17 باحثاً يفكّرون في مصير لبنان (العدد السنوي)

النوع: 

 

وصل لبنان الدولة والمجتمع والسياسة إلى الحائط المسدود. وقد ارتأينا في "ملحق النهار" أن نخصّص العدد السنوي لإثارة هذا المأزق المصيري، بهدف بلورة الأفكار التي تساهم في إنقاذ لبنان.

أما لماذا وصلت بلادنا إلى الطريق المسدود، فهذا شأنٌ لا نتردّد في تعيين مسبِّباته ومسبِّبيه، أياً كانوا. لقد وصل الخروج على معايير العقد الوطني، والاستعلاء على مفهوم الدولة، ودستورها، وقوانينها، وقيمها، وعلى الشعب اللبناني، بالنهب والسلاح، كما وصل تخريب الإدارة والمجتمع، وتجويفهما من الداخل، حدّاً لم يسبق له مثيل منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية.

في غمرة التحضير لهذا العدد، أبدى زملاء وأصدقاء لنا من الخلّص، استغرابهم لطرح موضوع يتعلّق بالكيان والدستور في غمرة الوضع الداخلي والإقليمي الراهن. وسألوا بشيء من الاستهجان: كيف تدعون إلى مناقشة مسألة دقيقة تتصل بمصير لبنان، وبتغيير دستوره ونظامه السياسي، في حين أن كلّ ما تشهده البلاد، لا يسمح بمثل هذه المناقشة الديموقراطية "المترفة"، ابتداءً بمصادرة الحياة الوطنية العامة، مروراً بتفكيك مؤسسات الدولة، ونهب مواردها، وتعميق الشرخ والاختلال في الموازين والمعادلات، وصولاً إلى انعدام مناخات التفكّر الموضوعي الهادئ، بسبب تسعير الخطاب الديني، المذهبي والطائفي، وهيمنة السلاح ووجوده في يد طرفٍ لبناني خارج على الأمرة العسكرية للدولة؟

كنا، آنذاك، قد توجهنا إلى عدد من الباحثين والمفكرين اللبنانيين، بالفرضية الآتية:

في اعتقاد الكثيرين أن النظام السياسي اللبناني وصل إلى طريق مسدود، وباءت بالفشل الذريع، جميع المحاولات الهادفة إلى ترميمه منذ اتفاق الطائف حتى اللحظة السياسية الراهنة، مما ينبئ بالاحتمالات والمصائر القاتمة، وخصوصاً في المفترقات الحاسمة التي تعيشها حالياً المنطقة العربية.

في رأيك، هل من تصوّر بنيوي، دستوري، أو دولتي، ممكن، من شأنه إخراج لبنان من عنق الزجاجة، والوصول به الى صوغ دستور ديناميكي جديد، ضمن حدوده الدولية المعترف بها، وإتاحة حياة سياسية سليمة، ديموقراطية، متنوعة، حرّة، قابلة للعيش والديمومة بين جماعاته ومكوّناته؟

عندما فكّرنا في التحضير لهذا العدد السنوي، كنا نستشرف الجوانب السلبية المتمثلة في "مبدأ" طرح هذه الإشكالية، في ظرفٍ كهذا، تنعدم فيه أبسط مقوّمات سلامة الفكر، وكنا نستشفّ مطبّات هذه الإشكالية، وأخطارها، وفخاخها، وفي مقدّمها ارتباط هذا أو ذاك من الأطراف اللبنانيين بعرّابه الإقليمي، الإيراني - السوري أو السعودي - الخليجي، وإحساسُ مََن يملك السلاح، ويستقوي بالقوة الإقليمية، بأن مجرد طرح سؤالٍ من هذا النوع، يشكل "انتصاراً" موضوعياً له، وإحساسُ الطرف الثاني بأن ذلك ينطوي ضمناً على الاعتراف بغلبة فريق السلاح على الفريق الآخر، الذي لا بدّ أنه يشعر بأنه مغلوبٌ على أمره. فهل هذا صحيح؟ وهل صحيحٌ أن ارتباط الأطراف اللبنانيين بعرّابيهم الإقليميين، وأن المستأثر بالسلاح، والفارض هيمنته العابرة على مقدّرات البلاد، والمتحكم بسلطاتها، يستطيعان أن يفرضا على منابر الرأي، وعلى الباحثين والمفكرين، معادلاتهما الفكرية، والدستورية، والكيانية، تحت وطأة الواقع التبعي للخارج، أو الأمني الترهيبي القائم على الأرض؟

نحن في "ملحق النهار" نردّ جازمين: لا!

لكننا نذهب إلى أبعد من ذلك، فنزعم، من دون ادعاء، أن ربما لا أحد يملك الآن، الشجاعة الأدبية، السياسية والفكرية والكيانية، من أهل الطبقة السياسية والطائفية والمذهبية في لبنان، فـ"يجرؤ" على مواجهة الخلل الكياني الخطير فكرياً، والتصدّي لسؤال المصير هذا، بطريقة جذرية وحكيمة.

فليتجاسر، مثلاً، أيٌّ من المكوّنات اللبنانية، على "قوننة" إشهار تواضعه أمام الدولة، وعلى الاعتراف العملاني بـ"أدوات" سلطتها وأمومتها المطلقة، والرضوخ "التقني" لمرجعيتها، أياً تكن المعادلات القائمة أو المحتملة، في الداخل والخارج!

إذ يفتح "الملحق" النقاش حول هذا الموضوع، ويثيره، فإن غايته تتمثل أولاً في كشف هذه الفضيحة الكارثية التي تلفّ مجمل الطبقة السياسية اللبنانية، و"نقّادها" و"مفكّريها" و"المنظّرين" للمراوحة في مستنقعها الراكد منذ نحوٍ من عقدين. فهذه الطبقة، تمعن منذ اتفاق الطائف في لعق الأكذوبة، أكذوبة الوفاق الوطني. بل تكشف التجارب المرّة، أن أطراف هذه الطبقة، يستطيع أيٌّ منهم (ولا مجاملة!)، أن يقبل بأيّ شيء، بأيّ مساومة، بأيّ تواطؤ، وبأيّ "عظْمة"، لقاء تحقيق بعض المكاسب السياسية و/أو الطائفية التافهة والعابرة.

يفتح "الملحق" هذا النقاش، لأنه لا يستطيع أن يكون شاهد زور. إنه يحمل في عنقه، وزر جميع الذين آمنوا بأن لبنان أرضٌ للمواطنة والديموقراطية والحرية والتنوّع الخلاّق والحداثة والعقل والنقد والسؤال والتمرّد والحقّ والقانون والعدالة والمدنية والعلمنة والعروبة، في دولة غير مارقة، وغير فاشلة، بل كاملة السيادة والكرامة. ويحمل في عنقه أيضاً وزر جميع الذين استشهدوا في سبيل هذه القضية.

أقلّ الإيمان أن يرفض "الملحق" أن يكون شاهد زور، صامتاً، متفرّجاً، أو متغافلاً عما يمكن أن يؤول إليه استمرار هذا الواقع، في ضوء المتغيرات الجوهرية التي تعصف بالمنطقة العربية، وخصوصاً في سوريا، بعد اندلاع الثورة ضد نظامها الاستبدادي.

ففي رأي "الملحق"، أنه لم يعد يجوز السكوت أو خفض الصوت. بل يجب إعلان الفضيحة، بطريقة مدوّية. هذه هي غايتنا الأولى: أن نفضح المؤامرة المستشرية، التي تُخِلّ بجوهر الميثاق الوطني، وتضرب أسسه، وركائزه، وتجوّف الدولة والمجتمع، وتجعل لبنان سائراً إلى إعادة تركيبه تحت وطأة السلاح والهيمنات والمعادلات الإقليمية. غايتنا أن نُحدِث صدمةً في الفكر البحثي، وإن من طريق "الاستفزاز".

يؤمن "الملحق" بأن لا بدّ من تحريك هذا المستنقع الذي يكاد يُغرق العقل الوطني في فضيحة الدولة المارقة والفاشلة والفاسدة. وهو يؤمن بأن لا بدّ من تحرير العقل من هذا المستنقع، لئلاّ يجمّده، ويربكه، و"يملي" عليه تبعات استمرار هذا الأمر الواقع.

يرفض "الملحق" الرضوخ لمعادلة التبعيات الإقليمية التي يغرق في مستنقعها جميع الأطراف اللبنانيين، من مكوّنات سياسية ومجتمعية وطوائف ومذاهب، ويخطئ من يظنّ أنه، بطرحه هذه المسألة، الآن، إنما يقع تحت وطأة هذا الأمر الواقع، أو تحت وطأة الترهيب الفكري، وترويض العقل الوطني في اتجاه القبول بأفكار، من مثل التقسيم والمثالثة وغيرهما. هذا أيضاً موقف الذين يوسّعون على صفحات "الملحق" الأسبوعية هامش البحث النقدي، وأفق الحرية المفتقدة، في لبنان والعالم العربي، ويتناقشون في مسألة المصير.

أما غاية "الملحق" الثانية من هذا الطرح فهي الآتية: أن تكون أفكار البحّاثة، وآراؤهم في هذا الشأن، مادة خصبةً للتداول والتأمل والتفكير والمناقشة، عندما يحين الوقت الموضوعي لذلك. وهو وقتٌ يمكننا أن لا نجعله بعيداً، أو مستحيل المنال، إذا تضافرت جهود الأحرار والمكافحين في سبيل المحافظة على الجمهورية.

يشارك في هذا العدد كلٌّ من الباحثات والباحثين: أحمد بيضون، بول سالم، سمير فرنجية، وسام سعادة، منى فياض، دلال البزري، زياد بارود، محمد حسين شمس الدين، أنطوان قربان، سليمان تقي الدين، حازم صاغية، كمال حمدان، توفيق هندي، أنطوان مسرّة، مسعود ضاهر، علي حرب، وخالد غزال. ويزيّنه برسومه كلٌّ من ندى صحناوي، يوسف عون، حسن جوني، فيصل سلطان، محمد شرف، مارون الحكيم، جميل ملاعب، زينة عاصي، نبيل نحاس، وديزي أبي جابر.

وتندرج الأبحاث وفق تسلسل محض تقني وإخراجي.

التاريخ: 
السبت, ديسمبر 28, 2013
ملخص: 
في اعتقاد الكثيرين أن النظام السياسي اللبناني وصل إلى طريق مسدود، وباءت بالفشل الذريع، جميع المحاولات الهادفة إلى ترميمه منذ اتفاق الطائف حتى اللحظة السياسية الراهنة، مما ينبئ بالاحتمالات والمصائر القاتمة، وخصوصاً في المفترقات الحاسمة التي تعيشها حالياً ا