أي إعلام لبنان لأي مجتمع؟

النوع: 

 

المواطنة مصطلح تثار اليوم وتأخذ حيز من الجدال الفكري والدستوري والإعلامي، وهي من المصطلحات الأساسية تضاف إلى غيرها من المفاهيم كالحرية والديمقراطية، لأنها محور للتوجه السياسي والمطلبي اليوم خاصةً في بعض الدول التي تشهد حروباً أهلية ونزاعات بين مكونات الدولة. لذا، فتحقيق المواطنة ربما يساهم في إنتاج مجتمعات واعية لمصيرها، ومدركة لحقيقتها. فإن المواطنة تعني الولاء والتمسك بالوطن، وإلتزام المواطن بحقوقه وواجباته ضمن دولة مدنية منظمة تقوم على تشريعات قانونية وإعلامية سليمة، وللمواطنة علاقة وثيقة بالإعلام الذي له الدور الأساسي في ترسيخ هذا المفهوم ضمن برامجه وسياسته. من هنا، نظمت كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية مؤتمراً بعنوان “الإعلام والمواطنة والتشريع”، نهار الخميس في 13 آذار 2014 في قاعة الإجتماعات الإدارة المركزية الجامعة اللبنانية المتحف، بحضور وزير الإعلام رمزي جريج، رئيس لجنة الإعلام والإتصالات النائب حسن فضل الله، ممثل الرئيس أمين الجميل شاكر سلامة، رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ، المدير العام لوزارة الإعلام حسان فلحة، عميد كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج كلاس ومدير كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية الدكتور أياد عبيد وحشد من العمداء ومدراء في الجامعة اللبنانية، وعدد من الأساتذة والأكاديميين والطلبة، وحشد إعلامي.

من بعد النشيد الوطني ونشيد الجامعة اللبنانية، كانت كلمة لعريف الحفل مدير العلاقات العامة في إدارة الجامعة الدكتور غازي مراد الذي أشار إلى أن “إعلام وتشريعات إذا ما انتظمت بين هذه وتلك فإن المواطنة تكمن وتقودنا إلى ولاء موحد”.

ثم كانت كلمة عميد كلية الإعلام والتوثيق الدكتور جورج كلاس الذي قال فيها ” نحن هنا، أهل الجامعة اللبنانية، لنسأل ونتساءل: أي موقع لنا في مركزيات السلطة؟ في زمن السؤال الكبير عن السلطة، أي موقع لنا، وظيفة وفلسفة ومسؤولية وممارسة في أي سلطة، تشريعية هي أم تنفيذية، إجتماعية أم أكاديمية، مهنية، بحثية أم إعلامية، أم سلطة افتراضية؟”. وتابع كلاس “بل أي موقع للإعلام والتشريع، تربيةً وتوجيهاً، ومعالجةً وتصدياً؟، للإسهام بوقف التنامي المضطرد للاّمواطنة والتحلل من عقد الولاء للوطن والإلتزام بالقيم في زمن خصخصة المواطنة، ومحاولة تنظيم حصر إرث لها”. وأضاف كلاس أن “كيف لنا في احتفالية إنهيار القيم، وتهديد المواطنة أن نتحرك وأن نحضر من جديد، وألاّ نبقى شهوداً صماً بكماً، في مشهديات التفكك السلطوي، خارج أي طوباوية دستورية، أو مجملات وطنية، مغلّفة بشعارات وقشور ومصطلحات الإستهلاك الوطني…التعددية الإختبارية التي استحالت مع الوقت فدراليات وطنية حيث كل عدد يسعى إلى تقعيد فلسفة خاصة به، وعلى قياسه أو أكثر ودائماً على حساب الوطن الجامع والضامن والنهائي، وقهراً لفلسفة الإنتماء والإلتزام”. وتابع كلاس “نعم مشروعنا الهدف في تعميم مفهوم المواطنة وتأصيلها، أن نرتقي نحن اللبنانيين، بصيغتنا وفرادتها، من رتبة التعددية إلى رتبة التكاملية”.

ثم كانت كلمة رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين الذي تساءل عن “مرجعية الإعلام في الدولة، وهل الإعلام سلطة منفصلة، عن دولة ما، مهما بلغنا من ثورة تكنولوجية؟”. وقال السيد حسين أن “مرجعية الإعلام في دولتنا هي التي تضعها الدولة، وإن البيان الوزاري هو معبر عن السياسة العامة للحكومة، وقد تأكد ذلك خلال اتفاق الطائف، وهذا لا يعني فرض القيود على الإعلام”، مركزاً على معنى المواطنة “الذي نريده للبنان والوطن العربي الممزق”.

ورفض السيد حسين السؤال عن أي وطن نريد، “لأنه موجود ونعرفه، ومقاومته موجودة وستدافع عنه ضد أي عدوان، وكذلك ميثاقنا الوطني نص على تنظيم الإعلام، فهل التزمناه؟ هناك فرق كبير بين سياسة الوطن وسياسة الزاروب، وبين الحقيقة الإعلامية و”السكوب” الذي يخبط على رؤوس أولادنا بتقسيم مذهبي، وهذا أمر معيب لدور لبنان الحضارة”.

وتسأل عن دور الاعلام في مواجهة الارهاب، مطالباً بضبط الإعلام تحت سقف الوحدة الوطنية. وتساءل عن برامج المواطنة في الفضائيات “ولو لساعة واحدة”.

ونوه بالمؤتمر، “خصوصاً لجهة إصدار توصيات لمتابعة ما توصلنا اليه فيه، وكي تكون هذه التوصيات في صلب عمل الحكومة الجديدة”.

ثم كانت كلمة النائب الدكتور حسن فضل الله الذي عرّف المواطنة بأنها أن “هي انتماء إلى وطن بما هو المساحة الإنسانية التي تختزن الترابط العميق في العلاقات بين افراد المجموعة السكانية على البقعة الجغرافية الواحدة، وتجتمع تحت افيائها اللغة الواحدة، والتشارك في التاريخ والتراث والتقارب في القيم والعادات والتقاليد، والتلاقي في المصالح والحاجات والتطلعات”.

وأكد فضل الله أنه “لا يستقيم وطن من دون دولة ترعى سلطاتها شؤونه، وتنظم العلاقات بين افراده وتسهر على حسن سير النظام الاجتماعي، وتكون لديها القدرة على تطبيق قوانينها على أرضها، والدفاع عن سيادتها على اقليمها الجغرافي، وحماية استقلال شعبها وحريته ومصالحه، ورعاية حقوق المواطنة وواجباتها”. متسائلاً هل استطعنا بناء الدولة بمعانيها المعاصرة التي تليق به وبشعبه؟

وتابع فضل الله أن “العودة إلى التاريخ مفتاح لفهم الحاضر واستشراف المستقبل. فأي دولة تأسست في لبنان؟ وعلى أي مبادىء؟ وقال “لقد ظلت فكرة الدولة غائمة، ولم تجد لها أرضية صلبة تبني عليهات مرتكزاتها الدستورية والقانونية والثقافية. ولأن كان التاريخ موضع خلاف والحاضر محل نزاع، فإن المستقبل يبقى غامضا ما دامت فكرة الدولة الواحدة القوية خارج اطار التفاهم الوطني المبني على ثوابت ومسلمات داخلية، وما دامت الروابط الخارجية أقوى من الالتزامات بوحدة النسيج الوطني”.

مشيراً إلى أن “الدولة صار فيها الانتماء للطائفة أقوى من الانتماء للوطن، والمشكلة هنا ليست في هذا التنوع الديني والثقافي، لأنه غنى للبنان، بل هو من ميزات فرادته، ومن واجبنا الحفاظ عليه، لكن المشكلة الحقيقية هي في استغلال أهل السياسة للطائفية والاختباء خلف متاريسها لمنع بناء الدولة على أسس سليمة”. وأضاف فضل الله أن ” حين تخلت الدولة، أو غابت عن القيام بمسؤولياتها، نشأت من صميم فكرة المواطنة بما هي انتماء الى الوطن والتضحية في سبيله ارادة المقاومة التي لم تكن في لبنان وليدة حزب ولا فئة او جماعة، بل هي وليدة الضرورة الوطنية”. مؤكداً أنه “لا يجوز للخلافات السياسية والانقسامات بين القوى والجماعات اللبنانية ان تنسيها المصالح الكبرى والثوابت، كالنظام الديموقراطي، وصيغة العيش المشترك، وحماية البلاد من التهديد الدائم لعدوها الاسرائيلي، وهو ما يفترض أن يتمسك به جميع اللبنانيين حفاظاً على سلامة وطنهم ومنعة بلادهم”.

وتحدث عن التشريع الانتخابي، فقال “من أبرز حقوق المواطنة اختيار المواطنين لممثليهم بحرية وعدالة، من خلال قانون انتخاب عادل… وفي التشريع الإعلامي، لدينا النصوص القانونية التي ترعى الشأن الإعلامي، والكثير منها يحتاج إلى تطوير، أو تجديد، فضلاً عن ملء الفراغ التشريعي، وما زلنا في ورشة دائمة في لجنة الاعلام والاتصالات حول التشريعات الاعلامية، وكان للجامعة اللبنانية مشاركة فيها”.

وتلتها كلمة لوزير الإعلام رمزي جريج الذي قال “يبدو واضحاً أن للأعلام دوراً كبيراً في بلورة مفهوم المواطنة التي هي حجر الزاوية في الدولة المدنية، التي يعتبر قيامها تطبيقا لمبدأ المساواة بين اللبنانيين، وهو المبدأ الذي كرسته المادة 13 من الدستور اللبناني، بقولها إن كل اللبنانيين سواء أمام القانون”. وتابع جريج أن ” أن الدولة المدنية هي تلك التي يكون فيها المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات، وان المواطنة بما تعنيه من وجوب الانتساب إلى الوطن في الهوية والولاء، هي حجر الزاوية في قيام الدولة المدنية.” وتابع جريج ” فالمواطنة الصحيحة تعني الولاء الكلي للدولة بمؤسساتها الشرعية والدستورية، وترفض أن يشاركها في الانتماء والوفاء والالتزام أي شرعية أخرى، خارجية كانت أم داخلية.

كما دعا جريج وسائل الإعلام كافة إلى “الابتعاد عن أي اصطفاف طائفي أو فئوي، والى ترسيخ فكرة المواطنة لدى اللبنانيين وتنميتها، وأتمنى أن يبحث مؤتمر اليوم في سبل أداء الإعلام لدوره على هذا الصعيد. وإنني كوزير للاعلام، أرى أن الإعلام العام أو ما اصطلح على تسميته الإعلام الرسمي، مؤهل أكثر من غيره لتعميم ثقافة الانتماء إلى دولة المؤسسات والقانون ودولة تكافؤ الفرص، كتعبير عملي عن مفهوم المواطنة الصحيحة، مع ما يستتبع ذلك من مبادرات من شأنها توطيد التماسك بين جميع شرائح المجتمع وتثبيت لحمتها، وتشجيع العمل الفردي والجماعي في كل ما من شأنه بناء الوطن، والابتعاد عن كل ما يبرز مظاهر الصراع والخصام في المجتمع، وذلك باعتماده لغة جامعة وموحدة وموحدة في آن معاً”.

ورأى جريج حول الجانب الثاني من عنوان المؤتمر أي علاقة الإعلام بالتشريع “أن للاعلام دورا كبيرا في تحديث التشريع عموما والتشريع المتعلق بالإعلام خصوصاً. وتابع جريج أن “بصورة عامة، لا يقتصر دور الإعلام على الصعيد التشريعي على السعي لتطوير القوانين والأنظمة المتعلقة بالحقل الإعلامي، وإنما يتعداه ليتناول مجمل التشريع … ففي جميع هذه الحالات يعكس الإعلام توجهات الرأي العام، ويضغط، بالوسائل المتاحة له، على السلطات المعنية من اجل إقرار التشريعات التي يحتاجها المجتمع”.

وحاورت “الأنباء” وزير الإعلام رمزي جريج عن دور الإعلام المسؤول في ترسيخ مفهوم المواطنة فأكد أن “للإعلام دور كبير في مفهوم المواطنة باعتبارها أساس الدولة المدنية التي تقوم على المساواة بين جميع المواطنين، فإذن للإعلام دور في بلورة مفهوم المواطنة وفي التصدي لكل محاولة من أجل التفرقة بين المواطنين وشرذمة الوطن إلى فئات متباعدة ومتنافرة”.

كذلك حاورت “الأنباء” رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين وسألته عن دور الجامعة في ترسيخ مفهوم المواطنة فأكد على أن “لها الدور الأول لأنها مؤسسة عامة لجميع اللبنانيين، وهي تدرّس مواد الحقوق والإجتماع وعلم الإقتصاد… التي تساوي بين اللبنانيين والتي تكرّس فكرة المواطنة”، وأوضح ل”الأنباء” حول تعريف المواطنة ” تعتبر المواطنة مساواة بين اللبنانيين أمام القانون والولاء الموحد لدولتهم ولوطنهم”.

 

ثم كانت الجلسة الأولى لأعمال المؤتمر الذي أدارها وطرح إشكالياتها الدكتور في كليتي الحقوق والإعلام في الجامعة اللبنانية جورج يزبك، وتحدث فيها عضو المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرّه عن “الإعلام والمواطنة- الميثاقية اللبنانية”، ورئيس المجلس الوطني للإعلام الأستاذ عبد الهادي محفوظ الذي تناول موضوع “نحو إعلام في خدمة المواطنة”.

ويبقى السؤال متى سيتم تطبيق مفهوم المواطنة، لبناء مواطن حر مسؤول، ودولة مدنية قائمة على الديمقراطية والحرية؟ وفي هذا الإتجاه للإعلام الدور الفاعل…

الكاتب: 
علا كرامة
التاريخ: 
الخميس, مارس 20, 2014
ملخص: 
مرجعية الإعلام في دولتنا هي التي تضعها الدولة، وإن البيان الوزاري هو معبر عن السياسة العامة للحكومة، وقد تأكد ذلك خلال اتفاق الطائف، وهذا لا يعني فرض القيود على الإعلام