إعادة تسمية السنيورة: ضرورة لصون المادة 53
هل حقاً تفاجأت المعارضة بإعادة تسمية قوى الأكثرية النيابية الرئيس فؤاد السنيورة؟
أليست إعادة التسمية حقاً كفله بوضوح اتفاق الدوحة، الذي سلّم للأكثرية حق التسمية، ولم يقتض، لا بأن تختار المعارضة من تخاله الأنسب من ضمن الأكثرية أو من خارجها، ولا أن تتفق الأكثرية والأقلية البرلمانيتان مسبقاً على رئيس للوزراء.
تصون إعادة تسمية الرئيس فؤاد السنيورة المادة 53 من الدستور اللبناني، لتبدّد كل ما شاع عن "إسقاط اتفاق الطائف" بقوة السلاح. إعادة التسمية هي الممر الإجباري للدفاع عن اتفاق الطائف في هذه اللحظة بالذات. هي المحك لتبيان أن اتفاق الطائف ما زال المرجعية الأساسية لتسيير المؤسسات الدستورية.
لقد تعرّضت هذه المادة لتجاوز مخالف لأحكام الدستور في بداية العهد اللحودي. تنص المادة في فقرتها الثانية على أن رئيس الجمهورية يسمّى "رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها".
هذه الفقرة تضمن بشكل محدّد للغاية التوازن بين السلطات الدستورية. لا يحتكم النواب إلى صندوق اقتراع، لكنهم لا يتوجهون أيضاً إلى رئيس مجلس النواب. إنما يقصدون القصر الجمهوري، مكرّسين أولاً المرجعية المعنوية والتحكيمية التي ينيطها الدستور اللبناني برئيس الجمهورية، فيأتمنونه على ترشيحاتهم، وعبارة "استشارات نيابية ملزمة" تعني أن عليه ايضاح مرشحهم من دون التباس.
ليس بمستطاع النائب أن يخرج من عند رئيس الجمهورية من دون أن يكون قد أوضح له من يرشح، ويمكنه أن لا يرشح أحداً. لكن لا يمكنه أن يدلي بآراء غامضة. الاستشارة تعني وجوب الايضاح، والمباشرة، من دون لف أو دوران. وهي تعني منح الثقة لرئيس الجمهورية بأنه المؤتمن على الإرادة الجامعة لنواب الأمة.
ائتمان رئيس الجمهورية على الترشيحات هو مناقض تماماً لمنطق التفويض. لا يحق للنواب أن يفوّضوا رئيس الجمهورية. كما لا يحق لهم أن يعرضوا أسماء عدّة ليحيّروا رئيس الجمهورية بشأنها.
أما رئيس المجلس النيابي، فهو نائب مثل سواه عندما يتوجه لرئيس الجمهورية بمن يختاره الأنسب للتكليف. لكنه ثاني الرؤساء في التسلسل الدستوري والبروتوكولي، وفي هذا الإطار يحدّد التشاور معه، في نهاية اليوم الطويل، لإطلاعه على الإرادة المجملة للنواب.
عام 98، جاء الاعتذار الشهير للرئيس رفيق الحريري عن قبول التكليف، في وجه المخالفة الدستورية، المتمثلة بتفويض كتل بعينها رئيس الجمهورية بأن يختار عنها، وبأن يقوم هو بالواجب البرلماني الدستوري بدلاً منها. شكّل الاعتذار نقطة محورية في الممارسة الدستورية، لأجل حماية المقتضيات الميثاقية والمؤسسية للفقرة الثانية من المادة 53.
أما اليوم، فقد جرى التحامل على فحوى هذه الفقرة ليس فقط من طريق التفويض الملتبس، وإنما من طريق التلويح باستخدام "الثلث المعطّل" قبل أن تتشكّل الحكومة، وقد يزداد أمر التلويح باستخدام "الثلث المعطّل" مع مفاوضات التشكيل، خصوصاً وأن المعارضة تجاهر بأنها تتأهب لمعركة اشاعات وتشنجات لا سابقة لها، تحت شعار المطالبة بكل من وزارة المالية، ووزارة العدل، كغنيمتي حرب، بعد الغزوة المسلّحة الأخيرة، هذا إذا جرى تجاوز "قطوع" تكليف السنيورة. لكن اتفاق الدوحة واضح للغاية. ليست الأقلية النيابية تملك حق النقض في ما ترتأيه أكثرية النواب لجهة تكليف رئيس الحكومة.
عند هذه العتبة، تصير مواقف المعارضة "محاكمة للنوايا". تروّج هذه المعارضة أن من يرغب في الصلح والوئام، عليه أن لا يبحث عن الاستفزاز، كما تروّج في الوقت نفسه بأن من يرغب في التعاطي مع الواقع عليه أن يقبل "بالنتائج السياسية" للضربة الأمنية التي وجهت ضد أهالي بيروت وبعض الجبل. فكيف يستقيم المنطقان في وقت واحد، منطق دعوة الآخرين لتجنب الاستفزاز، ومنطق استفزاز الآخرين بدعوتهم للرضوخ.
تصير إعادة تسمية الرئيس السنيورة والحالة هذه، بمثابة المحك الحقيقي للمشاركة. المشاركة تعني عدم إلغاء حق الآخر في أن يسمّي من يراهم الأنسب لشغل المناصب والحصص التي تعود له.
إلا إذا كان يحق غداً لرئيس الحكومة أن يختار هو، من التيار الوطني الحر ومن حزب الله ومن حركة أمل، من يراهم الأنسب في قياداتها أو في قواعدها.
لكن، مهلاً، لما تستفزّهم إعادة تسمية فؤاد السنيورة لهذه الدرجة؟ أولاً، لأننا نواجه ثقافة تستنكر أنها تهاجم بعد أن تكون هي البادئة في شن الهجوم. وثانياً لأن حزب الله لم يتمكن من إقصاء فؤاد السنيورة لا قبل حرب تموز، ولا في أثنائها (دعا الجنرال عون إلى ذلك، مستعجلاً خطاب قصر المهاجرين غداة الحرب)، ولا بعد حرب تموز، ولا مع استقالة الوزراء الشيعة، ولا مع الاعتصام الذي حطّم رقماً قياسياً، ولا مع استباحة بيروت التي أشعلت الفتنة المذهبية أكثر من أي وقت كان.
تأتي اليوم الأكثرية بعد كل ذلك فتعيد تسمية فؤاد السنيورة. هذا يعني أن كل الإنجازات "الميدانية" لم تستطع تبديل أمر "شكلي". يخلق الأمر استفزازاً كبيراً للمعارضة. لا شك في ذلك. لكن هذا الاستفزاز لا يجد سنداً له لا في الدستور ولا في الطائف ولا في اتفاق الدوحة. ومن يريد تجاوز مناخات الفتنة عليه أن يقبل بفؤاد السنيورة رئيساً للوزراء، لأن إعادة تسميته، كما مفردات خطاب القسم، إنما ترسم خريطة الطريق لمداواة الفتنة المذهبية وليس العكس.
لا شك أن المعارضة لن تكون سعيدة بترؤس فؤاد السنيورة حكومة جديدة. لكن أحداً في 14 آذار لن يكون سعيداً بالثلث المعطّل، الذي استعجلت المعارضة استخدامه، بشكل عاجل، وقبل الأوان. فلا بأس هنا، لو استعارت الأكثرية منطق المعارضة.
المعارضة تبرّر مشاركتها في الحكومة مع أكثرية توجّه لها كل التهم، بأنه "هذا لبنان".
لا بأس إذاً.. اشربوا من هذا الكأس، هذا لبنان، وهذا دستوره، وطائفه، واتفاق الدوحة يكفل إعادة التسمية!
أرشيف جريدة المستقبل