من أجل انتخابات نزيهة
آخر بدعة سمعناها حول تفسير اتفاق الطائف جاءت على لسان "حارس أسرار الطائف" و"حابس محاضره"، السيد حسين الحسيني الذي فاجأنا بأن اعتماد المحافظة دائرة انتخابية مرتبط باعتماد النظام النسبي!!!
وليت السيّد يفرج عن محاضر اجتماعات الطائف، التي هي ملك الشعب اللبناني وليست ملكه، كي لا يستمر تفسير هذا الاتفاق "الوفاقي" بأذواق مختلفة، بحسب من هم في الحكم والحكومات وربما استناداً الى كلمة السر الآتية دائماً وابداً من الباب العالي!
على اي حال، فان هذه المفاجأة ان دلت على شيء فعلى ان من كان مؤتمناً على جمهورية الطائف منذ نشأتها، والى يومنا هذا قد فشل في السهر على تنفيذ الاتفاق، كي لا نقول طعن به وانقلب عليه اكثر من مرة وفي غير مجال!
وهذا يعني بكل بساطة ان حكومات الطائف كانت اول من تآمر عليه واول من قصّر ربما عن قصد في تنفيذه أكان على مستوى الانسحابات السورية ام الوفاق، ام المصالحة، ام الاصلاحات الدستورية.
وعندما نتكلم على الاصلاحات الدستورية فاننا نقصد خصوصا قانونٍ الانتخابات النيابية الذي ننتظره منذ عام 1992... فبدلاً من ان نرى قانوناً واحداً عصرياً ومتطوراً أُعطينا ثلاثة قوانين مختلفة، جرى تفصيلها على قياس واضعيها خدمة لمصالحهم الخاصة، لا خدمة للمصلحة الوطنية العليا.
ومما لا شك فيه ان السيد حسين الحسيني هو من بين الذين يتحملون المسؤولية عن الفشل او التقصير في هذا المجال وهو احد عرّابي الطائف، وكان رئيسًا لمجلس النواب آنذاك، ويأتي اليوم مفسرا الاتفاق على هواه.
فبين قانون على ذوق الرئيس سليم الحص، وقانون على مزاج الرئيس رشيد الصلح، وقانون على هوى الرئيس رفيق الحريري، وقانون بحسب مشيئة الرئيس كرامي، وقانون على رغبة الرئيس حسين الحسيني وقانون على توجه الرئيس نبيه بري، وقانون على ما ترتأي الاجهزة، ضاعت فرصة وضع قانون صالح انطلاقاً من آلية واضحة لم تنفّذ طوال اثني عشر عاماً.
ولقد كان من المفترض ان يسبق وضع القانون الجديد اتمام مصالحة وطنية حقيقية وتأليف حكومة وفاق وطني تشرف على تنفيذ الاصلاحات الدستورية وكذلك على الانسحابات السورية.
فأي وفاق وطني هو الذي فتحت الدولة باسمه ملفات العماد عون اعتباطاً، وسجنت باسمه الدكتور سمير جعجع، وقمعت الطلاب ووزعت التهم بالخيانة على كل معارض، محاولة بشتى الطرق كم الافواه على كل المستويات.
ولا لزوم هنا لتعداد محطات الطعن بالوفاق التي سلكتها حكومات الطائف في العهدين السابقين ومنذ بداية هذا العهد الممدد له قسرا... طبعاً!
اما في ما يعود الى قانون الانتخاب في ذاته، فكان واضحاً بحسب ما نص عليه اتفاق الطائف ان تعتمد المحافظة دائرة انتخابية، ولكن بعد اعادة النظر في التقسيمات الادارية وانسجاماُ مع قانون جديد للامركزية الادارية يراعي ميثاق العيش المشترك.
وليس سراً القول ان لا التقسيمات الادارية الصالحة ابصرت النور، ولا قانون اللامركزية الادارية. مما يعني ان مبدأ اعتماد المحافظة بات اليوم امراً مستحيلاً، بل ساقطاً!
وبما ان العهد الحالي وحكومته الميمونة لا يتمتعان بمواصفات الوفاق الوطني والتوافق، فقد بات ايضاً وايضاً - وبمعزل عن ضيق الوقت مستحيلاً على هذه الحكومة ان تضع قانوناً جديداً للانتخاب يأخذ في الاعتبار شروط اتفاق الطائف ومواصفاته وآلياته.
ولهذا السبب، اضافة الى الانقلاب الدائم الذي يقوم به اهل الطائف على الاتفاق وبما اننا على ابواب الاستحقاق النيابي، فأننا نشعر بحاجتنا الى قانون انتخاب يتمتع بالحد الادنى من الصدقية. قانون لا يشكل مادة خلافية كما كانت الحال مع القوانين الثلاثة غير الدستورية التي رعت العمليات الانتخابية الثلاثة في عهد الطائف والتي طعنت فيها كل الاطراف بمن فيهم اهل السلطة.
انطلاقاً من هذا الواقع قد يكون افضل الحلول اجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل على اساس قانون 1960 الذي اعتمد القضاء دائرة انتخابية، وخصوصاً ان هذا القانون كان قد رعى ثلاث عمليات انتخابية بما فيها تلك التي نتج منها مجلس النواب الذي "انجز" اتفاق الطائف، علماً ان هذا القانون جاء يومها نتيجة دراسات معمقة وعلمية وجادة، اخذت في الاعتبار خصوصية المجتمع اللبناني انطلاقاً من الاعتماد على عنصرين اساسيين هما: الطائفة والمنطقة.
نعم، ان اعتماد قانون 1960 قد يكون افضل الوسائل في هذه المرحلة الانتقالية، على امل اجراء انتخابات نيابية نزيهة وشفافة يأتي من خلالها مجلس نواب جديد يتمتع بالحد الأدنى من الشرعية الشعبية.
على ان يلي ذلك تأليف حكومة اتحاد وطني هدفها تصحيح العلاقة مع سوريا واحياء الحياة السياسية اللبنانية، من خلال قيام احزاب جديدة على صورة احلام الشباب ومن خلال اشراك المجتمع المدني بشكل فعال ومباشر في القرار.
عندها يصبح من الممكن البدء جدياً بورشة الاصلاحات الدستورية الضرورية بما فيها قانون انتخاب جديد من اجل بناء دولة عصرية على مستوى تحديات المرحلة، دولة تعيد الى لبنان دوره ومكانته في المنطقة والعالم!