ندوة حول: "حول صلاحيات حكومة تصريف الاعمال وشغور منصب رئاسة الجمهورية"

النوع: 

قيل

ندوة حول: "حول صلاحيات حكومة تصريف الاعمال

وشغور منصب رئاسة الجمهورية"

 

بدعوة من النادي الثقافي العربي و"مرصد الطائف" عقدت في مقر النادي في الحمراء،بتاريخ19تموز/يوليو2022 ندوة حول موضوع "صلاحيات حكومة تصريف الاعمال في ظل شغور منصب رئاسة الجمهورية". حاضر فيها كلّ من الوزيرين السابقين رمزي جريج، والدكتور خالد قباني، والدكتورة لارا كرم بستاني، والدكتور رزق زغيب.

وقد عرض المحاضرون لوجهة نظرهم القانونية الدستورية، حول طبيعة المرحلة المقبلة المفترضة وكيفية ممارسة السلطة في ظل هذه الحالة، إذا ما وصلت اليها البلاد، وذلك بحضور الرئيس فؤاد السنيورة  والوزراء السابقون بطرس حرب، وسمير الجسر وطارق متري والدكتور حسن منيمنة والنائب السابق الدكتور عمار حوري ورئيسة النادي السيدة سلوى بعاصيري السنيورة، وعدد من الحضور من المهتمين وأصحاب الاختصاص . وقد دامت الندوة ثلاث ساعات تطرق فيها النقاش الى المواضيع التي تتصل بهذه الحالة المفترضة من مختلف جوانبها.

 أدار الندوة وقدّمها الدكتور عارف العبد، مفتتحا إياها بالقول:" أيها السادة الكرام،

بدايةً، أود التوجه بالشكر إلى الهيئة الإدارية في النادي الثقافي العربي التي اتاحت لنا فرصة اللقاء اليوم في هذا الظرف الدقيق والحساس الذي تمر به البلاد ولمناقشة هذا الموضوع المهم والاساسي وهو صلاحيات حكومة تصريف الاعمال في حالة الشغور الرئاسي. إذ يبدو تقدم احتمال أن يتجه لبنان إلى هذه الحالة الاستثنائية بعدم التمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن هذا الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس للجمهورية بفعل استمرار الاستعصاء والتمنع عن الالتزام بتطبيق كل احكام الدستور في اوانها وبموضوعية.

 ما من شكّ، أنّه كان للنادي الثقافي العربي وعلى مدى عدة عقود ماضية، ومنذ تأسيسه قبل حوالى ثمانين سنة، الدور الريادي والمحفز والمشجع في طرح واثارة ومواكبة المواضيع والقضايا المفصلية في البلاد والمنطقة .

لن ادخل الان في تعداد دور النادي الذي انطلقت أعماله، منذ منتصف الاربعينيات إلى الآن، بل وكما بات معروفا، فإن النادي الذي نحن في رحابه، يحتفل هذه الفترة بمرور 75 سنة على تأسيسه، وهو لهذا أطلق ورشة متعددة المنصات والاهتمامات، أنتجت العديد من الخطوات والإنجازات، ولم يكن آخرها إنشاء "مرصد الطائف" الذي انطلقت فكرته في كانون الاول من العام 2018 من هذه القاعة، لمواكبة ورصد الخروق والانتهاكات التي يتعرض لها الدستور واتفاق الطائف. وقد ظهر كم كان ضروريا التنبه في هذه المرحلة التي دخلها لبنان في الفترة الأخيرة، وهي المرحلة التي شهدت وتشهد محاولات لاختلاق أعراف وبدع وممارسات غير دستورية، تخالف النص والعرف الدستوري.

السادة الحضور،

إضافة الى مواكبة إنشاء مرصد الطائف والذي ترافق مع استحداث موقع إلكتروني مختص في هذا الموضوع، ومجلة فصلية صدر منها أكثر من عدد بين تجريبي وحقيقي، حتى الآن. وها نحن الآن في طور التحضير لإصدار العدد الثالث، فإنّ هذه الندوة التي نحن في صددها اليوم هي من أعمال وإهتمامات المرصد، على أن تُنشر وقائعها في العدد الثالث الجاري العمل على إعداده، في هذه الفترة وعلى الموقع الالكتروني.

في كل الأحوال، موضوع هذه الندوة، كما بات معروفا، هو استكشاف آفاق المرحلة المقبلة، ومحاولة تسليط الأضواء والافكار، واستشراف معالم الطريق المقبلة على المستوى الدستوري والقانوني، في مواجهة ما هو قادم وقائم ومحتمل، أي الوصول إلى حالة الشغور الرئاسي وكيفية التعامل مع حالة تسيير مرافق الدولة ومؤسساتها الدستورية، في ظل استمرار حكومة تصريف الاعمال.

السادة الحضور،

الهدف من هذه الندوة هو استكشاف معالم هذه المرحلة دستورياً، وهي على ما يبدو ستكون صعبة ومعقدة. لذلك، فقد تمت دعوة هذه النخبة من السادة أصحاب التجربة في المسؤولية والاختصاص في القانون الدستوري، لتبادل الآراء ووجهات النظر لاستيضاح معالم التعامل مع هذه المرحلة الصعبة والدقيقة. واسمحوا لي ان اعطي الكلام أولا للوزير السابق ونقيب المحامين الأسبق الاستاذ رمزي جريج للتقدم في المداخلة الأولى على أن يليه في الكلام الوزير السابق والخبير في القانون الدستوري الدكتور خالد قباني، ثم الدكتورة لارا كرم بستاني، على أن يكون مسك الختام للدكتور رزق زغيب، ومن ثم فتح المجال للأسئلة والاستيضاحات من قبل السادة الحضور الذي أردناه أن يكون محدوداً ونخبوياً.

*مداخلة الوزير ونقيب المحامين السابق رمزي جريج:

سيداتي سادتي دولة الرئيس، يشرفني أن أشارك بهذه الندوة في النادي الثقافي العربي الذي يعتبر منارة للعلم والثقافة، ويشرفني كذلك أن أشارك في هذه الندوة مع نخبة من الأخصائيين، لا سيما معالي الوزير الدكتور خالد قباني، الزميلة الدكتورة لارا كرم والدكتور رزق زغيب. سأتناول باختصار كلي ثلاثة مواضيع ستُطرح على بساط البحث عند خلو سدة الرئاسة.

الموضوع الاول هو مسألة النصاب والاكثرية لانتخاب رئيس الجمهورية ، هناك آراء مختلفة حول هذا الموضوعـ هل هو النصاب المطلوب في المادة 34 التي تنص على ان النصاب هو الاكثرية المطلقة في مجلس النواب. ثمة حقوقيون أيدوا هذه النظرية وقالوا إن النصاب هو النصاب المنصوص في المادة المذكورة. وبرأيي هذا الأمر غير صحيح، لأن النصاب المنصوص في هذه المادة، هو جلسات مجلس النواب كهيئة تشريعية. أما النصاب الواجب إعتماده في مجلس النواب كهيئة  إنتخابية فدوره مختلف، ويتداخل بحسب رأيي مع الأكثرية المطلوبة لانتخاب رئيس الجمهورية. عندما تكون الأكثرية المطلوبة ثلثي أعضاء مجلس النواب، يكون النصاب ثلثين. وعندما تكون الأكثرية هي الأكثرية المطلقة في مجلس النواب، يكون النصاب عند ذلك الأكثرية المطلقة من مجلس النواب. ويمكن بحسب رأيي أن ينخفض النصاب خلال الجلسة المنعقدة إذا دُعي إلى دورة ثانية للإنتخاب بالاكثرية المطلقة، ولا شيء يمنع من  إجراء الدورة الثانية والدورة الثالثة خلال الجلسة نفسها.

الموضوع الثاني هو مسألة إنتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء. هناك صلاحيات لا تنتقل إلى مجلس الوزراء لأنها لصيقة برئيس الجمهورية مثل توجيه رسائل إلى مجلس النواب، وحق الطلب إلى مجلس النواب بإعادة النظر بأي قرار لمجلس الوزراء خلال مدة 15 يوم، ترؤس الحفلات الرسمية، منح أوسمة الدولة، منح العفو الخاص، إعتماد السفراء اللبنانيين في الخارج، وقبول إعتماد السفراء الأجانب في لبنان. أما سائر الصلاحيات فيمكن أن تنتقل إلى مجلس الوزراء. ولكي يلتئم مجلس الوزراء ينبغي حضور ثلثي أعضائه وتُتخذ القرارات في مجلس الوزراء إما توافقيا وإما بالتصويت بالأكثرية. أما المنهجية التي اعتُمدت في حكومة الرئيس تمام سلام التي تولت صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد خلو سدة الرئاسة بانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، فإنها منهجية خاطئة، وكانت يفترض توقيع جميع الوزراء على القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء، والوزير بطرس حرب شاهد على ذلك. وكان بإمكان وزير أو فريق من الوزراء إن كانوا يرغبون في التعطيل أن يعطلوا مجلس الوزراء، وبالنتيجة تعسّر عمل حكومة الرئيس تمام سلام، وهو شاهد على ذلك.

أنتقل إلى الموضوع الأساسي الذي نحن مجتمعون بصدده الآن. وهو انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة مستقيلة، إذ من المتوقع أن لا تتألف حكومة جديدة لأسباب عديدة منها ما يتعلق بمواقف الرئيس نجيب ميقاتي، ومنها مايتعلق بمسألة العرقلة والشروط التي يضعها الرئيس عون. لذلك فإن تشكيل حكومة جديدة قريبا، مسألة باتت مستحيلة.

هل يجوز إنتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة مستقيلة؟ الذين يشككون في هذا الأمر يتذرعون بنص المادة 62 من الدستور التي تنص على ما يلي: " في حال خلو سدة الرئاسة بأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء"، وهم يعتبرون أن الحكومة ليست مجلس الوزراء وأن هناك فرق بين الحكومة وبين مجلس الوزراء. إن جوابنا على هذا الرأي لا يقبل الجدل للأسباب الآتية:

إن المادة 62 تنيط صلاحيات رئيس الجمهورية إلى هيئة دستورية هي مجلس الوزراء، بمعزل عن الصلاحيات العائدة إليها. ولا يجوز ترجيح الفراغ على تفعيل المؤسسات. ثمة حجة إضافية تتمثل بحالة خلو سدة الرئاسة بسبب الوفاة أو الإستقالة، فلهذين السببين يحل الفراغ حتما في سدة الرئاسة، فإذا قلنا إن الصلاحيات لا تنتقل، نوسّع مدى الفراغ ونعطّل كل مرافق الدولة.

السبب الثالث أن تصريف الأعمال قد تطور جدا في الآونة الأخيرة، وقد أرسل لي الدكتور بهيج طبارة مقالا كان قد نشره في جريدة النهار في العام 2019، وهو بعنوان" مفهوم تصريف الأعمال في الأزمات الكبرى"، ويقول الدكتور بهيج طبارة إن مفهوم تصريف الأعمال مطاط يتسع ويضيق، يتسع في الظروف الإستثنائية، ويجوز عند ذلك أن يجتمع مجلس الوزراء كما حصل فعلا، لإقرار الموازنة مثلا، أو لموضوع هام وضروري، وعملا بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، يجوز أن تنتقل الصلاحيات التي يحتاجها مجلس الوزراء لتسيير مرافق الدولة عند خلو سدة الرئاسة.

السبب الرابع أن ثمة قوانين يلحظ النص فيها أن الموظف المنتخب أو المعين في بعض المؤسسات الدستورية أو الإدارية، يستمر في وظيفته إلى حين تعيين خلف له، مثال الأشخاص المعيّنون في المجلس الدستوري، حيث هناك نص واضح. في حين أن لا نص يجيز لرئيس الجمهورية سيما أن الدستور ينص بأن رئاسته تدوم ست سنوات، ونقطة على السطر.

السبب الخامس، مع وجود رئيس مكلف، كما هو الحال الآن، فإن مقولة عدم أحقية حكومة تصريف الأعمال بتولي صلاحية رئيس الجمهورية عند خلو سدة الرئاسة مقولة قد تتخذها الرئاسة ذريعة، علما أن رئيس الجمهورية أعلن عن إخلاء رئاسة الجمهورية فور الموعد المحدد، وإنما من الناحية النظرية ممكن أن تُتخذ ذريعة لعرقلة التأليف واستمرار رئيس الجمهورية في منصبه، ولا شك أن هذه المقولة تخالف مجمل أحكام الدستور.

إنطلاقا مما تقدم فإن الفراغ الذي يهول به البعض، هو فراغ مستحيل كما عنونت في مقال لي. ويبقى على النواب أن يجنبوا البلاد كل هذا النقاش العقيم بإتمام الإستحقاق الرئاسي في أوانه تلافيا للفراغ.

*مداخلة الدكتور خالد قباني:

يعتبر الدستور القانون الأعلى والأسمى الذي يتسلم قمة الهرم القانوني، في أية دولة دستورية، والذي تنتظم بموجبه القواعد القانونية التي تحكم أعمال الدولة، مما يقتضي معه أن تأتي متلائمة ومتوافقة مع أحكامه تحت طائلة الإبطال.

وعادة ما يتصدر الدستور مقدمة تتضمن المرتكزات الأساسية والمبادئ العامة التي يقوم عليها النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع السياسي والذي يعكس قيم هذا المجتمع وتطلعاته وامانيه.

ولم يخرج الدستور اللبناني عن الأصول التي ترعى وضع الدساتير وتعديلاتها، فقد صدر الدستور اللبناني في 23 أيار 1926، وخضع لتعديلات كثيرة آخرها، التعديلات التي تمت بموجب القانون الدستوري الصادر في 21 أيلول 1990، استناداً إلى وثيقة الوفاق الوطني التي عرفت باتفاق الطائف.

وكأي دستور يعلو على كل القواعد القانونية، فإن تطبيقه، لما ينطوي عليه من قواعد عامة وآمرة، يكون ملزماً لكل المؤسسات الدستورية، ويجب التقيد في تطبيق أحكامه بالأصول التي تحكم تطبيق النصوص القانونية، وأساسها أن لا اجتهاد في معرض النص، عندما يكون النص واضحاً وصريحاً، وعدم التوسع في تفسير نصوصه، وان يأتي تفسير النصوص، عند غموضها، بالمعنى الذي يحدث معه أثراً يكون متوافقاً مع الغرض منه ومؤمناً التناسق بينه وبين النصوص الأخرى.

وفي ضوء ما تقدم، وبالعودة إلى أحكام الدستور اللبناني، الواضحة والملزمة، يمكن الإجابة على التساؤلات التي يطرحها هذا الموضوع كما يأتي:

أولاً: في صلاحيات الحكومة المستقيلة:

نصت المادة 69 من الدستور على ما يلي:

تُعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية:

أ-إذا استقال رئيسها.

ب-إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها.

ج-بوفاة رئيسها

د-عند بدء ولاية رئيس الجمهورية

هـ-عند بدء ولاية مجلس النواب

و-عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناء على طرحها الثقة.

وفي حال تحقق أي من هذه الحالات، وبالتالي الحالة التي شهدتها البلاد مؤخراً، في الانتخابات النيابية التي جرت في الخامس عشر من شهر أيار 2022، أي مع بداية ولاية مجلس النواب، أصبحت الحكومة حكومة تصريف أعمال، وتمارس صلاحياتها، بالتالي، استناداً إلى المادة 64 فقرة 2 من الدستور بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال.

هذا هو الوضع الدستوري والطبيعة القانونية للحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة، وفقاً لأحكام الدستور اللبناني، أي أنها تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، بحيث تفقد صلاحياتها الدستورية، وتكون بمنأى عن المساءلة والمحاسبة أمام مجلس النواب، أي أنها تصبح حكومة غير مسؤولة.

ولكن الدستور اللبناني، كما غيره من الدساتير، لم يحدد المهام أو الصلاحيات التي يمكن أن تتولاها حكومة تصريف الأعمال لأنها مسألة عارضة ومؤقتة واستثنائية، ويجب أن تبقى كذلك ويتم التعامل معها على هذا الأساس تمهيداً للعودة سريعاً إلى الأصل أي إلى الحالة الطبيعية، بل تكفل بذلك الاجتهاد القضائي، ولاسيما اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي Conseil d’Etat وسار على هديه، اجتهاد مجلس شورى الدولة اللبناني.

ونظرية تصريف الأعمال هي نظرية اجتهادية من صنع القضاء الإداري، ولا تتطرق إليها الدساتير عامة، إلا أن الدستور اللبناني، بعد التعديلات التي أدخلت عليه بموجب اتفاق الطائف، أراد أن يقونن هذه النظرية، دون أن يحدد مضامينها، بل ذهب أبعد من ذلك، فتشدد في مفهوم هذه النظرية، وحصر ممارسة حكومة تصريف الأعمال لصلاحياتها بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، وذلك تأكيداً منه على أمرين أساسيين:

1-حصر ممارسة حكومة تصريف الأعمال في أضيق نطاق ممكن.

2-الإسراع في تشكيل حكومة تضطلع بمسؤولياتها الدستورية وتكون مسؤولة أمام البرلمان، لتفادي ما يمكن أن ينتج من أضرار ومخاطر في مصالح البلاد العليا، إذا ما طال أمد تشكيل الحكومة.

أما عن الصلاحيات التي تتمتع بها حكومة تصريف الأعمال، فتحكمها قاعدتين أو مبدأين:

1-مبدأ عدم مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب

2-مبدأ عدم جواز فراغ العمل الحكومي، وبالتالي استمرارية عمل المؤسسات الدستورية والمرافق العامة.

وأما عن المبدأ الأول، فإن مسؤولية الحكومة، في نظامنا البرلماني، تقضي بأن تمارس مهامها وهي حائزة على ثقة مجلس النواب، وبالتالي فإن  مسؤوليتها عن أعمالها وسياساتها أمام مجلس النواب ترتبط بثقته، فإذا ما قدمت الحكومة استقالتها أو اعتبرت مستقيلة، وفقاً لأحكام المادة 69 من الدستور، فإن ذلك يفقدها كيانها القانوني الذي يخولها ممارسة شؤون الحكم، وتصبح من ثم غير مسؤولة أمام مجلس النواب، وغير ذات صفة لتمثل امامه.

ويأتي المبدأ الثاني ليغطي فراغ الحكم الذي يسبق تشكيل الحكومة الجديدة، لأن من شأن هذا الفراغ أن يؤدي إلى تعطيل أعمال السلطة التنفيذية، وشل العمل في مصالح الدولة ومرافقها وتعريض حقوق ومصالح المواطنين للضرر، فضلاً عن تعريض البلاد لشتى المخاطر، وتجنباً لهذه المخاطر والمحاذير، جرى العرف الدستوري، واستناداً إلى مبدأ وجوب استمرارية المرافق العامة Continuité des services publics على استمرار الحكومة بممارسة أعمالها ومهامها بحيث يحدد نطاق أعمالها بما سمي بتصريف الأعمال العادية.

وعلى هذا الأساس حصر الاجتهاد القضائي الأعمال العادية بالأعمال اليومية وتيسير معاملات المواطنين وتأمين مصالحهم، في حين منع عليها القيام بأعمال تصرفية كتلك التي ترمي إلى إحداث أعباء جديدة أو التصرف باعتمادات هامة أو إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة وفي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن من شأن هذه الأعمال إلزام مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب، وان السماح لحكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة بإجرائها يؤدي إلى ضياع المسؤولية.

إلا أن الاجتهاد استثنى من ذلك التدابير التي تتخذ في حالة الضرورة أو التي تستدعيها ظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام أو بمصالح البلاد العليا وأمنها الداخلي والخارجي، وكذلك الأعمال الإدارية التي يجب إجراؤها في مهل محددة بالقوانين تحت طائلة السقوط والإبطال، وذلك حفاظاً على سلامة الدولة وأمن المجتمع، وفي هذه الحالات تخضع هذه التدابير وتقدير ظروف اتخاذها إلى رقابة القضاء الإداري بسبب غياب الرقابة البرلمانية وانتفاء مسؤولية الحكومة.

ولكن هل يتغير الوضع القانوني والدستوري في ما لو حصل أيضاً شغور في منصب رئاسة الدولة؟

ثانياً: الوضع القانوني والدستوري للحكومة في حالتي انتخاب رئيس الجمهورية أو حصول شغور في منصب رئاسة الدولة

حرص الدستور اللبناني على إحاطة منصب رئاسة الجمهورية بكل الضمانات التي تصون هذا الموقع الذي يأتي على رأس المؤسسات الدستورية ولما يمثله هذا الموقع، في نظامنا البرلماني الديمقراطي من صمام أمان للنظام ولانتظام عمل المؤسسات الدستورية ووحدة الدولة والوفاق الوطني، وباعتبار رئيس الجمهورية المرجع في القضايا الوطنية والذي يلعب دور الحكم في الصراع السياسي، فأخرجه من دائرة التجاذب والتنافس والصراع السياسي بين أكثرية تحكم وأقلية تعارض، من جهة، وبين توازن محكم ودقيق، يقوم بين سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية، تحكم العلاقات بينهما، وسائل ضغط متبادلة، بين ثقة من مجلس النواب تحتاجها الحكومة لتحكم، وصلاحية الحكومة بحل مجلس النواب، من جهة ثانية، ليستقيم أمر البلاد، فنصت المادة 49 من الدستور على ما يعطي لهذا الموقع مركز الصدارة والثبات والاستقرار والمؤتمن على أمن الوطن، بقولها:

"رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور".

وتأكيداً على أهمية هذا الموقع وحساسيته واستقلاليته، عالج الدستور وضعية الرئاسة في حالة حلول موعد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، بعيداً وبالاستقلال عن وضعية الحكومة وكيانها القانوني والدستوري، وسواء كانت في وضع حكومة مكتملة الكيان القانوني والدستوري، أو في وضعية حكومة تصريف أعمال، فأكّد الدستور على أولوية  انتخاب رئيس الجمهورية، وحدّد موعداً أوجب على مجلس النواب الالتزام به لإجراء هذا الانتخاب، قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل وشهرين على الأكثر، وحرصاً على عدم شغور المركز، ووضع هذا الأمر في عهدة ومسؤولية رئيس مجلس النواب، فنصّت المادة 73 من الدستور على ما يلي:

"قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس".

ويجب التوقف ملياً عند الفقرة الثانية من المادة 73 من الدستور ومدلولاتها الدستورية والسياسية، لأنّ الدستور لم يترك للمجلس النيابي حرية الالتئام أو أعطاه سلطة استنسابية في هذا الأمر، بل جاء النص في صيغة الإلزام، لأنّ انتخاب رئيس الجمهورية ليس شأناً دستورياً فقط، ولكنه شأن وطني يترتب على مراعاته واحترام موعده، أمر استقرار البلاد وانتظام العمل في مؤسسات الدولة واستمرار الحياة السياسية فيها، حتى إذا أخلّ النواب بهذا الموجب، ولم يقم رئيس المجلس بواجب دعوة المجلس للانعقاد وانتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة المحددة، فإنّ الدستور أوجب على المجلس أن يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس.

والنتيجة التي تترتب على ذلك أنّ النائب ملزم بالمشاركة في انتخاب رئيس الجمهورية ولا يجوز له الامتناع عن تلبية الدعوات المتتالية التي توجه إليه لانتخاب الرئيس، بحجة أنّ حضور الجلسات أو عدم حضورها يعود لخياره واستنسابه ويعبر عن موقف سياسي ديموقراطي، لأنّ النائب في الدستور اللبناني يمثل الامة، ولديه تكليف دستوري بالمشاركة في الانتخابات، وبقدر ما تشكّل هذه المشاركة حقاً دستورياً له، فهي تشكّل موجباً دستورياً ووطنياً للقيام به، وليس حقاً شخصياً، بل هو حق الشعب على النائب، وهو واجب لا خيار له فيه، والا اعتبر مخلاً بواجب دستوري ووطني، ونصوص الدستور واضحة بهذا الأمر، لا إشكال فيها ولا تحتمل التفسير، وقد وردت بصيغة امرة لا التباس فيها. وإذا كان الدستور قد ترك الحرية للنائب أن ينتخب من يراه مناسباً لرئاسة الجمهورية، لأنه لا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه، لكنه لم يترك له الخيار في الحضور إلى مجلس النواب والمشاركة في انتخاب رئيس للجمهورية، لانّ امتناعه عن ذلك، لحسابات خاصة أو مصالح شخصية أو فئوية أو حزبية أو سياسية، يعتبر إخلالاً بواجباته، ويشكّل مخالفة دستورية خطيرة، وينزع عنه وكالته الانتخابية بل شرعية وجوده كممثل للشعب وكمعبر عن إرادة الشعب ومصالح البلاد العليا، كما أنّ ذلك لا يعطي الحق للنواب بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس عبر تطيير نصاب هذه الجلسات.

وكذلك عالج الدستور وضعية الرئاسة في حال شغور منصب الرئاسة، عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية دون انتخابه، فألزم الدستور مجلس النواب بالانعقاد فوراً، والشروع دون تأخير بملء الفراغ على رأس الدولة، فنصّت المادة 74 من الدستور على ما يلي:

"اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او سبب آخر (انقضاء الولاية دون انتخاب رئيس) فلأجل انتخاب الخلف، يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون واذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الاعمال الانتخابية".

وقد احتاط الدستور لحالة وجود حكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة، أي في حال وجود حكومة تصرف الأعمال، أثناء حصول الشغور، فنبّه الدستور في المادة 75 منه، أن المجلس الذي يلتئم في هذه الحالة تأكيداً على أهمية وأولوية ملء الشغور يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، حيث جاء فيها:

"إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو اي عمل آخر".

ولم يغب عن المشرع الدستوري حالة الفراغ التي يمكن أن تحصل ما بين شغور المركز وإشغاله بالانتخاب، عملاً بالمبدأ العام أن لا فراغ في السلطة وفي المؤسسات الدستورية، فجاءت المادة 62 من الدستور واضحة جلية في تصريحها:

"في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء".

وربّ قائل كيف يجوز لحكومة تصريف أعمال أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، على أهميتها وخطورتها، والجواب على ذلك يكون بالعودة إلى إعمال نصوص الدستور، وفقاً للقواعد العامة في التفسير، التي تقضي بإعطاء النصوص القانونية مفاعيلها القانونية بما يجعلها مكملة لبعضها البعض، لا إهمالها أو الركون إلى اجتهادات لا علاقة لها بأحكام الدستور أو بنصوصه أو بروحه، وبالتالي، فإنه يعود للحكومة بل ينبغي عليها أن تستمر بممارسة أعمالها، استناداً إلى نصّ الدستور، ووفقاً للمادة 64 فقرة 2، وبالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، بما في ذلك المهام المناطة دستورياً برئيس الجمهورية، كما لو كانت حكومة تعمل دون شغور منصب رئاسة الجمهورية. وفي هذه الحالة يمارس مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً ووفقاً لنظامه أي وفقاً للنظام المتّبع في جلسات مجلس الوزراء، أو في طريقة التصويت على القرارات، أو في التوقيع عليها، تطبيقاً لما نصّت عليه المادة 65 من الدستور، لأنّ الحكم الذي يسري عليها، في الحالتين، حالة الشغور في منصب الرئاسة الأولى، أو وجود حكومة تصريف أعمال، هو مبدأ استمرارية عمل السلطات والمرافق العامة الذي رفعه المجلس الدستوري في فرنسا، ومن ثم في لبنان إلى مرتبة المبدأ الذي يتمتع بقيمة دستورية، وجاءت الأعراف والسوابق الدستورية في لبنان، لتؤكد على المنحى الذي سار عليه الفقه والاجتهاد.

ويترتب على كل ذلك النتائج القانونية والدستورية الآتية:

أ‌-إنّ الشروع في انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية إعمالاً لنصّ المادة 73 من الدستور، ودون تأخير، ومنعاً لحصول أي شغور في منصب الرئاسة، يشكّل أولوية على أي عمل آخر.

ب‌-إنّ خلو سدة الرئاسة بسبب عدم انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، أو لأي سبب آخر، يضع بين يدي المجلس النيابي صلاحية وواجب ملء هذا الشغور فورا وبحكم الدستور.

ج‌-إنّ مجلس النواب يمارس هذه الصلاحية بمعزل عن اي سلطة دستورية أخرى، ويستقل بممارستها دون تدخل وبالاستقلال عن أية سلطة أخرى.

د‌-لا يتأثر هذا الانتخاب بالوضعية القانونية للحكومة القائمة، سواء كانت مكتملة الكيان القانوني والدستوري وحائزة على ثقة محلس النواب، أو كانت حكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة، اي حكومة تصريف الأعمال.

ه‌-تبقى الحكومة قائمة بتصريف الأعمال إن كانت مستقيلة أو معتبرة كذلك، وتمارس صلاحياتها بالحد الأدنى لتصريف الأعمال، بما في ذلك ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، وفي إطار ونطاق مفهوم ومضمون تصريف الأعمال.

و‌-إن شغور منصب رئاسة الدولة، أثناء قيام الحكومة بتصريف الأعمال لا يغير من طبيعتها القانونية ولا من مهامها، لأن انتخاب رئيس الجمهورية وبدء ولايته، يجعل الحكومة، في ما لو كان كيانها القانوني والدستوري مكتملاً، حكومة مستقيلة حكماً، بما يحولها إلى حكومة تصريف أعمال.

ز‌-إنّ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية دون انتخاب يضع حداً لولايته بحكم الدستور ويفقد صفته كرئيس للجمهورية، وتنتقل صلاحياته وكالة إلى الحكومة حكماً عملاً بالمادة 62 من الدستور. ولم يسبق لأي رئيس جمهورية أن استمر في ممارسة مهامه الرئاسية تحت أي ظرف كان مع انتهاء ولايته وعدم انتخاب بديل عنه، مع تكرار السوابق لهذه الحالة (انتهاء ولاية الرؤساء فرنجية وسليمان ولحود)، لأنّ ذلك يشكل مخالفة صارخة للدستور ويعرضه للمساءلة، فضلاً عن أنّ ذلك من شأنه أن يدخل البلاد في المجهول.

إذا تمعنا بالمبادئ والأسس الدستورية التي يقوم عليها بنيان الوطن ومناعته، نستطيع أن نتبين بوضوح مدى تأثير غياب رئيس الجمهورية عن هذا الموقع الأساسي في هيكلية الدولة، او حدوث فراغ في موقع رئاسة الجمهورية، والخلل الذي يصيب البلاد والضياع الذي ينتاب الحكم، باعتباره يجسد وحدة البلاد بكاملها، وعندما نخسر المرجعية الأساسية التي تسهر على احترام الدستور، وتصون العيش المشترك، تحل الفوضى في الحياة السياسية، ويكون لكل دستوره وقوانينه الفاعلة، حيث تتحكم موازين القوى الداخلية في إدارة البلاد التي تتحكم بها موازين القوى الخارجية، فتفقد البلاد قرارها الوطني بغياب المرجعية الوطنية، ويصبح استقلالها مهدداً، إن لم نقل مفقوداً، فما بالك بوحدة الشعب وما بالك بسير عمل مؤسسات الدولة.

إنها أزمة خطيرة يعيشها اللبنانيون، تقض مضاجعهم وتزرع القلق والخوف والشك في قلوبهم وعقولهم، أزمة ثقة، أزمة ضمير، أزمة حكم، أزمة ثقافة سياسية ودستورية، أزمة احترام للدستور والقوانين، نعيش أزمة وطنية، أوصلت البلاد إلى حالة تعطيل كامل، الدستور معطل، والمؤسسات الدستورية معطلة، والضمير الوطني معطل، والاقتصاد مشلول، والفقر والبطالة والبؤس والاحباط يفتك بالناس، والبلاد تتهاوى والمبادرات لا تصل إلى حل، بل هي في حالة مواجهة، ومعضلة انتخاب رئيس الجمهورية سائرة إلى التعقيد والتأزم، ومع هذا المشهد المأساوي، يبقى العناد متحكماً بالمواقف، وموقع رئاسة الجمهورية أسير الأمزجة والأنانيات والمصالح، ويبقى السؤال الكبير مطروحاً: إلى أي مصير يتجه لبنان؟

 

 

*مداخلة الدكتورة لارا كرم بستاني:

إن سمحتم لي أنا آتية اليوم لكي أتبادل الحوار والآراء معكم، لن أتكلم بالطريقة المسهبة والواضحة التي سبقني إليها معاليهما. بخصوص هذه العنوان الذي نناقشه اليوم، لدي ثلاثة أسئلة للطرح. السؤال الأول هو: هل يمكن لرئيس تجاوز مدة الرئاسة، واستمراره في البقاء داخل قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته؟ وإذا كان الجواب نعم، فعلى أي أساس؟

السؤال الثاني هو: ما معنى إنتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء. ترى كيف حصل إنتقال الصلاحيات في التاريخ الدستوري الحديث، لأن هناك حالتان قبل الطائف، وحالتان بعد الطائف، وما هي هذه الحالات الأربع، وكيف كان شكل الحكومة عندما حدث الانتقال؟

السؤال الثاني المتشعب من هذا السؤال هو ما الذي ينتقل؟ لأن هنالك صلاحيات خاصة برئيس الجمهورية  لا يمكن لها الإنتقال، وكيف تُمارس هذه الصلاحيات، هل كل الوزراء يوقعون أم لا؟

أما السؤال الثالث فما معنى تصريف الأعمال، وهل هذا المصطلح وضعه مجلس شورى الدولة ، إن كان في فرنسا أم في لبنان، هو مصطلح إجتهادي؟ أنا في هذا الإطار لدي وجهة نظر مختلفة عنكم ، فلست مع المنحى الذي أخذه مجلس الشورى في هذا الموضوع. انا أختلف مع مجلس شورى الدولة في لبنان بمقاربته موضوع تصريف الأعمال.

بالنسبة للنقطة الأولى فيما يتعلق بإمكانية تجاوز رئيس الجمهورية لمدة ولايته، الدستور حدد ست سنوات مدة الولاية الرئاسية، وعند خلو الرئاسة لأي سبب كان، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعا. ولكن بالعادة وعندما يحدث في لبنان الفراغ، يظهر مبدأ نراه من وقت إلى آخر ويحبون استخدامه كثيرا هو إستمرارية المرفق العام والمؤسسات الدستورية. هل يا ترى يوجد رئيس جمهورية أو رئيس مجلس وزراء أو رئيس مجلس نواب أو رئيس دائرة بإدارة رسمية، يأتي ويقول أنا باق في موقعي وافعلوا ما تريدون.

باعتقادي  هذا الأمر لا يحصل لسببين، أولا سبب إذا كان هذا الامر مبدأ دستوريا فلا يعلو على مواد الدستور إلا في حالة واحدة إذا كان هو أعلى من الدستور. عندنا هنا إذًا مبدأ غير منصوص، وعندنا نصوص مكتوبة، ونحن نعلم ففي القانون عندما يكون هنالك نص مكتوب نرجح النص المكتوب على المبادىء غير المكتوبة  تأتي لتسد ثغرات النصوص المكتوبة. وعندما يكون الكتاب موجودا فلا محل لمبدأ أو إجتهاد أو تأويل.

النقطة الثانية، إنتقال الصلاحيات إلى مجلس الوزراء، في التاريخ الدستوري اللبناني، كان هناك أربع حالات، كما قلنا سابقا، حالتان قبل الطائف وحالتان بعد الطائف. أنوقف هنا عند ما يميز حالات قبل الطائف من حالات بعد الطائف،  حيث إنّ صلاحيات رئيس الجمهورية كانت تناط إلى حكومة مسماة حصرا  تسمية مرتبطة بهكذا ظرف، ويرأسها ماروني. كأننا ودعنا رئيس جمهورية ماروني ووضعنا مكانه رئيس حكومة ماروني بدل رئيس مجلس زراء سني. وهذا ما عشناه في لبنان في الحالة الأولى عندما استقال بشارة الخوري وعيّن فؤاد شهاب مع (حفظ الألقاب للجميع). وعشنا الحالة الثانية في لبنان قبل الطائف، عندما انهت ولاية الرئيس أمين الجميل، وعيّن قبل آخر دقائق من انتهاء ولايته الجنرال ميشال عون لترؤس الحكومة.

 هناك برأيي، مقاربة بريي، برأييمقاربة ضيقة لمسؤولية الحكومة، هذه المسؤولية لها شقان، الشق الأول هو بمثابة قصاص، بمعنى في حال لم تتصرفوا جيدا نحن نطرح الثقة ونطيّر الحكومة. أما الشق الثاني لهذه المسؤولية فهي المساءلة، لا شيء يمنع مجلس النواب من أن يؤدي دوره الرقابي، حتى لو كانت هناك حكومة مستقيلة أو تُعتبر مستقيلة وعملها هو فقط تصريف الأعمال، ليس ضروريا أن يصل بدوره الرقابي إلى تطيير الحكومة، لكنه يستطيع أن يقول للحكومة أنت ليت وحدك في هذا المجال، أنا أراقب أفعالك.  هنالك تقسير على أكثر من صعيد للأسف.

النقطة الثالثة التي أناقشها معكم هي مسألة تصريف الأعمال. وتصريف الأعمال هو مصطلح إجتهادي، لكن المعضلة مع مجلس شورى الدولة أنه أصبح عندنا ما يشيه التراكم في القرارات التي تتعلق بتصريف الأعمال، أحينا يتقدمون خطوة بقرار ما والقرار الذي يله يرجعون به عشر خطوات الى الوارء، بعد ذلك يخرج بأمور جديدةـ لا يوجد وضوح في الرؤية, إن مجلس شورى الدولة لم يعرّف بطريقة واضحة ما هو مصطلح تصريف الأعمال. قدم سلسلة معايير وأدخل أشياء بمعنى أنه كلما طالت فنرة تصريف الاعمال، يتهاون هو بالمراقبة التي ينبغي عليه أن يمارسها في هذا المضمار. كل ذلك يرجع باعتقادي إلى لغط عند الدستوريين والإداريين وعلى رأسهم مجلس شورى الدولة، وأنا اعتذر من قضاة الشورى العظيمين الموجودين معنا هنا، على ما سأقوله الآن، إذ يوجد في هذا السياق إختلاط في الأمور بين شيء إسمه الضرورة، وبين الأعمال الجارية. فإذا كان تصريف الأعمال هو الأعمال الجارية، فإذا ما حصلت ضرورة، فمن غير الواجب أن نوسذ1ع مصطلح تصريف الأعمال. ليس واجبا أن نوسع صلاحية تصريف الأعمال، بل بالإمكان أن نعطي لمجلس الوزراء صلاحية خارج تصريف الأعمال، فتصريف الاعمال ينبغي أن يكون في نطاق ضيق، وأن نوجد له صلاحية إستثنائية بوجود الضرورة.

*مداخلة الدكتور رزق زغيب:

 بداية، مهما قيل مطلوب عمل المستحيل كي لا نصل إلى حالة تصريف أعمال.

خلاصة القول إننا هنا نتحدث عن أزمة. البلاد في أزمة وهي من أزمة إلى أزمة. نحاول أن نكيّف المواد القانونية مع الازمات المتلاحقة. لقد تزامن خروج النمظام السوري من لبنان في العام 2005 مع دخول لاعبين سياسيين جدد على اللعبة، مما أفقد النظام اللبناني استقراره وأصاب الحكم بتعثر واضح جراء الأزمات السياسية المتواصلة، مقرونة بفقدان القدرة على الحسم، وافتقار الدستور الملتزم بعد تعديله في العام 1990 على فكرة تعزيز وتمتين أسس المشاركة في الحكم، إلى آليات حسم مناسب، فتعطلت المؤسسات الدستورية وأصابها شلل مديد. وقد انسحبت هذه الحال على الشغور الرئاسي وليس الفراغ، وعلى حكومات تصريف الاعمال. والسبب المباشر وراء ذلك،أو وراء هذا الإستعصاء، هو أن لكل طائفة حزبها أو تكتل أحزابها، ينطق بإسمها أو يعبر عن هواجسها، ويطلب المشاركة في الحكم من منطلق التمثيل الحصري لها الذي يمنع أي أحد من منازعته عليه. فبات تمثيل مجمل هذه التنظيمات على تنافضاتها ممرا إلزاميا لتأليف الحكومات التي درجت العادة أن تطول فترة تشكيلها أمدا لا يراعي أي مهلة معقولة، وأن تصاب إدارتها متى تشكلت بالشلل كونها تضم أضدادا، فيتبخر مبدأ التضامن الوزاري، وتصبح آلية اتخاذ القرار وفق ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من المادة 65 من الدستور متعسرة على أبعد حدود. هي بالأصل تدعو إلى التعقيد، وكيف بالممارسة التي تحشد الأضداد في الحكومة؟

إن هذا الواقع يقضي أيضا على مبدأ تداول السلطة، مع ما يرافقه من تفشي الفساد كظاهرة طبيعية للإستمرار اللامتناهي في الحكم من قبل الجهات عينها. فبعضهم تجاوز في الحكم أربعين سنة متواصلة.

أمام هذا الواقع، رأينا حكومات تتشكل وتأخذ وقتها بالتشكل، حكومة الرئيس السنيورة الاولى استغرقت عشرين يوما فقط، والملفت أنها قدمت بيانها الوزاري بغضون عشرة أيام ونالت بموجبه الثقة. الحكومة الثانية صحيح أنها استغرقت 45 يوما ، لكن بيانها الوزاري لم يُنجز إلا بعد تسعة وعشرين يوما، حتى آخر يوم من المهلة وهي مهلة حث وليست مهلة إسقاط، وهذا إن نمّ على شيء بعد اتفاق الدوحة، فإنه قد نمّ على أن المشكل بات داخل الحكومة. بعد ذلك تتالت المصاعب، فحكومة سعد الحريري الأولى عام 2009 إستغرق تشكيلها 135 يوم، وحكومة الرئيس تمام سلام 315 يوم، أما المعدل الذي لم يسبقه إليه أحد فحصل مع الرئيس ميقاتي، هي 396 يوم، لأن رئيسيّْ حكومة إعتذرا. أي من العام 2005 حتى العام 2021 بقينا في ظل  حكومات تصريف الأعمال بمعدل مجموعه 1610  أيام، أي أكثر من 53 شهرا، أربع سنين ونصف، ما يقارب 100 يوم كمعدل سنوي. مقارنة مع الجمهورية الرابعة الفرنسية التي تُعطى كمثال للشلل وعدم الإنتاجية، فهم ما زالوا بألف خير، حيث قارب المعدل السنوي 39 يوما ووصلت مدة تصريف الاعمال عندهم إلى 450 يوم،  أي على مدى 12 سنة.

أمام هذا الواقع، وبالدخول في الموضوع، كان لا بد من عمل آليات الدستور التي تعنى بالفترات المؤقتة و الإنتقالية، فبات الإستثناء قاعدة، وبات المؤقت دائما. هناك حالتان عن الشغور الرئاسي وفقا للمادة 62 من الدستور، في المرة الثانية طال الشغور سنتين ونيف، وفي المرة الأولى بعد تعديلات العام 1990 طال الشغور حوالى ستة أشهر. وأيضا الدستور يتكلم عن وكالة ولكنها في العلم الإداري هي نيابة، لأن النص يحدد منْ يتولى الصلاحية، وهي الحكومة. والمادة الثانية المادة 64 الفقرة 2 التي ترعى الحالة المؤقتة هي تشكيل الحكومات، والتي لم تكن واردة أصلا وأضيفت في اتفاق الطائف، حيث حُدّد تصريف الأعمال بالمعنى الضيق، وسأعود إلى هذا التحديد، على ما فسره الإجتهاد الإداري في لبنان، كي لا يشكل حجة لمن لا يريد أن يمارس الصلاحية بأن التقليد يفرض عليه أن لا يقوم بشيء. وهذه جريمة بحق الوطن عند منْ يكون في سدة المسؤولية وتطول به فترة تصريف الأعمال، فيتلكأ عن القيام بأي شيء, هذا ما يعقد مسؤوليته ليس فط سياسيا ولكن أيضا جزائيا، لأنه يعرض للخطر ليس فقط المواطنين، بل الحياة الوطنية بمجملها. المشكلة أن هاتين المادتين 62 و64 وُضعت لفترات مؤقتة وليس لفترات متمادية لا حد لها. مما يقتضي معه تكييفها مع الواقع وهذا الأمر يسبب إشكاليات.

السؤال المطروح هو هل يمكن لرئيس الجمهورية أن يستمر في منصبه على ضوء المعطيات الراهنة؟ هذا الأمر طُرح في العام 1988 مع مشارف انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، وقد تبرع البعض للقول بأن المادة 62 من الدستور تتكلم عن شغور الرئاسة أثناء الولاية، وليس عند انتهاء الولاية. فلا يجوز أن تتولى الحكومة وكالةً صلاحيات الرئيس عندما تنتهي الولاية. وللحقيقة الحالة الثانية كانت في حينها  بما يشبه وضعنا الحالي، أن الحكومة كانت مستقيلة بفعل وفاة رئيسها. هنا أفتح مزدوجين للقول إن حالات إستقالة الحكومة واعتبارها مستقيلة وردت حصرا في الدستور في المادة 69 يضاف إليها حالة هي بديهية وذلك عندما يُقرَّر إقالة رئيس الحكومة من المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهي حالة أشبه بالمعجزة من أن تتحقق.

من الحالات التي تُعتبر فيها الحكومة مستقيلة،  الحالة التي يبدأ فيها مجلس نواب جديد، وهذا لم يكن يُراعى دائما قبل الطائف. فالعرف الدستوري يقول أنه عندما  يبدأ مجلس نيابي جديد، لا بد من الحكومة أن تستقيل.

السؤال هنا كيف يمكن لللحكومة المستقيلة أن تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية؟ جوابا على أول حجة قُدمت بأن المادة 62 لا تتكلم عن خلو سدة الرئاسة بعد انتهاء الولاية وليس خلالها، تصدى لذلك كوكبة من القانونيين أبرزهم  العلامة الراحل إدمون رباط والدكتور قباني، حيث أشاروا بأن المادة 62 يجب أن تُعطف على المادة 74 التي تتحدث عن كل حالات الخلو والمطلق عملا بالقاعد الشرعية الموجودة في مجلة الأحكام العدلية، فالمطلق يجري على إطلاقه ما لم ينهض دليل على تقييده. وبالتالي لا يجوز إستثناء هذا المبدأ عن هذه الحالة، أي حالة تولي الحكومة وكالتها.

أما الحالة الثانية، فهي حالة وجود حكومة مستقيلة، هنا تُطرح مسألة تصريف الأعمال، فرُبّ قائل اليوم أن هذه الحكومة لا تصرّف الأعمال فقط بل تصرّفها بالمعنى الضيق للكلمة، لأن الاجتهاد الإداري يقول بأن التعريف المعتمد في الاجتهاد لفهوم تصريف الاعمال- وهذا قرار لم يمض عليه بضعة أشهر- لا يتناقض مع عبارة المفهوم الضيق اتصريف الأعمال المنصوص عليها في الدستور اللبناني. فإن نظرية تصريف الأعمال مستمدة بشكل كامل من المبادىء المستقاة من الإجتهاد الاداري الفرنسي، كما جاء في قرارات مجلس شورى الدولة اللبناني سابقا، حيث أن عبارة تصريف الأعمال، ينبغي أن تُفهم في جميع الأحوال، على أنها جميع الاعمال التي تسمح بتأمين إستمرارية المرافق العامة. وقد أشار معاليهما والدكتورة كرم في مداخلاتهم  إلى حالات لتصريف الأعمال والتمييز التقليدي، مع انتقادهم له، إلا أن هذا التمييز معتمد من الاجتهاد وهو الاعمال العادية والأعمال التصرفية والاعمال التي لا يجوز القيام بها إلا إذا كانت تتسم بطابع العجلة والضرورة الناتجة عن الظروف الإستثنائية التي تستلزمها حالة الوطن. وهل هناك أمر ضروري وملّح غير شغور الرئاسة لتستعيد الحكومة  التي هي ميتة ولا يمكن إعادة تعويم كامل صلاحياتها لتتصدى للضرورة متى وُجدت، وهي وحيدة في الميدان؟ لا با إن تصريف الأعمال في اجتهاد مجلس الشورى مع توسُّع المدة، يقتضي أيضا نتيجة نسبيته أن يتوسع بدوره أيضا، وهذا ما أكده مجلس الشورى في قرار صادر في العام 2015.

أمّا تعويم الحكومة الحالية، فهو أمر غير متاح، جرى تعويم حكومة واحدة في لبنان، لا اعلم إن كان الوزير بطرس حرب من ضمن وزرائها، هي حكومة الرئيس سليم الحص في بداية العام 1978، حيث استقال في ذلك الوقت، إلا أن الظروف جعلت من تشكيل حكومة جديدة أمرا محالا. فاتفق مع الرئيس الياس سركيس بأن يعود عن الاستقالة، رغم أن الرئيس سركيس أجرى الاستشارات وكلفه برئاسة الحكومة، فتصدى لهذا الأمر الخبير الدستوري حسن الرفاعي وقال إن هذه الإستقالة لا يمكن الرجوع عنها لتعلّق حقوق الغير بها.

هنا ينبغي لي التمييز بين إستقالة وزير واستقالة رئيس حكومة. إستقالة رئيس الحكومة لا تُقبل من أحد، بمجرد أن يلفظ كلمة الاستقالة تحصل. وهذا ما حدث مع الرئيس عمر كرامي عندما أعلن عن استقالته داخل المجلس النيابي. رئيس الحكومة يستطيع أن يرجع عن استقالته قبل أن تُقبل. أما الوزير فإن لم تُقبل إستقالته فعليه أن يبقى إلى حين صدور مرسوم مقترح من قبل رئيس الوزراء وصادر عن رئيس الجمهورية بقبول استقالته.

إن تعويم الرئيس الحص لنفسه اعتبرها الحص في إحدى مقابلاته التلفزيونية عن الرئيس الياس سركيس قال بأنني أعترف بأنها المخالفة الدستورية الوحيدة التي ارتكبتها أثناء مسيرتي الطويلة.

 من هنا نقول إن التعويم مستحيل، وعلينا أن نطبق القانون. وأمام هذا الواقع لا يمكن القول بأن رئيس الجمهورية يستطيع أن يتولى زمام الرئاسة في ظل حكومة مستقيلة كسلطة أمر واقع. لأن شرط قبول سلطة الأمر الواقع أن لا يكون هناك حكومة أو أن لا يكون هناك نص ينص على آلية الإنابة أو الوكالة. كذلك أن لا يكون من يمارس هذا الدور فعليا قد ساهم في حلوله ووضعه، فيصبح هذا الامر حينها إغتصابا للسلطة. وهذا أنا ما أنزه رئيس الدولة عنه، لأنه قال لن أبقى دقيقة واحدة بعد انتهاء ولايتي. حتى الرئيس إميل لحود الذي لم يعتبر الحكومة أنذاك موجودة وشرعية، لم يقم بأي خطوات لها إرتدادات سلبية.

يبقى السؤال ما هي آلية إتخاذ القرارات؟ لقد أشار الأساتذة المحاضرون قبلي إلى هذا الامر. هناك قرار لمجلس شورى الدولة يقول عن حكومات ما قبل الطائف نقيسه على الآن ، وبأن الدتور قبل تعديله في العام 1990 لم يفرض أي نصاب قانوني لانعقاد مجلس الوزراء لاجتماعه قانونا وإجراء مداولاته واتخاذ قراراته، ولا يمكن أن يفرض عند فقدان النص حضور جميع الوزراء، إذْ أن هذا الفرض من شأنه أن يشل حسن سير المرفق الحكومي، وبما أن غياب النص يقتضي تطبيق المبادىء العامة للأصول التي تفرض تطبيق نظام اتخاذ القرارات من قبل الأكثرية، في كل مرة تُعطى الصلاحيات لمجالس وهيئات أعضاء مجلس الوزراء.

وأستعرض هنا الرأي المخالف وهو الذي أدلت به حكومة الرئيس تمام سلام، فهو يؤدي إلى إهطاء الأقلية والأكثرية ذات القوة في اتخاذ القرارات، وبالتالي إعطاء الأقلية حق النقض وشل عمل الهيئة ومن ثم شل العمل الحكومي برمته. إذا ما طُبّق هذا المبدأ على عمل الوزراء في ظل أحكام المادة 68 من الدستور.

إن حكومة الرئيس سلام إعتمدت ثلاث آليات في اتخاذ القرار، وفشلت هذه الآليات الثلاث. الآلية الأولى: التوافق المطلق( وهذه هرطقة). الثانية: التوافق بين المكونات الأساسية في الحكومة، فتصدى لها من بقي من المستقلين وكوّنوا مكوّنا في الحكومة، فسقطت هذه الآلية. الثالثة: التمييز بين القرارات الميثاقية والقرارات العادية( وهذه لم تعش طويلا). وهذا خروج عن حيثيات ما ورد في إجتهادات مجلس الشورى، وهذا يدل على ان النظام في أزمة. لا بد من معالجة هذه الأزمات كي لا تتكاثر، وينبغي أن نجد الآلية الفضلى لتأمين أكثرية تحكم شرط أن تكون من كل الطوائف، وأقلية تعارض وتكون أيضا متنوعة طائفيا ومتراصة سياسيا، تنتظر دورها للحكم. وشكرا.

 الكلمات المعقبة على مداخلات المحاضرين، كانت للوزير السابق بطرس حرب الذي بادر إلى القول:" بداية كانت متعة لي أن أرى  وجود فكر في لبنان وثقافة في القانون والدستور، خصوصا مع وجود بعض البدع للأسف التي تعارض المسار الصحيح لقراءة القوانبن الدستورية.

لدي للحقيقة بعض الملاحظات، أولا بالنسية للكلام الذي قاله الصديق رمزي، فأنا لا أعتقد أن هناك نصابا خاصا لانتخاب رئيس جمهورية، أنا أعتقد أن هناك قاعدة عامة وهي النصاب بالنصف زائد واحد، ولا يوجد نص يقول أنه يوجد نصاب خاص لانتخاب رئيس الجمهورية رغم أنه يوجد نص يقول إنه في الدورة الاولى يجب الثلثان فإن لم يحصل على هذه النسبة، ففي الدورة الثانية والثالثة والرابعة. والدليل على ذلك،  أينما وجد نص لضرب القاعدة الاساسية، وجب في الدستور تعديل الدستور، وإن مسألة وجوب حضور الثلثين لتأمين النصاب، هذه تعتبر محطة، لذلك فالنظرية التي اعتمدت لتطيير انتخابات رئيس الجمهورية وتعطيلها، هي نظرية خاطئة دستوريا بنظري، عارضتُها عندما كنت نائبا ولا أزال عند موقفي.

المسألة الثانية للحقيقة، هناك مشكلات ستظل مستمرة، إن لم نجد حلولا أساسية لها، فعلى صعيد تشكيل الحكومات، لا يجوز بأي صورة من الصور أن تتعطل حركة تشكيل الحكومات، وتكون على مزاج رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، هناك نظام وعندما كنت في الطائف ناقشنا هذا الأمر، والدكتور خالد قباني يذكر جيدا هذا الأمر. هناك آلية في حال وقع خلاف بعد مدة زمنية معينة بين الرئيسين، يتم بموجبها الإحتكام للمجلس النيابي، وفي حال  وافق المجلس على التشكيلة  بعد رفعها له من قبل رئيس الحكومة، تصبح آنذاك الحكومة ملزِمة لرئيس الجمهورية. ولكن للأسف وسط التيار الطائفي الجارف في البلد، آثروا الإبقاء على الآلية الموجودة في الماضي، باعتبار أن رئيس الجمهورية سيكون وطنيا وحكيما وصاحب مبادىء ويهمه مصلحة الوطن، وكذلك رئيس الحكومة، إلا أنهم لم يحسبوا حسابا أننا سنصل إلى أيام، لا يوجد فيها وطنية وأخلاق وعلم، كما هي الحال اليوم، هذا هو رأيي الشخصي ولا ألزم أحدا به.

المسألة الثالثة تتعلق بموضوع انتخاب رئيس الجمهورية، أنا لا أفهم تعطيل النصاب بالشكل الذي جرى، صحيح ما قاله الزميل د.  رمزي إنه في الدورة الأولى مطلوب أن يتأمن أكثرية الثلثين، ولا يجوز ما حدث في الدورة الأولى لانتخاب الرئيس ميشال عون فيما يتعلق بالنصاب. أنا برأيي ينبغي أن يكون هناك نص يلزم النواب بالحضور في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وأن يوضع نص يلزمهم بالمجيء إلى الجلسة الانتخابية ، فإن غابوا لثلاث دورات متتالية، يصبحون مستقيلين من منصبهم النيابي. هذا رأيي الشخصي. نحن نحتاج اليوم إلى العلم والحزم والابتعاد عن المنازعة وعن القول لا تمسوا بصلاحياتي التي أعطاني إياها الطائف- كما يقول رئيس الحكومة، من جهة، و كما يقول - رئيس الجمهورية- أنا مشارك في التشكيل، من جهة مقابلة. الإثنان لديهما الحق، ولكن مطلوب أن توضع آلية واضحة، بغية تصحيح المسار وتوضيحه وعدم تضييع الوقت.

*النائب السابق سمير الجسر:

هذه الندوة والآراء التي سمعناها الآن ، مهمة جدا، وإن سمحتم لي عندي بعض الملاحظات الصغيرة، انا أعتقد بالنسبة للمادة 34 التي تحدثت عنها معاليك دكتور رمزي وقلت انها مختصة بالجلسات التشريعية، أعتقد أنها المحل الوحيد الذي وضع فيه الدستور النصاب لعقد الجلسات هو المادة 34  وما عدا ذلك لا يوجد ولا محل وضع فيه الدستور النصاب، وباعتقادي أن النصاب لا يُستنتج، النصاب يلزمه نص. إن نصاب النص المادة 34 هو لعقد الجلسات، أما أثناء عملية الانتخاب فيقول النص أنه يحتاج إلى الثلثين، لم يقل النص أن عملية الانتخاب ذاتها تحتاج إلى النصاب.

*الدكتور رمزي جريج معلقا:

هناك تداخل بين النصاب وبين الأكثرية، لا يمكن تصور أكثرية الثلثين في نصاب أقل من الثلثين.

*الجسر: لكن النصاب يلزمه نص، ما يجري في هذا المضمار، أنه يفترض أن تكون الجلسة الانتخابية أي الدورة الاولى بأكثرية الثلثين ثم بعد ذلك تعاد هذه الكرّة في الجلسة الثانية والجلسة الثالثة. ومثل هذا الأمر ناقشناه في جلسة من جلساتنا في العام 2009 حين كان يمثلنا الدكتور أحمد فتفت والنائب طالوزيان، وجرى أخذ القرار بأن يكون أكثرية الثلثين ليس فقط  في الجلسة الاولى بل وفي الثانية. فاحتجينا وقتذاك وقلنا أن هذا القرار يصعّب عملية الإنتخاب ولا نصل من خلاله إلى  تنفيذ عملية الانتخاب. من هنا أشدد على ضرورة أن يكون هناك نصاب لكامل الجلسة ونصاب للتصويت. فبالأسلوب المعتمد يسقط نصاب التصويت الأول إن سقط  نصاب الجلسة، وهكذا إن مضينا اليوم في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقبل، فلن يحدث هناك إنتخاب لأي رئيس مدني، سيكون هذا الامر مستحيلا، سيما وأنه لا توجد أكثرية في المجلس النيابي الجديد ولن تكون هناك أكثرية بحسب تركيبته، وإن بقيت هذه المسألة على حالها سيكون المخرج الإتيان برئيس من العسكر.

هناك ملاحظة أخرى تتعلق بما قاله الدكتور قباني بخصوص الحكومة المستقيلة التي تكون بمنأى عن المحاسبة والمساءلة لأنها مستقيلة. أنا برأيي أن المحاسبة والمساءلة لا تتعلق فقط بطرح الثقة، وإنما تتعلق بالمادة 70 والمادة 72 من الدستور. النص الدستوري يقول لنا أن الحكومة المستقيلة أو الوزير المستقيل يذهب ويمارس عمله ملزما به وإلا يرتكب إخلالا في العمل الدستوري.

هذا من ناحية من ناحية أخرى لقد استنتج الدكتور قباني أن النائب ملزم بانتخاب الرئيس، ولكن لا يوجد إلزام بدون نص. لو كان هناك إلزام لكان هناك عقوبة.

*الدكتور قباني موضحا:" أنا أتحدث عن المسؤولية السياسية للنائب، فإن لم يلتزم بانتخاب رئيس الجمهورية يضيع حق الوكالة العامة التي أعطاه إياها الشعب. وذلك يؤدي إلى ضياع المبادىء الدسستورية والمسؤولية السياسية والأخلاقية. إذا لم ينتخب نائب في جلسة الانتخاب رئيس الجمهورية، فلماذا هو موجود في المجلس النيابي؟

*الجسر: نعم، أنتقل الآن بملاحظاتي إلى ما جاء في مداخلة الدكتورة لارا، فالمادة 62 التي تحدثت عنها وعن تصرف الوزير بصلاحيات ضيقة، هذه المادة لا تتحدث عن الوزير فقط، بل عن الحكومة التي تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة وبعد استقالتها. وبالنسبة لنيل الحكومة الثقة من المجلس النيابي فالمادة 34 ثلاثين تنطبق عليها بما يتعلق بالنصاب، وليس فقط تنطبق على انتخاب رئيس الجمهورية.

*الأستاذ حسان الرفاعي:

لماذا نحن اليوم نبحث هذه الامور وبهذه التفاصيل؟ لأنه للأسف يوجد رئيس جمهورية لا يحب هذا الدستور ولا يؤمن به، ومن حوله يبحثون عن مناطق رمادية في هذا الدستور فينقض هو عليها ويملأ الفراغ، وهو مستند إلى رفيقه في التعطيل وتسكير المرافق هنا وهناك، أي سلطة السلاح. البلد اليوم مخطوف ونحن نتحدث عن الدستور، وهم عمليا غير آبهين له. لا يكغي أن نتفق هنا كيف تكون الأمور، وخاصة أن هنالك فئة من المسيحيين تتخوف اليوم من المادى 34 و من الثلثين التي تكون كالمكابح  في وجههم أثناء سير جلسة الانتخاب.

نقطة ثانية أثارها معالي بطرس حرب فيما يتعلق بالصعوبات في تشكيل الحكومات، برايي أن تشكيل الحكومات قبل الطائف وفي الطائف حدد بعض رؤساء الحكومات السنة وأذكر هنا صائب سلام وسليم الحص آلية لتشكيل الحكومة عند تكليف رئيس جديد، تكون محددة بوقت يبلغ عشرين يوما. وما يحدث في كل هذه الفترات التي امتدت فيها عملية تشكيل الحكومة يعكس وجود هذه المشكلة الكبيرة المستمرة.

هذا من جهة ومن جهة ثانية،عندما مشكلة كبيرة جدا بالقانون الإنتخابي، هذا عدا عن الوضع الخطير الذي نشهده اليوم من خطف لسيادة البلد وتهديدنا بالفراغ الرئاسي.

 

 

 

 

 

 

       

الكاتب: 
المنتدون: رمزي جريج، خالد قباني، لارا كرم بستاني، رزق زغيب
التاريخ: 
الجمعة, يوليو 22, 2022
ملخص: 
عندما تكون الأكثرية المطلوبة ثلثي أعضاء مجلس النواب، يكون النصاب ثلثين. وعندما تكون الأكثرية هي الأكثرية المطلقة في مجلس النواب، يكون النصاب عند ذلك الأكثرية المطلقة من مجلس النواب.