وزير الدفاع خالف المادة 66 ومرسوم تعيين رئيس الأركان سيصدر من دون توقيعه

النوع: 

 

لا يختلف اثنان على أن الدستور اللبناني منح الوزير صلاحيات عدة، لكنه منحه إياها في سبيل تحقيق الصالح العام وحفظ الكيان. فالنص الدستوري والنص القانوني الوارد في قانون الدفاع الوطني وُضعا للأعمال وليس للتعطيل. ولذلك فإن إمتناع وزير الدفاع الوطني موريس سليم عن الإضطلاع بمهامه الدستورية في أكثر من ملف بات يطرح تساؤلات عدة في الأوساط السياسية لا سيما عند "الثنائي الشيعي"وقوى سياسية أخرى وضعت أداء الوزير المعني في خانة التسليم بسياسة رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل وحساباته تجاه قائد الجيش العماد جوزف عون أولا والحكومة ثانيا. فالوزير سليم امتنع عن اقتراح أحد الضباط الدروز حسب العرف ليعين رئيسا للأركان بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، علما ان عدم تعيين رئيس للاركان من شأنه أن يكبل عمل العماد عون الذي لم يكن قادرا على القيام بزيارات خارجية تصب في خانة مصلحة المؤسسة العسكرية في مرحلة شديدة الخطورة على كل المستويات السياسية والامنية والاقتصادية.

انشغلت الاوساط السياسية المعارضة للحكومة في الايام الماضيةبتفريغ غضبها ضد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهذه المرة بسبب تعيين مجلس الوزراء اللواء حسان عوده رئيساً للاركان في الجيش بعد ترقيته من رتبة عميد إلى لواء.

علما ان موضوع سد الفراغ في مركز رئاسة الأركان يرتدي أهمية قصوى على اعتبار أن المادة / 21 من قانون الدفاع الوطني أجازت لرئيس الأركان دون غيره الحلول محل قائد الجيش عند تغيبه ومرد ذلك إلى أهمية الدور المناط برئيس الأركان والمتمثل بحسب المادة / 22 / منه بمعاونة قائد الجيش في تحمل مسؤولياته وتنفيذ مهماته وضبط عمل الأركان والتنسيق في ما بينها والوقوف على المستوى القتالي للجيش.

استند مجلس الوزراء في قرار التعيين إلى دراسة حول الحلول القانونية التي يمكن اعتمادها لتفادي الشغور المرتقب في المؤسسة العسكرية ، على اعتبار أن استنباط الحلول والبحث في السبل القانونية لملء الفراغ في مركز رئاسة الأركان في هذا المنصب المهم والحساس يبقى ضرورياً ومحتماً لتفادي خطر تفريغ هذا المركز وما يستتبع عنه من فراغ في الإمرة في حالة غياب قائد الجيش لأية علة كانت، وذلك حتى ولو تم تعيين قائد جديد للجيش أو تأجيل تسريح القائد الحالي.

إن موقف وزير الدفاع الوطني المقاطع لجلسات مجلس الوزراء، بحسب الدراسة، يوصد عملياً الأبواب في وجه المخارج المطروحة لتفادي إقحام المؤسسة العسكرية في الفراغ، علماً أن المبادرة يجب أن تبدأ من عنده باعتباره صاحب السلطة قانوناً بتقديم الإقتراحات المتعلقة بوزارته وبالتالي يمكن توصيف الموقف المتخذ من قبل وزير الدفاع بالامتناع عن تقديم اقتراحات واضحة وعملية إلى مجلس الوزراء، من قبيل التخلف عن القيام بواجباته المنصوص عنها في المادة / 66/ من الدستور والتي أناطت به"تطبيق الأنظمة والقوانين بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته".

إن ما تقدم لا يعني، ولا يجب أن يعني على الإطلاق تجاهل دور الوزير المركزي والمحوري في عملية التعيين إستناداً إلى نص الدستور لاسيما المادة / 66 / منه الأمر لا يحتمل أي نقاش في الحالات العادية وقد تكرس غير مرة وفي قرارات عديدة صدرت عن المجلس الدستوري وعن القضاء الإداري (مجلس شورى الدولة). مع الإشارة الى ان القرار الصادر عن المجلس الدستوري برقم 2020/8 ورد فيه حرفياً «إن مشاركة الوزير المختص في التوقيع ليست أمراً شكلياً، بل هي من المسائل الجوهرية التي تتوقف عليها شرعية أو لا شرعية تلك المقررات، وبدوره أكد مجلس شورى الدولة بقراره رقم 133 / 1997 على هذه الوجهة معتبراً أن خلق المرسوم من توقيع الوزير المختص يجعل من هذا المرسوم عملاً إدارياً باطلاً لصدوره عن سلطة غير صالحة.

اما في الحالة الاستثنائية كالحالة التي يستنكف فيها الوزير عن القيام بواجباته الدستورية في مسألة ذات أهمية قصوى وفي مرحلة مفصلية وحساسة على الصعيدين الأمني والعسكري، ففي هذه الحالة غير الطبيعية من نافل القول أنه يقتضي الاسترشاد وتطبيق القواعد العادية التي تجعل من مشاركة الوزير وتوقيعه من المسائل الجوهرية، ففي هذه الحالة الإستثنائية والخاصة، لا يمكن أن تبقى الحكومة رهينة موقف الوزير السلبي مع ما يترتب على ذلك من مسؤوليات تتحملها هي ورئيسها، بحيث يبقى الخيار الوحيد أمامها هو البحث عن الحلول البديلة التي تجد لها سنداً في الدستور ومن شأنها أن تؤمن استمرارية سير المرافق العامة من ضمنها تفادي الشغور في القيادة العسكرية ودلالاته الخطيرة وانعكساته السلبية على المؤسسة العسكرية.

وإنطلاقاً من المسؤوليات الملقاة على الحكومة رئيساً وأعضاء والواجبات المفروضة عليها لجهة إتخاذ كل التدابير التي من شأنها تأمين استمرارية سير المرفق العام لاسيما تفادي الشغور في القيادة العسكرية، وما يُقابل ذلك من موقف يوصف بالسلبي، إتخذه وزير الدفاع الوطني عندما أهمل الإستجابة لطلب المسؤول الأول عن سياسة الحكومة أي رئيس مجلس الوزراء والذي لم يكتف بمراجعة الوزير الشفهية بل ذهب أبعد من ذلك عندما وجه له كتاباً خطياً طلب منه بموجبه وبشكل مباشر وواضح وصريح رفع الاقتراحات التي من شأنها تدارك الفراغ في القيادة العسكرية بعد أن أوضح له في متن الكتاب أهمية معالجة هذه المسألة بالسرعة المطلوبة تداركاً لانعكاس ذلك سلبا على المؤسسة العسكرية.

لقد حفظ الدستور للوزير دوره وصلاحياته وهو نفسه فرض على هذا الأخير القيام بواجبات محددة تبعاً لهذه الصلاحية بحيث من غير المقبول التمسك بالصلاحيات والوقوف عندها وإهمال الواجبات وتجاهلها بحجة صلاحيات الوزير.وعليه، وفي ضوء ما تقدم يمسي التمسك بوجوب احترام الأصول العادية في هذه الحالة الإستثنائية غير متاحا ويلحق الضرر بالصالح العام، ما يوجب تدارك هذه الإشكالية من خلال اللجوء إلى أحد الإحتمالين ، الأول يقضي بإجراء تبديل وزاري أو تعديل للحقيبة الوزارية للوزير في حال ثبت على موقفه السلبي، والثاني يقضي باتخاذ تدابير استثنائية تهدف ، ليس إلى تجاوز صلاحيات الوزير، بل إلى تجنب الوقوع في فراغ قاتل يستهدف المؤسسة العسكرية، ذرع الدولة الحصين.

إن المضمون الاهم للدراسة التي استند اليها مجلس الوزراء في قراره والتي اعدها الامين العام للمجلس القاضي محمود مكيّة، بحسب رئيس مؤسسة JUSTICIA والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص يتجلى بما جاء فيها من حيث استنادها الى " نظرية الشكليات المستحيلة (Formalités Impossibles) التي أطلقها إجتهاد مجلس شورى الدولة والتي تتحقق في كل مرة تتوافر ظروف إستثنائية أو استحالة مادية أو قانونية لإتمام الإجراء المعين كأخذ إقتراح أو رأي أو موافقة.وإنطلاقاً من هذه النظرية، سار الإجتهاد الإداري على اعتبار أن "القاعدة القائلة بأن أي تجاهل أو إغفال للصيغ الجوهرية يؤدي إلى ابطال العمل الإداري تعرف بعض الإستثناءات، أبرزها ما سمي بنظرية الصيغ المستحيلة والمتمثلة بثلاث حالات وهي حالة الظروف الإستثنائية، حالة الإستحالة المادية في مراعاة بعض الصيغ وحالة الإستحالة المعزوة إلى تقاعس الأفراد".ولعل هو المرتكز الأساسي لقرار مجلس الوزراء الذي عين رئيسا لأركان الجيش من دون اقتراح وزير الدفاع الوطني.

ويقول مرقص ل لبنان24 ان الطعن وارد قانونا في قرار مجلس الوزراء للمحاججة في دستورية اتخاد هذا القرار من دون اقتراح وزير الدفاع، ويكون الطعن أمام مجلس شورى الدولة في مهلة شهرين من القرار، ممن له صفة ومصلحة بذلك ومنهم وزير الدفاع الذي قد يعتبر أن قرار مجلس الوزراء اتخذ دون اقتراحه للقول إن هذا القرار هو غير دستوري، مع أشارته إلى أن مجلس شورى الدولة يمكن أن يستند الى نظرية الاستحالة وعلى سوابق عدة لاسيما تعيين قائد جيش في سابقة تاريخية من دون اقتراح وزير الدفاع

يبقى الاكيد أن تعيين رئيس للأركان سيعيد إلى الجيش التوازن المطلوب في قيادته، يؤكد مرقص، إذ أنه يسمح بغياب القائد وسفره وتنقلاته ويضمن استمرار القيادة في حال شغور أحد المنصبين مستقبلا، بوجود رئيس للأركان معيّن، وبالتالي فإن المرسوم الذي سيصدر لن يحمل توقيع وزير الدفاع.

الكاتب: 
هتاف دهام
المصدر: 
التاريخ: 
الاثنين, فبراير 12, 2024
ملخص: 
من نافل القول أنه يقتضي الاسترشاد وتطبيق القواعد العادية التي تجعل من مشاركة الوزير وتوقيعه من المسائل الجوهرية، ففي هذه الحالة الإستثنائية والخاصة، لا يمكن أن تبقى الحكومة رهينة موقف الوزير السلبي .