الحسيني لـ«الرأي»: نتفادى الكوارث بتطبيق الطائف وبناء الدولة

النوع: 

 

لا يبدو رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني بعيداً عمّا يجري في لبنان، منذ اتخاذه قرار عدم خوض الانتخابات البرلمانية، والتفرغ للعمل السياسي من مواقع عدة، لعل أبرزها القراءة القانونية للسطور الخفية في اتفاق الطائف ومحاضره. ورغم أن «شيخ البرلمانيين اللبنانيين» الذي تولى رئاسة المجلس بين العامين 1985 و1992، أي في مرحلة مخاض الحرب الأهلية وما رافقها من تحولات اقليمية ودولية، آثر عدم الخروج الى الضوء إلاّ في حقبة الأزمات، من موقعه كمرجعية قانونية وسياسية، الا انه يدرك جيداً متاهات «البانوراما» اللبنانية، وامتداداتها بين دول عربية وغير عربية، ويبدو كمن يقرع جرس الانذار على وقع قرب صدور القرار الظني في اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري، و«تعليق» اتفاق الطائف بعد مؤتمر الدوحة.

حين يتحدث «عرّاب» الطائف وحاضن أسراره عن العلاقات اللبنانية - السعودية، وعن أولوية تطبيق الدستور، وعن الصيغة العربية - التركية - الايرانية لمواجهة النظام العالمي الجديد، فانه يتكلم من موقع الخبير، الذي لا يتعب من المناداة بالعودة الى مؤسسات الدولة، الكفيلة وحدها تثبيت الأمن والاستقرار، وإلاّ سيكون لبنان «عرضة دائمة للهزات الداخلية والكوارث».

أسئلة عديدة طرحتها «الراي» على الحسيني الذي يصف المرحلة الراهنة بانها «خطيرة فيها الايجابي وفيها السلبي». وفي رؤيته السياسية إثر القمة الثلاثية التي شهدها لبنان وجمعت الى الرئيس ميشال سليمان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد، يقدم الحسيني مطالعة حول ملفات عدة، من العلاقة التاريخية بين الرياض وبيروت انطلاقاً من زيارة العاهل السعودي، الى أهمية دعم التضامن العربي ـ التركي ـ الايراني، الى التشديد على العودة للمؤسسات من بوابة الطائف على قاعدة بناء الدولة. وفي ما يأتي وقائع الحوار مع الحسيني:

* الدور السعودي في لبنان بدأ ما قبل اتفاق الطائف. ما تقويمك لهذا الدور التاريخي؟ وما العوامل التي تدفع الرياض الى الاهتمام بالملف اللبناني؟

- العلاقات اللبنانية - السعودية تعود الى ما قبل اتفاق الطائف، وكان للسعودية الدور الايجابي طوال المحنة التي مرّ بها لبنان. هذه المحنة، الناتجة من التدخلات الخارجية، هي التي ساهمت في تأزيم الأوضاع الأمنية، لذا عملت الرياض على التخفيف من تداعياتها. ولا بد هنا من أن نذكر بالأجواء الدولية التي رافقت مرحلة اتفاق الطائف. في هذه الفترة بدأ الوفاق الدولي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على ضرورة إنهاء الحرب الباردة، وتجفيف بؤر التوتر في العالم، وخصوصاً أن هذه البؤر كانت ثمرة الصراع بين موسكو وواشنطن. واضافة الى العامل الخارجي، كانت ملامح نضج عملية الوفاق الوطني اللبناني قد بدأت. فقبل توقيع اتفاق الطائف برعاية سعودية، تشكلت لجنة سداسية ترأسها أمير الكويت الحالي الشيخ صباح الاحمد الصباح حين كان نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للخارجية. وقد مهدت هذه اللجنة لابرز المحطات الأساسية، وفي النهاية ثبتت رؤية مجلس النواب اللبناني، فكانت قمة الدار البيضاء في مايو 1989. هذه القمة تضمنت عودة مصر الى كنف جامعة الدول العربية بعد قطيعة استمرت منذ توقيع الرئيس انور السادات اتفاق كامب ديفيد، وأسست لوضع إطار لحل الأزمة اللبنانية بإشراف اللجنة الثلاثية المكوَّنة من السعودية والمغرب والجزائر. كان لهذه اللجنة دور مهم في تسهيل الوفاق الوطني. وكان تفاهم هذه اللجنة مع سورية العامل الحاسم في نجاح مساعي الوفاق الوطني، الهادف بالدرجة الاولى الى وضع خطة لاقامة الدولة اللبنانية، فضلاً عن اعتماد المرتكزات الاساسية في النظرة الى الموقف اللبناني من إسرائيل، والعلاقات السورية - اللبنانية، والعلاقات اللبنانية - الفلسطينية، وقد تمّ التفاهم حول هذه المسائل بصورة جماعية. هذا الامر ساهم في إنجاح التوصل الى اتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً للبلاد. وكان للمملكة العربية السعودية وسورية الفضل الكبير في تجنيب لبنان ما حصل مع الجانب الفلسطيني بعد حرب 1967، ما أدى الى هزيمة عربية كبيرة، وأنتج مغالطة الاعتماد على الشعب الفلسطيني كقوة تحرير عبر العمل الفدائي، والهروب من وضع استراتيجية عربية موحدة. وهكذا، تشكلت القيادة الفلسطينية من فصائل مسلحة أو غير مسلحة، على الطريقة التوافقية، ما أدى الى خلافات كبيرة في فلسطين، أعاقت العمل الجدي في سبيل وضع حدّ للمأساة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، أعفت الدول العربية نفسها من وضع استراتيجية موحدة لادارة الصراع العربي - الاسرائيلي. وأخشى ما أخشاه اليوم بالنسبة الى اتفاق الدوحة، أنه اعتمد الاسلوب نفسه للوضع اللبناني، أسلوب الفصائل على الطريقة التوافقية، وهذا الامر لن يؤديِ الى حل المشكلة، بل سيدخل البلاد في صدامات دائمة، وبالتالي سيزيد من عرقلة اتفاق الطائف. اليوم طبعا، ولمناسبة زيارة الملك السعودي والرئيس السوري للبنان، لا يسعنا إلاّ أن نأمل بالعودة الى الأصول، أي الى ما نصّ عليه اتفاق الطائف، بهدف تجنيب لبنان الوقوع في شرك صيغة الفصائل.

* هل تحاول السعودية اليوم تبني إدارة الاستقرار وتثبيته بعدما كانت في مرحلة اتفاق الطائف تسعى الى إخراج لبنان من دوامة العنف؟

- المرحلة ليست مرحلة إدارة استقرار بل مرحلة اقامة الدولة، وما دمنا لم ننجح في العودة الى المؤسسات، سندخل في أزمات متكررة تعيدنا الى نقطة الصفر. المطلوب الرجوع الى الأصول، وبناء الدولة. هذا هو مطلب الشعب اللبناني الذي يريد اقامة دولته، وهذه الدولة لديها مؤسسات، والمؤسسة هي الكفيلة حل الأزمات، وعندما نخرج عن المؤسسات، نصبح كالشخص الواقف على شرفة لا سياج لها في جو عاصف.

* ما قراءتك السياسية للقمة الثلاثية التي انعقدت بين الملك السعودي والرئيسين السوري واللبناني وسط السجال الدائر حول تداعيات القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان المتوقع صدوره في الأشهر المقبلة؟

- العودة الى الأصول والمؤسسات هي الكفيلة معالجة الأزمات. نحن الآن في مرحلة خطيرة فيها الايجابي وفيها السلبي. المنحى الايجابي يتمثل في أننا أمام ولادة نظام دولي جديد، وهذا يتطلب الخطوات التي يقوم بها الملك عبد الله بن عبد العزيز، حين طرح عملية التضامن العربي تمهيداً لترتيب الوضع العربي - التركي - الايراني، لمواجهة الاستحقاق الذي يفرضه النظام العالمي الجديد، بعدما احتلت الولايات المتحدة موقع الصدارة فيه لجهة التفرد بالقرار الدولي. والدعوة الى خلق بوتقة عربية - تركية - ايرانية تهدف بالدرجة الاولى الى وضع منطقة الشرق الأوسط على خريطة هذا النظام العالمي، وهذا التحول ظهر بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية الاخيرة، وبعد سقوط فكرة الاحادية التي أدخلت العالم في حال من الفوضى امتدت لعشرات الاعوام. طبعا،ً علينا أن نعمل في سبيل تقوية هذا التضامن العربي ـ التركي ـ الايراني، ليكون لنا دور في ادارة القرار الدولي. أما الجوانب السلبية فتتمثل في هشاشة الوضع في لبنان. وإذا ابقينا الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات، فلن يكون أمامنا إلاّ انتظار الكوارث. ولبنان عند استقراره سيكون له دور مساعد في تحقيق التضامن الذي أشرت اليه.

* الى أي مدى لا يزال اتفاق الطائف يتمتع بالفاعلية بعد مؤتمر الدوحة؟ وهل كرس هذا المؤتمر نوعاً من الصيغة الهشة على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»؟

- اتفاق الطائف اولا هو دستور البلاد. أما مؤتمر الدوحة فقد جمع مجموعة من الميليشيات. أتت صيغة الدوحة لابقاء الوضع اللبناني المأزوم، علماً أن أمير قطر الذي رعى الاتفاق، تبرأ منه في مجلس النواب عندما انتخب رئيس الجمهورية. وفي رأيي ان صيغة لا غالب ولا مغلوب لا تقدم حلاً نهائياً لأنها تهيئ للتقاتل. نحن لنا موقف من اتفاق الدوحة، فهو عبارة عن تعليق اتفاق الطائف والدستور اللبناني والمراوحة في الأزمة. وبإيجاز، اتفاق الدوحة هو تعبير صارخ عن نظام الفصائل.

* الشراكة السعودية - السورية في معالجة الملف اللبناني تحت معادلة «سين. سين» حالت دون توتر الأوضاع السياسية والأمنية في المراحل الاخيرة. الى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الشراكة وسط الاختلاف الاستراتيجي بين الرياض ودمشق؟

الكاتب: 
ريتا فرج
المصدر: 
التاريخ: 
الأربعاء, يناير 1, 2020
ملخص: 
- المرحلة ليست مرحلة إدارة استقرار بل مرحلة اقامة الدولة، وما دمنا لم ننجح في العودة الى المؤسسات، سندخل في أزمات متكررة تعيدنا الى نقطة الصفر. المطلوب الرجوع الى الأصول، وبناء الدولة. هذا هو مطلب الشعب اللبناني الذي يريد اقامة دولته