الأزمة قائمة لا محال
اذا لم تحصل أعجوبة ما، يتقدم اللبنانيون بخطى ثابتة نحو أزمة انتخابية سياسية ستكون الأعنف منذ اتفاق الطائف. لم تتعطل الانتخابات النيابية في لبنان منذ الاستقلال الاّ خلال الحرب منذ عام 1976 على مدى أربع دورات وهو ماسمح لمجلس عام 1972 أن يجدد لنفسه أربع مرات فعاش مجلس أكثر الانتخابات ديموقراطية في تاريخ لبنان (انتخابات 1972) عشرين عاما.
للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف بات لبنان من الناحية العملية في موقع التمديد الحكمي أقله التقني لأشهر عدة لمجلس انتخابات 2009. حتى قانون الستين من الصعب اجراء الانتخابات على أساسه فماذا لو تم التوصل الى قانون مختلط أو قانون شبيه بمشروع الحكومة؟ هذه مسألة حتى وزارة الداخلية رات أنها تحتاج حينها الى ستة اشهر واكثر.
مهما كانت التوجهات فان الأزمة قائمة لا محال . اليوم يتقدم نواب الحزب التقدمي الاشتراكي والنائب فريد مكاري والنائب أحمد كرامي الى الطعن بقانون تعليق المهل أمام المجلس الدستوري. يذهب النائب وليد جنبلاط ومن ورائه رئيس الجمهورية وصقور المستقبل بالدفاع عن قانون الستين حتى استماتة اجراء الانتخابات على أساسه. لو رفض المجلس الدستوري الطعن استمرت الأزمة واذا قبل الطعن فهذا يعني أن الأزمة ستتعقد أكثر فأكثر لأن المرشحين المغمورين الى جانب مرشحي التقدمي الاشتراكي سيفوزون نظريا بالتزكية وستتعقد الأزمة أكثر فأكثر . يحاول جنبلاط وسليمان والمستقبل تجميع أوراق الضغط على التيار الوطني الحر وحلفائه . يستحصلون على ورقة اسقاط قانون التعليق وبالتالي على احياء قانون الستين لابقاء سيفه مسلطا على رافضيه متحدين بذلك اجماع بكركي الرافض للترشح على اساس قانون الستين . يريد فريق سليمان جنبلاط المستقبل انعاش الستين قبل الخامس عشر من ايار الموعد المفترض لدعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعقد جلسات تشريعية للتوصل الى قانون انتخابي جديد. ستكون معركة هذا الفريق كبيرة جدا في المجلس وكواليسه لرفض أي قانون انتخابي جديد وافشال أي محاولة توافقية وذلك لأن الستين وحده يمكن أن يبقي جنبلاط متحكما بلعبة التوازن بين الفريقين المتخصامين ما يجعله بيضة القبان السياسي . أما المستقبل فقانون الستين ضمانة السلطة مجددا له. لن تجري الانتخابات على أساس قانون الستين وسيرفض التيار الوطني الحر وحلفاؤه كما حلفاء المستقبل المسيحيين الحزبيين هذه المحاولة وستحصل عند هذه النقطة أزمة كبيرة لا يبدو في الأفق أن حلا لها سوف يترجم بقانون توافقي بفعل الحسابات المعروفة لدى الجميع.
اذا وصلت الأمور عند الرئيس بري الى طرح الاقتراح الأورثوذكسي على الجلسة التشريعية كما تقول الأصول البرلمانية والقانونية فان الأزمة لن تحل حتى ولو أقر في الهيئة العامة لأن رئيس الجمهورية سوف يطعن بالقانون أو ربما يرده بهدف اضاعة الوقت. هنا نصبح أمام ازمة جديدة تعطل الأورثوذكسي وتسمح لجنبلاط وسليمان والمستقبل القول على قاعدة أهون الشرين لا لتمديد ولاية المجلس ونعم لاجراء الانتخابات على أساس قانون الستين .
كان الأجدى ربما ان يكون المجلس النيابي صريحا مع نفسه عندما علق مهل قانون الستين المعدل في الدوحة وأن يقول ان تأجيل المشكلة شهرا أو أكثر بقليل لا يفي بالغرض وبالتالي كان الأفضل اما الذهاب مباشرة الى التصويت على قانون جديد أو اذا تعذر بحكم رفض أفرقاء لحقوق المسيحيين في المشاركة والتمثيل الصحيح الى تمديد ولاية المجلس النيابي في شكل صريح ريثما يتم التوافق على قانون جديد.
حتى التمديد ربما لا يفيد في حل الأزمة لأن السوابق الدستورية تقول بالطعن بالقوانين التي يمدد فيها المجلس النيابي لنفسه مع ابقاء ثغرة التمديد التقني مسألة قابلة دستوريا للجدل والاجتهاد.
مهما حصل فان لبنان مقبل على ازمة سياسية كبيرة يؤمل أن تبقى في المجال السياسي.