الطائف مجدداً

النوع: 

 

عادت نغمة تعديل اتفاق الطائف، التي نشهدها عند كل أزمة دستورية أو حين تفرغ جعبة القوى السياسية المعنية حالياً بسلطة القرار.

صحيح أن لا مسألة مقدسة غير الحفاظ على الصيغة اللبنانية والعيش المشترك، إلاّ أن المشكلة لا تكمن في الطائف حالياً، ولا سابقاً، بل إن تطبيق "اتفاق الطائف" يشكل حجر الأساس للخلاص من الأزمة الحالية، بدل الرهان، بين الفينة والأخرى، على مؤتمر تأسيسي لا يعلم أحد مآلاته، خصوصاً إذا كان لبنان لم يستطع انتخاب رئيس للجمهورية رغم مرور أكثر من سنة ونصف على هذا الاستحقاق، فكيف بتعديل دستوره؟ وقد أثبتت التجارب أن العيب ليس في دستور الطائف بل في المسؤولين عن تنفيذه فتجاوز الطائف رَهَنَ البلاد للانقسام القائم منذ 2005. وهذا الاتفاق الدولي الذي جاء برعاية دولية إقليمية لم يحظ، منذ توقيعه عام 1989 في السعودية، أبرز رعاته، بفرصة استكمال تطبيق أحد أهم بنوده، وهو قانون الانتخاب الذي يعتمد النسبية، الذي لو اعتمدته الحكومات المتعاقبة لكان ذلك ليشكل منطلقاً حقيقياً لحل الأزمات السياسية المتوالية. والأشدُّ مرارة من عدم تطبيق الطائف كان الخروج القسري عنه الذي جرى في الدوحة عام 2008، حيث اتفق فريقا النزاع على مصادرة الانتخابات النيابية قبل إجرائها وتداعياتها معروفة. وبالتأكيد لما وصلت مؤسسات البلاد إلى هذا الدرك من الهزالة، فمجلس النواب القائم حالياً الممدّد لنفسه لم يجتمع إلاّ مرة واحدة رغم مرور أكثر من سنة على جلسة التمديد الشهيرة وهو المجلس نفسه الذي لم يجتمع منذ انتخابه في حزيران 2009 إلى اليوم إلا 28 مرة! وأظن أن مشكلة مثل أزمة الفراغ الرئاسي لم تكن موجودة بهذه الفجاجة، لو كان هنالك مجلس نواب ممثل حقيقة للبنانيين، يجتمع ويقول كلمة اللبنانيين في انتخاب الرئيس. هذه المرارة تنطبق أيضاً على التعطيل الذي يعاني منه مجلس الوزراء، الذي بدوره لم يجتمع في عامه الثاني إلاّ 32 مرة أي نصف عدد الجلسات المعقودة عام 2014. فهل الطائف مسؤول عن هذه الأوضاع؟

عملياً، إذا كان اللبنانيون في ظروف مقبولة، أمنياً، فلم لا نذهب مباشرة إلى انتخاب رئيس للجمهورية - بالتوافق طبعاً ولا سبيل إلى غير ذلك حالياً خصوصاً أن المبادرات بهذا الشأن موجودة - فليس هنالك من أهمية للبنان بقدر ملء الفراغ في رأس الدولة. أما إذا كان "تيار المستقبل" و"حزب الله" يراهنان على الوقت لاستثمار حوارهما في مصلحتيهما السياسية الخاصة فإن اللبنانيين، يتطلعون أولاً إلى استقرار مديد، تضمنه مؤسسات الدولة التي يجب أن يكون تحصينها أولوية لأي حوار يقوم بين الأطراف السياسية اللبنانية وإلاّ نأى السلام بنفسه عن لبنان.

يجدر التذكير هنا أن الظروف القائمة حالياً في المنطقة متقلبة، فيما موازين القوى المحلية لا ثبات فيها. ومعلوم أن لبنان لا يسمح إلا بالتوازنات في ما بين المكونات الأساسية في المجتمع اللبناني، ولا يمكن أن يتحكم فريق بفريق أو ينفرد فريق بالحكم دون آخر. من هنا نؤكد أن أي تعديل للطائف مرفوض خصوصاً حين تهدف أطراف سياسية إلى تعزيز مصالح طائفية لغاياتها الشخصية.

صحيح أن الحديث عن الابتعاد عن المحاور الإقليمية والدولية مسألة مهمة، لكن الواقع يشي بغير ذلك. لذا ننصح رحمة باللبنانيين ورأفة بالسلم الأهلي العمل على الحؤول دون تصاعد الصراع السني - الشيعي، الذي يتمدّد في المنطقة بأسرها. وإذ ندرك أن هذا يتطلب حواراً بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية دولية، للتوصل إلى حلول تجنب المنطقة المزيد من الصراعات.. وكذلك يتطلب تذليل العقبات أمام نجاح جنيف 3، والوصول إلى حلول سياسية للمسألة السورية يكون لها انعكاسات إيجابية على لبنان وبلدان حوض المتوسط والمنطقة عموماً، نرى أن على اللبنانيين أيضاً المبادرة إلى تخفيف التوتر والتأكيد على أن المصلحة الوطنية تستدعي دائماً الحفاظ على الصيغة اللبنانية والعيش المشترك، ليس برفع الشعار فحسب، بل بالاهتمام بالمصالح العامة للوطن ورفع شأنه إنمائياً واقتصادياً وتربوياً واجتماعياً، عبر مؤسسات فاعلة ومنتجة.

إن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي هو الضمان الحقيقي للبنان وأمنه، وهو الاستثمار الحقيقي للطاقات الشبابية المهدورة في الهجرة أو في البطالة المغرية للتطرف. فالشباب الذي نزل إلى الشارع يحتاج إلى اقتصاد معافى يؤمن فرص عمل. وليتذكر الجميع أن اتفاق الطائف قال بأن الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً هو ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام. والعمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة من خلال الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي. فهل يحظى اللبنانيون بفرصة جديدة بعيداً من الإنقسامات والتشرذم، فضلاً عن تعطيل المؤسسات. ولتبدأ بانتخاب الرئيس. ومن ثم قيام حكومة جديدة تسنّ قانون للانتخاب عادل. ولتكن الانتخابات البلدية، امتحاناً لإرادة اللبنانيين بتثبيت الديمقراطية سبيلاً

الكاتب: 
فؤاد مخزومي
المصدر: 
التاريخ: 
الثلاثاء, فبراير 4, 2020
ملخص: 
الظروف القائمة حالياً في المنطقة متقلبة، فيما موازين القوى المحلية لا ثبات فيها. ومعلوم أن لبنان لا يسمح إلا بالتوازنات في ما بين المكونات الأساسية في المجتمع اللبناني، ولا يمكن أن يتحكم فريق بفريق أو ينفرد فريق بالحكم دون آخر. من هنا نؤكد أن أي تعديل للط