هل أصبح الطائف في مهب الريح؟
قبل أيام قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أمام نظيره المصري أحمد أبو الغيط: إن لبنان «يمر بفترة خطيرة جداً تهدد كيان الدولة كلها»، وفي نفس اليوم قال وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس: «إن سوريا هي جزء من الحل وجزء من المشكلة»، وقبله بيوم واحد قال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير «إن سوريا وإيران قد تشعلان حرباً أهلية في لبنان... وإن التدخلات الخارجية جعلت المشكلة في لبنان من أعقد المشاكل في العالم».
تعكس هذه المواقف «الطازجة» عمق الأزمة في لبنان، وتخطيها في الجوهر خلاف الفرقاء على الملفات المطروحة، من المحكمة الدولية إلى الرئاسة مروراً بالحكومة. وفي العمق فإن الخلاف في لبنان وصل إلى «الصيغة اللبنانية» بحد ذاتها، وقد زادت «المشاريع» التي طرحت في التداول في الأسبوعين الماضيين من تأكيد هذا العمق الخطير للأزمة، ما اضطر الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله إلى نفي أي سعي لتغيير صيغة الطائف أو السعي لاعتماد صيغة المثالثة، فماذا تعني المثالثة؟ وكيف طرحت في التداول؟ وهل صحيح أن حزب الله طرح على طاولة الحوار عام 2006 شيئاً من هذا القبيل، وأن العماد عون قبل بهذا الطرح؟
مفهوم المثالثة
صيغة المثالثة تعني توزيع المواقع السياسية والإدارية في الدولة- المجلس النيابي والحكومة والإدارة- على ثلاث كتل طائفية، واحدة للمسيحيين جميعاً بمختلف مذاهبهم، والثانية للمسلمين جميعاً بمختلف مذاهبهم عدا الشيعة-أي السنة والدروز والعلويين-، والثالثة للشيعة وحدهم. وبهذا الشكل يصبح لكل كتلة طائفية حق التعطيل «الفيتو»، إذا اتفقت في ما بينها، بينما ينفرد الشيعة بحق «الفيتو» وحدهم. الجدير ذكره أن هذه الصيغة تخالف اتفاق الطائف الذي نص على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وعلى المثالثة ضمن المناصفة بين المسلمين من جهة والمسيحيين من جهة أخرى. معنى ذلك أن الصيغة المقترحة تنقص من حصة المسيحيين في الدولة بالدرجة الأولى، لصالح الشيعة، بينما يأخذ الدروز والعلويون من ثلث السنة.
مشروع مطروح أم ماذا؟!
«يقول» أقطاب في فريق 14 آذار إن صيغة المثالثة طرحت على طاولة الحوار في العام 2006 وإن العماد ميشال عون وافق على هذا الطرح! وإن وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس سمع هذا الطرح في إيران، وإن برنار كوشنير سمعه أيضاً من الموفد الفرنسي جان كلود كوسران في طهران، وإن أصداء هذا المشروع وصلت إلى الرياض كمقابل لسلاح «حزب الله». بالمقابل «يقول» السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير في بنت جبيل: «في الأيام الأخيرة لجأوا إلى أكاذيب جديدة، حزب الله وحركة أمل والشيعة يريدون تغيير اتفاق الطائف، هذا كذب وافتراء وغير صحيح... الفريق الآخر وإعلامه في الآونة الأخيرة، لم يعد يجد ما يتكلم عنه، فاخترع قصة المثالثة، بدل المناصفة، وأنا شخصياً لم أسمع هذا الكلام من أحد، ثم قيل بعد ذلك، إن الايرانيين طرحوا هذا على أحد الوفود الأوروبية، وقد سألنا الايرانيين فأجابوا بأن هذا غير صحيح وليس من شأننا أن نفعل ذلك ونحن لا نفعل ذلك ولن نفعل ذلك، بل الصحيح أن وفداً أوروبياً سأل الايرانيين وقال لهم: هل تعتقدون ان اتفاق الطائف ما زال صالحاً للبنان، فأجابهم الايرانيون هذا شأن لبناني ويجب أن يسأل عنه اللبنانيون». وبغض النظر عن مدى مصداقية هذا الفريق أو ذاك، فإن الأكيد أن صيغة المثالثة قد طرحت على الملأ للمرة الأولى قبل نحو أسبوعين في صحيفة كيهان الإيرانية، ومن خلال مقالة بقلم مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، حسين شريعتمداري. هذا هو القدر المتيقن من الموضوع، ولعل نفي السيد نصر الله باسمه وباسم حركة أمل وعموم الشيعة لتبني هذه الصيغة هو أحد أهم الجوانب الإيجابية التي تحدث عنها السنيورة في خطاب نصر الله للبناء عليها.
هل طوي تعديل الطائف؟
لا يبدو أن الحديث عن تعديل الطائف واستبدال المناصفة بصيغة أخرى قد طوي نهائياً، ففي معلومات يجري تناقلها على مستوى ضيق أن فريقاً أساسياً في «المعارضة» أبلغ نظيره في الموالاة أن اتفاق الطائف سيصبح في مهب الريح إذا ما جرى انتخاب رئيس للجمهورية بنصاب النصف زائد واحد، لأن «المعارضة» حينها ستشكل حكومة ثانية ولن ترضى «تبويس اللحى» بعد ذلك، و»ليتحمل فريق 14 شباط ولا سيما المسيحيون ما جنته أيديهم». من جهة أخرى يعرب مقربون من أركان 14 آذار أن المفهوم الحقيقي للمشاركة التي يطالب بها «حزب الله» هو الإمساك الكامل بالسلطة من خلال الحصول على ما يزيد على الثلث في الحكومة، والإتيان بالعماد عون أو بغيره من المتحالفين مع الحزب إلى رئاسة الجمهورية. ويضيف هؤلاء: أليس في التحكم بمن يشغل مواقع الطوائف الأخرى تعديل للطائف؟ أليس في «فرض» «حزب الله» لرئيس الحكومة «السني» ورئيس الجمهورية «المسيحي» ممن يؤيدونه صورة من صور المثالثة المقنعة؟!