حقيقة سقوط «الطائف» والبدائل

النوع: 

 

دأب السياسيون اللبنانيون على الإعلان أنهم متمسكون باتفاق الطائف، صيغةً دستورية للعيش المشترك، وأن الظروف الراهنة غير مهيأة للبحث في اتفاق جديد.ويبدو أنّ جميع العائلات اللبنانية تستظلّ اتفاق الطائف وتتهيأ للبحث عن بديل له، وهذا ليس خطأ في الحياة السياسية. فالحياة متغيرة والعالم من حولنا يتقدم، وإن محاكاة التجارب الديموقراطية في العالم وانتهال ما يساهم في تطوير حياة المجتمع اللبناني بما يخدم تعزيز الدولة اللبنانية ليس عيباً، ولكن، العيب هو العمل على إسقاط الاتفاق بحجة تطبيقه.

ويبدو أنّ الساسة في لبنان استساغوا حياة الفوضى السياسية، فمَضوا فيها من دون رقيب أو حسيب، وتركوا العنان لما تتفتّق عنه معطيات العمل السياسي اليومي، يَبنون على أساسه حياتهم الاجتماعية يوماً بيوم، على قاعدة الدعاء الشهير، ربنا أعطنا خبزنا كفاف يومنا.

فاتفاق الطائف الذي يقول به الجميع، وبعدما اصبح دستوراً، لم يُنفّذ منه شيء. ففي مقدمة الدستور، لبنان وطن نهائي، لكن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله يفاخر بأنه "جندي" في ولاية الفقيه. والعارفون يدركون أنّ ولاية الفقيه لدى بعض من الطائفة الشيعية هي في إيران. واستطراداً، فإنّ لبنان في هذه الحال يصبح معبراً وليس نهائياً بالنسبة الى هذا البعض.

وعندما تشير مقدمة الدستور الى صيغة العيش المشترك، نجد أنّ البعض يتحدث عن وجوب تأمين انتخاب النواب المسيحيين من أبنائهم. وفي البحث عن النقاط والمفاصل الرئيسية في اتفاق الطائف، فإنّ أيّاً منها لم يُطبّق حتى الآن على رغم مرور ما يقرب ثلاثة وعشرين عاماً.

والمثال على ذلك عدم تطبيق: اللامركزية الإدارية، وإلغاء الطائفة السياسية وكل البنود التي تؤدي إليها، والانتخابات على أساس المحافظة، وإنشاء مجلس للشيوخ، وإلغاء الميليشيات وبسط سلطة الدولة على كل الاراضي اللبنانية. فكل هذه العناوين التي تشكل الجسم الأساسي لاتفاق الطائف، الدستور، لم تُطبّق، ولم يُعمل بها ولا يبدو في الأفق ما يشير الى إمكان مقاربتها في وقت قريب.

كما أنّ مؤسسة مجلس الوزراء لم تقم، وتمّ الاكتفاء بمبدأ المداورة بعقد جلسات المجلس بين القصر الجمهوري ورئاسة الحكومة. بمعنى بقاء مجلس الوزراء رهينة رئاستي الجمهورية والحكومة، وليس جعله كياناً للسلطة التنفيذية والإجرائية في البلاد.

إضافة الى ذلك، تم رفع عدد النواب من 108 وفق اتفاق الطائف الى 128 نائباً، وهناك أحاديث عن إمكان زيادة هذا العدد مرة اخرى بما يتلاءم مع تطلعات التمثيل النيابي الطائفي الذي اسقطه اتفاق الطائف.

أما المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، فما زالت تخضع للحسابات والتوازنات المناطقية، ولا يظهر في الأفق ما يشير الى رضى كل العائلات اللبنانية عن تمثيلها السياسي في الندوة البرلمانية. وثمّة من يقول همساً وغمزاً، ويدعو الى مؤتمرات للبحث في التوازنات الطائفية بينما الأوراق من تحت الطاولة تتحدث عن المثالثة ضمن المناصفة.

هذا المناخ من التكاذب بين السياسيين يعكس نفسه على اللبنانيين الذين ألِفوا هذه التوجهات، وآخرين لا يملكون الأداة التغييرية، وبعض الفئات التي لا ترى نفسها في كل الطروحات المتداولة في الميزان السياسي بحثاً عن قانون للانتخابات.

فهل أن اتفاق الطائف، الدستور، هو المعمول به حالياً؟ وطالما أن الجواب بالنفي، وفق ما سبقت اليه الإشارة، فإن البحث الجدي بات يتطلب نقاشاً جدياً حول أيّ وطن نريد، فمن غير المعقول او المقبول، أن تفرض جهة سياسية معينة رؤاها على كل المجتمع بقوة السلاح، كما يفعل "حزب الله"، تحت شعار المقاومة.

ومن غير المنطقي والمعقول أن تكون اقل الفئات تمثيلاً هي من يمسك بإدارة الدفة السياسية في البلاد باتجاه اليمين أو باتجاه اليسار، تحت عنوان الوسطية. فالطائفة الدرزية، على سبيل المثال، على رغم أدوارها الوطنية في الحياة السياسية اللبنانية منذ نشأة لبنان الكبير حتى اليوم، ساهمت بشكل مباشر او غير مباشر في محطات سياسية، كادت تطيح بالصيغة اللبنانية بأكملها، تحت شعار الخصوصية. والمثال على ذلك، ما جرى عقب اغتيال الزعيم كمال جنبلاط، من قتل للمسيحيين ثم تهجيرهم من الجبل بعد معارك سوق الغرب، وما سبق واعقب السابع من ايار الشهير.

من هنا، عندما يتحدث الرئيس سعد الحريري عن مشروع سياسي ينطلق من اتفاق الطائف ويدعو إلى قانون انتخاب شامل وإقامة مجلس للشيوخ وإرجاء البحث في الطائفية السياسية وتطبيق اللامركزية الادارية وقانون الجنسية، إنما يكون يلامس حقيقة الهواجس التي تضغط على المجتمع اللبناني وتدفعه الى زوايا ومندرجات خطرة، يمكن استيعابها او تلافيها إذا أحسن السياسيون التطلع الى بناء وطن وليس إقامة مزرعة تحت عناوين وطنية مجتها الالسن ولفظتها الآذان.

الكاتب: 
عصام عبد الله
التاريخ: 
الخميس, أكتوبر 10, 2019
ملخص: 
فهل أن اتفاق الطائف، الدستور، هو المعمول به حالياً؟ وطالما أن الجواب بالنفي، وفق ما سبقت اليه الإشارة، فإن البحث الجدي بات يتطلب نقاشاً جدياً حول أيّ وطن نريد، فمن غير المعقول او المقبول، أن تفرض جهة سياسية معينة رؤاها على كل المجتمع بقوة السلاح، كما يفعل