هل ما زلنا في جمهورية لبنان؟
اعتلى منصة الرابية، جال الجنرال بنظره، ركز على "الجمهور" الذي كان يهتف دون توقف، اغمض عينيه وعاد الى ايام ال89 في ما كان يسمى " قصر الشعب" و" شعب لبنان العظيم"... وخرج من اغماضته غاضباً متوتراً ليعلن بعنف وكأنه يكمل واحدة من خطب العام 89:"نحن الاوصياء على الوطن.. لا احد يعين لنا رئيسنا وقائد جيشنا، بل نحن من يعينهما ومن لا يعجبه الامر يضرب رأسه بالحيط".
رش التهم ذات اليمين وذات اليسار فيما المستمع، المواطن العادي، يطرح الاسئلة البديهية: اين يتحدث "مون جنرال"ولمن؟ وفي اي جمهورية؟ فالمواطن يعرف ويدرك ان ما طرح لا يصح على الدولة اللبنانية،وعلى المركزين الرفيعين،رئاسة البلاد وقيادة الجيش،بل ربما يصح (ولو مع بعض التنازلات) على جمهورية مارونستان مثلا ، والتي لا يرى الجنرال سواها، ويبدو انه في كل طروحاته بدءا من مشروع القانون الارثوذكسي الى افتضاح حجم هذا الشبق بالرئاسة الاولى، يرى ان الظرف مؤات لفرض رؤيته، واغلب الظن ان زيارة ولايتي للرابية بعد خطب امين عام حزب الله، شجعت الرجل الذي لم يلحظ، او لا يريد ان يلحظ،ان عمره السياسي بات خلفه منذ زمن بعيد.
بالتأكيد بإمكان الجنرال خوض معركة وقد تكون ناجحة جدا على المركز الاول للموارنة، وليس للمسيحيين، وقد يتمكن من الجلوس على كرسي بكركي، سيما وان سيد الصرح الذي ذهب قبل نحو من سنة ونصف السنة الى الدعوة والعمل على حصر الرئاسة الاولى للبلد، بأحد الاربعة "الكبار" الذين يتحدرون من رحم الميليشيات والحرب الاهلية، وأدى ذلك الى ضرر كبير لحق بالدور التاريخي للصرح البطريركي ودورالبطريرك، عندما انزلق لاعتبار الاستحقاق الوطني الكبير حدثاً مارونياً حصراً. وعندما اكتشف البطريرك متأخرا جدا ، كانت بكركي قد افتقدت كل تأثيرها فأعلن عن اقفالها بوجه النواب الذين لم ينتخبوا رئيسا وليعود منذ فترة ليتحدث عن ان الرئيس يجب الا يكون من الفريقين اللذين يجسدان الانقسام الراهن في البلد.
ما يعتقده الجنرال ويظن انه بالامر البسيط والسهل، هو ان بامكانه ان ينخرط في محور ما يسمى الممانعة يدافع عن اعتداء حزب الله على الشعب السوري وإلحاقه الضرر الجسيم بكل اللبنانيين، ويدعم العربدة الايرانية على امتداد المنطقة ولا يهتز جفنه، ويرى سلوك حكام طهران ويسمعهم يعلنون انهم يسيطرون على اربع عواصم عربية ، ويذهب من يمثله في الحكومة الى مجلس الوزراء للتحريض على قسم من اللبنانيين والافتئات عليهم، من خلال الضغط لتوريط الجيش في الحرب الظالمة على الاراضي السورية ،او في شن اعتداء على عرسال بذريعة كذا وكيت ...ثم يتوجه الى الفريق الاخر الذي يستهدفه دوماً داعياً اياه لتعيينه رئيسا وفق هذه الاجندة التدميرية.
هذه الطروحات، تثير بالتأكيد الاسى،كما تثير الخوف والقلق،لآن من حق المواطن العادي،الذي لا يملك الخبرة السياسية والقانونية، التي كنا نظن ان بعض من يحيط بالجنرال يملكها، من حقه ان يسأل الا يأخذ الجنرال بطرحه الى ما يشبه بعض ما يطرح ويمارس في اسرائيل ولم يعد ينقص الا تحديد باص وسيارات اجرة خاصة للمسيحيين ومثلها للمسلمين.والمواطن العادي الذي يخشى على المصير،على الحاضر والغد،وعلى لقمة الخبز وبقاء الحد الادنى من الحرية يسأل بحدة:وسط هذا التطرف والصراع العنيف الاسلامي الشيعي والسني، هل من مصلحة المسيحيين، او بعض الزعماء، الالتحاق بهذا المحور ام ذاك،وبالتحديد هل من مصلحتهم ان ينخرط الجنرال عون، الطامح لكل شيء،ضمن المحور المعادي للاغلبية الساحقة في طول المنطقة وعرضها؟ وهنا نفتح مزدوجين للاشارة انه كم كان الرئيس ميشال سليمان على حق يوم طرح مشروع "اعلان بعبدا"ويوم توصل لآخذ تواقيع كل الاطراف عليه، فقد كان يدرك ان مصلحة لبنان وكل شعبه تكون بالحياد والنأي بالبلد عن المحاور بما يوفر شبكة امان واستقرار، والكل يعرف ان حزب الله عاد وتنكر باكرا لتوقيعه، فيما تنكر الجنرال عون عمليا للتعهد المؤكد عليه في اعلان بعبدا، وقد ارتبط هذا التنكر بالاداء اللاحق لحزب الله في سوريا مدعوماً من جنرال الرابية.
تبقى ملاحظة، ان الطامح لاحتكار هذين المركزين الرفيعين، تميز أداؤه على مستوى ممارسة الحكم بنهج الاستيلاء على الوزارات والحاقها بممتلكات الرابية (والامر ليس محصورا هنا بهذه الجهة دون سواها)، وحجم الفساد والاهتراء تضاعف حيث وضع هذا الفريق يده، ويكفي التوقف عند نموذج الكهرباء التي تحولت اقطاعة خاصة به منذ 7 سنوات والتراجع اليومي فيها مخيف، ولعل ملاحظة الوزير وائل ابو فاعور قبل ايام إثر مشاركته في ما أسمي مؤتمر الطاقة الاغترابية خير دليل وخير تعبير عندما قال: آت من جمهورية جبران باسيل الى جمهورية لبنان.