ميقاتي ينقلب على "الطائف"..
ماذا يعني أن يقول رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي إنّ "الحديث عن تهدئة في لبنان فقط دون وقف سريع لإطلاق النار في غزّة هو أمر غير منطقي"؟
وماذا يعني أن يقول لوزراء حكومته، في أوّل جلسة حكومية بعد بدء الحرب في غزّة، إنّه أبلغ ذلك إلى "جميع الموفدين" الدوليين الذين زاروا لبنان واجتمعوا إليه؟
وماذا يعني أن يضيف أنّ موقفه هذا يصدر "انطلاقاً من عروبتنا ومبادئنا"، وأنّه يطالب بأن "يُصار في أسرع وقت ممكن إلى وقف إطلاق النار في غزة، بالتوازي مع وقف إطلاق نار جدّي في لبنان".
وماذا يعني أن يضيف: "لا نقبل بأن يكون أخوة لنا يتعرّضون للإبادة الجماعية والتدمير ونحن نبحث فقط عن اتفاق خاصّ مع أحد"؟
ببساطة يعني أنّ رئيس حكومة لبنان، الذي يُعتبر أرفع منصب في الدولة بشغور موقع رئاسة الجمهورية، يتبنّى بالكامل منطق "وحدة الساحات" الذي أعلنه الأمين العام للحزب، كاشفاً صراحةً في خطاباته الأخيرة أنّه "فتح جبهة جنوب لبنان... لنصرة أهلنا في غزّة".
لا يبقى هنا أيّ خيط يفصل بين حكومة لبنان وبين التنظيمات العسكرية المسلّحة. تماماً كما هو الحال في العراق، حيث "الحشد الشعبي" بات جزءاً من الدولة، ويحكمها بشكل أو بآخر. وبالتالي فإنّ ميقاتي "يُعَرقِن" لبنان، ويحوّل الحكومة إلى واحدة من الأذرع السياسية للحزب.
محو "الخيط" بين الدولة و"الدويلة"
لا يترك ميقاتي هنا أيّ مجال لتمايز "الدولة" اللبنانية عن "القرار العسكري" الذي أدخل لبنان في حرب جزئية كان بغنى عنها. ولا يترك أيّ مساحة لفصل "الدولة" عن "الدويلة" التي اتّخذت قرار "وحدة الساحات"، ودمج لبنان بجبهة البحر الأحمر وجبهة العراق – القواعد الأميركية وجبهة ميليشيات إيران – كردستان وجبهة سوريا – إسرائيل وكلّ جبهة فيها سلاح إيراني.
من قال هذا الكلام ليس محلّلاً سياسياً يتحدّث في صالون منزله أو على شاشة تلفزيونية، بل هو رئيس حكومة لبنان التي تستمدّ شرعيّتها من "وثيقة الوفاق الوطني" و"اتفاق الطائف" الذي يجزم أن لا شرعية لأيّ سلاح غير لبناني على أراضيها، وأن "لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
وبما يخصّ الصراع مع إسرائيل ينصّ "الطائف" على "اتّخاذ كلّ الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها...". ولا ينصّ على التضامن مع فلسطين أو تحرير فلسطين أو "نصرة غزّة عسكرياً".
كان هذا خطاب الأمين العامّ للحزب، لكنّ ميقاتي تبنّاه داخل حكومة لبنان. وهذا ليس أقلّ من "انقلاب" على اتفاق الطائف.
فهل من يسمع؟ وهل من يواجه هذا الانقلاب؟