ايلي سالم يتذكر : خدام طالب بتجريد رئيس الجمهورية من كل سلطة اذا كان مارونياً فسأله مورفي: "هل يستطيع الرئيس أن يملك سريراً للنوم عليه" ؟ الشرع : بلاد الشام تضم سورية والاردن ولبنان وفلسطين (17)
يكشف الدكتور ايلي سالم نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اللبناني السابق، في هذه الحلقة السابعة عشرة من مذكراته التي تنشرها "الوسط"، معلومات جديدة ومهمة عن الحوار الاميركي - السوري حول اجراء اصلاحات في النظام السياسي اللبناني وحول انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس امين الجميل.
وقد شغل ايلي سالم منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية اللبناني في عهد الرئيس الجميل وكان مستشاره للشؤون السياسية والاتصالات العربية والدولية. وشارك سالم طوال عهد الجميل من أيلول - سبتمبر - 1982 الى ايلول - سبتمبر 1988 في صنع القرارات السياسية التي اتخذت خلال هذه الفترة، وفي الاتصالات المختلفة اللبنانية - العربية واللبنانية - الدولية، واطلع على مجموعة كبيرة من الاسرار المتعلقة باسرائيل ومخططاتها في لبنان، وبسورية، وبالولايات المتحدة والدول الكبرى الاخرى وبالفلسطينيين، والايرانيين، وبدول عربية اخرى لعبت ادواراً مختلفة في الساحة اللبنانية. من هنا اهمية مذكراته هذه التي تكشف اسراراً ومعلومات جديدة ليس فقط عن لبنان وصراعات القوى المختلفة فيه، بل ايضاً عن منطقة الشرق الاوسط. وقد حصلت "الوسط" من الدكتور ايلي سالم على حقوق نشر مذكراته هذه، على حلقات، في المجلة. وفي ما يأتي الحلقة السابعة عشرة من هذه المذكرات:
في 3 نيسان ابريل 1988 التقيت في صالون الشرف في مطار لارنكا قبرص ريتشارد مورفي مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط والديبلوماسية ابريل غلاسبي المكلفة متابعة الملف اللبناني في وزارة الخارجية الاميركية. كان مورفي وغلاسبي عائدين من دمشق حيث ناقشا مطولاً مع نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام مشروع الاصلاحات السياسية الذي اعده فريق الرئيس امين الجميل. قال لي مورفي وغلاسبي ان خدام اصر على تحديد مهلة زمنية معينة لالغاء الطائفية السياسية في لبنان والا فان هذا البلد سيعاني منها سنوات طويلة. كان خدام يتكلم عن الغاء الطائفية باقتناع وانفعال. ويستطيع المرء ان يعرف اذا كان خدام يتكلم من قلبه او يؤدي دوراً ما لجعل الآخرين يتكلمون او لايقاعهم في الشرك. ووافق خدام اخيراً على الغاء الطائفية من دون مهلة زمنية، على رغم معارضته المبدئية لذلك. وبرأيه فان رئيس الجمهورية اللبنانية يجب ان يجرد من اية سلطة طالما كان مارونياً. وسأله مورفي: "هل يستطيع ان يملك سريراً للنوم عليه؟". كان خدام ضد اطلاق لقب "القائد الاعلى للقوات المسلحة" على رئيس الجمهورية، لأن الرئيس الماروني سيميل الى محاباة الطائفة المارونية. وعندما قال له مورفي ان هذا اللقب رمزي، غضب بشدة وقال ان القاباً من هذا النوع ادت بالبلاد الى الخراب. واستنتج مورفي ان خدام كان يفكر بالرئيس الجميل عند بحثه سلطات رئيس الجمهورية. وعندما ذكر مورفي السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية في الاتفاق الثلاثي رد عليه خدام بأنه لا يستطيع العودة الى اتفاق ميت واختيار ما يريد منه. اراد خدام ان يشارك رئيس مجلس النواب مع رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة، وقال ان هذا سيعطي صدقية اكبر للعملية، كذلك لم يرد ان يشارك رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة لان ذلك شيء غريب.
استند الموقف الاميركي آنذاك حيال عملية المشاركة في السلطة في لبنان الى مبدأين: الأول ان اضعاف رئاسة الجمهورية يضعف امكانية اعادة اللحمة الى لبنان. والثاني، ان اعادة بناء لبنان تحتاج الى صيغة سياسية تختلف عن صيغة عام 1943. كنا موافقين على هذين المبدأين تماماً. وقلت لغلاسبي في 20 نيسان ابريل حول مسألة الحفاظ على بعض صلاحيات رئيس الجمهورية الآتي: "نحن نريد لبنان دولة عربية تستطيع الطوائف المسيحية الشعور فيها بالحرية والمساواة وبأنها قادرة على الوصول الى السلطة. ويجب ان يكون لهذا الشعور ضمانات والا سيكون من دون معنى. ورئاسة الجمهورية هي الضمانة الوحيدة، ويجب ان تكون لها سلطات لانها رمز الوجود المسيحي في لبنان".
الرئاسة والضحك
كنا حذرين جداً اثناء زيارات مورفي وغلاسبي الى بيروت. ففي حال تسريب معلومات عن وصولهما في تاريخ محدد فانهما يلغيان الزيارة. وكانت غلاسبي خصوصاً تعي خطر القدوم الى بيروت بواسطة الطوافات المروحية. وكانت تقول عن ذلك: "انا مستعدة لركوب المخاطر ولكن ماذا عن الطيارين المساكين؟". بدأت الولايات المتحدة العملية بشكل ديبلوماسي هادئ، ولم ترد الانشغال بها علناً، لكن الامر لم يستمر كذلك اذ اصبحت العملية مكشوفة، ثم صارت ديبلوماسة مكوكية، في الوقت الذي كان تحرك الاميركيين في منطقة الشرق الاوسط يشكل مخاطرة كبيرة بسبب موجة الخطف.
وفي اوائل ايار مايو 1988 أمضت غلاسبي شهراً في دمشق. وبحثت حاجة لبنان الى حكومة ينسجم اعضاؤها مع بعضهم البعض ويديرون الشؤون اليومية ويشرفون على انتخابات رئاسة الجمهورية، وقالت انه في حال عدم تشكيل حكومة من هذا النوع يجب على اعضاء الحكومة الحالية ان يلتقوا، وان يتم احراز تقدم في شأن الاصلاحات، واعدت غلاسبي ورقة بتاريخ 2 أيار مايو 1988، استناداً الى محادثاتي معها في واشنطن، وصاغت فيها آراءنا حول المشاركة في السلطة والغاء الطائفية. وعن المشاركة في السلطة اشارت الى ان رئيس الجمهورية والوزراء يستطيعان ترؤس جلسات مجلس الوزراء. ويمكن لرئيس الجمهورية فعل ذلك متى يشاء شرط ان لا يصوّت خلال الجلسات. وكان موقف غلاسبي حيال مسألة الغاء الطائفية يتطابق مع آرائنا في شأن الالغاء التدريجي من دون اية مهلة زمنية. واقترحت عقد لقاء بين القادة اللبنانيين لوضع اسس الاصلاح بشكل نهائي على ان يحضره ممثلون اميركيون وسوريون. لكن اهتمامات سياسية اكثر الحاحاً برزت فجأة وحالت دون حصول غلاسبي على جواب على ورقتها.
ولم اعد انا مهتماً بمتابعة الجانب المتعلق بالاصلاحات في المفاوضات لأنني كنت مقتنعاً منذ مدة بأن السوريين لا يثقون برئيس الجمهورية ولا يرغبون بالتوصل الى اتفاق يقويه في آخر عهده. وتركز اهتمامي في المفاوضات على تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية ومواصلة عملية الاصلاح شكلياً حتى لا يقال اننا اقفلنا الباب. ووافقت غلاسبي على ما خلصت اليه وعلى تركيزي على تشكيل حكومة جديدة في حزيران يونيو 1988 عندما تكون معركة انتخاب رئيس للجمهورية حامية الوطيس. كانت مقتنعة ان سورية تريد ان تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها لانها تفضل التعامل مع حكومة شرعية. وكنت مقتنعاً بأنه لا يمكن تشكيل حكومة او انتخاب رئيس للجمهورية من دون التشاور والتعاون مع سورية.
وحسب كلام غلاسبي، كانت سورية راغبة باقامة حوار مستمر مع الولايات المتحدة التي كانت تريد ذلك ايضاً. واما لبنان فسيكون جزءاً من الحوار. وأضافت ان الولايات المتحدة تملك بعض النفوذ في سورية وعند الضرورة يتدخل الرئيس ريغان ويكتب الى الرئيس الاسد، ولهذا لا بد من تأمين استمرارية الحوار لأنه يعطي نتائج. وقد حدث ذلك اثناء اختطاف طائرة "تي.دبليو.اي"، وكان الاسد متعاوناً جداً آنذاك. واما عن مسألة انتخاب رئيس للجمهورية فقال لي نائب رئيس البعثة في السفارة الاميركية في بيروت دان سمبسون ان الولايات المتحدة غير متمرسة في هذا المجال، فهي لا تعرف شروط اللعبة، والخطوط التي يضعها جميع اللاعبين، اي سورية واسرائيل و"القوات اللبنانية" والرئيس الجميل. وقال سمبسون: "استطيع ان اتصور محادثاتنا مع سورية في هذا الشأن. سيقترح السوريون سليمان فرنجية وايلي حبيقة، وعندها سننفجر بالضحك. وبعد ذلك نقترح سمير جعجع، فيضحكون هم بدورهم. ونستمر في هذه اللعبة حتى يتوقف الضحك". ولم اشك في قرارة نفسي ابداً بأن الضحكة الاخيرة ستكون لسورية. وكان سمبسون يعتقد ان سليمان فرنجية خرج من الحلبة لانه صار طاعناً في السن و"غير سياسي".
بلاد الشام
طرح سمبسون قضية العماد ميشال عون، كان يعرف ان الرئيس الجميل وقادة "القوات اللبنانية" لا يثقون بعون وان فرصته معدومة بالوصول الى الرئاسة، وشعر ان الرئيس الجميل اراد تشكيل حكومة جديدة لاتخاذ بعض القرارات الادارية، ومن بينها اقالة العماد عون. لذلك اقترح سمبسون ان يعين رئيس الجمهورية عون سفيراً في احدى دول اميركا اللاتينية. ووعدت بأن ابحث هذا العرض مع رئيس الجمهورية الذي رحب بالفكرة على رغم انه شعر بأن الحكومة لن توافق على ذلك ولن تصادق على اي اقتراح يقوم هو به. وقال: "اذا قلت لهم الجو صاف اليوم فسيقولون لي: كم هو مكفهر هذا اليوم الربيعي!".
عندما تلقينا في 28 أيار مايو 1988 رد المعارضة على ورقة غلاسبي التي وضعتها في 2 ايار مايو، لم نستطع التعامل معها بجدية. كان الرد ايجابياً في معظم نواحيه ولكنه خلا من اية منهجية، اذ صيغ بلهجة لا تحمل اي التزام، وتضاربت آراء البعض فيه مع آراء الآخرين حيال السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية. وشعرت ان الرد حمل رسالة صريحة واحدة وهي ان سورية تريد الاصلاحات ولكن ليس خلال عهد الجميل. وفي حزيران يونيو، تغير محتوى العملية لأن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية جعل الجهود تصب في هذا الاتجاه وحده.
انعقد مؤتمر قمة عربي استثنائي في الجزائر بين 7 و10 حزيران يونيو 1988 لبحث الانتفاضة في الاراضي المحتلة. وحضر الجميل هذه القمة وكنت احد الذين شاركوا فيها الى جانبه. افتتحت الجلسة الاولى يوم 7 حزيران يونيو وتهافت المصورون كالعادة لالتقاط الصور. وكالعادة ايضاً، كان لبنان بين ليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية.
جلس العقيد معمر القذافي اثناء قمة الجزائر وقد ارتدى عباءة بيضاء وفي يده اليمنى كف ابيض. وكان يعرض الكف لاثارة التساؤلات. وسأله الرئيس الجميل: "لماذا هذا الكف؟" فأجاب: "كي اغطي جرحاً اصبت به اثناء الغارة الاميركية اللعينة". وقد ابقاه هذا الكف موضع اهتمام، خصوصاً انه كان يناور الصحافيين. كان يقرأ ورقة العمل الكبيرة التي تشبه قائمة الطعام في مطعم ويرفعها ببطء حتى تغطي وجهه تماماً. ودفع ذلك المصورين الى القيام بحركات غريبة واختيار مواقع مضحكة على امل الحصول على صورة جيدة له.
خطاب وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في قمة الجزائر اثار اهتمام الكثيرين. وقد رد في خطابه على دعوة فاروق القدومي ابو اللطف رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية الى "احترام استقلالية القرار الفلسطيني".
ومما قاله الشرع في خطابه:
"القضية الفلسطينية ذات اهمية كبرى بالنسبة الى سورية لأن الشعبين السوري والفلسطيني شعب واحد. لذلك فمن الطبيعي ان يكون لسورية مصلحة في المشكلة الفلسطينية تختلف تماماً عن مصالح واهتمامات الدول العربية الاخرى بها. وهناك شيء يدعى بلاد الشام، ويضم سوية والاردن وفلسطين ولبنان. ومنذ ايام الامويين كانت بلاد الشام وحدة سياسية واحدة وقلبها النابض دمشق. هذا هو التاريخ ونحن لا نخترعه، وبقي كذلك حتى قسمت معاهدة سايكس بيكو بلاد الشام الى دول مختلفة. ان معاهدة سايكس بيكو لم تغير الحقيقة بأن الشعب الذي يسكن هذه المناطق الاربع هو شعب واحد يشكل في جوهره كياناً سياسياً واحداً. وهذه المعاهدة هي اكبر انتهاك تاريخي لهذه الحقيقة، ولذلك تقع على شعب هذه المنطقة مسؤولية انهاء هذا الانتهاك واعادة استقلال ووحدة الشعوب التي تشكل بلاد الشام، نحن لا نريد التدخل في الانظمة السياسية الموجودة الآن في بلاد الشام، ولكن من حقنا وواجبنا ان نقول ان القرارات التي تؤثر على شعوب هذه المنطقة لا يمكن اتخاذها من دون الاخذ في الاعتبار موقف دمشق التي تشكل قلب هذه المنطقة النابض. وعلى رغم ان الانتفاضة حدث مهم، وعلى رغم ان للفلسطينيين حقوقاً، لكن منظمة التحرير الفلسطينية والانتفاضة لا تستطيعان التوصل الى تسوية تؤثر على المستقبل السياسي للفلسطينيين من دون رضى دمشق ومشاركتها الفاعلة، هذا موقفنا وهذه ايديولوجيتنا وهذا ما نؤمن به. ان هذا الموقف قد لا يسر بعض اصدقائنا، ولكن من واجب ان اوضح موقفنا كي لا يحصل اي سوء تفاهم. ان مستقبل فلسطين مثل مستقبل الجولان ومستقبل جنوب لبنان يجب ان يحدد في آن لأن هذه القضايا تشكل اجزاء من قضية بلاد الشام الاساسية".
"4 اميركيين يهتمون بلبنان"
لم تتكلل مساعينا في قمة الجزائر بالنجاح حين حاولنا ان نبحث مع الرئيس الاسد مسائل الاصلاحات وتشكيل حكومة جديدة والانتخابات الرئاسية. واجتمع الجميل والاسد معاً بالفعل، لكن الرئيس السوري لم يفسح المجال لأن تتجاوز المباحثات المسائل الشخصية والعامة، وكان ذلك مؤشراً آخر على ان الاسد كان يتطلع الى ما بعد عهد الجميل. وطلب الرئيس الجميل تعاون الاسد في تشكيل حكومة جديدة في لبنان، وهو ما اثار انزعاج الرئيس السوري الذي تساءل عن السبب الذي يدفع الجميل الى ذلك. فأجاب: "لأن الحكومة الحالية تقاطعني منذ ثلاث سنوات. هل سمعت ببلد على وجه الأرض لا تجتمع فيه الحكومة مع رئيس الجمهورية؟" ورد الاسد بابتسامة.
وعلمنا في الجزائر ان الاميركيين والسوريين اتفقوا على الانطلاق من العملية الاصلاحية في لبنان خلال ايلول سبتمبر 1988 وبعد الانتخابات الرئاسية. وحدد الديبلوماسي الاميركي روبرت اوكلي معالم الموقف الاميركي الراهن في عبارات بسيطة: "لقد تحول منحى اهتمام الولايات المتحدة عن لبنان، وأخذت واشنطن تراعي في ذلك الرأي العام الذي توجه الآن نحو الحرب الايرانية - العراقية والمؤتمر الدولي ونزع السلاح النووي والانتخابات الرئاسية الاميركية. ولم يعد هناك سوى القلة في واشنطن ممن يهتمون بلبنان ومنهم: فيليب حبيب وريتشارد مورفي وابريل غلاسبي وروبرت اوكلي. وباستثناء هؤلاء لم يكن هناك احد يهتم باثارة قضية لبنان مع الرئيس ريغان او وزير الخارجية شولتز. فالقوى العظمى تهتم بالقضايا الكبرى كالحرب والسلام. ولبنان لم يعد قضية كبرى، ولا احد في العاصمة الاميركية يعتقد ان لبنان هو محور نجاح السياسة الاميركية في الشرق الاوسط او فشلها. وهناك مصالح اميركية في لبنان، فهو بلد يسوده نظام ديموقراطي، وفيه قطاعات تنتمي الى الطبقات المتوسطة، وفيه اهتمامات ومصالح تجارية مع الغرب، وفيه الجامعة الاميركية في بيروت، وفيه طبقة كاملة من السياسيين ذوي الميول الغربية. وهذه مصالح مهمة، غير ان هناك اموراً اخرى في لبنان لا ترتاح الولايات المتحدة اليها: فهي لا ترغب مثلاً في ان تعيد منظمة التحرير الفلسطينية قوتها في لبنان، ولا ترغب في ان ترى نفوذاً ايرانياً هناك، وتأمل ان يختفي "حزب الله" من اراضيه. وتقر الولايات المتحدة بوجود سورية ونفوذها في لبنان وتريد ان يكون هذا النفوذ ايجابياً بالنسبة الى لبنان، ولا تعرف واشنطن على الدوام كيف تتعامل مع الاسد الذي غالباً ما برهن على انه اذكى من الاميركيين بمراحل، لكنه، على رغم عدم تمخض الجهود الاميركية عن نتائج ملموسة، ترى واشنطن انها يجب ان تستمر. وهناك مصالح لبنانية، كما هناك مصالح اميركية في ذلك، لذا قررت الولايات المتحدة ان تنسق مع سورية بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية اللبنانية عن طريق استغلال "المساعي الحميدة" الاميركية. وجرى التفاهم على ان تفرز العملية ثلاثة اسماء او اربعة تحظى بموافقة عامة، ومن ثم يتقلص العدد، الى اسم واحد".
وقال فيليب حبيب ان هناك تغيراً في الاسلوب السياسي الاميركي منذ الستينيات بسبب تدخل الكونغرس. وقال ان الولايات المتحدة كانت تستطيع عام 1958 ان تقرر من سيكون الرئيس اللبناني، اما اليوم فليس في وسعها اكثر من رسم ملامح الرئيس في لبنان لا تحديد شخصه.
اسم رينيه معوض
في الثامن والعشرين من حزيران يونيو 1988 التقى جوزيف هاشم، مبعوثاً عن الجميل، الرئيس الاسد في دمشق لبحث مسألة انتخاب رئيس جديد. واقترح الاسد ان يرسل اليه الرئيس اللبناني قائمة بثلاثة اسماء تحظى بقبول واسع النطاق ليصبح احدها رئيساً. واشترط ان ترسل تلك الاسماء عن طريق العميد غازي كنعان. وكرر الاسد موقفه السابق في انه لا داعي لتشكيل حكومة جديدة في لبنان. وكان واضحاً للجميع ان على الرئيس اللبناني المقبل ان يحظى بموافقة القوى الفاعلة داخل لبنان وموافقة كل من سورية والولايات المتحدة. كما ان عدم اعتراض اسرائيل يعتبر من الامور التي تسهل عملية انتخاب الرئيس الجديد. وسألني السفير الاميركي في بيروت جون كيلي: "اذا ابلغ المسؤولون السوريون ريتشارد مورفي انهم يريدون رينيه معوض رئيساً للجمهورية فهل سيدعم الجميل معوض؟"
فأجبته: طبعاً سيفعل.
وفوجئ كيلي بجوابي. وحسب علمي لم يكن لدى الجميل اعتراض على احد.
لكنه لم يكن يفضل الرئيس السابق سليمان فرنجية الذي لم يكن يكف عن مهاجمته، ولم يكن يفضل اياً من الموظفين في الدولة بمن فيهم العماد ميشال عون. وكان يرى ان منصب الرئيس هو للسياسيين المخضرمين الذين يستحسن ان يكونوا "من عائلة مرموقة". ومع ان الجميل كان يرغب في مد فترة رئاسته سنتين اخريين لو كان نجح في التوصل الى اتفاق مع سورية والمعارضة اللبنانية، الا انه، حسب علمي، لم يسعَ الى ذلك ولم يُجرِ أية اتصالات جادة مع اية جهة معينة لهذا الغرض. وبذل الفرنسيون جهداً ضئيلاً في هذا الاتجاه ثم تخلوا عن مسعاهم. ولم يكن الجميل في الوقت ذاته متحمساً لأي من الاسماء المرشحة، لكن كانت لديه قائمة بأسماء حوالي ستة اشخاص يمكن ان يزكيهم لو طلب منه ذلك. وحين نقل اليه جوزيف هاشم اقتراح الرئيس الاسد، ابدى استغرابه واعتبر ان من غير المشرف له ان يبعث قائمة اسماء مرشحي الرئاسة اللبنانية عن طريق العميد كنعان، وكان يريد تسوية هذه المسألة بينه وبين الرئيس الاسد. واذا رغب الاميركيون في الدخول على الخط والمساعدة في هذه العملية فسيكون ذلك مستحباً. وأرسل الجميل ضابطاً في الجيش يوم السادس من تموز يوليو الى العميد كنعان ليبلغه ان الرئيس يدرس اقتراح الاسد وسيرسل اسمين او ثلاثة كما عرض الرئيس السوري.