خاص"محكمة":إنقلاب على "الوفاق الوطني" في المادة 95 من الدستور!

النوع: 

 

عملاً بالفقرة الثانیة من المادة 95 من الدستور، إعتمد ّ المشرع مصطلح "المرحلة الانتقالیة"، وھو تأكید على المرحلة التي تسبق ظروف ومقتضیات إلغاء الطائفیة السیاسیة بھدف الوصول إلى الغایة المرجوة وھي تجاوز التمثیل الطائفي في ّكل الوظائف والقطاعات دون استثناء إلى حین الانتھاء من المرحلة الانتقالیة، وھو ما دفع ّ المشرع إلى تحدید خصائض والتزامات المرحلة الانتقالیة التي ّ تتلخص، باعتقادنا، في القواعد التالیة:

أ-"تمثّل الطوائف بصورة عادلة في تشكیل الوزارة":

لما كانت المواد الدستوریة لا تقبل التجزئة، أو الانتقائیة وفقاً للمصالح السیاسیة، ّ فإن القبول بمبدأ ضرورة التمثیل الطائفي المتوازن في الوزارة، یعني، حكماً، بوجوب تجاوز التمثیل

الطائفي في الوظائف العامة، وإلاّ لماذا الاعتراف بجزء من ھذه المادة، ّ وغض النظر عن الجزء الآخر من المادة نفسھا!

ب-"تلغى قاعدة التمثیل الطائفي، ویعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء ّ والمؤسسات والأمنیة والعسكریة وا ّ لمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضیات الوفاق

الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى...":

ث-إن ّ المشرع، في ھذه الفقرة، عندما ّ یؤكد إلغاء التمثیل الطائفي واعتماد الكفاءة في الوظائف العامة وفقاً لمقتضیات الوفاق الوطني، یرید أن یجعل الوظائف العامة ، باستثناء الفئة الأولى،مطابقة للوفاق الوطني ولیست مشروطة بھ، لأنّھا لم تأت في سیاق الشرطیة، بل في سیاق "الھدفیة"، والفرق واضح ما بین السیاقین، إفصاحاً من المشترع على ّ أن التخلّص من التمثیل الطائفي مستفاد حكماً من إرادة ّكل ّ المكونات السیاسیة التي تحتكر التمثیل الشعبي والسیاسي، وذلك كحدّ أدنى، في مرحلة انتقالیة، بعد الحروب والرواسب الطائفیة، والتي جرى ترجمتھا في اتفاق الطائف، علاوة على أن لیس من المنطقي أن یقتضي الوفاق الوطني، على سبیل المثال لا الحصر، بمخالفة المادة 7 من الدستور التي ّ تؤكد المساواة بین اللبنانیین لجھة الحقوق والواجبات، أو على مخالفة المادة 12 من الدستور لجھة عدم التمییز إلاّمن حیث الجدارة والاستحقاق في تولّي الوظائف العامة، باعتبار ّ أن الدستور لم یشر، لا من قریب أو من بعید، إلى المقصود بمقتضیات الوفاق،ما یوجب التساؤل التالي:كیف یمكن أن نضع الوظائف العامة، ولو باستثناء الفئة الأولى، تحت قید الوفاق وھو لم یتحدّد في خانتھ ّ أي توضیح أو تفصیل، في حین ّ أن ھناك فقرات واضحة وصریحة تخرج الوظیفة العامةمن نطاق الطائفیة، سواء في المادة نفسھا أو في المادتین 12 ،7 ،ولو أنّنا في صدد مرحلة مؤقّتة وانتقالیة، بدلیل ّ أن ّ المشرع عاد واستثنى وظائف الفئة الأولى من نطاق الاختصاص والكفاءة، تأكیداً على أنّھامن ّمتممات البنى الطائفیة الراسخة في المجتمع اللبناني، والتي یتطلّب الخروج منھا لحظة انتھاء المرحلة الانتقالیة، سواء توافر الوفاق أم لا، خصوصاً ّ وأن العیش المشترك، الوارد في متن مقدّمة الدستور وكذلك في مضمون رسالة رئیس الجمھوریة العماد میشال عون بشأن طلبھ في تفسیر المادة 95 من الدستور، لا یستقیم بإقصاء بعض اللبنانیین، الذین خضعوا إلى مباریات مجلس الخدمة المدنیة،من الوظیفة العامة، وھو تعطیل واضح للوفاق الوطني لم یقصده المشترع إطلاقاً، إنّما القصد كان حاكماً في العلاقات المجتمعیة بین اللبنانیین على مختلف شرائحھم وانتماءاتھم.

لذلك، واستناداً إلى ھذه القواعد، لا یجب تغلیب العقلیة الطائفیة على النسیج المجتمعي المتكامل،ما یخالف الغایة التي من أجلھا ّتم وضع وثیقة الوفاق الوطني، ّلأن من شأن تعطیل نتائج مباریات مجلس الخدمة المدنیة أن یورث الشحناء بین اللبنانیین، ویحول دون توفير مجتمع سلیم تغلب فیھ الروح المدنیة والانتماء الوطني السلیم على الانتماءات الأخرى، علاوة على ارتفاع معدّلات البطالة والھجرة بدرجة مخیفة جدّاً، فھل سیتفادى المجلس النیابي ھذا الخطر الجسیم، عبر تفسیر المادة 95 من الدستور وفق معناھا الصحیح، في معرض مناقشة رسالة رئیس الجمھوریة إلى البرلمان، ویلزم الحكومة بتطبیقھ تلافیاًمن انقلاب على الوفاق الوطني!

الكاتب: 
جهاد اسماعيل
المصدر: 
التاريخ: 
الاثنين, أغسطس 5, 2019
ملخص: 
من شأن تعطیل نتائج مباریات مجلس الخدمة المدنیة أن یورث الشحناء بین اللبنانیین، ویحول دون توفير مجتمع سلیم تغلب فیھ الروح المدنیة والانتماء الوطني السلیم على الانتماءات الأخرى، علاوة على ارتفاع معدّلات البطالة والھجرة بدرجةمخیفة جدّاً، فھل سیتفادى المجلس ا