لا تحركشوا بـ"وكر الدبابير"!
قد يبدو للبعض أن التمسك بإتفاق الطائف، بروحيته وحرفيته، والمطالبة بتطبيقه كلًا بكل وليس الإقتطاع منه ما يناسب البعض لتمرير بعضٍ من مشاريعهم، هو ضرب من ضروب الجنون، لأن بعضًا من كل يعتبر أن ما جاء فيه من إصلاحات كانت على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية، مع العلم أن هذه الصلاحيات لم تحل دون إندلاع ثورة الـ 58، وحرب الـ 75، وما تخللهما من مناوشات على حدود المخيمات الفلسطينية.
رسائل عون موضوع تقييم
لماذا يعتبر المعارضون حكومة "التكنوقراط" انقلاباً على الطائف؟
ويقول المدافعون عن الطائف بأن من أهم ما نتج عنه هو وقف المدافع وإنتخاب رئيس للجمهورية، بعد فراغ ملأته الحكومة العسكرية في حينه برئاسة العماد ميشال عون، الذي لجأ إلى السفارة الفرنسية بعد إنتفاضة الشرعية برئاسة الرئيس الياس الهراوي، وبقيادة العماد اميل لحود، بمساندة سورية مباشرة، وبغطاء عربي وغربي.
وربّ قائل إن هذا الإتفاق قد أصبح في حاجة إلى تعديل بعد ثلاثين سنة على ممارسة ناقصة، أثبتت التجارب أن بعض مواده في حاجة إلى توضيح وتفسير، ومن بينها المادة 95، التي أخذت جدلًا واسعًا في الأيام القليلة الماضية، وهذا ما حدا برئيس الجمهورية إلى توجيه رسالة إلى مجلس النواب لتفسير ما هو مفسّر.
قد يكون من حق الذين يطالبون بتعديل الطائف بهذه المطالبة، وهو حق تجيزه سنّة الحياة غير الجامدة والمتحركة دائمًا نحو الأمام، ولكن فات هؤلاء المطالبين بهذه التعديلات أن شهية البعض لن تتوقف عند بعض التفسيرات والتعديلات الصغيرة، بل ستذهب إلى المطالبة بإلغاء المادة 95، على أقل تعديل، وذلك إنسجامًا مع الحركة العددية المتغيرة حتى الآن، والتي قد تصب في مصلحة العدد الأكثري على حساب العدد الكسري، أو بأن تكون رئاسة الجمهورية مثلًا مداورة بين المسيحيين والمسلمين على قاعدة النسبية.
إنّ معظم المواد الدستورية تحتمل التأويل والاجتهاد، وبالتالي هل المطلوب فتح النقاش في الدستور واستجرار خلافات وانقسامات نعلم أين تبدأ ولا نعلم أين تنتهي؟ وأين المصلحة الوطنية العليا في فتح النقاش في مادة دستورية انقسامية وفي لحظة لا تجتمع فيها الحكومة والوضع الاقتصادي على حافة الهاوية؟ وهل الأولوية اليوم لنقاشات تثير انقسامات أم لتوحيد الموقف اللبناني وإنهاء التعطيل وإعادة الوضع الاقتصادي الى السكة الصحيحة؟ وهل يُعقل بعد ثلاثة عقود على إقرار اتفاق الطائف أن يستفيق أحد الأطراف، الذي كان حتى الأمس القريب ضد هذا الاتفاق، ليثير إشكالية من خارج سياق الأحداث الطبيعية؟
لماذا تصوير اللبنانيين وكأنهم منقسمون الى مسيحيين ومسلمين؟ ومن تخدم هذه الصورة الانقسامية في هذه اللحظة؟ وما علاقة هذا التوتير الطائفي بـ"صفقة القرن" وما يُحكى عن مشاريع تفتيتية للمنطقة؟ وهل يمكن عزل هذا التوتير الطائفي المتعمد عن سياق الأحداث الخطيرة في المنطقة؟ وأليس من الأجدى رصّ الصفوف في هذه المرحلة لإسقاط مشاريع التقسيم وصفقات القرن الخطيرة؟
إنّ المعارك الطائفية المفتوحة هي معارك مشبوهة وخطيرة ويجب مواجهتها بحزم، لأن التآمر على لبنان لا يمكن أن يمرّ إلّا من خلال تقسيم اللبنانيين وفرزهم، وهذا ما هو حاصل حالياً. فالمعالجة لكل هذه المسائل الحساسة تكون بمسؤولية وطنية بعيداً عن لغة الاستفزاز المستخدمة والتي أعادت لبنان إلى زمن الحرب الأهلية.
وأخيرًا وليس آخرًا، لماذا يصار في هذا الوقت المفصلي "الحركشة" بوكر الدبابير، أو إجبار الناس على المرور من أمام المقابر لكي ترى في منامها الكوابيس؟
وقد يكون من الضروري تكتل حراس هيكل "الطائف" حول التمسك به وتطبيقه بالكامل قبل التفكير بإدخال تعديلات عليه.