ما يجري تأكيد على ان الطائف سقط
مع مضي كل يوم جديد من ايام المهل الدستورية التي تشهد تبايناً جذرياً بين كل القوى السياسية على مستوى القراءة والفهم والتفسير، وهو تباين يمكن أن يأخذ مداه ويوصل الى أسوأ العواقب الميدانية سياسياً وحتى أمنياً في ظل عدم وجود مرجعية دستورية تملك التفسير القاطع لمندرجات الوثيقة الوطنية التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الطائف في العام 1989وما ورد فيها من توزيعة للصلاحيات الدستورية، وفي غياب المرجعية الجامعة التي كانت تملك الكلمة الحاسمة لاعادة الامور الى نصابها واعادة تنظيم الحياة السياسية في البلاد.
فالكباش السياسي القائم اليوم، والذي يتخذ ابعاداً دستورية في معظم الاحيان، هو كباش أخطر مما يتصوره بعض اللاعبين وكل المتابعين والمهتمين بحسب مصدر سياسي ، على اعتبار انه يقع بين أقطاب الجمهورية الثانية الكبار والأساسيين في ظل عدم وجود ضابط ايقاع يكون بمثابة الحكم النهائي او المرجعية التي تملك الكلمة الوازنة والحاسمة عند اشتداد الازمات الدستورية، وهو الامر الذي يعيد إحياء كل الهواجس المرتبطة بالشعور بالظلم او بالشعور بالانتقاص من صلاحيات بعض المقامات اللبنانية، ولا سيما في الجانب المتعلق بالشكوى الدائمة مما يراه البعض إجحافاً لحق ببعض ممثلي الطوائف اللبنانية في تركيبة الحكم اللبناني في ذلك الاتفاق التاريخي الذي ما يزال مثار شكوى وتذمر لدى غالبية مكونات المجتمع اللبناني.
وانطلاقا من شعور بعض ممثلي الشرائح اللبنانية بأن هذا الاتفاق الذي عقد في لحظة سياسية حرجة ودقيقة استخدمت فيها بعض التهويلات في ظل مؤديات الحرب الاهلية، واستخدمت نتائجها لفرض أمور ووقائع جديدة لم تكن النخب السياسية لتقبل بها في حينه لولا انها تلازمت مع بعض التقديمات والامتيازات والمغريات السياسية والاقتصادية والمالية الخاصة وبالتلازم مع تقديمها كحزمة مقترحات متلازمة من شأنها ان تنهي الحرب الاهلية المتمادية في حينه، وهو ما جعل من اتفاق الطائف يومها أشبه باتفاق أمر واقع أشتراه السعوديون بأموالهم وتمكنوا من تسويقه دولياً على طريقتهم بعد ان ضمنوا الحصة السورية المباشرة ضمن مندرجاته .
اليوم، تغير الزمن، بحسب المصدر السياسي، ولم يعد التمسك بالطائف سمة هذه المرحلة ، بل اكثر من ذلك فان القوى الرئيسية والفاعلة في الحياة السياسية داخليا، لم تعد معنية بذلك الاتفاق المثير للجدل . فالجهة التي ابدت تذمرها ورفضها الضمني لبعض جوانب الاتفاق في العام 1989 ولا سيما في ما يتعلق بتوزيعة بعض الصلاحيات، وهي الجهة المارونية تحديدا، لم تعد اليوم على هامش الحياة السياسية، كما كانت في حينه، وخلال المرحلة التي تلته، لا بل أصبحت اليوم في واجهة التركيبة السياسية القائمة. وبالتالي لم يسجل «للتيار الوطني الحر» او لحزب «القوات اللبنانية» اللذين يسيطران على التمثيل المسيحي في الحياة الساسية اللبنانية اليوم، ان ابديا يوما اعجابهما باتفاق الطائف او حتى موافقتهما عليه من خارج الالتزام بمقتضيات الوفاق الوطني. والجانب السوري الذي كان ضمن السهر شخصياً على حسن تطبيق مندرجات ذلك الاتفاق الشهير بعد ان نال حصته الخاصة في تركيبة الطائف للحكم الجديد، أخرج من لبنان في العام 2005 خالي الوفاض، وشعر انه تعرض لانقلاب مباشر عليه وعلى حصته من ابرز رعاة ذلك الاتفاق الوطني وهي السعودية، والقوى الشيعية التي كانت جزءاً أساسياً من الموافقين على ذلك الاتفاق نتيجة نظرتها الخاصة باعتبار هذا الاتفاق مرحلياً، ومن شأنه ان يعيد تركيبة الدولة اللبنانية وينظم الحياة السياسية بما يتوافق مع الهوية السياسية الجديدة للبنان العروبي المنتظم في المحور المناوئ للحركة الصهيونية، بدلاً من لبنان الذي كان يراد الحاقه في حينه بالمشروع الاسرائيلي من خلال تطبيق اتفاق الاذعان الشهير اتفاق 17 ايار الذي اسقطته حركات المقاومة الوطنية آنذاك.
وبما انه ليس لدى أبناء الطائفة الشيعية اي مشروع خاص للبنان، سوى المحافظة على انجازات المقاومة الوطنية اللبنانية ضد العدو الاسرائيلي في حينه، ومراكمة هذا النوع من الانجازات ما امكن، فقد وافق الشيعة على ذلك الاتفاق لاعتباراتهم الخاصة يؤكد المصدر، التي كان ابرزها الاجماع الوطني على ضمان حقهم، بل ومؤازرتهم في محاربة العدو الصهيوني حتى طرده من الجنوب والبقاع الغربي، وحماية التراب اللبناني من كل انواع الاعداء المتربصين به شرا. وكانت عملية شرعنة سلاحهم المقاوم عبارة عن ضمانة مضمرة اعطاها لهم المنتدون في الطائف كمنحة تحفيزية لموافقتهم عليه، مع بعض التبديلات الشكلية الصغيرة في صلاحيات رئيس المجلس النيابي وطرق ادارته لجلسات البرلمان.
الكتلة الدرزية السياسية لم تشعر يومها ان الطائف انصفها بتخصيص 8 نواب لها من حساب نواب الطائفة الاسلامية، في سياق التقسيمة الطائفية للنواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، فتم ارضاؤها يومها بحسب المصدر، بتكريس تقسيمات انتخابية تجعل بعض المقاعد المسيحية تحت سيطرتهم انتخابياً، وهو ما جعلهم يوافقون باعتبار ان النائب المسيحي الذي يفوز ضمن البوسطة الدرزية او ضمن تحالف سياسي محدد سيكون بمثابة ضمانة درزية في المجلس النيابي كما في المنتديات السياسية.
ورغم ان كل الطوائف والمكونات السياسية اللبنانية رفعت الشكوى في حينه من ان الخلل الذي اعترى اتفاق الطائف يكمن في تكريسه هيمنة سنية على القرار والامتيازات، فإنه حتى السنة الخارجين من عباءة الولاء الكامل للنظام السعودي، شعروا بأن الطائف همشهم يضيف المصدر، بل سلبهم اي تمثيل سياسي كقوى وطنية أساسية لها وزنها على الساحة المحلية الداخلية وهي قوى متعددة وكثيرة، الا ان الراعي السوري تمكن طوال وجوده في لبنان من اعطاء تلك القوى بعض من حقوقها التمثيلية والسياسية .
من هنا يرى المصدر السياسي، ان ما يجري اليوم هو بمثابة رفع للصوت والشكوى الجماعية من كل هذه الجماعات السياسية والطائفية بأن اتفاق الطائف لم ينصفنا، وأنه آن الاوان للبحث عن صيغة أخرى تضمن حقوق الجماعات والطوائف بعيدا عن أي مؤثرات خارجية يمكن ان تعيد زرع الالغام والافخاخ في أي عقد وطني جديد.