إلغاء الطائفية السياسية بين المناصفة والمثالثة

النوع: 

 

أعطى القرار 60 ل. ر الصادر في 13 آذار/مارس 1936 الإستقلال للطوائف الدينية1 التي يتكون منها لبنان قبل ان يأخذ هذا الأخير استقلاله عام 1943. لم يميز القرار 60 بين الطوائف، فجاءت الصيغة اللبنانية والتي تكرست من خلال التطبيق لتميز بين هذه الطوائف، إذ اختارت ثلاثة منها لتكون معياراً أساسياً للوصول إلى منصب إحدى الرئاسات الثلاث:

الطائفة المارونية لرئاسة الجمهورية والطائفة السنية لرئاسة مجلس الوزراء، الطائفة الشيعية لرئاسة مجلس النواب2.

فاعتاد اللبنانيون على تصنيفهم ليس وفقاً لكفاءة الفرد وجدارته3 ومواطنيته بل وفقاً لموقع الجماعة الطائفية في الحياة السياسية اللبنانية.

بالرغم من أن الدستور اللبناني من أقدم دساتير المنطقة4 والتعديلات التي طرأت عليه ومرور لبنان بحربين أهليتين5 صدرت وثيقة الوفاق الوطني أو اتفاق الطائف وعدلت الدستور اللبناني تعديلاً جذرياً6.

لكن بدلاً من تقييد معيار الجماعة الطائفة فقد أصر عليه إتفاق الطائف إذ أبقى على حق الطوائف في إنشاء مدارسها الخاصة7 وأعطى لرؤساء الطوائف الحق في الطعن في القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية أمام المجلس الدستوري8.

وأقرّ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين أي بين مجموع الطوائف المسيحية ومجموع الطوائف الإسلامية.

السؤال المطروح: هل يؤدي تطبيق إتفاق الطائف إلى المناصفة بشكل دائم أو بشكل مؤقت؟

وهل يمكن أن نصل من خلال إتفاق الطائف إلى معادلة أخرى؟

تمّ ذكر المناصفة في مادتين من الدستور عُدِّلتا جذرياً باتفاق الطائف، نصت المادة الاولى على المناصفة لكن بتسمية أخرى من خلال توزيع المقاعد النيابية «بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين»9، ونصت المادة الثانية بشكل واضح على «مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة»10.

ماذا يعني ذلك؟

يعني ذلك أنه مهما كان الحجم الديمغرافي لمجموع الطوائف الإسلامية لا يمكن أن تتمثل في المجلس النيابي إلا بنصف المقاعد النيابية والعكس صحيح أي إنه مهما كان الحجم الديمغرافي لمجموع الطوائف المسيحية لا يمكن أن تتمثل إلا بنصف المقاعد النيابية11.

لكن هذه القاعدة المستحدثة في اتفاق الطائف هي قاعدة مؤقتة تنتهي عندما يضع المجلس النيابي قانون انتخاب خارج القيد الطائفي ويتم تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية12.

إذا كانت المناصفة قاعدة مؤقتة تطبق فقط في مرحلة إنتقالية محدودة في الزمن فما هي القاعدة النهائية التي سيستحدثها إتفاق الطائف إذا تم تطبيقه؟

إذا تم تطبيق اتفاق الطائف خصوصاً من ناحيةإلغاء الطائفية السياسية يعني ذلك انبثاق مجلس نيابي لا يأخذ بعين الإعتبار المناصفة بل التمثيل النسبي للمسلمين والمسيحيين13 أي الأخذ بعين الإعتبار الحجم الديمغرافي للمسلمين والحجم الديمغرافي للمسيحيين.

في المبدأ ستكون المقاعد النيابية للمسلمين أكثر بكثير من المقاعد النيابية للمسيحيين.

وسيطغى اللون الشيعي والسني على مقاعد المسلمين واللون الماروني على مقاعد المسيحيين، معنى ذلك قيام «مثالثة ضمن التمثيل بين المسيحيين والمسلمين» «تشبه المثالثة ضمن المناصفة» التي طبقت عرفاً في الستينات والسبعينات.

لكن هذه المثالثة ستكون منضبطة خصوصاً عندما ينشأ مجلس للشيوخ مؤلف من جميع الطوائف اللبنانية يبت في القضايا المصيرية14.

أي أن المثالثة لا يمكنها التمادي خصوصاً أن البت في القضايا المصيرية خارج عن سيطرتها، وسيضبط المثالثة ضمن التمثيل النسبي تطبيق مبدأ «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»15. بمعنى آخر أن الطوائف ستكون ممثلة في المجلس النيابي لكن ليس بشكل مناصفة16 ولكن بشكل لا يتناقض مع العيش المشترك17 وكذلك لن تكون الطوائف ممثلة بشكل عادل18 في الحكومة لكن بشكل لا يتناقض مع العيش المشترك ومتلائم مع توازن القوى السياسية.

في الختام، إن تطبيق إتفاق الطائف ينشئ قاعدة «المناصفة المؤقتة» ثم ينهيها لتحل محلها «المثالثة المضبوطة ضمن التمثيل النسبي للمسيحيين والمسلمين»

يمكن إحياء المناصفة اصطناعياً من خلال لوائح كبار أمراء الطوائف لكن الهدف السّامي يجب أن يكون الإنتقال إلى نظام حزبي سليم وهذا ما يصبوا إليه اتفاق الطائف، بذلك يتحوّل العيش المشترك الطائفي إلى تنوّع سياسي يمكن أن يؤسس لدولة ناجحة ومستقرة.

ويمكن البدء بخطوة باتجاه إلغاء الطائفية السياسية وهي خصخصة الإدارة في المرافق العامة (بما فيها المؤسسات العامة) وبذلك يكون البند المتعلق في الكوتا الطائفية في الوظائف العامة ملغى ضمناً.

* خبير في الشؤون القانونية

المراجع :

1 - نص هذا القرار على الحق في الانتماء إلى الطوائف المدنية (المادة 14 وما يليها) لكن لم يتجرأ كثيرون في تكريس هذا الانتماء.

2 -  وفقاً لإحصاء سكان لبنان 1932 فإن هذه الطوائف الثلاثة هي الأكثر حجماً ديمغرافياً.

3  - راجع المادة 12 من الدستور اللبناني.

4 - صدر في 23 أيار/مايو 1926.

5 -  1958 و 1975 - 1990.

6 - وفقاً للقانون الدستوري رقم 15 تاريخ 21 أيلول/سبتمبر 1990.

7 - المادة 10 من الدستور.

8 - المادة 19 من الدستور.

9 - المادة 24 من الدستور.

10 - المادة 95 من الدستور.

11 - لكن تتمثل كل طائفة لحجمها في المجلس النيابي وبشكل عادل في الحكومة حتى إلغاء الطائفية السياسية. )المادة 24 و 95 من الدستور(.

12 - راجع المادتين 24 و 95 من الدستور.

13 - خصوصاً إذا ظل الناخب ينتخب طائفياً وليس ضمن إطار حزبي سياسي.

14 - المادة 22 من الدستور.

15 -  الفقرة ي من مقدمة الدستور.

16 -  راجع المادة 24 من الدستور.

17 -  راجع قرار المجلس الدستوري 5/2002 تاريخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 2002 الصادر في الطعن المقدّم من المرشحة ميرنا ميشال المر حول مفهوم العيش المشترك.

18 - راجع المادة 95 من الدستور.

الكاتب: 
عارف زيد الزين
التاريخ: 
الخميس, يوليو 22, 2010
ملخص: 
تمّ ذكر المناصفة في مادتين من الدستور عُدِّلتا جذرياً باتفاق الطائف، نصت المادة الاولى على المناصفة لكن بتسمية أخرى من خلال توزيع المقاعد النيابية «بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين»9، ونصت المادة الثانية بشكل واضح على «مجلس النواب المنتخب على أساس المناصف