إحتفال رسمي بالذكرى العاشرة لتوقيع وثيقة الوفاق الوطني لحود: اتفاق الطائف بوابة عبور نحو حلول علينا صنعها.
كرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري التذكير بأنه كان أول من نعى الترويكا قبل عامين، وبتصدي المجلس النيابي منذ العام 1992 لمحاولات عديدة لأخذ صلاحيات استثنائية منه. موقف بري هذا، جاء تعقيباً على بعض ما ورد في كلام بعض خطباء الاحتفال الوطني الذي أُقيم أمس، لمناسبة مرور عشر سنوات على إقرار وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) والذين غمزوا من زاوية »بدعة الترويكا« التي سادت بعد الطائف، ولا سيما ما ورد بهذا الصدد على لسان رئيس الحكومة سليم الحص. ألقى الرئيس بري كلمة راعي الاحتفال رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الذي اعتبر ان »ما تحقّق حتى الآن يعتبر جزءا أساسيا من الطريق وأهمه خياراتنا الاستراتيجية في تمييز الشقيق وتحديد العدو، كما في مواجهة استحقاقات المرحلة دعماً للمقاومة ورفضاً لمناورات الاستفراد«، منوّها بأن »هذه الخيارات لم تعد موضع جدال أو نقاش أو انقسام«. ورأى رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص ان اتفاق الطائف بعد عشر سنوات من صدوره لم يحقق أهدافه لأن »هدف تطوير الممارسة الديموقراطية وتجاوز الحال الطائفية لم يحظ بعد بقدر كافٍ من الاهتمام خلال هذه الحقبة من الزمن«. وقال ان »نص الطائف المتعلق بالطائفية السياسية لم يجد طريقه الى التطبيق حتى الآن«، مشيرا الى »ممارسات منافية للاتفاق نصا وروحا برزت على مستوى الحكم كان أبرزها بدعة »ترويكا الحكم« التي كان من شأنها الافتئات على صلاحيات الحكومة ورئيسها من حيث انها قامت على إشراك الغير من أركان »الترويكا« في قرار الحكومة ورئيسها«.
أُقيم الاحتفال بذكرى اتفاق الطائف في قصر الأونيسكو أمس، في حضور الرئيس بري ممثلا الرئيس لحود والرئيس الحص وممثل أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام المساعد الدكتور ضو سويدان وأمين عام المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، وممثل قائد الجيش العماد ميشال سليمان العميد الركن عصام عطوي وحشد من النواب والوزراء والشخصيات السياسية والحزبية والقضائية والعسكرية والدبلوماسية والروحية. وكان عريف الاحتفال الزميل كميل منسى.
الحص استهلّ الاحتفال بكلمة الرئيس الحص أشار فيها الى ان »اتفاق الطائف لم يسفر فقط عن إنهاء أزمة ماحقة، وإنما أيضا عن إطلاق حقبة جديدة في حياة لبنان السياسية. قيل الكثير في اتفاق الطائف من قبيل مناقشة نقاط قوته وضعفه، مزاياه ونقائصه، ايجابياته وسلبياته، وكذلك مردوده على مستقبل لبنان أو على مستقبل مجموعة من مجموعاته، وسلامة مرتكزاته القانونية والدستورية«. واعتبر »ان مسيرة الطائف شكلت فرصة فريدة أمام شعب يحتضر لاستعادة العافية والأمل. ان أهم ما في اتفاق الطائف هو بكل بساطة انه اتفاق«. موضحاً ان »لبنان كان قبل اتفاق الطائف في مهب الريح تحت رحمة صراع عبثي مفتوح، لو تُرك على غاربه لأدى الى تدمير لبنان الوطن. فجاء اتفاق الطائف، لمجرد كونه اتفاقا، بما كان لا عوض عنه لتمكين هذا البلد من فرصة استعادة الحياة. من هنا إصرارنا على ان اتفاق الطائف لا يجوز تقويمه بالنظر الى جزئياته ودقائقه، وإنما بالنظر إليه كلاً، في مجموعه، وتحديدا باعتبار ان ما كان له من دور في السعي لإنهاء صراع كان لولاه سيظل مفتوحا«. واعتبر الرئيس الحص ان »الطائف اجتاز هذا المحك بنجاح باهر. والأكثر من ذلك ان أي بديل له لم يكن متوفرا أو مطروحا«. هذا معيار أساسي لتقويم براغماتي ناجع لمسيرة الطائف. وهناك معيار آخر ينبثق من حقيقة ان اتفاق الطائف لم يكن مجرد معادلة لإنهاء صراع مدمّر وإنما كان أيضا إطارا للتطوير الديموقراطي السلمي المنتظم في لبنان. من هنا فإن تبني هذا الاتفاق لم يكن من شأنه إنهاء أزمة هوجاء فحسب وإنما أيضا اختتام حقبة اتسمت بالانكشاف وانتهت بانفجار تلك الأزمة إياها«. وأشار الى »ان حقبة ما قبل الأزمة كانت حافلة بالمتناقضات والمفارقات: سلام على غير استقرار، حكومة تتمتع بسلطة وإنما غير فاعلة، وفرة من الحريات الفردية وسط قحط في الديموقراطية الصحيحة، ازدهار صاخب يواكبه نمو شاجب، تنوع في المجتمع على غير كثير من الانسجام بعبارة موجزة، مزيج من الازدواجيات كانت حصيلته كيانا وطنيا مضطربا وركيكا«. وأضاف: »لعل الشاهد الأبلغ على تلك الحقبة كان المقاومة الذاتية والعقيمة للتغيير التي انطبعت بها تلك الحقبة. فالفاصل الزمني بين إعلان الاستقلال سنة 1943، وبين إصلاحات الطائف سنة 1990 لم يشهد تعديلا دستوريا بنيويا واحدا، مشيرا الى انه في وطن يرفل بفيض من الحريات لعل الطائفية، باعتبارها تعكس سياسة تمييزية فاضحة بين الأفراد والمجموعات، كانت العامل الأبعد أثراً في تغييب مبدأ تكافؤ الفرص وبالتالي عدم انتظام العمل الديموقراطي. ومن الأهمية بمكان أن من ضحايا هذه السياسة كان مبدأ المحاسبة في الحياة العامة سواء في ممارسة السياسة أم في الاضطلاع بمسؤوليات الوظيفة، الأمر الذي كان له سلبيات واضحة على العمل السياسي وعلى أداء الحكم. كما رأى الرئيس الحص انه »صحيح ان نظام الطائف لم يلغ الطائفية ولكنه أقرّ صراحة مبدأ التدرج في إلغائها. وهذا ينبغي أن يكون سببا لنزع فتيل التشنج ولتوطيد الأمل في مستقبل أفضل«، موضحا انه »لا يمكن الاستهانة بالقوة الكامنة في اتفاق الطائف وذلك ربما لمجرد كونه اتفاقا ولد بعد تفاوض لتسوية نزاعات قديمة بالتراضي. فهذا كان من شأنه المساعدة على معالجة علتين من العلل المزمنة للمجتمع اللبناني ألا وهما الانكشاف المفرط على التطورات الخارجية وجنوح المؤسسات الوطنية مع الزمن للتفكّك وللانقسام. فقد كان الانكشاف، باعتباره علامة ضعف، ظاهرة متلازمة مع الصراع الداخلي الذي عصف بلبنان ما بين 1975 و1990«. ورأى الحص ان لبنان كان على امتداد عقدين من الزمن سبقا انفجار الأزمة يبدو دوما على طرف التلقي لأية انعكاسات إيجابية قد تنجم عن تطورات المنطقة، حتى ولو كان بعضها سلبيا. وأضحى لبنان في المقابل بعد انفجار النزاع سنة 1975 يبدو دوما على طرف التلقي لأية عواقب سلبية قد تترتب على تطورات المنطقة حتى ولو كان بعض هذه التطورات إيجابيا. وهكذا في اختصار فإن لبنان، بعدما استنزفت الصراعات الداخلية مناعته، أمسى معرّضا لالتقاط أية علة قد تنشأ في أية بقعة من المنطقة. وقد كان هذا الانكشاف القاتل انعكاسا للضعف الناتج أساسا عن الصراع الداخلي المحتدم. ولا دواء لمثل هذا الواقع بالطبع إلا بعمل توافقي وطني مثل اتفاق الطائف«. واعتبر أنه يمكن »النظر الى ظاهرة جنوح المؤسسات الوطنية الى التفكك على أنها بمثابة الوجه الآخر للعملية عينها. فاستمرار الصراعات أدى مع الوقت الى تبعثر الولاءات على خطوط طائفية، مما أنتج وضعا بات فيه جمع الأجزاء في وحدة متكاملة أمرا متعذرا في كثير من الحالات«. موضحا انه »وبتعبير مجازي يمكن القول إن الواقع السائد قبل اتفاق الطائف جعل أية عملية جمع من دون حصيلة عملياً في حساب السياسة اللبنانية، بحيث ان جمع الفئات معا قد لا تكون حصيلته دوما صورة المجتمع المتماسك، كما أن جمع المناطق معا قد لا يعطي دوما صورة البلد المتحد، وجمع المؤسسات معاً قد لا تكون حصيلته دوما صورة كيان الدولة الفاعلة، وجمع الألوية العسكرية قد لا ينتج في أوقات النزاعات الحادة صورة الجيش المتماسك. وكانت هناك لحظات في ظروف التأزم السياسي عندما كان جمع الوزراء لا يؤدي الى صورة الحكومة المنسجمة. هذه الظاهرة غير الطبيعية مردها إلى أن مؤسسات الدولة معرّضة لتأثيرات أمراض المجتمع، بما فيها الخلافات والنزاعات. وهنا أيضا يظهر أن عملا توافقيا وطنيا هو العلاج الوحيد، وقد كان ذلك في اتفاق الطائف«. وأشار الرئيس الحص الى ان »اللبنانيين يحتفلون الآن بميلاد جمهوريتهم الجديدة. وهم يخامرهم شعور عارم بالبهجة للنهاية التي شهدوها لمعاناة شديدة غدت شيئا من الماضي، أملا في أن تُطوى في ثنايا الذاكرة والضمير الوطنيين، مصدرا دائما للإلهام لمنطق عقلاني للمستقبل في مواجهة تحديات التطور والتغيير الدائمين«. معتبرا »ان جمهورية الطائف ينبغي أن تكون جمهورية التحول التاريخي الكبير، ليس فقط في خلافة جمهورية سابقة وإنما أيضا في التمهيد لقيام جمهورية مرتقبة تجسد تطلعات الشعب اللبناني على المستوى الوطني والإنساني في أوسع معانيه، واننا نتطلع الى اللحظة التي يتم فيها التحول الكبير المقبل، وذلك عندما يحل نظام لا طائفي ولا تمييزي محل نظام الطائف المبني على المشاركة الفئوية«. وتساءل الحص »ماذا بعد الطائف؟« معتبرا انه »ليس بعد الطائف سوى طريق واحد هو طريق تطوير الممارسة الديموقراطية الصحيحة. فالمؤمنون بالطائف يدركون ان الطائف ليس هو نهاية الطريق، وإنما هو الطريق الى مستقبل أفضل، الى قيام الدولة القادرة والعادلة، الى قيام دولة القانون والمؤسسات. ولا سبيل الى بلوغ هذا الهدف إلا ديموقراطيا. فالمطلب الملحّ بعد الطائف إذن هو تطوير الممارسة الديموقراطية الفاعلة. حتى الذين يتحفّظون على الطائف لاعتبارات شتى، فلا طريق أمامهم لتطويره أو تعديله سوى العمل الديموقراطي. فالاحتكام لغير الديموقراطية في تغيير النظام نهج سقط نهائيا في تجربة الأزمة الوطنية الكبرى فلم يعد خيارا. لذا فإن المطلب الملحّ بعد الطائف، حتى للذين رفضوا هذا الاتفاق أو تحفّظوا عليه، هو أيضا تطوير الممارسة الديموقراطية الفاعلة. وأشار الى انه »إن سئلنا عن برنامجنا، فهذا هو برنامجنا: تفعيل الديموقراطية. وإن سئلنا عن تطلعاتنا، فهذه هي تطلعاتنا: تفعيل الديموقراطية. وإن سئلنا عن طموحاتنا، فهذا هو طموحنا: تفعيل الديموقراطية. إن وجدت الديموقراطية الفاعلة وجدت الحلول الناجعة لكل القضايا وفتحت طريق التغيير واسعة بمشيئة الشعب وإرادته وتصميمه«. موضحا انه »نحن لا نخدع أنفسنا بالقول إن الديموقراطية بخير في لبنان. ففي لبنان الكثير من الحرية وإنما القليل من الديموقراطية. فلا ديموقراطية حيث لا محاسبة ولا تكافؤ فرص بوجود الطائفية والمذهبية والعشائرية والمحسوبية«. وأشار الرئيس الحص الى ان الوصول الى »هدف تطوير الممارسة الديموقراطية هو بالعمل المنهجي الدؤوب على إلغاء الطائفية من النظام، وبتفعيل آليات المحاسبة وفي مقدمها القضاء وهيئات الرقابة الإدارية، وبسنّ قانون عادل للانتخابات النيابية والبلدية، وبتكرار تجارب الانتخابات النزيهة«. وتساءل »لماذا بعد عشر سنوات من صدوره لم يحقق اتفاق الطائف كل هذه الأهداف؟«، وقال: »الجواب البديهي عن هذا السؤال هو ان هدف تطوير الممارسة الديموقراطية وتجاوز الحالة الطائفية لم يحظ بعد بقدر كافٍ من الاهتمام خلال هذه الحقبة من الزمن. حتى نص الطائف المتعلق بالطائفية السياسية لم يجد طريقه الى التطبيق حتى الآن. الى ذلك برزت خلال تلك الفترة على مستوى الحكم ممارسات منافية لاتفاق الطائف نصا وروحا. وأبرزها بدعة ترويكا الحكم. فهي منافية للدستور من حيث ان الدستور ينص على الفصل بين السلطات فيما صيغة ترويكا الحكم تشبك السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما انها آلت الى التعدّي في بعض الحالات على السلطة القضائية. وهي منافية للديموقراطية من حيث أن أركان ترويكا الحكم درجوا على اختصار المؤسسات التي يرئسون في أشخاصهم، وما كان ذلك إلا على حساب فعالية هذه المؤسسات عملياً«. ورأى الحص انه »كان من شأن بدعة ترويكا الحكم الافتئات على صلاحيات الحكومة ورئيسها من حيث أنها قامت على إشراك الغير من أركان الترويكا في قرار الحكومة ورئيسها. ان اتفاق الطائف كان أساسيا، ولو لم يكن كافيا، في السعي الى إشاعة سلام ناجز ومستقر في لبنان، فالسلام الكامل يبقى عصيا، وكذلك الاستقرار، ما دام العدوان الإسرائيلي مستمرا على لبنان«. وأكد الرئيس الحص »الالتزام بالطائف التزاما تاما«.. مشيرا الى ان »هذا مرتبط بالتزامنا مقتضيات الوحدة الوطنية، والتزامنا الطائف يحفزنا الى العمل الديموقراطي والوفاق على الخروج منه الى الجمهورية الموعودة، جمهورية العدالة والمساواة، جمهورية اللاتفرقة واللاتمييز، في دولة القانون والمؤسسات، الدولة القادرة والعادلة. من هنا قولنا ان اتفاق الطائف ليس نهاية الطريق بل هو الطريق الى مستقبل أفضل. فاتفاق الطائف يحمل في طياته بذور تغييره. فهو ينص صراحة على إلغاء متدرج للطائفية السياسية والادارية، كما ينص على آلية محددة لتعديل الدستور. ولكن أي تعديل للدستور، وتالياً للنظام، لا يجوز في أي حال أن يتم إلا بناء على إرادة وفاقية جامعة في مستوى تلك الارادة الوطنية المباركة التي أنتجت اتفاق الطائف«. وختم بالقول: »يقتضيني الوفاء، ان أسدي خالص التحية الى كل الذين ساهموا في إنجاز اتفاق الطائف، وبخاصة قادة كل من سوريا والسعودية والمغرب والجزائر. وتحية إجلال لروح شهيد الطائف الرئيس رينيه معوض وتحية خالصة للجندي غير المجهول الأخضر الابراهيمي«.
الحسيني
ثم كانت كلمة للرئيس حسين الحسيني الذي دعا الى قراءة نص »اتفاق الطائف«، »قراءة هادئة بعد تلك القراءة الهوجاء والتي ظن أصحابها ان في وسعهم أو في مصلحتهم أو في مصلحة من يدعون تمثيلهم أو الحفاظ عليهم، أن يقرأوا النص ضد أنفسهم، يماحلونه مماحلة، يماكرونه مماكرة، بل يكايدونه مكايدة، حتى يكون لهم ان يقولوا: »لقد ذهبنا ضحية هذا النص. وبالتالي لا بد من محو حروفه«. وكأن بفريق آخر يقف في مقابل هذا الفريق، وقد سرّته هذه القراءة، فأخذ بتصديقها في سره، بل أخذ في إعلان حقوق يدعي ان هذا الاتفاق يرتبها، لا لجماعته، بل لشخصه الأوحد«. وقال الحسيني: ان قراءة هذا النص »لا بد لها ان تحصل في مجال الحوار العام في مناخ من الحرية... ولا يمكن ان تكون بمعزل عن موازين القوى«، فهذه الموازين »مهما تكن مختلة فلا يمكن ان تصل الى حد تبديل النصوص تبديلا، وإلا لما كبّد الناس أنفسهم عناء كتابة النصوص بل شن الحروب من أجل توقيعها«. واعتبر انه »في مقابل موازين القوى علينا ألا نستهين بموازين العقل التي لقراءتها صفة الاستمرار والارتقاء«. ورأى الحسيني »ان بين هذا العهد وبين الوفاق الوطني صلة تكوين وعهد وفاء«. وأشار الى ان »هذا الاتفاق قادر على العطاء لمن يحسن الأخذ، ولا وجه للمقارنة بين ما يأخذ هذا النص من كل واحد وبين ما يقدم لكل واحد وللجميع بما يقدم للوطن. وختم الرئيس الحسيني بالتأكيد على ان روح اتفاق الطائف بسيطة الجوهر وهي »بقاء لبنان وبقاء اللبنانيين، وهي لبنان للبنانيين ولكل اللبنانيين، وهي الالتزام بحقوق الإنسان، وانها في المقدمة، مقدمة الوثيقة، مقدمة الدستور الجديد. انها معنى لبنان، انها حيث التوافق والانسجام بين الفرد والجماعة، بين الفرد والإنسان«. حرب
واستعرض النائب بطرس حرب في كلمته الظروف التي رافقت وضع اتفاق الطائف والتحديات التي واجهها المشاركون في وضعه، مؤكدا اننا »فخورون بما أنجزنا وفخورون بأننا تعرّضنا لأبشع وأحط الاتهامات في سبيل لبنان ووحدته واستقلاله، نحن فخورون لأننا وضعنا حدا للعبة المراهنة على دماء شعبنا والمغامرة بمصير وطننا، ولأننا استطعنا أن نعيد الأمل الى النفوس بأن لبنان سيعود وطن الحرية والديموقراطية والسيادة الوطنية، وانه إذا لم تحقق كل هذه الأهداف اليوم فنحن نسير باتجاهها وسنحققها بإذن الله«. ورأى حرب »ان الممارسة السياسية في الفترة السابقة، ولا سيما قبل بداية العهد الجديد، لم تكن مطمئنة لأنها أطاحت بالقواعد الأساسية التي يقوم عليها نظامنا، وبدلا من ان تتحقق المشاركة الحقيقية في السلطة عمد بعض القيمين على أمور البلاد الى مصادرة السلطة بعقل ميليشياوي ما يزال قائما ومسيطرا على المؤسسات وتداخلت الصلاحيات وغابت المساءلة والمحاسبة«. وأوضح حرب »ان المصالحة الوطنية الحقيقية لم تتحقق وان فريقا من اللبنانيين الراغبين في دخول كنف الدولة حرم من ذلك وان الحكومات المتعاقبة كانت حكومات اللون الواحد وليست حكومات الوفاق الوطني المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني. والحقيقة ان الممارسة جاءت تخالف أحكام الدستور فلم يكن مجلس الوزراء مركز السلطة الاجرائية التي يقرر سياسة البلاد. والحقيقة ان كل رئيس أو وزير كان يتصرف وكأنه الدولة أو كأنه أمير مطلق الصلاحيات في الدولة لا رقابة عليه. والحقيقة أيضا ان بند بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية لم يتحقق كلياً فلا يزال الجنوب محتلاً من قبل العدو الاسرائيلي الذي يدك يوميا قرانا وشعبنا. ولا تزال بعض الميليشيات دون حل لا سيما الميليشيات غير اللبنانية التي تسيطر على بعض الجزر الأمنية خارج إطار السيادة الوطنية ولنا في قضية أبو محجن وأبو العينين أنموذجان فاضحان لهذه الحالة«. وأضاف »نحن اليوم وبعيدا عن أجواء التجاذب السياسي، وبواقعية ومسؤولية، وبعيدا عن الديماغوجية وحساب الربح والخسارة وتبادل التهم والتخوين لا يمكننا تحميل وثيقة الوفاق الوطني مسؤولية ما صرنا عليه، لا يجوز ان تتحول هذه الوثيقة الى قميص عثمان، ولا يجوز أن نلصق بها كل المثالب والعيوب لتبرير فشلنا. وقد لا تكون هذه الوثيقة أفضل الصيغ بنظري وقد سبق لي وطالبت بتعديل بعض بنودها، إلا أن العلة الحقيقية كانت في الذين طبّقوا هذه الوثيقة، وانه لكي يستقيم الحكم على الوثيقة يجب البدء بتطبيقها واحترام مضمونها بحيث لا يجوز لعنها قبل تنفيذها وتجربتها«. وختم حرب بالاشارة الى ان »البلاد تحتاج الى انتفاضة على الذات« إضافة للعودة الى »وثيقة الوفاق الوطني نقرأها بجدية ونسعى لتنفيذها.. لكي نواجه الأخطار التي تحدق بوطننا«. معتبرا ان »المنطقة حبلى بالتطورات وفي وجهنا عدو شرس غادر والعالم على مشارف القرن الحادي والعشرين، مع ما يحمله من تحديات خطيرة، والمجال لا يسمح بترف التلهي بالصراعات الداخلية ومؤامرات السلام الاستسلام تداهمنا. ومحدلة العولمة قادمة وكل من يتصور انه قادر على حماية نفسه وراء حدود قومية أو جغرافية أو جمركية أو ثقافية هو على خطأ كبير."
بري
وفي ختام الاحتفال ألقى الرئيس نبيه بري كلمة الرئيس لحود، بعد أن ارتجل كلمة قال فيها »كنت أود أن أقول كلمة لي أقول فيها ان اتفاق الطائف هو اتفاق الضرورة وأقول فيها أيضا، لولا الرغبة في السلام في قلب كل منا ولولا فرصة قدمتها سوريا ورعاية مباشرة من الرئيس حافظ الأسد لما كان اتفاق الطائف«. وأضاف »كنت أريد ان أقول ان الاتفاق هو نتيجة تضحية كل اللبنانيين الذين قاوموا التقسيم والعصر الاسرائيلي وأسقطوا اتفاق 17 أيار وبددوا كلمات قوة لبنان في ضعفه كما كان يُقال وكما كان يُروى لنا، وكما كان يُراد لنا أن نؤمن، قوة لبنان في ضعفه أبدلناه بعصر المقاومة التي شرفت لبنان وشرفت العرب. واعتبر الرئيس بري انه »ليس في كل ما مضى قضاء وقدر، فالترويكا كانت موجودة وأذكر أنني في ذكرى الإمام السيد موسى الصدر منذ عامين قد دفنتها شخصيا. قبل عامين أعلنت موت الترويكا وتصدينا منذ العام 1992 لمحاولات عديدة لأخذ صلاحيات استثنائية من المجلس النيابي في سبيل تعزيز الديموقراطية«. كلمة لحود ثم ألقى الرئيس بري كلمة رئيس الجمهورية العماد لحود وجاء فيها: »عشر سنوات على اتفاق الطائف، لا يمكن التعاطي معها كمناسبة شكلية للاحتفال بالذكرى، بقدر ما يجب أن تكون محطة استذكار وتذكير: استذكار لما كان قبل الطائف، وتذكير لما يجب أن يكون بعده. ما كان قبله نعرفه جميعا وعايشناه، وقليل منا خلاله، لم تنله خسارة أو لم يصبه ألم، ولبنان كان الخاسر الأكبر«. »لقد توغلت الفتنة إلينا من موقعين: أولهما هشاشة نظامنا السياسي والمؤسساتي القائم بتركيبته الطائفية على إلغاء الدولة، وثانيهما فقدان الخيارات السياسية الاستراتيجية الواضحة على مستوى الوطن. وكان هذا كما ذاك كافياً لادخالنا في دوامة الانقسام والعنف والدمار. فهل يجوز أن تستمر تلك الأسباب؟«. »لقد جاء اتفاق الطائف ليوقف تلك الدوامة، من خلال إرساء الخطوط التوافقية العريضة للخروج نحو السلم الأهلي. وهو شكّل بهذه الصفة، بوابة العبور نحو الحلول التي علينا نحن، كل من خلال موقعه، في الحكم كما في المعارضة، المساهمة في صنعها«. »إن هذه المساهمة، لا يمكن أن تكون فعالة وصائبة ما لم تأخذ بالحسبان العبرة من الماضي، وان ما تحقق حتى الآن يعتبر جزءا أساسيا من الطريق، وأهمّه ان خياراتنا الاستراتيجية في تمييز الشقيق وتحديد العدو، كما في مواجهة استحقاقات المرحلة، دعما للمقاومة ورفضا لمناورات الاستفراد، هذه الخيارات لم تعد موضع جدال أو نقاش أو انقسام. إلا أن كل ذلك لا يمكن ان يشكل قاعدة استقرار أو اطمئنان، ما لم يكن مدعوما بقيام دولة الى جانبه، ولا تقوم دولة ما لم يكن القانون ركيزتها والمؤسسات بنيانها«.
جبل لبنان
الى ذلك، أقامت محافظة جبل لبنان أمس الأول، في مسرح »الايفوار« سن الفيل مهرجانا احتفاليا في الذكرى العاشرة لإقرار وثيقة الوفاق الوطني . بعد كلمتين لكل من رئيس المنطقة التربوية في جبل لبنان كابي أسطون والدكتور مارون يزبك تحدث المحافظ عدنان دمياطي فقال: »اعتبر المراقبون والسياسيون العرب والأجانب الطائف بأنه قد لا يرضي الأطراف المتنازعة ولكنه الفرصة الوحيدة المتاحة للخروج من دورة العنف. أما نحن فإن هذا الاتفاق سيبقى بالنسبة لنا محطة تاريخية عظيمة الأهمية في حياتنا الوطنية لما حفلت به من إصلاحات تشق طريقها بخطوات ثابتة في هذا العهد الميمون بتعاون وتنسيق كاملين مع الشقيقة سوريا«.