رسالة "14 آذار" إلى "الحوار": إلغاء الطائف= حرب أهلية

النوع: 

 

في وقت لا يمكن التفاؤل بإمكانية انتاج "الخلوة الحوارية الثلاثية"، التي دعا إليها الرئيس نبيه بري أفرقاء "هيئة الحوار الوطني" في 1و2و3 آب 2016، أي حلول للأزمة السياسية المستفحلة منذ فراغ سدة الرئاسة الأولى، فإنّ استباق هذه الخلوة من جانب قوى في "14 آذار" بالتحذير من كونها خطوة ممهدة للمؤتمر التأسيسي الذي دعا إليه السيد حسن نصرالله في حزيران من العام 2012، قد يشكّل بداية لفرز سياسي جديد في البلد بين فريقين: واحد مدافع عن اتفاق الطائف ومتمسك به، وآخر داع إلى تعديله أو تغييره من أساسه. أي بمعنى آخر أنّ النقاش السياسي سيتجاوز الاصطفافات في شأن رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات وشكل الحكومة العتيدة- وهي عناوين تندرج ضمن السلة المتكاملة التي يدعو بري إلى الاتفاق عليها في الخلوة الحوارية- ليتطرق إلى مسألتي الدستور و"وثيقة الوفاق الوطني".

لعلّ الرسالة المفتوحة إلى "هيئة الحوار الوطني" والموقعّة من شخصيات سياسية ونشطاء و"قادة رأي" في "14 آذار"، والتي تعتبر أنّ "مشكلات العيش المشترك ودولتِه في لبنان بعد الحرب ليست ناجمة عن طبيعة العقد الوطني المكرّس باتفاق الطائف والدستور، بل هي ناجمةٌ عن مخالفتهما المتمادية"، هي بمثابة إعلان قوى "14 آذار" أو بعضها عدم استعدادها للنقاش في تعديل الدستور الحالي واتفاق الطائف أو تغييرهما. وهي أيضاً دعوة للقوى السياسية التي ترفض "تعديل الدستور وإلغاء الطائف"، إلى إعلان موقفها الصريح بالتمسك بهما.

الرسالة التي عمل عليها بشكل أساسي النائبان السابقان فارس سعيد وسمير فرنجية، ستعلن الإثنين في الأول من آب. وهي ما زالت تجمع التواقيع عليها وقد بلغ عددها حتى يوم الجمعة نحو 125 توقيعاً بينها تواقيع لشخصيات في  تيار "المستقبل". لكنّها لم تشمل حتى الجمعة أسماءً من حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية"، مع أنّ الحزبين تبلغاها، حسب مصادر معنية بهذه الرسالة.

ومن المعلوم أنّ الموقف المسيحي العام من أي اتجاه لتعديل الدستور أو تغيير اتفاق الطائف أساسي في تحديد معالم الانقسام السياسي في لبنان حول هاتين المسألتين.

فالحديث عن المؤتمر التأسيسي يرتكز في شكل أساسي على كلام السيد نصرالله حوله في حزيران 2012. ما يعني أنّ الحزب متهم من قبل خصومه بالعمل على إقامة هذا المؤتمر لتعديل الدستور وإلغاء الطائف، في مقابل تمسك "تيار المستقبل" بهذا الاتفاق والدستور الحالي.

وبالتالي موقف القوى المسيحية الأساسية حاسم في تحديد مستقبل النقاش في شأن الطائف والدستور. إذ إنّ تمسكها بالدستور الحالي واتفاق الطائف يعني أن "حزب الله" يسير وحده في اتجاه تغييرهما (حسب ما يتهمه خصومه)، بينما يعني قبولهم بتعديل الدستور وتغيير الطائف توسيع الجبهة المعارضة لهذا الاتفاق والتعديلات الدستورية المنبثقة عنه، بحيث يصعب الوقوف في وجهها عندما تتوفر إمكانات البحث في النظام السياسي القائم. أي أنه وفي حال إبدت أكثرية المسيحيين ليونة لإعادة النظر باتفاق الطائف، ستتوفر حينها قاعدة سياسية وشعبية ضاغطة في هذا الاتجاه، في مقابل أكثرية "سنية" تعتبر أن استهداف الطائف استهدافاً "وجودياً" لها.

ومعلومٌ أنّ المناخ المسيحي العام كان دائم الارتياب من اتفاق الطائف بدعوى أنّه كرسّ هزيمتهم في الحرب خصوصاً لجهة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني. مع ذلك لم تصدر أي أصوات مسيحية ذات وزن تطالب بإلغائه. صحيح أنّ البطريرك الراعي طالب في بداية عهده بعقد اجتماعي جديد، وقد فسر طلبه وقتها على أنّه يلاقي مطالبة نصرالله بعقد مؤتمر تأسيسي، لكنّه لم يكرر مطالبته هذه. لكن عدم بروز مطالبات مسيحية جدية بتغيير الطائف لا يعني أنّ القوى السياسية المسيحية الأساسية تعتبر الدفاع عنه معركتها الأساسية كما هي الحال لدى "المستقبل"، وشخصيات مستقلة في "14 آذار".

وبالتالي الرسالة الموجهّة إلى "هيئة الحوار الوطني" تحاول أن تتلمس ملامح الانقسام الجديد الذي سيقبل البلد عليه، عاجلاً أو آجلاً، ألا وهو الانقسام مع أو ضدّ اتفاق الطائف والتعديلات الدستورية التي انبثقت عنه. وفي رأي مطلقي هذه الرسالة أنّه حان الوقت لمقاربة جديدة لاتفاق الطائف تقوم على اعتباره "اتفاق الخيار وليس اتفاق الضرورة"، أي أنّ التمسك به ليس لعدم وجود بديل منه، بل لأنّه ضمانة لـ"العيش المشترك في لبنان وللسلم الأهلي"، ولكونه يجسّد معنى لبنان القائم على "قوّة التوازن لا ميزان القوى المتغيّرة"، كما يرد في الرسالة.

في المحصلة يبدو أننا نقترب أكثر فأكثر إلى إنطلاقة النقاش حول الدستور واتفاق الطائف، وخصوصاً في ظل استعصاء الأزمة الرئاسية ومتفرعاتها التشريعية والتنفيذية على الحل. فهل تضع المطالبة ببديل من الطائف "البلاد على حافة حرب أهلية جديدة"، كما جاء في الرسالة المذكورة؟

المصدر: 
التاريخ: 
الجمعة, يوليو 29, 2016
ملخص: 
من المعلوم أنّ الموقف المسيحي العام من أي اتجاه لتعديل الدستور أو تغيير اتفاق الطائف أساسي في تحديد معالم الانقسام السياسي في لبنان حول هاتين المسألتين. فالحديث عن المؤتمر التأسيسي يرتكز في شكل أساسي على كلام السيد نصرالله حوله في حزيران 2012. ما يعني أن