"إتفاق الطائف"كان إيجابيا وسلبيته تكمن في الإنحراف عن تطبيق بنوده
أحيا عرّابو اتفاق الطائف ذكرى مرور ربع قرن على إقرار هذا الاتفاق في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1989 حيث تمّ الاعلان عن ولادة «وثيقة الوفاق الوطني» بعد الجولة الحادية عشرة من الاجتماع النيابي الذي كان قد بدأ قبل 23 يوماً. وقتها افتتح الجلسة الرئيس حسين الحسيني شاكراً المملكة العربية السعودية واللجنة العربية الثلاثية العليا على الجهود التي بُذلت، وتليت الوثيقة ثم بدأ الاقتراع بالأسماء فوافق 57 نائباً على الوثيقة وامتنع النائب حسن الرفاعي عن التصويت وتحفظ توفيق عساف، وانسحب زاهر الخطيب من الاجتماع، أما فريد جبران فقرّر التحفظ.
وبعد إقرار الوثيقة التي حظيت بدعم سعودي وأمريكي وفرنسي أكد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع: «ان سوريا ستعمل على تعزيز الوفاق الوطني في لبنان». ولكن بعد انتخاب رينيه معوض رئيساً للجمهورية اللبنانية في مطار القليعات في الشمال ثم اغتياله يوم عيد الاستقلال في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، أي بعد سبعة عشر يوماً على انتخابه، بدأت مرحلة جديدة قال عنها البعض إنها مرحلة الانقلاب على الطائف.
واللافت أنها المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي تجرى فيها مناقشة لما تمّ تطبيقه في الطائف لأن ذلك لم يكن مسموحاً به على الأرجح في زمن الوصاية السورية وتستعيد «القدس العربي» كلاماً للشهيد الحي النائب مروان حماده في جلسة عامة لمجلس النواب إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث نقل مضمون حوار دار بينه وبين الرئيس الحريري غداة إعداد البيان الوزاري للحكومة، إذ أورد حماده الذي تولّى صياغة مسودة البيان فقرة حول الالتزام بتطبيق بنود الاتفاق فما كان من الحريري إلا أن بادره بالقول «شو بدّك تروّحنا يا مروان».
وقد جرت مناقشة اتفاق الطائف في ندوة انعقدت في فندق فينيسيا وشارك فيها إلى جانب عرّاب الطائف الرئيس السابق للبرلمان حسين الحسيني، رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وعدد من الوزراء والنواب.
ومن المعروف ان الرئيس الحسيني، الذي ترك العمل النيابي بعد عام 1992، وقدّم استقالته من مجلس النواب بعد انتخابات العام 1996 تعبيرا عن اعتراضه على الانحراف عن تطبيق بنود اتفاق الطائف الذي يعتبر «أبوه» ويحتفظ بمحاضره السرية. وربما كان الحسيني ينتظر ان يبقى في رئاسة مجلس النواب ليقوم بدور تشريعي لتنفيذ بنود اتفاق الطائف ويسهر على حسن تطبيقه، إلا أنه فوجئ بانتخاب نبيه بري.
وحاول الحسيني لعب دور النائب المعارض وان يخوض معركة استكمال تطبيق «الطائف» لكن محاولاته باءت بالفشل أو عدم الاهتمام من قبل سوريا التي تمّ تلزيمها لبنان دولياً وإقليمياً، فبقيت الإصلاحات السياسية المتصلة بتطوير النظام معلّقة وجرت الاستنسابية في قوانين الانتخاب في الأعوام 1992 و1996 و2000 والعودة إلى إجراء الانتخابات على أساس القضاء وليس المحافظة كما نصّ الطائف.
ومن الأمور التي حدثت وشكّلت انقلاباً على الطائف، زيادة عدد أعضاء مجلس النواب إلى 128 نائباً بدلاً من 108، والحفاظ شكلاً على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وعدم تنفيذ الانسحاب السوري إلى البقاع في المرحلة الاولى، والأحادية السورية في اختيار رؤساء الجمهورية والتمديد لهم، ثم التدخل السوري الكبير في تشكيل الحكومات وفرض النواب.
وفي كلمته أمام المشاركين في إطلاق فعاليات «ربع قرن على الطائف» لم يستعرض الحسيني ما حصل من شوائب لكنه سأل «هل عليّ ان أقدم معرفتي الشخصية عن مضمون الاتفاق، وخصوصاً مسائله وأحكامه المجادل في معناها وتطبيقها، كمسألة توزيع الصلاحيات بين المؤسسات الدستورية أو قانون الانتخابات النيابية، وما هو كائن فيه من المماطلة ولاية بعد ولاية إلى لا ولاية، أو استقلال القضاء وما هو مستمر فيه من المواربة والتعتيم أو الإنماء المتوازن المعلق تطبيقه أو تجاوز النظام الطائفي أو العلاقات اللبنانية السورية أو تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي؟»
وعزا الحسيني عدم تطبيق اتفاق الطائف إلى الفرقاء السياسيين «بسبب نظام المحاصصة الذي يتبعونه والذي تتمثل تركيبته بالعوامل الثلاثة التالية: العصبية المذهبية والسوقية المالية والتبعية الاجنبية».
ورأى النائب السابق إدمون رزق، الذي شارك مع رئيس حزب الكتائب جورج سعادة في الطائف، «ان الاتفاق إيجابي ولكن السلبية تكمن في الانحراف عن تطبيق مواده وخرق الدستور ونقض الوفاق» مشدداً على انه «لا يمكن تعديل اتفاق الطائف ولا الكلام عن آخر جديد، لانه وُجد لحلّ أزمة، وفي المرحلة الراهنة لا يمكن تعديله في ظل الخلافات والانقسامات العمودية والوضع الذي يسوده الجهل»، متسائلاً: «من سيجلس اليوم على طاولة واحدة للتعديل؟».
وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله طرح قبل فترة عقد مؤتمر تأسيسي للبنان، وقد فُهم من هذه الدعوة ان حزب الله يريد استثمار قوته العسكرية في الداخل لفرض اتفاق بديل عن الطائف يلغي المناصفة بين المسلمين والمسيحيين لصالح المثالثة بحيث توزّع الحصص في النظام السياسي بنسبة ثلث للشيعة، ثلث للسنّة وثلث للمسيحيين، كما فُهم ان مثل هذا المؤتمر قد يوسّع نفوذ الشيعة في السلطة التنفيذية من خلال إعادة توزيع السلطة واستحداث منصب نائب لرئيس الجمهورية.
وفيما كان يتوقع ان يضغط حزب الله في اتجاه عقد مثل هذا المؤتمر مستنداً إلى تحالفه مع التيار الوطني الحر بقيادة الجنرال ميشال عون الذي يبحث عن استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني التي تقلّصت في الطائف لمصلحة رئيس مجلس الوزراء السني وليس لمصلحة مجلس الوزراء مجتمعاً كما ورد في الطائف.
غير ان استنزاف قدرات حزب الله في المعارك في سوريا إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد أبعد هذه الفكرة حالياً بعدما كان السيد نصرالله يراهن على إنجاز نصر في سوريا يستثمره في لبنان لفرض تغييرات في النظام. ثم ان تيار المستقبل والطائفة السنية عموماً لن تقبل إضعاف موقع السنّة في الدولة والتوازنات الوطنية ولن تقبل التنازل بسهولة عن المكتسبات.
كذلك فإن المسيحيين وخصوصاً الموارنة لن يقبلوا إعادة النظر في المناصفة وتقليص حصتهم في النظام. وقد تراجع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن المطالبة بعقد اجتماعي جديد كان دعا إليه وربطه بشعاره «شركة ومحبة»، بعدما نبّهته قيادات مارونية إلى ان لا شيء يضمن ألا يأتي مثل هذا العقد في الوقت الحاضر لمصلحة المسيحيين.