غسان سلامة :الإجماع حول "المبادرة العربية" عزّ مثيله في التاريخ أعتقد أن النظام كما تمت ممارسته بعد اتفاق الطائف لا يمثل روح الطائف على الإطلاق

النوع: 

يبدو الوزير والسياسي اللبناني المخضرم وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة "السوربون" الفرنسية الدكتور غسان سلامة وكأنه قد ادار ظهره الى طبقة وصفها ب "البالية" وهي الطبقة السياسية في لبنان بينما يرى فئة أخرى اصيبت ب "الشيزوفرينيا" وهم فئة الشباب.

يقول الدكتور غسان سلامة في حديث ل "الرياض" ان اللبنانيين يعيشون في قرنين مختلفين فهم يعايشون نظاماً حديثاً وتكنولوجيا متقدمة في جميع المجالات وعلى النقيض الاخر يعيشون في ظل نظام سياسي وضعه العثمانيون.

ويرى الدكتور سلامة عندما يتحدث عن حرب "تموز" انها حرب ناقصة انتصر فيها الجيش اللبناني والشرعية الدولية متمثلة في قرار (1701).

ويعرج المستشار السابق للأمين العام للامم المتحدة على المحكمة الدولية ونظامها الذي على حد قوله قد اشبع مفاوضات ولم تبق دولة لم تستفسر عنه وانه درس فوق الطاولة ولم يتبناه عقل مسيس.ويتحدث د. سلامة وهو الذي كان المسؤول عن قمة بيروت والناطق باسمها بأن اجماع العرب حول المبادرة العربية قد عز مثيله يف تاريخ العرب الا ان الهجوم الاسرائيلي وارتكاب مذبحة جنين وعدم حماسة بعض الدول ازهقا روح قمة بيروت.

وفي نظرة اقليمية للوضع العربي وبروز ايران كقوة اقليمية ذات طموح نووي، يشير في هذا الشأن الدكتور غسان سلامة الى ان الاطار العربي افرغه العرب وملأته ايران التي اصيبت "بالتخمة" وساعدتها في ذلك الولايات المتحدة الامريكية التي قضت على عدوين لدودين لايران وهما العراق وافغانستان.

ويبدي الدكتور غسان سلامة رأيه في تأثيرات انتخابات الكونغرس الامريكي وتقرير لجنة "بيكر وهاملتون" الذي فعل فعلته - كما يقول - في الاستراتيجية الامريكية وان الادارة الحالية تعيش حالة ارتباك بين واقعية بوش الاب والتيار الحالي.

فإلى نص اللقاء:-

*شاهد العالم حرب تموز في الصيف الماضي وما خرجت به، من انتصر في هذه الحرب ومن خسر، ولماذا كانت الحرب؟

-انا لا اجد منتصرين في هذه الحرب، هناك من ادعى الانتصار فإسرائيل تقول انها انتصرت لانها دمرت جزءا كبيرا او تعتقد انها دمرت جزءا كبيرا من امكانيات حزب الله والأخير يقول انه سجل انتصارا كبيرا على اسرائيل لانه منعها من ان تصل الى النتائج التي كانت تسعى للوصول اليها، لكن في حقيقة الامر اذا نظر المرء الى تفاصيل ما حدث في الصيف ليس خلال الحرب، فالمقولة القديمة تقول "ان اولى ضحايا اي حرب هي الحقيقة" خلال الحرب هناك اعلام واعلام مضاد يغطي غبار المعركة وحقيقتها، لكن اليوم وبعد انقضاء نصف عام على هذه المعركة، يمكن القول ان اسرائيل خسرت جزءا كبيراً من هيبتها العسكرية بمعنى انها واجهت ممانعة ومقاومة ربما لم تكن تتصورها ولم يؤد ذلك الى نتائج سياسية كالتي كانت تسعى اليها وحزب الله ايضاً خسر جزءا لا بأس به من امكانياته وخسر خصوصاً حرية التحرك في جنوب لبنان على عمق حوالي 25كيلومترا من الحدود مما يفقده جزءاً كبيراً من شرعية احتفاظه بالسلاح، ولكن الخاسر الاكبر برأيي كان عموم اللبنانيين الذين تأذوا كثيراً من الحرب، اما بسبب القتلى الذين سقطوا والجرحى او باستهداف اسرائيل للبنية التحتية اللبنانية ولعدد كبير من المنازل التي في مجملها لم يعد بناؤها بعد، فبالتالي انا لا ارى مجالا لاي طرف لكي يقول بصريح العبارة انها كانت معركة رابحة، خسرت اسرائيل فيها ولا اعتقد ان حزب الله ربح فيها واعتقد ان اللبنانيين خسروا كثيراً فيها، وتبدو هذه الحرب بعد مرور بعض الوقت عليها وكأنها "حرب ناقصة" ماذا تعني هذه الكلمة؟ هي الحرب التي لا تؤدي الى تغيرات استراتيجية عميقة وتبقى احياناً وكأنها لم يسمح لأي طرف بأن يغير حقيقة من المعطيات التي كانت قائمة قبل نشوبها، التطور الوحيد المهم في هذه الحرب هو في صدور القرار (1701) وهو المتغير الحقيقي الوحيد في رأيي اولاً لانه يحدد منطقة في جنوب لبنان ويضعها في عهدة القوات الدولية، وثانياً لانه يدفع للمرة الأولى بنوعية خاصة من القوات الدولية لديها امكانيات اكبر بكثير من القوات الدولية التي كانت قائمة قبل ذلك من دبابات واسلحة وما شابه، بينما القوات التي كانت منتشرة في جنوب لبنان بين سنة 1978وصيف السنة الماضية كانت قوات فصل وبالتالي لم تكن مؤهلة او معززة الآن لدينا ( 15ألف) عسكري دولي لديهم عدد كبير لان المنطقة لا تتجاوز ألفا وثلاثمائة كيلو متر مربع، قوى الاساس فيه اوربية وهناك عدد من الدول الإسلامية غير العربية مثل ماليزيا واندونيسيا، فهناك تطور نوعي في حالة نجاحه في مهمته المتمثلة في استتباب الامن في جنوب لبنان، قد يؤدي ليس فقط لاتمام المهمة التي جاء من اجلها في جنوب لبنان ولكن ايضاً ان يصبح نموذجا لما يمكن ان يحصل في مراحل ثانية اذا حصل انسحاب اسرائيلي من الضفة الغربية او في قطاع غزة او لما قد يحصل ايضاً في مرحلة اكثر ابتعاداً في العراق، بمعنى ان هذا الحجم وهذه النوعية للقوات الدولية غير المسبوق في منطقتنا من العالم هو رهان كبير في حالة فشله فهو كارثة كبيرة على الشرعية الدولية وفي حال نجاحه قد يصبح نموذجاً لمراحل ما بعد القتال في فلسطين والعراق

العنصر الثاني المهم هو انه بعد غياب خمسة وثلاثين عاماً للجيش اللبناني عن منطقة الجنوب فإن الحكومة اللبنانية قد اتخذت قراراً بنشر الجيش اللبناني في الجنوب وقد نشر فعلاً خمسة عشر ألف جندي لبناني جنوب الليطاني، طبعاً هؤلاء الجنود ليس لديهم الامكانات والمعدات الموجودة لدى القوات الدولية لاسيما الأوروبية منها ولكن عودة الجيش اللبناني لجنوب لبنان أمر من الناحية السياسية في غاية الأهمية، لذلك ان كان من منتصر برأيي ولو بشكل نسبي وحتى وإن كان حول انتصاره شكوك فالمنتصر الأول هو الجيش اللبناني وهو الشرعية الدولية من خلال القرار (1701) ويونيفيل 2المنتشرة الآن في جنوب لبنان.

* لو تحدثنا عن موضوع آخر، وهو المحكمة الدولية وما يثار حولها من أقاويل أبرزها تسييس هذه المحكمة، هل من المنطق أن تسيس محكمة دولية باتجاه أو آخر؟

-أنا لا أعرف ماذا يعني هذا التعبير على الاطلاق كلما اسمع هذا التعبير لا أفهم محتواه، أولاً يتعرف عدد كبير من المعلقين ومن القادة العرب وكأن المحكمة الدولية الخاصة للجرائم التي اقترفت في لبنان أمر مبتكر أو بدعة جديدة هناك أمثلة متكررة ومتعددة لمحاكم دولية منذ محاكم "نوغبرغ" غداة الحرب العالمية الثانية إلى المحكمة الدولية الخاصة بجرائم البلقان إلى المحكمة المختصة بمنطقة البحيرات الكبرى في وسط افريقيا إلى المحاكم في سيراليون وليبريا وأخرى في كمبوديا، اشعر في الجدل القائم أحياناً وكأن هناك ابتداعاً أو ابتكاراً جديداً، بينما هنالك اتجاه حالياً متزايد لتدويل عدد من حالات العدالة الدولية خصوصاً عندما تبدو الدولة المعنية عاجزة عن أن تستعمل قواها الذاتية أي جهازها العدلي الخاص لمتابعة قضية كبيرة أو حساسة كما هي الحال مع جهاز الدولة اللبناني، إذن ليس هناك من جديد هذا أمر يجب ان يدخل في كل الأذهان ما هو حاصل بالنسبة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان هو مجرد تكرار لنماذج أخرى سابقة.

ثانياً ماذا يعنى بالتسييس يعنى بالتسييس انه يتعلق بالتحقيق فالتحقيق قد يكون مسيساً أنا لا أضمن ان يكون كل محقق، ولكن هذا لا يعني ان ما يقوم به الشرطي عندما يقوم بالتحقيق في حادثة ما، هو تماماً ما سيقبل به القاضي فالأخير أمر مختلف والقضاة الذين يعملون حالياً في مختلف المحاكم الدولية اجمالاً ينتمون إلى دول مختلفة وأعين العالم منصبة عليهم وبالتالي هم يشعرون اجمالاً بأن امكانية الخطأ لديهم أو الانحياز مراقبة أكثر مما لو كانوا يعملون داخل الأجهزة العدلية في بلدانهم وبالتالي فهم حريصون تماماً على ان لا يؤدي اشتراكهم في محكمة دولية إلى شيء من هذا النوع، الموضوع الثالث المهم المتعلق بالمحكمة الدولية هو أن نظام هذه المحكمة لم يأت من فراغ لقد أشبع درساً في مفاوضات دامت أكثر من عام وهنا اتحدث ليس كلبناني وإنما كمستشار سابق للأمين العام للأمم المتحدة، وأنا أعلم كم عمل الجهاز القانوني في الأمانة العامة للأمم المتحدة وكما استنفذت هذه المحكمة من وقته لأنه لم يبق دولة لم تأت تستفهم عن كل مادة من هذه المواد وتناقشها، فقد أشبع درساً من خلال المفاوضات بين الأمانة العامة وبين الحكومة اللبنانية وأيضاً مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التي جاءت كلها بأفكار وتناقشت فيما بينها، وكان هناك أخذ ورد دام حوالي العام قبل التوصل إلى النظام الحالي لهذه المحكمة وبالتالي لم يتم الأمر تحت الطاولة أو لم يتم تبني النظام من عقل مسيس وكل شيء كان مكشوفا وكنا على علم في الأمانة العامة بتطور المفاوضات خطوة بخطوة مع وجود خبراء قانونيين جاءت بهم كل الدول الأعضاء قبل أن يصوت مجلس الأمن وهناك دول اهتمت مباشرة مثل روسيا والتي جاء منها خبراء قانونيون روس وناقشوا تفصيلاً مادة بمادة كل عناصر نظام المحكمة، لذلك ربما ينقص القادة أو بعض المراقبين الاهتمام بعملية إنشاء هذه المحكمة، من حيث هي نوع من تكرار لمحاكم أخرى قائمة حيث انها اشبعت درساً في مفاوضات كلها فوق الطاولة وشفافة بين مختلف الدول وثالثاً بسبب انخراط واسع للجهاز القانوني في الأمم المتحدة في عملية صياغتها.

* وما معنى أن تكون المحكمة الدولية تحت البند السابع؟

-في تراث الأمم المتحدة هناك نوعان من المحاكم الأولى تتم بالتفاهم مع الدولة المعنية مثل كمبوديا، ومحاكم تتم بدون تفاهم مسبق مع الدولة المعنية، مثلما حصل مع صربيا وموضوع محكمة الجرائم التي ارتكبت في البلقان وهذا الأمر من الأفضل ان تكون الدول المعنية موافقة، ولكن هذا ليس شرطاً مسبقاً لإنشاء هذا النوع من المحاكم كما حصل في محاكمة "ميلوسوفيتش" التي أقرها مجلس الأمن الدولي سنة 1999بدون أن يكون هناك موافقة من صربيا عليها، من الأفضل من الناحية المعنوية ان توافق الدولة على هذا الأمر ولكن هذا ليس شرطاً مسبقاً، عندما نقول الفصل السابع فمعناه ان هناك عودة لمجلس الأمن الدولي.

لاتخاذ قرار جديد، القرار الموجود حالياً الذي وافق عليه مجلس الأمن هو قرار بإعطاء الأمانة العامة بأن تتفاوض مع الحكومة اللبنانية على نظام المحكمة كما أقرها مجلس الأمن في حال حصلت معارضة شرسة داخل لبنان وفي حال لم تتوصل المؤسسات اللبنانية إلى تبني هذه المحكمة فيمكن آنذاك لمجلس الأمن الدولي أن يعود ويقر نظام المحكمة بقرار جديد وبحاجة لقرار جديد مما يشير إلى أمرين الأول هل سيحصل اجتماع أو ستحصل أكثرية واضحة كما حصل بالنسبة للقرار السابق، فهذا القرار فاز بالإجماع وليس بالأكثرية، هل هناك اجماع على قرار بمحكمة بدون موافقة الحكومة اللبنانية أو مؤسسات دستورية لبنانية، وثانياً: إذا لم يكن هناك من إجماع كما في السابق هل هناك على الأقل أكثرية للمضي في هذا الاتجاه أو حل إحدى هذه الدول أو تلك لأسباب ربما تتعلق بلبنان أو ربما تتعلق بأمور أخرى قد تمارس حق النقض، الأمر الآخر ويتعلق بمضمون القرار الجديد بمعنى هل أن مجلس الأمن الدولي سيصوت على نظام المحكمة كما هو أم أنه سيقر آنذاك محكمة من نوع مختلف وهو سيد نفسه آنذاك عندما يتخذ قراراً بالتصويت مجدداً بإنشاء محكمة دون العودة للمؤسسات اللبنانية فإنه سيد نفسه، فقد يقرّ نفس النظام السابق أو قد يعتبر أن النظام السابق لأنه نظام مختلط، النظام المقر حالياً للمحكمة في مجلس الأمن نظام مختلط هو نظام دولي ولبناني في نفس الوقت مثل محكمة الجرائم في كمبوديا أيضاً نظام مختلط بمعنى أن هناك قضاة لبنانيين يتعاملون مع القضاة الدوليين أن هناك تطبيقا للقانون الجزائي اللبناني ولكن من قبل قضاة دوليين يعني ان هناك نوعا من اختلاط، هل أن مجلس الأمن في حال عادوا اجتمع وأقر المحكمة الدولية بدون العودة للمؤسسات اللبنانية هل سيقر نفس النظام المختلط الذي أقره المرة السابقة أم سيقر نظاما مختلفاً هذا أيضاً عائد لمجلس الأمن والمفاوضات التي ستتم آنذاك داخل مجلس الأمن.

* برأيكم، ما هو الحل في انتهاء مشاكل لبنان، هل إلغاء المحاصصة الطائفية حل إلى ذلك؟

-تعبير المحاصصة الطائفية ليس دقيقا هو في الواقع ومنذ إقامة نظام جبل لبنان سنة 1861م، أي قبل إنشاء الكيان اللبناني الحالي، وقبل إنشاء الدستور اللبناني الذي حصل آنذاك، هو أن السلطنة العثمانية بالتوافق مع بعض القوى الأوروبية الفاعلة أقرت نظاماً لجبل لبنان سنة 1861م، أي قبل 250عاماً يقوم على إنشاء مجلس إداري، هذا المجلس لكي يسود الوئام بين مختلف الفئات اللبنانية ولا تعتبر فئة لبنانية أنها مغبونة كان المجلس الإداري يقوم على تمثيل لمختلف الفئات آنذاك في جبل لبنان وهذه الفئات مثلت في المجلس الإداري، عندما أنشىء الكيان اللبناني 1920م، وجاء الدستور اللبناني 1926م أخذ بهذا الأمر بما كان قائماً فيما يسمى "متصرفية جبل لبنان" سنة 1861م وبقي الأمر قائماً وأدخلت طوائف جديدة لم تكن موجودة في جبل لبنان وإنما خارجه في البقاع والجنوب وأدخلت داخل التركيبة الطائفية الجديدة، بقي هذا الأمر مستمراً رغم عدد من الانتكاسات الطائفية سنة 1952م ومجدداً سنة 1975م، عندما جاء وقت اتفاق الطائف اتفاق الخروج من الحرب الأهلية الطاحنة التي عصفت بلبنان لفترة 14عاماً، كان هناك من يبحث آنذاك عن النظام الأمثل للبنان، لكن كما تعلم في حل النزاعات أنت لا تبحث عن الحل الأمثل، عندما تكون مسؤولاً عن حل نزاع وأنا كان لي الشرف بأن أشترك في التفكير بما آل إليه اتفاق الطائف والاسهام فيه، لم يكن السؤال القائم آنذاك ما هو النظام الأمثل للبنان المجتمعات تبحث عن النظام الأمثل عندما تكون في مراحل هادئة أو مسالمة ليس عندما يكون هاجسها الأول الخروج من حرب طاحنة، عندما تكون أمام تحدي حل نزاع معين يكون هدفك الأول والآني هو دفع الفئات المتحاربة إلى نزع سلاحها وإلى الدخول في لعبة سياسية مؤسسية وليس في لعبة الحرب الأهلية، لذلك بما أن الفئات آنذاك

كانت الى حد كبير، ذات لون طائفي فاقع كان هناك ميليشيا مارونية بقيادة سمير جعجع واخرى درزية بقيادة وليد جنبلاط وثالثة شيعية بقيادة نبيه بري.. وتم الاقرار بأننا لن نتمكن من اقناع هذه الفئات المعسكرة من نزع سلاحها وتسليم سلاحها للجيش اللبناني إلا وفق أمرين: الاول هو الابقاء على التوزيع الطائفي للمناصب.. وثانياً: تصحيح هذا التوزيع بشكل يأخذ بعين الاعتبار النمو الديموغرافي غير المتساوي لمختلف الفئات اللبنانية.. لكن كان الامل كبيراً وكانت هناك بنود في اتفاق الطائف تقول انه عندما تسلم هذه المليشيات اسلحتها وعندما يتوقف هذا التخندق الطائفي ماذا يجب ان يحصل هو ان يبدأ اللبنانيون بالتفكير في نظام سياسي آخر، ويبدأوا في البحث عن نظام سياسي آخر لا يقوم على هذه المحاصصة الطائفية، المشكلة آنذاك واعتقد ان هذا من الامور القابلة للنقاش في اتفاق الطائف هو ان المليشيات ضغطت بأن تبدأ عملية ازالة البنى الطائفية من مجلس النواب اللبناني، انا اعتقد اليوم ان هذا كان خطأ، اعتقد من تجربتي في لبنان والعراق وفي عدد من النزاعات الاخرى ان المجالس التمثيلية خصوصاً عندما تكون هي المجالس الوحيدة التي ينتقيها الشعب بانتخاب مباشر على عكس مثلاً رئيس الجمهورية الذي لا ينتخب من الشعب مباشرة في لبنان يجب ان تكون آخر المؤسسات التي يتم فيها الغاء التمثيل الطائفي لكن كان يجب البدء في سبع عشرة سنة الماضية التي تفصلنا اليوم عن اتفاق الطائف بالغاء الطائفية السياسية من الادارة العامة وهذا لم يتم، ثم الغائها من السلطة التنفيذية (الحكومة - الرئاسات) وهذا لم يتم ويمكن ان تقول انه خلال هذه المرحلة الانتقالية التي تقوم فيها بالانتقال من نظام الى آخر يمكن ان نطمئن الناس الخائفين من ان يخسروا مزاياهم داخل النظام بإبقاء الهيئات التمثيلية ممثلة لمختلف عناصر الشعب ريثما تقوم بنزع الطائفية من الادارة العامة ومن السلطة التنفيذية وصولاً الى السلطة التشريعية هذا لم يحصل في واقع الامر حصل العكس وهذا ارجع لبنان الى الوراء وهذا امر مؤسف لانه اعتقد ان النظام كما تمت ممارسته بعد اتفاق الطائف لا يمثل روح الطائف على الاطلاق بل تم التلاعب اليومي تقريباً من كل الناس، من قبل اللبنانيين كما من قبل السوريين بروحية الطائف وبنصه وتم احياناً اعلان دفن اتفاق الطائف وتم احياناً التلاعب فيه وتأجيل تنفيذ عدد من عناصره واشياء من هذا النوع اساءت.. يعني بدل من ان يقوم اللبنانيون بالاستفادة من مراحل الامن والسلم الذين نعموا بها الى حد ما في العقد والنصف الذي تلا اتفاق الطائف، قاموا بعكس ذلك تماماً، لذلك عندما ذهبت الى العراق كان ندائي لاخوتنا العراقيين بأن تتعلموا من لبنان بألا تدخلوا في مأزق المحاصصة الطائفية.. لكن لسوء الحظ حصل تماماً العكس هنا ايضاً ودخلنا في العراق فيما هو اشنع مما هو قائم في لبنان، في لبنان اليوم فئة الشباب وهي الفئة التي تهمني اكثر من الطبقة السياسية البالية الموجودة في لبنان، هذه الفئة الشابة تعيش نوعاً مما يسمى في علم النفس التحليلي مرض "الشيزوفرينيا" أي الانفصام بالشخصية لماذا؟ لأنها داخل نظام تربوي وجامعي وإعلامي ومعرفي متقدم جداً موجود تماماً في القرن الواحد والعشرين وتنتمي الى نظام سياسي هو من بقايا القرن التاسع عشر، فمن الظلم ان تضع مجتمعاً ما وخصوصاً مجتمعاً شاباً في قرنين مختلفين في نفس الوقت، نظام سياسي من القرن التاسع عشر انشأه العثمانيون سنة 1861م وعاد اللبنانيون انتاجه سنة 1920- 1926- 1943عند الاستقلال وايضاً في اتفاق الطائف، وتضعهم من ناحية اخرى في اقصى درجات الحداثة في القرن الواحد والعشرين، فيما يخص التعليم والتربية والإعلام والحريات والنظام المصرفي وايضاً هذا الانفتاح العجيب الذي يؤمنه - والعرب ينسون ذلك كثيراً - وهو ان اللبنانيين يعيشون بحالة يومية في تواصل مع الانتشار اللبناني في العالم، فاللبناني الذي يعيش في نيويورك او في سيدني او باريس يعيش بصورة يومية مع الحالة اللبنانية، اذن يعيشون في مجتمعات متقدمة، فيها انظمة سياسية متقدمة ولكن عندما يأتي هؤلاء الى لبنان يصدمون بهذا التناقض الفظيع بين تطور هائل في بعض عناصر الحياة المجتمعية والسياسية والفنية والثقافية وما شابه وبين هذا الابقاء الكسول لمؤسسات سياسية ربما لم تعد تجاري تقدم اللبنانيين أنفسهم في عدد كبير من المجالات الاخرى.

الكاتب: 
ايمن الحماد
التاريخ: 
الثلاثاء, مارس 13, 2007
ملخص: 
تعبير المحاصصة الطائفية ليس دقيقا هو في الواقع ومنذ إقامة نظام جبل لبنان سنة 1861م، أي قبل إنشاء الكيان اللبناني الحالي، وقبل إنشاء الدستور اللبناني الذي حصل آنذاك، هو أن السلطنة العثمانية بالتوافق مع بعض القوى الأوروبية الفاعلة أقرت نظاماً لجبل لبنان سنة