الدولة، وتعود أواصر العيش المشترك إلى لحمتها السابقة بعد 15 سنة من التمزيق بين أركان الوطن الواحد. وقد أشار الإتفاق صراحة إلى أن الدائرة الانتخابية في لبنان هي المحافظة، بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، ووفق قانون إنتخاب جديد، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين، وتؤمّن  صحة التمثيل السياسي للشعب من جهة، وتؤمّن فاعلية صحة هذا التمثيل من جهة ثانية. إلا أن ما تم للحقيقة، هو إنقلاب ممنهج ومنظم على مجمل هذه الأحكام وعلى هذا الجدول الزمني، فقد استعجلت الحكومة بوحي معروف، إجراء إنتخابات نيابية  في صيف عام 1992 بعد أقل من سنتين من انتهاء الحرب الاهلية، وقبل استكمال بسط الدولة لسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وإخراجها من بوتقة قوى الأمر الواقع والتي سبق لها أن جعلتها مناطق محظورة لها، تمارس فيها كل الصلاحيات السيادية، باستثناء صك العملة طبعا، والتي كانت متهاوية أصلا. وبدل أن يجري إعتماد قانون إنتخاب جديد، عُمِد إلى الإبقاء على ما يُعرَف بقانون الستين الذي قام إتفاق الطائف على أنقاضه، وقد إكتُفي بإدخال بعض التعديلات على تقسيم الدوائر، فاعتُمِدت المحافظة كدائرة إنتخابية في دائرتين فقط، دون إعادة النظر في التقسيم الإداري، فيما أُبقي على القضاء في دوائر عديدة أخرى، جبلا وبقاعا، كما جرى دمج محافظتي الجنوب في دائرة إنتخابية واحدة، بحجة الإحتلال الإسرائيلي. فبتنا أمام قانون مسخ، أُعيد تكرار تجربته في الإنتخابات النيابية في صيف 1996، ممّا دفع المجلس الدستوري إلى إبطاله لعدم دستوريته، مشددا على وجوب أن يعتمد قانون الإنتخاب في تقسيم الدوائر معيارا واحدا يُطبَّق في المناطق اللبنانية، على قدم المساواة، فيتم اعتماد معيار واحد في تقسيم هذه الدوائر بحيث تتأمن المساواة أمام القانون بين الناخبين  في ممارسة حقوقهم الانتخابية الدستورية، وبين المرشحين بالنسبة إلى الاعباء التي تُلقى عليهم، فكانت نتيجة اعتماد هكذا تقسيمات إنتخابية، مصحوبة بمقاطعة فئات واسعة من الشعب للعملية الانتخابية، إقتراعا وترشيحا، والتأثير الثقيل للآلة العسكرية الامنية والسورية الجاثمة في مختلف أنحاء لبنان والتي فسرت إعادة تموضعها في البقاع وداخله، كمهلة حثّ وليس مهلة إسقاط، تكريسا لسيطرة قوى الامر الواقع على مناطقها وطوائفها، فاحتكرت تمثيلها وأُخرِج أهل الطائف  من دائرة القرار، إلا قلة قليلة منهم، باتت معزولة ومهمشة، إعتمدت على شطارتها وخبرتها وقدرتها لإعلاء الصوت، فكان صوتا صارخا في البرية.

  فضلا عن ذلك، لا يجب أن يسهى عن بال واضعي أي قانون، تحقيق هدف فعالية التمثيل وليس فقط صحّته، وعليه يقتضي برأينا تعديل قانون الانتخاب، لوضع قيد على تكوين أي لائحة إنتخابية يقضي بإلزامها بعقد تحالفات مع لوائح عدد وافر من دوائر إنتخابية أخرى، مما يعزز فرص قيام أكثرية نيابية في المجلس، تنتج حكما عن هذه التحالفات الإلزامية بقوة القانون، كما تتأمن بذلك مقتضيات العيش المشترك.

 إنّ التعثر الذي لحق بقوانين إنتخاب أعضاء مجلس النواب، إنسحب أيضا على إصلاح آخر نادى به إتفاق الطائف وهو اللامركزية الادارية، حيث نصّ صراحة على وجوب إعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة، على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى(  القضاء وما دون) عن طريق إنتخاب مجلس لكل قضاء يترأسه قائمّقام، تأمينا للمشاركة المحلية، كما ولتعزيز موارد البلديات بالإمكانات المالية.

 إنّ واضعي النصوص في اتفاق الطائف، قد تبيّن لهم قصور عمل البلديات لوحده عن تلبية المصالح المحلية، فارتأوا أن يكون هناك مجلس على صعيد القضاء، ليتولى الإنماء في رقعة أوسع، ولكن فعليا وضع لذلك ضوابط، وهذه الضوابط الأولى أنّ لبنان دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية، ومجلس القضاء المنويّ إنشاؤه يجب أن يرأسه ممثل عن السلطة المركزية، هو القائمّقام الضامن لوحدة التوجه الإداري وللمصالح الوطنية، كما شددت على ضرورة  إعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد،  قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها إقتصاديا واجتماعيا. كل ذلك لم يتم منه شيء، لأن كل إقتراحات القوانين وهي أربعة ومشروع القانون المقدم، بقيت عالقة بين نظرتين، الأولى متوجسة منهم ترغب بالحفاظ على تركيز السلطة  بيد السلطة المركزية، والثانية تريده مطية لتحقيق رغباتها الدفينة بلا مركزية سياسية، يؤدي ضعف السلطة

 المركزية التاريخي، إلى أن تكرس تقسيما مقنعا. وشكرا.

د. حارث سليمان: قبل الإنتقال إلى القسم الثاني من ندوتنا الذي يندرج تحت عنوان" إنتهاك الدستور" سأعطي للزملاء أصحاب المداخلات، فرصة التعليق على ما جاء في مداخلة الزميل الآخر.

الوزير بطرس حرب: أولا أؤيد القسم الاكبر مما قيل، ولكن لي تعليق على مفهوم الميثاقية، هناك خطأ شائع في ذهن الناس بأن الميثاقية هي بين كل الطوائف في لبنان، كلا . عندما كنا في الطائف كنا نقول بين المسلمين والمسيحيين، ولم نقل بين الأرثوذكس والموارنة ولا بين الشيعة والسنة ولا بينهما وبين الدروز. من أجل ذلك فإنّ كل طرح اليوم يوحي بأنه إذا غاب مثلا وزير يمثل الطائفة الأرمنية عن مجلس الوزراء، أو إذا غاب الدروز أو الشيعة، فالميثاقية تطير! ما هذا الكلام! الميثاقية وُضِعت كضمانة وليس للتعطيل، ضمانة لحقوق التركيبة والوحدة الوطنية وحقوق الطوائف، وليس لضمانة  حقوق المسيحيين فقط، بل لضمانة حقوق المسلمين في الوقت ذاته، لأنه إذا كان للمسيحيين أمر ضد المسلمين، واستطاعوا أن يستميلوا إثنين أو ثلاثة من  الطائفة الإسلامية إلى موضوع يريده المسيحييون،تحدث المشكلة. هذا ما كنا نريد إجتنابه في الطائف، مثلما كنا نريد أن نجتنب الأمر الذي يفعله المسلمون خلافا لرأي المسيحيين. من هنا فإن نظرية الثلث  المعطل ليست صحيحة، بل هو الثلث الضامن لحقوق الطوائف، كي تستمر الميثاقية ولا تسقط . هذه المسألة أساسية ينبغي أن نوضحها.

إلى ذلك،  بالنسبة لعبارة "مقتضيات الوفاق الوطني"، هذه العبارة جرى طرحها عندما كنا نبحث في الطائف بمسألة الوظائف الإدارية بالمناصفة وعدم إلغاء الطائفية. أذكر عندها أنني  توجهت إلى الرئيس حسين الحسيني بهذا السؤال" المسيحيون قد لا يكون لديهم رغبة إجمالا في الدخول إلى قوى الامن والجيش، قد يلتحق بالجيش 10 آلاف مسلم مقابل 500 مسيحي، فهل من مصلحة لبنان أن يكون الجيش اللبناني كله مسلما، وقوى الأمن قوى إسلامية؟ قال: بالطبع لا. من هنا طلبنا منه أن يضع عبارة "وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني". لهذا السبب جرى وضع هذه العبارة، فنحن لا نريد ولا نقبل بأن يكون أحد الأجهزة في لبنان أو أحد الإدارات فيه إمّا مسيحيا وإمّا مسلما، لذلك كان هدفنا الإستمرار بالمحافظة على الميثاقية، حتى في تركيبة الدولة.

مثلا إذا دخلت أنا إلى مؤسسة، ولم أجد فيها موظفا مسيحيا واحدا، فسأشعر بطبيعة الامر بأني غريب. وإذا دخل مسلم إلى مؤسسة، ولم يجد فيها موظفا مسلما واحدا، فسيشعر بأنه غريب. هذه هي مقتضيات الوفاق الوطني.

حسان الرفاعي: عندي تعليق على مداخلتي أنا، فعندما تحدثتُ عن الثلث المعطل، قلت لا يوجد  طائفة أو مذهب لديه الثلث، نحن متفقون على هذا الامر، وهذا الأمر يختلف عن موضوع الميثاقية. والميثاقية، حبذا لو كان هناك ردّ كاف على ما قام به  الرئيس نبيه بري، حينما أقفل المجلس واعتبر أنّ حكومة الرئيس السنيورة غير ميثاقية، مع أنّ الميثاقية كانت موجودة فيها. عندها خرب البلد، و عندما أردنا الذهاب إلى حل هذه المشكلة، وقع مائة قتيل، وجرى الدوس على رقاب الناس، وتم آنذاك الذهاب إلى إتفاق الدوحة.  لذلك قلت أنا  أنه إذا أردنا أن يكون لدينا ديمقراطية، فعلينا أن نطبق كل شيء فيها.

إلى ذلك، وبالنسبة للفقرة "ياء"، الظاهر أن الرئيس حسين الحسيني عندما ذهب وفد نيابي سنة 1985 إلى الفاتيكان، وضع هذا البند. ثم بعد ذلك قال عن ميثاق العيش المشترك إنه مقدس، وكرّرها في ورقته، وهي عمليا لم تكن واردة لا في مسودة  إتفاق الطائف التي تم توزيعها على النواب في ذلك الوقت، ولم تكن واردة في ورقة  الرئيس صائب سلام ولا في الإتفاق الثلاثي. لم ترد إلا عند الرئيس حسين الحسيني الذي عاد ووضعها.

وبالمناسبة أقول إن الرئيس حسين الحسيني، كان يوزع في كل عام بطاقة معايدة يقول فيها:" مسلمات العيش المشترك أولها الحرية، ثانيها المساواة، ثالثها العيش الكريم، ورابعها التكافل والتضامن". فما  هي العلاقة بين كل ما يجري حولنا  وبين الميثاقية؟ وبالتالي إرتضينا أن نعيش وفقا للدستور. إنتهى الموضوع. أما الذي يأتي ليقول لك إن مقدمة الدستور هي الميثاق الوطني الجديد، فأنا لدي  ورقة من جريدة النهار بتاريخ 22 أيلول /سبتمبر 1983 عنوانها " لقاء دار الإفتاء حدد ثوابت المسلمين"،  وهذه الثوابت هي:

1 لبنان وطن نهائي بحدوده الحاضرة المعترف بها دوليا. سيّدًا حرًّا مستقلا عربيا، منفتحا على العالم وهو لجميع أبنائه.

2 لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وضمانها.

3 يلتزم لبنان النظام الإقتصادي الحر ويعتمد الإنماء الإقتصادي والإجتماعي.

4 إعطاء القضايا الإجتماعية حقها الكامل في الإنماء المتوازن.

5  التمسك بلبنان المتلازم  مع التمسك بالوحدة  الكاملة غير المنقوصة أرضا وشعبا ومؤسسات.

كل هذه الأمور كانت موجودة وكنا نعيش ملتزمين بها وهي في صلب الدستور،  من هنا فنحن لا نستطيع أن نسمح لطرف معين بأن يأخذ موادًّا واضحة في الدستور وأن يشرحها محتجا بالفقرة "ياء" وفقا لمصلحته الخاصة، هذا هو سبب إعتراضي على الفقرة" ياء".

د. رزق زغيب: بالنسبة لصلاحية السلطة التنفيذية وإنتقالها قبل العام 1990 وبعده، صحيح ما قاله معالي الوزير حرب بأن النص كان يعطي صلاحيات فائضة لرئيس الجمهورية، وأرى أنه من أجل ذلك، أقر الميثاق الوطني في العام 1943 الإبقاء على الدستور، لقد كان الدستور جزءا من الميثاق،  حيث تم الإبقاء على الدستور وتوزيع المناصب الثلاثة على الطوائف عرفا، كضمانات خاصة للطائفة المسيحية التي كانت الرئاسة الأولى من نصيبها في العام 1943. لكن المادة تقول: رئيس الجمهورية يمارس السلطة الإجرائية بمعاونة الوزراء، لا يستطيع أن يعيّن مأمور أحراج-  قبل إتفاق الطائف -  من دون أن يوقع معه وزير. ما كان يتم هو أمر واقع على الأرض، وهو الذي جعل نظامنا يتجه نحو الرئاسة، إذْ لم يكن في المجلس النيابي وقتذاك - عكس الجمهورية الثالثة - أكثرية واضحة تفرض إرادتها على الرئيس، لا بل كانت الاكثرية هي أكثرية الرئيس، إمّا بالتبني أو بالأصالة.  الرئيس كميل شمعون ورث أكثرية بشارة الخوري، ثم عاد واستحصل على أكثرية خاصة به. والرئيس فؤاد شهاب ورث أكثرية كميل شمعون، ثم عاد واستحصل على أكثرية خاصة به،  وهكذا دواليك. هذا ما كان يجعل رئيس الجمهورية  قادرا على أن يكون ذا باع طويل، وكان ملكا غير متوج، لقد كان حَكَما ويحكم في آن. لذلك لو كان ذاك الوضع متاحا في ظل هذه الظروف الحالية التي نشهد معها اليوم وجود تشظ في المجلس النيابي، ولو كان لرئيس الجمهورية باع طويل، وينظر إليه النواب كحاكم ثابت في سنواته الست، رضاه مطلوب، ولا يكونوا منتمين إلى أحزاب شبه مستقلة، لكنا عشنا واقعا مختلفا حتى بعد تعديلات الطائف.

أمّا بالنسبة للثلث المعطل وغيره، فالوسيلة الوحيدة لتلافيه، هو أن يكون هناك أكثرية في المجلس، أكثرية  متراصة سياسيا ومتنوعة طائفيا، المدخل إليها هو أن لا يكون هناك حصرية داخل أي طائفة، بل ينبغي وجود التنوع في كل طائفة، وأن تقوم تحالفات متجاوزة للطوائف، وإلّا فإّن نظامنا البرلماني لن يعمل بأي حالة من الاحوال.

د. حارث سليمان: نننقل الآن إلى القسم الثاني من هذه الندوة والحديث عن إنتهاك الدستور.

1- إن السلطة الفعلية في لبنان منذ اتفاق الطائف تُمارَس من خارج المؤسسات الدستورية، والمراسيم والسياسات تصدر من خارج الحكومة، حتى لو نالت تواقيع الوزراء وأختامهم، والتشريعات الاساسية يُتخذُ أمر صياغتها خارج مجلس النواب، حتى لو شهدنا نقاشا حاميا حولها في الندوة البرلمانية. لا يطبق حزب الله القانون اللبناني في حل النزاعات في مناطق سطوته، والقيام بالتسويات والتحكيم بين المتنازعين، وإجراء المصالحات فيما بينهم، بل يلجأ إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، حتى في خلاف الإيجارات أو تعويض الضحايا في حوادث السيارات. في عقيدة حزب الله،  الشعب ليس مصدر السلطات، كما ينص الدستور اللبناني، وشرعية الحاكم لديه تأتي من تكليف إلهي، عبر نيابة صاحب الزمان والولي الفقيه. ولذلك فالإنتخابات بمفهوم حزب الله  ليست إمتحانا للنواب ولسياساتهم وأدائهم، وليست مراجعة لإنجازاتهم وإخفاقاتهم، لكنها إحتفال بتجديد البيعة وإظهار الولاء والوفاء للقائد والمرشد، فيها يبرىء الناخب ذمته أمام ربه، ويعلن طاعة غير مشروطة  للولي الفقيه، تمنحه الثواب ومرضاة الله وحزبه. فالحزب لا يتنافس مع خصوم على مقاعد نيابية، ولا يحتكم إلى أصوات ناخبين يفاضلون بين مرشحيهم  الأقوياء في قائمته وبين لبنانيين آخرين لديهم برامج أخرى وتوجهات سياسية مختلفة. بل هي مواجهة بين رجال أخيار أبرار هم مرشحو الحزب، من جهة أولى، وبين جواسيس أرسلتهم ومولتهم سفارات دول الشر والإستكبار العالمي، من جهة ثانية. وعليه فإنّ أي نقاش دستوري مع حزب الله سيكون عبثيا، أو سيكون في جوهره نفاقا. الولي الفقيه له سلطات، كل سلطات النبي والإمام بحسب ما أفتى الخميني، فعن أي عقد جديد دستوري أو إجتماعي نناقش حزب الله فيما لو ذهبنا إلى دستور جديد، كما تروج بعض الدوائر الأوروبية؟ لا جدوى من أي جدال دستوري أو قانوني مع حزب الله. فلبنان بالنسبة إليه ليس وطنا، بل ساحة مواجهة أو طاولة تفاوض مع  أعداء إيران، وأداؤه تجاه السلطة اللبنانية يتراوح بين حدين،حد أدنى، يعني أن يمسك بحق الفيتو على أي إجراء أو قرار. وحد أقصى، يعني أن يمسك بمفاصل الدولة وقراراتها كافة. ولا يهمه إن كان تحقيق هذه الغايات قد جرى طبقا للدستور والقانون وقواعد الحياة الديمقراطية، أو خلافا لكل ذلك.

 بالمقابل، فإنّ دور العونية السياسية وهوسها السلطوي، هو الوجه الآخر لثقافة الخروج عن الدستور والإنفلات من الإحتكام للقانون والالتزام بأصول وقواعد الديمقراطية. وعلى الرغم من أنّ السهر على تطبيق الدستور، هي مهمة جُلّى، ومن صلاحيات رئيس الجمهورية حسب المادة 49، فقد أمعن العماد ميشال عون  بانتهاك الدستور وخرقه عبر تجاوز مبدأ المساواة  في الوظيفة العامة بين اللبنانيين، بين المسلمين والمسيحيين، ومخالفة المادة 12 والمادة 95 من الدستور التي تفرض إعتماد الكفاءة في الإمتحان  في الوظيفة العامة، والتراجع عن إلغاء الطائفية الإدارية ، فلا مناصفة حسب الطائف، في وظائف الفئات الثالثة والرابعة والخامسة. عون فرض المناصفة.

2-هذا إضافة إلى مخالفة أخرى في تعيينات الموظفين من الفئة الاولى في الإدارة، وما يعادلها من مواقع في المؤسسات العامة وقادة الأجهزة الامنية، (الرئيس عون وباقي الأحزاب فعلوا الأمر ذاته) بحيث إعتُمِدت المحاصصات الحزبية والطائفية، بديلا عن بناء هياكل دولتيّة على أساس الكفاءة والأقدمية والمهنية  والمناقبية، وعدم التبعية السياسية أو الإستزلام الطائفي والحزبي.

3- من مخالفات العماد ميشال عون  محاولة إلغاء إتفاق الطائف بالممارسة. تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء حسب المادة 17 من الدستور، لكن الرئيس عون حاول تجاوز المحتوى الحقيقي للإستشارات النيابية الملزمة، حيث بهذه الاستشارات تقوم الأكثرية النيابية بتسمية رئيس للحكومة، ولذلك إعتبر بأنه له حق الإستنساب والإستمهال لضرورات يستطيع تقديرها ، بحيث يمكن له تحديد موعد الإستشارات بعد أسابيع أو بعد مدة تتعدى أكثر من شهر على استقالة الحكومة. بعد ذلك وبما أن الإستشارات النيابية تفضي إلى تسمية رئيس الحكومة، قام عون بعرقلة تأليف الحكومة لرئيسين مكلفين ودفْعهما إلى الإعتذار، فيما بقي الثالث ممنوعا من التأليف. وقد حاول إبتزاز رئيس الحكومة  قبل تأليفه، بمفاوضته على تأليف الوزارة قبل تكليفه. حاول أن يكون فريقا يأخذ حصة  من التشكيلة، ويترك للكتل البرلمانية  حصصا أخرى.

إعتبر بالممارسة المضمرة أن الثقة بالحكومة العتيدة يجب نيلها على مرحلتين، ثقة رئيس الجمهورية أولا ، ثم ثقة المجلس النيابي، وهذا  أمر مستهجن. إعتبر أن مجلس الدفاع الأعلى  له سلطات تنفيذية ممكن أن تسد غياب مجلس الوزراء. وأخيرا إمتنع عن الحث على إجراء الإنتخابات النيابية الفرعية، بعد إستقالة ثمانية نواب عقب إنفجار مرفأ بيروت.

هذه هي مداخلتي، ونستمع الآن لمداخلة الشيخ بطرس حرب وموضوعها" الطائف وسيادة الدولة وحقها الحصري بتولي الدفاع والأمن والمعابر والرسوم والعلاقات الخارجية".

الوزير بطرس حرب: هذا الموضوع للحقيقة تدور حوله جدليات تتطلب البحث في التاريخ. فالطائف أو الدستور اليوم يقول إن الدولة هي التي تملك السلطة الحصرية القضائية والأمنية والعسكرية والخارجية، إلخ. والمؤسف أنه من بعد رجوعنا من مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، واتفاقنا على بنود وثيقة الوفاق الوطني، حيث تقرّر حلّ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وتسليم أسلحتها للجيش اللبناني، ووضع خطة أمنية لتطبيق هذا القرار وتسليح الجيش وتقويته لبسط سيادة الدولة على كل الأراضي اللبنانية، ومن ثم  إرساله بعد ذلك إلى منطقة الجنوب. حدث على أرض الواقع آنذاك ما عاكس هذا القرار. إذْ حدث هناك إستثناء لحزب الله وحركة أمل، باعتبار أنهما يحملان السلاح لمواجهة العدو الإسرائيلي، وباعتبار أن هذا السلاح ليس له علاقة بالصراع الداخلي إطلاقا. وأحد لم يستطع أن يقنع السوريين الذين هم حلفاء الحزب والحركة، أن هذا الامر غير صحيح. ذلك لأن حركة أمل كانت جزءا في الحرب اللبنانية وحزب الله صار جزءا بعد ذلك من هذه الحرب. والدليل على ذلك الممارسة التي حدثت بعد ذلك داخل البلد، وأثبتت أن نظرية بقاء السلاح معهما هي نظرية خاطئة.

عمليا كان يوجد مشروع إيراني يهدف إلى تصدير الثورة الإيرانية إلى العالم. وأسهل موقع لتصدير الثورة  كمرحلة أولى،هو لبنان، باعتبار تعدد الطوائف فيه، وباعتبار قربه من فلسطين المحتلة، وباعتبار أنه محميّ بعقيدة تستند إلى محاربة العدو الإسرائيلي الذي هو شر لا بد من مواجهته.  عند هذا المفصل من تاريخ البلد، أتى السوريون وفرضوا على اللبنانيين إبقاء السلاح مع حزب الله وحركة أمل ومنْعَهم من المطالبة بتسليمه، لأنه ضد العدو الإسرائيلي، وسمحوا بإستلام السلاح من باقي الميليشيات التي شاركت في الحرب الاهلية.

هذا الإجراء ضرب كل الطائف، وحال دون بسْط سيادة الدولة على الجنوب. وأكثر من ذلك فالمسؤولون السياسيون في لبنان، كانوا هم أصحاب هذه النظرية. الرئيس إميل لحود قال أكثر من مرة، أنه تجنب أن يقع في فخ إرسال الجيش إلى الجنوب، لئلا يصبح حرسا لبنانيا للحدود مع "إسرائيل". أنا هنا أطرح هذا السؤال:

من هو اليوم حارس الحدود مع إسرائيل؟ الجواب: حزب الله. هل أطلق الحزب بعد العام 2006 رصاصة عند الحدود؟ هل حصل إشتباك؟ عمليا ولهذا السبب بالذات، لم يعد عندنا سيادة، ولم نستطع بسط سيادة الدولة على  كامل الاراضي اللبنانية.

في العام 2000 إنسحب جيش العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان، وبقي في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا. المهم في الموضوع أنه في الخرائط اللبنانية الرسمية التابعة للدولة اللبنانية، لا توجد شبعا وتلال كفرشوبا من ضمن الخريطة الرسمية. السوريون قالوا أنها أراض لبنانية، ليظل حزب الله وسلاحه أداة  لهم وللإيرانيين في لبنان.

وجراء ذلك جرى تعديل الخرائط اللبنانية آنذاك، والرئيس نبيه بري في مذكراته، قال إنه قد تم تعديل الخرائط اللبنانية ووضْع هذه المناطق فيها، فهي لم تكن موجودة بالخطأ.

ولكن عمليا كلا، فمزارع شبعا وتلال كفرشوبا إحتلتها سوريا في الخمسينات من القرن الماضي، واحتلت المراكز التي كان يشغلها الدرك اللبناني آنذاك، وحاولت أن تفرض على السكان فيها الهوية السورية فرفضوا وأبقوا على جنسيتهم اللبنانية. وعندما شنت إسرائيل الحرب في العام 1967، أخذت هذه المنطقة من السوريين  وليس من لبنان واحتلتها، بعد ذلك أخضعتها الأمم المتحدة للقرار 242 وليس للقرار 425. فلتتفضل سوريا ولترسّم الحدود مع لبنان وتعترف أن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا مناطق لبنانية، ولْتُرسِلْ كتابا إلى الأمم المتحدة لتُثبتَ لبنانيتها، حتى تستطيع الدولة اللبنانية أنْ تطالب بها وفق القرار 425. طبعا سوريا تقول هذا الكلام لمجرد القول، لكنها لا ترسل أي مستند رسمي، لكي يظل الوضع على ما هو عليه، إنْ هزَزْتَه يهزّ. وأيضا لكي يبقى حزب الله متمسكا بسلاحه، باعتبار أنّ هنالك أراضيَ لبنانية لم تتحرّر بعد.

للأسف كل هذه الأسباب أوصلتنا إلى هذا الواقع المرير، لا يوجد دولة ،لا يوجد قضاء، لا يوجد مجلس نواب، لا يوجد رئيس جمهورية، لا يوجد حكومة، إلا بإرادة حزب الله. وليس هناك أي مجال لأي قرار يُتَخذ إذا لم يوافق عليه الحزب. وهنا أقول بكل أسف أنه يوجد لبنانيون ومسيحيون من بين اللبنانيين، تماشوا مع حزب الله وفقا لمصالحهم الحزبية والشخصية، كي يصلوا إلى منصب رئاسة الجمهورية وإلى مناصب وزارية في الدولة. وهذا ما تسبب بخراب لبنان وضياع السيادة ، فلن يكون هناك دولة،  طالما أنّ هنالك سلاحا موجودا خارج إطار الشرعية. فمن يتوهم أنه ستكون هناك دولة في ظل وجود هذا السلاح، يكون من الضاحكين على نفسه.

وللأسف أيضا أتى ميشال عون، وبدلا من أنْ  يواصل عملية الحوار التي بدأت في العهود الرئاسية، التي سبقته، حول وضع إستراتيجية دفاعية لضبط سلاح حزب الله ووضعه بتصرف الجيش أوتحت إشرافه، أوقف الحوار، ولم  يُجر أي جلسة حوار في عهده الرئاسي حول هذه الإستراتيجية الدفاعية، وبالتالي ورثنا هذه الحالة التي نعيشها نحن اليوم فيها.

د. حارث سليمان:  المداخلة الآن للأستاذ حسان الرفاعي، وسيتكلم عن "إنتهاك الدستور وتعميق الممارسة الطائفية خلافا لمسار الطائف ومتطلباته ".

حسان الرفاعي: سأبدأ كلامي من النقطة التي إنتهى إليها الشيخ بطرس،إنّ خرق الدستور حدث مرات عدة  في عهد الرئيس إميل لحود، حتى أنه حدث في فترة من الفترات، عندما رفض الرئيس رفيق الحريري التوقيع على إقرار الزواج المدني. ولكن مع اعترافنا ببعض الخروقات التي هي من هذا القبيل، لا يضاهى بعمل شخص يسلّم بلده ويعتبر أنَّ جيشه ليس أهلا للدفاع عن الوطن، ويمارس كل ما يؤدي بالذهاب إلى هذا المحور، فيأخذ وزراء مسيحيين ليظهر أنه الأقوى مسيحيا، كما فعل جبران باسيل. فيما أن هذا الرجل الذي معنا اليوم- إشارة إلى الوزير بطرس حرب- تاريخه في المقاومة اللبنانية قديم، وبإمكانه أنْ يحدثنا عنه، لا ينتظر هكذا أناس يضحون بلبنان ويأتونه ليعلموه كيف تكون حقوق المسيحيين.

الرئيس ميشال عون لم يمارس دوره الدستوري، كحكم بين اللبنانيين، بل دخل في زواريب السياسة واشتغل واشترط المناصب لمصلحة صهره وتياره، وخرّب البلد وسلّمه إلى محور يعمل على إنهاء فكرة لبنان، كما إن عون مزّق الدستور بمساعدة فريق من الحقوقيين من حوله، كي يظهروا أننا نعيش أزمة نظام وهذا ما قاله الثوار أيضا للأسف.

 برأيي، لا يوجد أزمة نظام ولا أزمة دستور، بل يوجد أزمة رجال ذوي ضمير،لا يشكلون خطرا على لبنان.

من أجل ذلك وُضِعتْ هذه الدراسة عن مخالفات الرئيس عون الدستورية، وقد بدأت فكرتها من غبطة البطريرك الراعي، عندما ذهب إليه وفد من أعضاء الثورة وطالبوا باستقالة الرئيس، فقال لهم لديكم طريق واحد وهو المادة 60 من الدستور. من هنا نحن وثّقْنا المخالفات وخرق عون للدستور، علما بأننا نعلم بوجود صعوبة في نيل مبتغانا، لأن الامر يتطلب ثلثي أعضاء مجلس النواب.  ويا ليت من بين المرشحين اليوم للرئاسة، وُجِد منْ يقول للرئيس عون في عهده المليء بالمخالفات الدستورية، ما هو دور رئيس الجمهورية، وما هي الأخطاء التي ارتكبها. للأسف لم يفعل أحد منهم ذلك.

إنّ من يسيء اليوم إلى لبنان، ومنْ يسيء إلى رئاسة الجمهورية ويعطلها، هي جهة معروفة ويتعاونون معها أناس من السنّة والمسيحيين ومن كل الطوائف، كي يصبح لدى هذه الجهة أكثرية. وهناك كتيب وزعناه عليكم، نذكر فيه كيف أن الرئيس نجيب ميقاتي من بعد خروج سعد الحريري دوّر الزوايا في تأليفه للوزارة وراضى عون وصهره ونفذ لهما ما يريدانه، إلى أن وصلنا إلى هذه الحال، ووجد نفسه عالقا في هذه "العلقة"، فالرئيس نجيب ميقاتي - وعفوا للتعبير- هو أيضا باع واشترى، ليصل إلى رئاسة الحكومة. وهذا يثبت لنا بأن الخلل ليس موجودا في الطائفة المارونية ولا عند السنّة ، بل الخلل موجود في هذا التشرذم الذي من خلاله يلعب المتحكمون بالقرار ببعض الاشخاص الذين يسعون إلى مثل هذه المناصب العليا في الدولة.

د. حارث سليمان: المداخلة الأخيرة في هذا القسم هي للدكتور رزق زغيب حول إستتباع القضاء وخرق مبدأ فصل السلطات والمحاصصة وتدخل البرلمان في أعمال السلطة التنفيذية.

د. رزق زغيب: كرّس إتفاق الطائف هوية النظام السياسي في لبنان، إذ اعتبر فيما بات جزءا من الدستور، أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، وأن النظام قائم على مبدأ  الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها. إلا أن بعض أحكام الدستور جاءت لتحد من فعالية هذا المبدأ وتحوّر في هوية النظام السياسي، فتجعله يميل نحو نظام مجلسي لاختلال التوازن أحيانا بين السلطات لصالح السلطة التشريعية. وبالفعل فإن التوازن بين السلطات في النظام البرلماني، يكمن في مسؤولية الحكومة السياسية، أمام مجلس النواب، ويقابله حق السلطة التنفيذية بحل مجلس النواب، فبهذين السلاحين المتقابلين، يتحقق التوازن بين سلطتين منفصلتين تتعاونان بين بعضهما البعض. إلا أن إتفاق الطائف قد قيّد إمكانية حل مجلس النواب من قبل مجلس الوزراء، بشروط تعجيزية. أضف إلى ذلك أنّ المادة 58 من الدستور والتي تتحدث عن مشاريع القوانين التي يحيلها مجلس الوزراء إلى مجلس النواب بصفة المعجّل،بحيث أنه يجوز لرئيس الجمهورية إصدار القانون بعد موافقة مجلس الوزراء، في حال انقضت مهلة الأربعين يوما المعطاة لمجلس النواب لدرسه وإقراره، قد أُفرِغت من مضمونها. فبدء سريان هذه المهلة، بات مربوطا بإدراج مشروع القانون المعجّل، في جدول أعمال جلسة عامّة لمجلس النواب، وتلاوته فيها. مما جعل رئيس وهيئة مكتب المجلس يتحكمون تماما بهذه الآلية التي فقدت جدواها، بدليل أنّ أي قانون في لبنان منذ العام 1990 لم يصدر بصفة المعجل سندا لأحكام المادة 58. ونشير أيضا إلى تعطيل إمكانية اللجوء إلى تفويض الحكومة بالتشريع، فيقوم مجلس النواب بموجب قانون تفويضي بمنحها صلاحية التشريع بواسطة مراسيم إشتراعية، خلال مدة معينة وفي مواضيع محددة. فقد اعتمد المجلس ورئيسه تحديدا موقفا متشددا في هذا الخصوص، رافضا اللجوء إلى هذه الممارسة، وقد أيده للأسف الشديد المجلس الدستوري بتفسير متزمّت بعض الشيء لنصوص الدستور. وبالتالي باتت هذه الممارسة، بإستثناء التشريع الجمركي لحراجته، منتفية بالكامل.

إن هذا الواقع قد أضر كثيرا بجودة التشريع اللبناني، ذلك لأنه إذا استعرضنا سريعا  مجمل المراسيم التشريعية الصادرة في لبنان من العام 1929 وحتى العام 1984، يظهر لنا أن معالم الدولة الإقتصادية والإجتماعية قد ظهرت وطُوِّرَت بواسطة هذه المراسيم الإشتراعية. كما ظهرت وللأسف عادة تدخُّل السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية، كترفيع الموظفين مثلا، مما جعل المجلس الدستوري يُبطل هكذا نوع من القوانين، لتعارضها مع مبدأ فصل السلطات.

أمّا إستقلالية القضاء فقد بقيت المادة 20 من الدستور دون تعديل، إثر إعتماد إتفاق الطائف الذي اكتفى بالإشارة إلى ضرورة إنتخاب عدد معين من أعضاء مجلس القضاء من قِبل الجسم القضائي، تدعيما لاستقلال القضاء. وبموجب مقدمة الدستور وأحكام المادة 20 والقوانين الوضعية والإجتهاد المستمر والمستقر، يتضح أنّ القضاء سلطة في لبنان فحواها- وهنا بيت القصيد وهنا الجدل- أن القضاة  مستقلون في تأدية وظيفتهم. أما ما عدا ذلك من أمور تتصل بحياتهم المهنية كتعيينهم وتشكيلاتهم والتدابير المسلكية الخاصة بهم، فإنها تخضع لرقابة السلطة التنفيذية مع توفير الضمانات اللازمة لهم في هذا الشأن، بواسطة وجود هيئة إدارية تسهر على  إستقلال القضاء وحسن سير العمل فيه،  وهذه الهيئة هي مجلس القضاء الأعلى، فضلا عن جعل صلاحية السلطة التنفيذية مقيدة تجاه قرارات هذا المجلس في نواح عديدة. وقد عُدل قانون التنظيم القضائي في العام 2001 بغية جعل بعض أعضاء مجلس القضاء الاعلى منتَخبين، وإيلاء المجلس الكلمة الفصل في التشكيلات القضائية، بحيث يصبح قراره في حال أُكّد عليه بأكثرية موصوفة، ملزما ونهائيا في هذا الشأن، تجاه الهيئات القضائية أولا، والسلطات الدستورية المعنية بوضع هذه المقررات موضع التنفيذ، ثانيا، إلا أن الممارسة قد شذّت أحيانا كثيرة عن ذلك، عبر التمنع عن إصدار مراسيم  التشكيلات القضائية، إضافة إلى التدخلات السياسية السافرة في الجسم القضائي، عبر تأمين نظام حمايات لبعض القضاة، ممّا أضر كثيرا بالوقار الواجب أن يظلّل هذه السلطة، ناهيك عن إضمحلال عنصر الثقة بقدرتها على المحاسبة إلى أبعد حدود.

وفي الختام إن اعتماد قانون جديد لاستقلالية القضاء أمر مرغوب ومنشود، شرط مراعاته الاحكام الدستورية التي سبق وذكرناها. إلا أن استقلال القاضي يبقى من صنع يديه،  فإن لم يقتنع أنه مستقل، فأي نص قانوني سيقنعه ؟

د. حارث سليمان: هل من تعليق من قبل الحاضرين؟

دولة الرئيس فؤاد السنيورة: بداية، أشد على أيدي المحاضرين الذين أضاؤوا على الكثير من الزوايا التي كانت تشكل غموضا عند عامة الناس، وتتسببّ لهم بالتالي عدم فهمهم لها بشكل صحيح.

 أنا أود في هذه اللقاء أن أضيف وأوضح بعض الامور. فالدستور هو القانون الأسمى، ومهما جرى الدخول في التفاصيل، فهو يستند إلى حسن نية الذين يطبقون الدستور. فعندما لا يوجد حسن نية تصبح الحالة مماثلة للحالة التي نشهدها اليوم، كل واحد يأخذ من الدستور المادة التي يريدها ويفسرها على هواه، بينما الدستور يؤخذ بكلّيّته، فهو منسجم مع بعضه البعض بحيث لا يمكن لأحد أن يأخذ مادة منه ويتلافى المواد  الاخرى.

إلى ذلك، أود التطرق إلى مسألتين والحديث عنهما إستنادا إلى التجربة، النقطة الاولى هي عن الموضوع الذي يتعلق برئيس الجمهورية الذي وضعه الدستور في الموقع الاسمى والأكبر، على أساس أنه الحَكم، وهو بين يديه أكبر سلاح موجود في البلد، ألا وهو أنه حامي الدستور، فأي فرد يخالف الدستور يكون مرتكبا مخالفة كبرى. وهو الشخص الذي من المفترض أنه يوجه الناس على هذا الأساس، وبالتالي لا يمكن أن يكون رئيس الجمهورية طرفا، وهذا الامر كان من ضمن الامور التي جرى بحثها في الحوار الوطني الذي جرى في العامين 2015 و2016 حول الموضوع المتعلق برئيس الجمهورية. كان هناك وجهة نظر أنه فقط يُكتفى  بالإقتصار "الرجل القوي في طائفته "وللحقيقة هذا الامر ليس صحيحا، مطلوب أن يكون رئيس الجمهورية  الرجل القوي لدى كل اللبنانيين، بحكم كونه الحَكم، بينما رئيس الوزارة يمكن أن يكون رئيسا بالأكثرية، ورئيس الاكثرية بقاؤه منوط باستمرار وجود هذه الاكثرية، فعندما تنتفي الاكثرية، يذهب رئيس الوزراء إلى بيته، بينما يظل رئيس الجمهورية في منصبه. وأذكر أنه في سياق الحوار الوطني الذي جرى عند الرئيس نبيه بري،  كان هناك تأكيد على أن يكون رئيس الجمهورية هو الرجل القوي عند جميع اللبنانيين، وليس عند فريقه فقط.

النقطة الثانية التي أود الإضاءة عليها، هي موضوع القضاء، فلي تجربة مررت بها التي هي فعليا إعطاء القيمة لدور مجلس القضاء الأعلى، إذْ جرى هنالك  محاولة لإجراء تشكيلات قضائية في العام 2005 وأنا  كنت أعلنتُ كرئيس حكومة آنذاك، بأنني إذا أتتني هذه التشكيلات القضائية مُوقّعة على الاقل من 8 أو 10 من أعضاء مجلس القضاء الأعلى، فسوف أوقعها، وبالفعل أتتني التشكيلة موقعة من عشرة أعضاء، ونفذت وعدي، وقعتها دون أن أراها. لقد تم التوقيع عليها من قبلي وثم من قبل وزيرالعدل آنذاك، وكانت مبنية على أساس أنه عندما تكون هذه التشكيلات موقعة من مجلس القضاء الأعلى، تصبح صلاحية وزير العدل ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية صلاحيات مقيدة.

وبالتالي عندما تم التوقيع عليها من قبلنا وتم إرسالها إلى رئيس الجمهورية، في وقتها، العماد إميل لحود،  لم يوقع عليها. وهذا للأسف ما حدث أيضا مع الرئيس ميشال عون.

 

 

 

 

 

الكاتب: 
المنتدون: بطرس حرب، حسان الرفاعي، رزق زغيب
التاريخ: 
الأحد, ديسمبر 4, 2022
ملخص: 
لقد تم الإعتقاد أنّ منْ يتولى المناصب العليا، هم رجال سلطة وطنيون، رجال كبار وعظماء، إلا أننا اخطأنا كثيرا، فلم يكن ههنا لا كبار ولا عظماء.