"النسبية" ترجمة لـ«الطائف» أم إنقلاب عليه؟ (2/2)

النوع: 

شكلت القوانين الانتخابية المتعاقبة منذ العام 1992 إلى اليوم خروجاً على «اتفاق الطائف» الذي حدد المحافظة دائرة انتخابية، وضرباً لروحية الدستور ونصّه لجهة تحقيق صحة التمثيل الشعبي وعدالته في المجلس النيابي، فضلاً عن غياب المعايير الواحدة وتفصيل هذه القوانين على قياس القوى السياسية ومصالحها.وحيال هذا الواقع، وفي ظلّ الانتهاك المتواصل لوثيقة الوفاق الوطني وإنتاج القوانين الانتخابية غُب الطلب، كان لا بد من العودة إلى الجذور للوقوف على وجهة نظر الأشخاص الذين كانت لهم مساهمة كبرى في صَوغ نصوص اتفاق الطائف، وذلك بغية تبديد أيّ التباس، ولتسليط الضوء على مكامن الخلل، وإعادة الاعتبار لخريطة الطريق الانتخابية التي تجسد آمال اللبنانيين وتطلعاتهم.

في هذا السياق، يقول النائب بطرس حرب لـ"الجمهورية" إنّ "القانون الذي طرحه وزير الداخلية مروان شربل، والذي يلحظ النسبية، جيّد من الناحية المبدئية، لكن يجب السعي لإزالة العقبات أمامه، لأنّ ظاهر المشروع جيد، إنما نتائجه قد تأتي معاكسة. فإذا لم نحلّ القضايا والمعضلات المواكبة له، لن نحقق الأهداف المرجوّة منه، بل سيؤدي إلى عكس المطلوب، أي تعقيد آلية التمثيل الشعبي، وتكريس الأحزاب الراديكالية والمتطرفة في لبنان على حساب الاعتدال والقوى السياسية المستقلة التي تشكل الجسر الذي يمكن أن تلتقي عليه الأحزاب المتناقضة. فتغييب الاعتدال والقوى السياسية المستقلة لا يصبّ في مصلحة الديموقراطية السليمة، ما يزيد النظام الانتخابي المقترح وأهدافه تعقيداً".

ويرى حرب أن "هذا المشروع قد يشكّل تجربة خطيرة في زمن دقيق وفي نظام أكثر دقة، ما يدعو إلى القول إن القضية لم تنضج بعد للانتقال إلى الانتخاب النسبي، من دون أن يعني ذلك الإبقاء على قانون العام 1960". ويضيف: "اتفاق الطائف شدّد على صحة التمثيل الشعبي وفاعليته، وهذا المشروع قد يؤدي إلى عكس ذلك، لأنه سيزيد دور المسيحيين وتمثيلهم السياسي تهميشاً، بحيث يصِل إلى الندوة النيابية من يَركَب حافلات اللوائح المركبة من الأحزاب، من دون أخذ إرادة الناخبين في الاعتبار، بحيث أن تركيبة اللوائح الأكبر قد تأتي على حساب حقيقة توَجّه الناخبين".

ويطرح حرب اعتماد اقتراح قانون يعتمد الأقضية المتوسطة دائرة انتخابية ما دون 4 نواب في القضاء، على أن يُعطى لكلّ مواطن حق انتخاب مرشح واحد، وينجح بالنتيجة من يحصل على عدد أكبر من المرشحين. ويرى أن "هذا الطرح قد يكون الأفضل موقتاً، لإجراء انتخابات سليمة تحقق صحة التمثيل الشعبي". ويشير إلى "وجوب تعديل بعض المواقع النيابية التي فرضتها الوصاية السورية لتحقيق مصالح هذه الوصاية على حساب المصالح اللبنانية، كفرض مركز ماروني في طرابلس حيث لا يتعدى عدد الناخبين الموارنة المئات. وفي الوقت عينه، هناك آلاف من الموارنة في مناطق أخرى من دون تمثيل، كالبترون التي يجب اتخاذ تدبير بُغية مساواتها بقضائي الكورة وزغرتا، حيث أن عدد الناخبين متساو تقربياً، بحيث ننقل المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون".

في المقابل، يؤكد النائب السابق الدكتور حسن الرفاعي لـ"الجمهورية" أن "لا قيمة دستورية أو قانونية لأيّ نص يخرج عن نصوص الدستور، واتفاق الطائف لا يخرج عن كونه أفكاراً عادية، أو توصية، على أبعد حد. فيمكن الحكومة أن تأخذ بهذه التوصية أو ترفضها ويمكن مخالفتها، إذ إنها غير مقيّدة بها إطلاقا". ويقول: "نحن ملزمون تطبيق الدستور حتى يُعدّل، أما ما هو خارج الدستور فلا قيمة له. والبعض يقول إن الطائف قيمة ميثاقية، ولكنه ليس ميثاقاً، فما تم الاتفاق عليه خارج الدستور لا يعدو كونه مجرد توصية".

وبدوره، يرى الوزير السابق ألبير منصور أن "قانون شربل المقترح يقارب روح الطائف بمعنى التمثيل النسبي، لأنه يعطي صورة أقرب ما تكون إلى الواقع السياسي. وبالتالي، فإنّ التمثيل النسبي مع التفضيل، حسبما هو مقترح، قد يكون في المرحلة الراهنة أفضل قانون ممكن لأنه يخلق نوعا من حلقة انتقال بين ما كان عليه لبنان السياسي سابقاً وبين ما يتحوّل إليه".

ولا يعتبر منصور أن النسبية تلغي المناصفة التي تحدّث عنها الطائف، "فمناصفة الطائف هي مناصفة عددية لا أكثر ولا أقل، وليست من حيث أن كل طائفة تنتخب نوّابها، لذا التذرّع بالمناصفة ليس في محله". ويضيف: "النظام السياسي كان يتمثل في مجموعة من الشخصيات المستقلة، ولكن مع التحول الحزبي، يبدو أن التمثيل النسبي بات أفضل، إنما مع المحافظة على الطبيعة الخاصة للسياسة التي تتمثل بالأحزاب التاريخية التي لا تمثل الطوائف والمذاهب كما هي عليه اليوم".

ويلفت منصور إلى أن "النسبية تشترط مسبقاً أن يعدل قانون الاحزاب الحالي، بحيث يصبح قانوناً عصرياً حديثاً يمنع قيام أحزاب طائفية ويشترط تركيبة وطنية للسماح بأحزاب وطنية".

قانونياً، يؤكد عضو لقاء "قرنة شهوان" السابق الدكتور توفيق الهندي لـ"الجمهورية" أن "القانون الذي اقترحه الوزير شربل لا يؤدي إلى تمثيل جميع الناخبين، ولا يحقّق المناصفة. فالكلام عن المقاربة بوجود نسبية أو أكثرية أو دوائر صغيرة أو كبيرة كلها أمور لا توصِل إلى عملية أساسية في المناصفة الحقيقية بين المسلمين والمسيحيين في إطار العيش المشترك، أي اتفاق الطائف، إلى حين إلغاء الطائفية حسب الآلية المنصوص عنها في المادة 95 من الدستور. فمَن سينفذ الطائف لا يدخل في اعتبارات كهذه، بل يحاول أن يلتزمه. وأنا مع الالتزام 100 في المئة بنصّ الطائف". ويضيف: "هناك مشروع يحقق هذه المسألة، وهو المشروع الذي قدمته لجنة فؤاد بطرس، وهو يستند الى الدوائر حجماً وتمثيلاً، وليس حول الاكثرية والنسبية. إذ يجب الالتزام بالدوائر المنصوص عنها في اتفاق الطائف، لتحقيق المناصفة الحقيقية والعيش المشترك".

ويرى الهندي أنّ "عامل الديموغرافيا بين المسلمين والمسيحيين المقيمين في لبنان لا يساعد على تطبيق نظام النسبية. وبالتالي، أعتقد ان هذا المشروع كغيره لا يحقّق المطلوب". ويقول: "الدافع الى اعتماد هذا القانون أو ذاك هو من أجل الحصص السياسية، إذ إن كل طرف سياسي ينظر الى القانون إذا كان يناسبه أم لا، وليس على أساس العقد الاجتماعي الأساسي الذي بُني عليه لبنان، وهو اتفاق الطائف".

ويلتقي الخبير الدستوري الدكتور أنطوان سعد مع الهندي في الرأي، فيرى أن "النسبية المقترحة لا تأتلف مع الدستور، لأن عدداً كبيراً من النواب والمقاعد لن تنطبق النسبية عليها، فكلّ دائرة فيها مقعد واحد من طائفة معينة لن تعتمد نسبية فيها، كالمقعد الدرزي والماروني ومقعد الأقلية في بيروت، والمقعدين الماروني والعلوي في طرابلس وعكار. وبالتالي، هذا أهم خلل في القانون، لأنّ هذه المقاعد لن تجري عليها النسبية لوجود مقعد واحد، إضافة إلى أن النسبية لا يقتضي تطبيقها في دوائر صغيرة، بل في دوائر كبيرة".

ويضيف لـ"الجمهورية": "أمر معيب أن يأتي هذا الاقتراح غير منطبق مع الدستور، ولذلك يجب إهماله وتقديم اقتراحات تنطبق مع احكام الدستور، وبالتالي تحقيق المناصفة. كالاقتراح الذي قدمته بالتعاون مع البطريرك مار نصرالله بطرس صفير منذ العام 2007، والذي يحقق نوعاً من العدالة والمساواة للناخبين باختيار مرشحيهم، وفي الوقت نفسه يحقق المناصفة، فهو يقضي بتعديل قانون الستين لتصبح الدوائر مؤلفة من مقعدين أو ثلاثة أو أربعة كحد أقصى، كما هي الحال في كل دوائر الجنوب، وكذلك بشري، زغرتا، البترون، الكورة وجبيل، لا أن يصوّت الناخب لمقعدين في البترون، بينما يصوّت ناخب آخر لعشرة مقاعد في بعلبك، فهذا خرق لمبدأ المساواة في قيمة الصوت بين ناخب وآخر في غير دائرة".

ويؤكد سعد أن "على وزارة الداخلية أن تعتمد قانوناً آخر، وتكفّ عن طرح النسبية لأنها مخالفة للطائف، حسبما هي واردة في المشروع الذي قدمته".

تختلف الآراء حول تطابق قانون النسبية مع اتفاق الطائف أو تعارضه، لكن مهما اختلفت هذه الآراء وتنوّعت، فإنها لن توصِل إلى قانون انتخابي يُترجم روحية الطائف ويَلقى إجماعا سياسيا، في ظل الانقسام السياسي العمودي الذي تعيشه البلاد. ليبقى هذا الملف كقصّة "إبريق الزيت".

الكاتب: 
ناهد يوسف
التاريخ: 
الثلاثاء, مايو 1, 2012
ملخص: 
لا قيمة دستورية أو قانونية لأيّ نص يخرج عن نصوص الدستور، واتفاق الطائف لا يخرج عن كونه أفكاراً عادية، أو توصية، على أبعد حد. فيمكن الحكومة أن تأخذ بهذه التوصية أو ترفضها ويمكن مخالفتها، إذ إنها غير مقيّدة بها إطلاقا". ويقول: "نحن ملزمون تطبيق الدستور حتى