السنيورة الى الواجهة مجدداً: التعطيل مستمر
عند كل مرحلة مفصلية تصل إليها جهود طاولة الرئيس نبيه بري للحوار، يبرز رئيس كتلة "المستقبل" النيابية فؤاد السنيورة معطِّلاً. صار واضحاً للجميع أن التيّار الخاسر في الامتحان البلدي الأخير، لا يريد الذهاب الى الاستحقاق النيابي قبل تكريس صيغة تضمن، على الأقل، بقاء وضعه التمثيلي على ما هو عليه. يتصدى السنيورة عادة لـ"المهام الصعبة"، وهو اليوم يلعب في مركز "رأس الحربة" لمواجهة المقترحات المتعدّدة على طاولة الحوار وفي اللجان المشتركة، التي لا يرى فيها مصلحة "الزُرْق".
من المفاضلة بين أولوية انتخاب رئيس للجمهورية وأولوية إجراء الانتخابات النيابية، تقدّم السنيورة مربعاً إضافياً. باتت المفاضلة اليوم قائمة على الذهاب الى جلسات حوار مفتوحة للاتفاق على سلّة حلّ شاملة (الرئاسة - الحكومة قانون الانتخابات)، أو الاتفاق على الملفات بـ"المفرّق"، كما يريد السنيورة. يسعى رئيس كتلة المستقبل الى "تجميع" حلفاء من حوله، محاولاً إعادة إحياء دور الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار، بوصفها "الكيان الجامع".
على طاولة الحوار الأخيرة، قال السنيورة إن أقصى ما يمكن أن يقدّمه "المستقبل" هو المشروع المختلط (انتخاب 68 نائباً على أساس أكثري و60 نائباً على أساس نسبي) الذي تمّ الإتفاق عليه مع "القوات" و"الاشتراكي". حصر "آخر صقور المستقبل" الحلول بالإقتراح الذي يوافق عليه هو وفريقه، مُسقطاً من الإعتبار إقتراح المناصفة بين النسبي والأكثري الذي قدّمه الرئيس بري، ومشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي القائم على النسبية على أساس 13 دائرة. بحسب السنيورة، فإن كل القوانين المقترحة، غير ذاك الذي قدّمه "المستقبل"، كيدية وغير عادلة.
مع إفشال محاولات التوافق على القانون الانتخابي، ودعوة الرئيس بري الى عقد ثلاث جلسات متواصلة للبحث في السلّة المتكاملة، بدأ "المستقبل" التصويب على السلة باعتبارها "منافية لأصول الديمقراطية". خرج النائب أحمد فتفت، ليربط موافقة فريقه على السلّة بشرط أن تشمل سلاح المقامة ومشاركتها في سوريا. رَفْع السقف الى أعلى المستويات، ترى فيه مصادر في 8 آذار على أنه مؤشر واضح على نوايا "المستقبل" إغلاق أي نافذة يفتحها الرئيس برّي، للعبور من خلالها الى حلول تعيد عجلة الحياة السياسية ومؤسسات الدولة الى الدوران من جديد.
السنيورة المعطل
تقول المصادر إن السلّة التي يتم الحديث عنها هي سلّة متكاملة تشمل فتح مجلس النواب والتوافق على انتخاب رئيس للبلاد والاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية وتشكيل حكومة جديدة. تتساءل عن جدوى سياسة "تكبير الحجر" التي يعتمدها "المستقبل" من خلال الحديث عن ربط سلاح المقاومة بانتخاب رئيس وبقانون الانتخاب.
حلحلة العقد ورفع العراقيل الموضوعة في سكّة انتظام الحياة السياسية في لبنان، أمور تحتاج الى قناعة تامّة لدى الأفرقاء السياسيين، وخصوصاً لدى "المستقبل"، بضرورة فصل مسارات تفاصيل الملفات السياسية الداخلية، عن مسار الملفات الإقليمية - الدولية. من هذا المنظور، ترى مصادر فريق 8 آذار، أنه على "المستقبل" الاقتناع بأن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية أولاً، يحتاج الى تسوية سياسية لبنانية، في هذه المرحلة التي لا تبدو فيها أمور "الخارج" ناضجة للمساعدة في هذا السياق.
في المقابل، تنفي مصادر "المستقبل" أن يكون رفض السنيورة للقوانين المطروحة، وتالياً رفضه لـ"جلسات السلة" المرتقبة، نابعاً من خوف لدى التيّار ناجم عن خسائر الانتخابات البلدية. تتحدث هذه المصادر عن الحياة الديمقراطية وممارستها، وتضع التوافق المسبق على سلّة حلّ في موقع نقيض للديمقراطية! هذه الديمقراطية هي ذاتها التي يحرص الرئيس بري على أن لا تحيد عن التوافق المسبق في ما يتعلّق بقانون الانتخابات، ويرفض إخضاع إقراره للتصويت القانوني/الروتيني في الهيئة التشريعية، قبل حمايته بتوافق بين جميع القوى وخصوصاً تيّار "المستقبل".
يحتفظ "التيّار الحريريّ" لنفسه بهامش مناورة واسع. فيصرّ السنيورة، على الاقتراح "المختلط الثلاثي"، لكنه يترك "قبّة باط" لاقتراح فؤاد بطرس (77 مقعداً أكثرياً و51 نسبياً)، على الرغم مما أثاره النائب على فيّاض حولهما كونهما قائمَين على ضبابية المعايير المعتمدة في توزيع المقاعد بين النظامين الأكثري والنسبي، وحتى في تركيب الدوائر. على نفس نغمة السنيورة، عزف فتفت، ولحقه النائب عمّار حوري الذي أعاد الحديث عن "تطبيق الطائف" وعينه على نظام إنتخابي قائم على أساس المحافظة.
قنابل دخانية كثيرة رماها "المستقبل" في أجواء عين التينة. تتوقّع مصادر سياسية متابعة أن يستمر "التيّار الأزرق" في بثّ أدخنة كثيفة وملوّنة في الأجواء حتى 2 و3 و4 آب المقبل. إلا أنها ترى أن المفيد أكثر هو الذهاب الى ثابتة التوافق مع الكتل السياسية الأخرى، طالما أن الرئيس بري قد ربط إقرار أي قانون إنتخابي (بوصفه خطوة ميثاقية) بها. بالتالي، فإن المبالغة في العرقلة والتجاذب لا تخدم سوى أهداف الاستعراض السياسي والاستثمار الشعبي.