بيروت اوبزرفر عن الشرق الاوسط
قابلتُ الأستاذ سمير عطا الله في أبوظبي أخيراً، وكان آتياً من دبي وليس من بيروت، لمقابلة الصديق المشترك الأستاذ محمد بنعيسى وزير الثقافة ووزير الخارجية المغربي الأسبق. تحدثنا قليلاً عن مقالاته الأخيرة في نعي لبنان. لكنني بعد أن غادرت الصديقين، تذكرت مقالات عطا الله المجموعة قبل عشر سنوات بعنوانٍ مخيف هو: انقضاء الشرق!
ما خطر لأحدٍ منّا قبل عقدٍ أو عقدٍ ونصف أنّ زوال الطابع الكوزموبوليتي عن مدن الشرق الكبرى ومنها بيروت، يمكن أن يوصل بيروت ودمشق وبغداد إلى هذا الاختناق المُريع. فقد صارت هذه المدن العربية بيئات للحروب الأهلية، وللمجاعات، ولغياب كل مظاهر المدنية الحديثة.
إذ يتداول اللبنانيّون مذعورين في احتمال الحرب الأهليّة، زوّدنا الشيخ نعيم قاسم بتعريفه لتلك الحرب أو ما يعادلها: إنّ القاضي طارق بيطار «جاءنا بالمشاكل والمصائب، ويجب أن يرحل كي يستقرّ الوضع». هذه العبارة التي ردّدها نائب الأمين العامّ لـ «حزب الله» بدت للكثيرين ثمرة غباء مُعتّق. لكنّ هذا ليس صحيحاً. إنّها، بالدرجة الأولى، ثمرة خبث وظيفيّ هدفه تسخيف معنى الحرب الأهليّة و«المشاكل» و«المصائب» تالياً، وتقديم معانٍ لها ولمغادرتها مرتجلة وخفيفة تموّه المعنى الفعليّ.
ما الذي تغيّر خلال بضعة أشهر حتى غدا ممكناً تذليل العقبات التي تمنع تشكيل الحكومة اللبنانية؟ هل يُعقل أن صحوة ضمير ليّنت القلوب القاسية، فتجاوبت مع آلام الجياع والمرضى المحرومين من الدواء؟ أم ترى الانهيار الاقتصادي الفظيع بدأ يمسّ جمهور القوى المتسببة فيه؟
قناعتي الشخصية أن الجواب الحقيقي في مكان آخر تماماً.
في لبنان، بُعدان اثنان متلازمان للأزمة العميقة المزمنة التي تدفع كلَّ تنافس بين مكوّناته إلى خلاف، ثم إلى صراع، وأخيراً نحو هاوية «حروب» الإلغاء.