الحسيني لـ"الجمهورية": لا بديل عن اتفاق الطائف "الشعب يريد تطبيق النظام"

النوع: 

عندما يُطرَح اتّفاق الطائف أو أيّ من بنوده على بساط البحث، أوّل ما يتبادر إلى الذهن اسم عرّابه، رئيس مجلس النوّاب السابق، الرئيس حسين الحسيني، المشارك في صياغة "وثيقة الوفاق الوطني" ومندرجاتها التي أتت لتعلن نهاية الحرب اللبنانية وتؤسّس لمرحلة جديدة عنوانها: عدم الالتزام بـ"الطائف" نتيجة الظروف الإقليمية المعلومة.* هل "اتّفاق الطائف" كان وليدة لحظته أم نتاج تراكمات سياسية وحوارية؟

لم يكن اتّفاق الطائف وليد 21 يوماً من الاجتماعات في منطقة الطائف، وإنّما تمّت صياغته في لبنان، فهو وليد الحاجة، وقد جرت محاولات عدة لإقامة الدولة، أوّلها محاولة اللواء فؤاد شهاب التي لم نستفد منها نتيجة التطورات الاقليمية والظروف المحلية وتصدّع الوحدة المصرية – السورية.

وذلك في خضمّ تساؤلات كبرى لم تكن الأجوبة حولها متوافرة، وعلى سبيل المثال: هل لبنان على جزء من أرضه أم أنّه على كامل أرضه؟ هل لبنان لجزء من أهله أم لجميع أبنائه؟ هل لبنان وطن مرحلة أم هو وطن نهائي؟ الهوّية الوطنية التي تتشكّل من هذه العوامل غير موجودة، إذ لا أجوبة فعلية عنها. الخلاف على الهوّية الوطنية أدّى إلى ضياع الهوّية اللبنانية، ومعها الهوّية العربية. وبالتالي أصبح نظامنا السياسي في حالة التباس، هل هو إمارة؟ أم جمهورية؟ أم ملكية؟

* ما الذي حال دون تطبيق اتّفاق الطائف؟

-لقد حصلت أربع ضربات أساسية أطاحت باتفاق الطائف:

أ- الضربة الأولى، صدور القرار 1959.

ب- الضربة الثانية، إغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي لا نزال نعيش حتى الآن تردّداته.

ج- الضربة الثالثة، الاتّفاق الرباعي بين الطوائف المسلمة ما جعل المسيحيين يشعرون أن لا دور لهم في هذا الوطن.

د- الضربة الرابعة، اتفاق الدوحة الذي علّق إقامة الدولة والدستور وأقام صيغة حكم مبتكرة.

* ما شروط تطبيق اتفاق الطائف اليوم؟

-يجب استبدال الشعار الذي يطلقونه مؤخّرا "الشعب يريد إسقاط النظام" بشعار "الشعب يريد تطبيق النظام"، فنحن نعيش منذ العام 1989 بلا نظام، على الرغم من توقيع اتفاق الطائف، ولو راجعنا النظم الدستورية كافة في العالم، لا يمكن تعريف النظام القائم حالياً في لبنان، خصوصاً أنّ الانحراف عن تطبيق الطائف بلغ مرحلة لم تعُد فيها القواعد واضحة، فسادت عملية دمج السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بسلطة حزب واحد متعدّد الرؤوس. ومع صدور اتّفاق الطائف كان يتوجّب صدور ثمانية قوانين تطبيقية لهذا الاتفاق، لكنّ أيّاً منها لم يرَ النور على الإطلاق، وهذا ما يفسّر الأزمة التي نعيشها ويجعلنا نسمع طروحات لتعديل الطائف من دون دراية كاملة بمضمونه، أو لأسباب فئوية.

وهنا، أتبنّى نظرية البطريرك صفير الذي قال ردّاً على ما قيل عن وجود ثغرات في الطائف: "قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن دعونا نطبّقه أولاً، فتتّضح معنا هذه الثغرات، فمن غير تطبيقه نكون نلجأ إلى التبصير والتنجيم ليس إلّا".

إنّ مهمة الحكومة الجديدة تكمن بتطبيقه، فضلا عن إقرار ثلاثة قوانين أساسية وضرورية: قانون الانتخابات كما نصّ عليه الطائف، وقانون تحقيق السلطة القضائيّة، وقانون خطة التنمية الشاملة لكلّ لبنان، وتليها بقية البنود التي ينصّ عليها الاتّفاق ولم تنفّذ حتى الآن.. من هنا، يجب الاستمرار في حملتنا لتوضيح اتّفاق الطائف وإبراز أهميته، وهذا ما لم تقم به الحكومات المتعاقبة منذ العام 1992.

*ماذا عن سلاح "حزب الله" الذي يشكل مادة خلافية ويحول دون قيام الدولة؟

-إن مقاومة الاحتلال، من حيث المبدأ، حق لكلّ لبناني وواجب عليه، هذه متّخذة من شرعة الأمم المتحدة التي تجيز لكلّ شعب وتعطيه حقّه في أن يقاوم أيّ احتلال يتعرّض له، هذا حقّ طبيعي، وهذه المقاومة هي مقاومة شعب وليست مقاومة فئة أو طائفة أو حزب، وإلّا تفقد معناها وتتقزّم. وأنا من أنصار تعميم المقاومة على كلّ اللبنانيين، وموضوع السلاح مرتبط باحتلال الأرض، غير أنّ المقاوم ليس فقط من يحمل السلاح، قد يكون المقاوم هو الجالس وراء طاولته، وراء مذياعه يقاوم بكلّ أشكال المقاومة.

والأجدر بنا توحيد جهودنا لكي نطبّق ما نصّ عليه كلّ من اتّفاق الطائف وورقة العمل بيننا وبين البطريرك صفير، وأهم ما في هذه الورقة التي كشف عن جزء منها في مذكراته أنّها تضمنت الاستراتيجية في الموقف من العلاقات اللبنانية – السورية، والموقف من إسرائيل، بحيث تضمنت التالي:

"في الموقف من إسرائيل: إنّ موقف لبنان من إسرائيل ينطلق من الموقف العربي العام، ومن حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وقبل ذلك ينطلق من وعي الشعب اللبناني أطماع إسرائيل المباشرة بأرض لبنان ومياهه، ومخططاتها لضرب الصيغة اللبنانية القائمة على التسامح والعيش المشترك، وهي صيغة تناقض طبيعة الكيان الإسرائيلي المبني على العنصرية الدينية".

كما يجدر أيضا تطبيق القرار 425 واتّفاقية الهدنة لعام 49 الواقعة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والتي توجب على الدول الكبرى تنفيذ القرار بالقوّة وإخراج الإسرائيلي من أرضنا، وعندها لا يكون هناك مبرّر لوجود السلاح.

الأمر الثاني الذي يطرح حاله: لنفترض أنّنا الآن اجتمعنا وقرّرنا أن تسلّم المقاومة سلاحها، وحتى لو انسحبت إسرائيل أو لم تنسحب، ووافق الجميع على تسليم سلاحها، فإلى من يسلّمونه؟ أين هي الدولة؟ هل لدينا دولة أم أنّ كلّ واحد يقيم دويلته الخاصة؟ المنطق الصحيح هو أن نقيم الدولة.

*هل صحيح أن وظيفة السلاح حماية الطائفة الشيعية؟

-كلّا، ولكن من حيث المبدأ وبالحديث عن الوطنية، لا يجوز أن نمدّ اليد على سلاح المقاومة قبل توحيد صفوف اللبنانيين حول تطبيق القرارات الدولية واتّفاقية الهدنة. فبعد زوال وظيفته، يزول السلاح تلقائياً.

*علامَ تنصّ المحاضر السرّية للطائف؟ ولِمَ لا يتمّ نشرها؟

 -تنصّ المحاضر على جميع اللقاءات والمفاوضات التي تمّت خلال تلك المرحلة، وصولاً الى توقيع اتفاق الطائف. وهي على أيّ حال موجودة في محاضر جلسات مجلس النوّاب الذي تشكّل بعد الطائف، في القليعات وبيروت.

وهناك حالتان لنشر محاضر مناقشات الطائف. أوّلاً عندما يكون لبنان قد عاد الى حالته الطبيعية، وصار الذين تكلّموا في الطائف في منأى عن أيّ استهداف، وثانياً عندما يرفض من بقي على قيد الحياة، من النوّاب الذين وضعوا الطائف، أن تبقى هذه المحاضر سرّية.

أنا أنتظر إنشاء مكتبة وطنية عامة، بحيث تصبح محاضر الطائف من ضمن موجودات المكتبة الوطنية.

*ماذا عن قانون الانتخاب؟ ما هو القانون الذي يجسّد فعليّاً اتّفاق الطائف؟ ولماذا لم ينصّ الطائف صراحةً على طبيعة هذا القانون؟

 -إنّنا نحتاج اليوم إلى قانون انتخاب جديد يولّد أحزاباً لبنانية حقيقية، فالقانون الحالي مهين للبنان واللبنانيّين، وقد شرّع الرشوة. والقانون الملائم للبنان هو النظام النسبي مع صوت التفضيل عندها لا حاجة للارتهان للخارج.

فاتفاق الطائف حدّد في الفقرة "ج" في باب "الإصلاحات الأخرى" قانون الانتخابات كما يلي: "تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخابي جديد على أساس المحافظة، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين، وتؤمّن صحّة التمثيل السياسي لشتّى فئات الشعب وأجياله، وفاعلية ذلك التمثيل، بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسّسات". ولهذا الكلام معنى ولا يجوز القفز فوقه.

والفقرة 5 تقول: "يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزّع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية: أ- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. ب – نسبياً بين طوائف كلّ من الفئتين. ج – نسبياً بين المناطق، والمناطق هي الأقضية".

وبالتالي، فإنّ أيّ معالجة لا تأخذ في الاعتبار الاستقرار السياسي بواسطة قانون انتخابات، عبثاً البحث عن نهوض اقتصادي أو مواجهة اقتصادية. لقد وصلنا إلى هذا الدرك، والحلّ بقانون انتخابات على النظام النسبي. وإلّا صرنا أمام مطلب آخر هو قيام هيئة تأسيسية بثورة مدنية، تفرض حالها على كلّ الناس، وتنتخب من كلّ اللبنانيين على اختلاف فئاتهم وأجيالهم مثلما ورد في اتفاق الطائف. وعند ذلك إذا كان هذا الدستور غير جيّد، تضع هذه الهيئة التأسيسية المنتخبة شرعيّاً الدستور الجديد.

منذ العام 1992 عملوا شتّى الحيل ليهربوا من المراقبة والمحاسبة: المجلس الدستوري الذي يفترض أن يراقب دستورية القوانين كبّلوه بنصوص قانونية مخالفة للدستور، ويعينون أعضاءه، هل يعقل أن يعيّن شخص ما من يراقبه؟ مجلس الشورى وضعوا له عوائق لا تحصى لكي لا يراقب أعمال الحكومة، المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء حوّلوه أداة لتبرئتهم".

*هل تعتقد أنّ النظام النسبي كفيل بإعادة فاعليّة التمثيل السياسي للناخبين؟

- طبعاً. هو الوحيد الذي يعيد للناخبين حقّهم، إذ يحقّ لكلّ ناخب تعيين نوّابه وتراتبيّتهم. وهنا أريد التأكيد ليس فقط على النسبية، لأنّ للنسبية أنواعاً عدّة، ولكن الأكثر ملاءمة لصحّة التمثيل السياسي في لبنان هو: قانون النسبية وصوت التفضيل، لأنّ من خلاله لا تشعر أيّ طائفة بالغبن.

* هل سنتمكّن عندها من القضاء على الطائفية في لبنان؟

- أنا أراهن أنّه بعد إقرار هذا القانون مباشرة، يصبح كلّ الخطاب السياسي السائد في لبنان من الماضي، بل يصبح مرذولاً كما كان في السابق.

* هل يعني أنك ستترشّح للانتخابات المقبلة؟

- لو اعتُمد النظام النسبي للانتخابات فعندنا تيار طويل عريض، نترشّح ونرشّح آخرين. بالقانون النسبي تكون الحياة السياسية مختلفة ويتغيّر كلّ شيء: الخطاب السياسي يتغيّر، التحالفات تتغيّر، نصبح أمام حالة جديدة، ويُرذَل عالم المذهبية والطائفية.

* ماذا عن مجلس الشيوخ؟ آلياته غير واضحة، وكذلك رئاسته، من يتولّاها؟ هل يكون مسيحيّاً أم درزيّا؟

- لا مجلس شيوخ قبل انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي. ألا يكفينا مجلس نيابيّ طائفيّ، لنُبلي أنفسنا بمجلس شيوخ طائفي آخر؟

* هل أنت راضٍ اليوم عن أداء المجلس النيابي؟

- لا وجود لمجلس نوّاب. فالممارسة النيابية هي ممارسة فعلية وِليست شكِلية. هل يُعقل أن ينتخب البرلمان رئيس جمهورية في العام 2008، ونحن عملياً من دون موازنة منذ الـ 2005؟ أي مجلس نوّاب هذا الذي لا يضع موازنة؟ ما الذي يفعله إذن؟ ليس عندنا مجلس نواب ولا مجلس وزراء. عندنا تجمّع وزاري، وكلّ وزير آتٍ من قطيع معيّن. صحيح أنّ هذا المجلس قانوني لأنه انتخب بموجب القانون، ولكنّه لا يمثل الناس، وبالتالي هو مخالف للدستور وفاقد الشرعية.

الكاتب: 
جوزف برّاك
التاريخ: 
الأربعاء, فبراير 7, 2018
ملخص: 
هناك حالتان لنشر محاضر مناقشات الطائف. أوّلاً عندما يكون لبنان قد عاد الى حالته الطبيعية، وصار الذين تكلّموا في الطائف في منأى عن أيّ استهداف، وثانياً عندما يرفض من بقي على قيد الحياة، من النوّاب الذين وضعوا الطائف، أن تبقى هذه المحاضر سرّية.