الفدرالية قد تكون خياراً
سيف ذو حدين يضع الشعب أمام خيارين، الصمود أو الموت. الصمود في وجه وباء فتاك، في وجه أزمة اقتصادية قد تؤدي لمجاعة. أما مصيرنا سيكون كمصير دول كبرى لم تكن آبهة لذاك الوباء وخطورته فقد كان مصيرها آلاف الوفيات يومياً.
بين صرخة من الدولة للشعب للصمود في المنازل لمحاربة وباء عجزت أكبر الدول من محاربته، صرخة من شعب يريد الحياة في وطن طبيعي. سئم العيش في وطن متشنج ومستنفر ومذعور ومأزوم ومرعوب ومصادر، ومعلق على كف عفريت وعلى مشاريع مشوشة ببدع سياسية وخاضعة لأوامر هذا وذاك على حساب لقمة عيش الفقير.
اتخذت الحكومة اللبنانية خطوات وقائية، أثبتت فعاليتها من خلال قدرتها على حصر عدد المصابين بالوباء. وذلك من خلال التعبئة العامة.
كثيرون لم يلتزموا بقرار الحكومة.
استفزتنا مشاهد الأسواق العارمة، بالعمال والتجار وحتى المتسوقين، وكأن هؤلاء غير آبهين أو خائفين من الوباء القاتل. مشهد غير مقبول من وجهة النظر الطبية ، ومن وجهة نظر جميع الجهات الساهرة على سلامة الوطن في هذا الوضع الحساس.
أما من وجهة نظر من لا يمتلك رغيفاً لاعالة والديه المسنين، ام أطفاله الجائعين، وإذا لم يعمل لن يستطيع أن يؤمن معيشة هؤلاء، فالوباء الفتاك خير حل من الجوع الكافر، فالرغيف يستحق التضحية وحتى على حساب حياته.
أجبر هؤلاء بعد قرار الحكومة بالتعبئة العامة على ملازمة منازلهم.
وماذا بعد؟
ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأولية بشكل خيالي وانعدام الرقابة في أغلب المناطق والمدن.
سعر الدولار في تصاعد مستمر.
جوع، وفقر، حالة اقتصادية موجعة، ومجاعة يحاول المسؤولون العمل على اخفائها تحت خيوط وباء كورونا. آلاف التقارير والتصاريح والقرارات تتناول موضوع الوباء وما من كلمة حق تذكر شعبا تعب من الرهان على الوقت لإنقاذ التجربة، في حين باتت المجاعة التي لا يمكن حصرها مناطقياً بعد اليوم تهدده مع كل دقيقة تمر.
لكي لا نعيد الذاكرة الى عامي ١٩١٥ و ١٩١٨ حينما مات أهلنا جوعا في الأرض التي تدر عسلاً. لا بد من خطة وقائية تشمل المجتمع اللبناني بجميع أطيافه وتحافظ على صمود الطبقة الوسطى.
الفدرالية قد تكون خياراً
لا نستطيع أن نمارس نهجا تقسيمياً ونتغنى بالوحدة الافتراضية. فتارة نرى أحزابا "طائفية" بكل معنى الكلمة تدعو إلى ما يسمى "إلغاء الطائفية السياسية" حيث هي في الحقيقة ليست الا محاولات مبطنة للطغيان الطائفي المعتمد على العنصر العددي تحت مسميات مغلفة لإنهاء بعض الطوائف الأقل عدداً سياسياً.
هذا ما ذكره الأمين العام للمؤتمر الدائم للفدرالية الدكتور ألفريد رياشي في حديث أجريناه معه، وأضاف أن مع أزمة تفشي وباء كورونا تطبق الفدرالية اليوم في شقها الإداري والاستشفائي.
كما تكلم عن مجموعات مقسمة طائفياً، وتخدم جمهورها نسبةً للطائفة. وقصد بهذه المجموعات الأحزاب الطائفية المسيطرة. المجموعات والاحزاب المسيحية شغلها الأساسي في المناطق المسيحية وكذلك الحال مع الدروز والسنة والشيعة.
وأضاف رياشي، في الفدرالية تعزيز للقدرة التنافسية المناطقية وبحسب عمقها الطوائفي طبعاً. المناطق الأكثر فقراً قادرة على تعزيز قطاعاتها الغنية. تشهد اليوم الساحات الطرابلسية فقراً، حالها حال مناطق أخرى مثل بعلبك، دير الاحمر، وعكار والهرمل وغيرها من المناطق. وهذا ما نشاهده يومياً من خلال التظاهرات. في حين أن هذه المناطق غنية بمواردها الطبيعية، التجارية، الصناعية. طرابلس غنية، قادرة على مشاريع إنمائية من خلال الاستفادة من ميناء طرابلس كما تطوير لموارد وخدمات أخرى هي بالإصلاح موجودة موضع سياسات ضرائبية تنافسية وغيرها.
بعلبك تنتظر تشريع بيع الحشيشة لأغراض طبية. تحويل زراعة الحشيشة إلى اقتصاد رسمي سيسهم في تخفيف البطالة وتحريك الدورة الاقتصادية.
وتبقى فرضية وعي المسؤولين تطرح مع كل فكرة مشروع من شأنه رفع المستوى المعيشي للشعب.
عودة إلى منافع الفدرالية اليوم مع تفشي الوباء.
بدأت بشري تكتشف بعد أسبوع ونصف من التطبيق الفعلي للعزل المميزات في نظامها الفيدرالي، وباتت نموذجا يحتذى به من حيث ارتفاع نسب الاختبارات لمحاصرة الفيروس، والذي ينظر إليها الكثيرون باعتبارها الاستراتيجية الوحيدة لمكافحة الفيروس.
وبدأ بعض أصحاب رؤوس الأموال تقديم اختبارات لفيروس (كوفيد-19) قبل فترة طويلة من عرض وزارة الصحة دفع ثمن الاختبارات، مما أعطى بشري السبق في اكتشاف المصابين.
ومن الناحية الاقتصادية، يبادر المجتمع البشراوي إلى البدء بالزراعة، حاله حال مجتمعات أخرى. وحتى لو كانت بمساحات محدودة، زرع حديقة منزلية مثلا، لتصبح بمثابة مصدر للغذاء وأيضًا مصدر للدخل الناتج عن بيع فائض المحاصيل، أم التبرع بجزء منه لمساعدة عائلات أخرى. وبذلك يثمر هذا المشروع عن تحقيق الاكتفاء الذاتي لدى الأسر التي تعاني من أوضاع صعبة تقف في طريق أحلامهم وتطلعاتهم المستقبلية.
وبين آراء تتأرجح بين الفشل والربح، يجبرنا الواقع اليوم على إعادة تطبيق الفدرالية، تطبيق فعلي واقعي. ولكنها فدرالية مكتومة القيد، لا يتجرأ أحد المسؤولين على الاعتراف بها لأسباب شتى باتت معروفة.
قد لا تكون الفدرالية الحل السحري، لكن ألم يحن الوقت للتخلص من عقد النهج السياسي النمطي المعتق على حساب الوطن؟