هواجس ’تيار المستقبل’ من المؤتمر التأسيسي: حالة توجّس كامنة أم خوف من ’ظهر الغيب’؟
مذ ألقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في التداول فكرة السلة المتكاملة سبيلا مضمونا ومتوازنا للخروج من شرنقة ازمة الحكم القائمة منذ اكثر من عامين، امتشق "تيار المستقبل" مباشرة سيف الاعتراض الحاد على هذه الفكرة وشرع يشهّر بها بحجة الخشية من ان تكون تزيينا لفكرة المؤتمر التأسيسي او تسللا عبرها الى هذا المؤتمر فيصير بين عشية وضحاها امرا واقعا لا فكاك منه.
بطبيعة الحال ليست المرة الاولى يطلق فيها "التيار الازرق" العنان للمخاوف المضمرة لديه من حصول مثل هذا المؤتمر، فهي اضحت هاجسا كامنا لا يلبث ان يطفو على السطح ويظهر في فلتات الالسن مع كل فكرة يتم تداولها للخروج من الجمود السياسي او سعيا لتحريك البحيرة السياسية الراكدة. فالتيار اياه نصّب نفسه منذ زمن حارسا حصريا لهيكل اتفاق الطائف من جهة ومدافعا شرسا في وجه كل ما يشتم منه انه دعوة الى مؤتمر تأسيسي او عرض لعقد سياسي جديد.
لكن الجلي ان الخشية من المؤتمر التأسيسي بلغت اشدها هذه المرة مذ اطلق بري الدعوة الى السلة المتكاملة وجعلها فكرة مقبولة تسعى لدى كل الاطراف وتفعل فعلها وتثير سجالا الى درجة ان الذمّ المستدام من جانب "المستقبل" لهذه الفكرة اوشك ان يفتح ابواب الخلاف مع سيد عين التينة وان يؤسس لقطيعة معه لو لم يبادر زعيم التيار الرئيس سعد الحريري شخصيا ويضع حدا لهذا الخلاف المفتوح على كل الاحتمالات. واللافت ان بعض رموز "التيار الازرق" واظب على النسج على منوال الخوف من علاقة سرية بين الدعوة الى السلة وعرض المؤتمر التأسيسي على رغم الدحض المتكرر من زعيم حركة "امل" لمثل هذه العلاقة واعلانه على رؤوس الاشهاد ان الامر كله لا يتعدى البحث عن تسويات وحلول لإحداث خروق في جدار ازمة الحكم الحالية والتي يقر الجميع بوطأتها.
كل هذا دفع البعض الى التساؤل عما اذا كان خوف "المستقبل" من المؤتمر التأسيسي في محله ام هو مجرد "توجس عصابي" يلجأ اليه كلما شاء تسجيل اعتراضه على مبادرة ما، او دفاعا كفائيا عن شبح تطور ما يستشعره في ظهر الغيب، وذلك على غرار ما كانت تفعله "المارونية السياسية" ابان كان لها الحول والطول.
اعتبارات ومبررات عدة يوردها بعض رموز "التيار الازرق" في الغرف المغلقة لهذا التوجس الدائم من المؤتمر التأسيسي المقرون باستعداد دائم لذمّه في مقابل تمجيد اتفاق الطائف الموضوع منذ عام 1989، وابرزها:
- ان كل الوان الطيف الطائفي في لبنان يجدون في مضامين الطائف ومندرجاته غبنا بحقهم الا طائفة واحدة تعتبر المس به مدخلا لفوضى، مما فرض عليها ابقاء العين مفتوحة لتحبط اي محاولة تنال من هذا الاتفاق او تستشعر انها محاولة للنيل منه عاجلا ام آجلا.
- ان مهمة الحراسة المستدامة لمضامين الطائف تستوجب من الحراس اياهم التنبه من اية هجمات خفية قد تكون تأسيسا لاحداث تغيير فيه ومنها قانون الانتخاب المبني على اساس النسبية المطلقة، انطلاقا من اعتقاد فحواه ان اي تغيير في موازين القوى داخل المجلس النيابي سيفضي حتما الى طرح فكرة تعديل الطائف او ربما استبداله.
- ان الافرقاء الآخرين، وبينهم الرئيس بري، وإن كانوا يبدون حرصا دائما على تحريم المساس بالطائف او عدم الذهاب في لحظة معينة او فرصة متاحة الى المؤتمر التأسيسي، الا انه وفي مناسبات سابقة اطلق رمز اساسي من رموز 8 آذار فكرة الذهاب الى هذا المؤتمر كمخرج لا بد منه من الازمات المتراكمة بعد شغور الرئاسة الاولى والشلل الذي اصاب باقي مؤسسات الحكم.
- ان "تيار المستقبل" لا يخفي اطلاقا ان الفريق الذي يعتبر نفسه متضررا من الطائف ويستبطن الدعوة الى مغادرته يجد الفرصة المؤاتية لذلك في المرحلة الراهنة حيث الشلل سيد الوضع الداخلي منذ اكثر من عامين من جهة، وحيث الاضطراب والصراع السمة الاساسية للوضع الاقليمي، ما يعني غياب ادوار المرجعيات الاقليمية الناظمة والراعية لنصاب الاستقرار والتوازن الداخلي كما هي العادة.
- في البداية وجد "التيار الازرق" سندا وعضدا لمقولاته وهواجسه لدى الفريق المسيحي على اختلاف ميوله، لاسيما بعد انطلاق عملية التخويف المنظم من المثالثة وما يعنيه ذلك من توجه لكسر صيغة المناصفة التي ضمنها الطائف وضمنت للمسيحيين حضورا مميزا. لكن التيار عينه بدأ يستشعر في الآونة الاخيرة ان هذا الشعار (المثالثة) لم يعد عامل جذب للفريق المسيحي كما في السابق، خصوصا بعدما بات الخوف من ممارسات الارهاب وجموحه القاتل في الاقليم وتمدده الى الداخل اللبناني يطغى على ما عداه من مخاوف او هواجس اخرى.
- يجد هذا الفريق انه وان كان عاجزا بفعل التوازنات الحالية عن فرض ما يريده على مستوى الرئاسة الاولى، الا انه يرى ان اولويته هي الصمود والصمود في وجه هجمات الفريق الآخر وحرمانه اي فرصة لتغيير الامر الواقع رهاناً منه على ان الآتي اقليميا هو في مصلحة ما تشتهيه سفنه ويناسب حساباته ومصالحه.
وبصرف النظر عن كل هذه الاعتبارات، فالسؤال: ما هو رد الفريق الآخر على مخاوف المهجوسين الدائمين من المؤتمر التأسيسي؟
لا شك في ان هذا الفريق يجد في الامر افراطا لا مبرر له، وهذا النهج هو نهج الراغبين عادة في عدم التجاوب مع اي طرح او عرض من شأنه اجتراح الحلول للازمات الى درجة انهم، على سبيل المثال، يفضلون الفراغ الدائم في قصر بعبدا على رؤية العماد ميشال عون في هذا القصر، على ما ورد على لسان النائب احمد فتفت، وانهم وجدوا في سلة بري للحل المتكامل مدخلا للمؤتمر التأسيسي مع انهم يعرفون ان بري ليس في هذا الوارد. وفي الاجمال يرى هؤلاء ان هذا النهج الممانع والمعرقل لاي حلول او عروض عادة ما يمنى بالاخفاق ويفلت حبل الامور من يديه ليكون اول الخاسرين لان هواجسه تمنعه من المضي قدما في طريق التجاوب مع افكار الحل ورؤى التسوية في الوقت المناسب.