25 عاماً على «الطائف»: إستغلالٌ ومحاصصة ونهبٌ للمال العام؟

النوع: 

 

انقضى ربع قرن على إقرار اتفاق الطائف الذي تضمّن مبادئ من المُفترض أنها أنهت الحرب الأهلية. إذ على رغم أهميّته في حلّ الأزمة اللبنانية، فإنّ هذه الازمة لم تُحَلّ جذرياً، لأنّ الأفرقاء السياسيين استغلّوا السلطة واستباحوا المال العام. ولذا سيُعقد يومَ الأربعاء المقبل مؤتمرٌ في فندق فينيسيا للبحث في نقاط عدّة متعلّقة بهذا الاتفاق.

يؤكد رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني الذي ترأس اجتماعات النواب في مدينة الطائف السعودية عام 1989 أنّ «الحلّ الوحيد للأزمات في لبنان هو اتفاق الطائف الذي لم يُطبّق بعد حتى اليوم لأنّ الافرقاء السياسيين لا يتوقفون عن استغلال مواقعهم في السلطة بدءاً بالمحاصصة الطائفية وصولاً الى نهب المال العام».

ويقول لـ«الجمهورية» إنّ «البروفسور تيودور هنف القادم من اندونيسيا اعتبر في كتابه عن الازمة اللبنانية انّ الحلّ الوحيد لها هو اتفاق الطائف لأنه لا يمكن تطبيق نظام بلجيكا ولا سويسرا ولا المجتمعات المتعدّدة الأخرى»، مفسراً انّ «اتفاق الطائف هو خطة العمل التي من خلالها يشارك المواطنون بمختلف انتماءاتهم الدينية والطائفية والمذهبية في القرار، فهو تسوية تنقلنا من حال التشرذم الى حال الوحدة ولذلك يصلح هذا الاتفاق للمجتمعات التي لم تعرف بعد معنى الدولة».

وعليه، يعتبر أن «لا مانع من حصول «اتفاق طائف سوري» شبيهٍ باللبناني لحلّ الأزمة السورية، فـ»الطائف اللبناني» فعّال وهو المنقذ للبنان، غير أنّ المشكلة تكمن في عدم تطبيقه»، لافتاً الى انّ «هذا الاتفاق ينقلنا من صيَغ مشكو منها ما عادت تلتقي مع رفع العار الى دولة ديموقراطية جمهورية برلمانية».

ويعزو الحسيني عدمَ تطبيق اتفاق الطائف الى الافرقاء السياسيين «بسبب نظام المحاصصة الذي يتبعونه والذي تتمثل تركيبته بالعوامل الثلاثة التالية: العصبية المذهبية والسوقية المالية والتبعية الاجنبية، وهذه العناصر كلها مرتبطة بعضها ببعض، فالتبعية الاجنبية تستتبع السوقية المالية والتي بدورها تؤدي الى العصبية المذهبية»، لافتاً الى انّ «الشكوى ليست من الناس بل ممّن هم مُتسلّطون على الناس».

ويؤكد الحسيني انّ «تطبيق اتفاق الطائف يرتكز على ثلاثة امور هي تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي، وتطبيق اتفاق الهدنة مع اسرائيل والمُبرم في الباب السابع من ميثاق الامم المتحدة للعام 1947، وترسيخ العلاقة اللبنانية ـ السورية على قواعد ثابتة في اطار استقلال وسيادة كلّ من البلدين، وإقامة دولة مدنية ممثلة لجميع فئات الشعب اللبناني».

ويشير إلى انه «بعد تطبيق ما يرتكز عليه هذا الاتفاق عندها لن يكون هناك مبرّرٌ لأيّ مقاومة، ولكن طالما أرضنا محتلة، المقاومة موجودة وهي حقّ لكل لبناني وواجب عليه». ويلفت الى انّ «اتفاق الطائف مكتوب، وأيّ تبديل له يعني اننا نبحث في أصل وجود الكيان، كما انه يتطلب لجنة مختصة وإجماعاً لبنانياً ـ لبنانياً، ولبنانياً ـ عربياً، وعربياً ـ دولياً».

ويشدّد على انّ «لدى لبنان 4 ثروات:

1- الحريات العامة والتي على رغم سوء استعمالها في بعض الاحيان فهو يدافع عنها حتى الشهادة.

2 ـ الانسان اللبناني المنفتح على الآخر، ويملك وسائل للحوار معه ويشكل نخبة في الداخل والخارج تصعب مقارنتها مع أيّ نخبة لأيّ شعب آخر.

3 ـ يميّز ثلث الشعب اللبناني الزيجات المختلطة والتنوّع الديني في العائلات، وهذا الامر كان كافياً لعدم «قبرصة» لبنان، أي عدم انقسامه الى يومنا هذا.

4 - التمرّس الانتخابي للشعب اللبناني».

ويضيف الحسيني: «هذه الثروات جعلت من لبنان نافذة العالم على المنطقة ونافذة المنطقة على لبنان، ولكنّ المشكلة اليوم تكمن في الخطاب السياسي الذي لا يمكن تغييره إلّا من خلال قانون الانتخاب». ويقول إنّ «اعتماد النظام النسبي في الانتخابات وإقرار القانون الانتخابي يؤدي بعد اسبوع الى اختفاء الخطابات الحماسية المذهبية والطائفية بكاملها، فقانون الانتخاب هو المفتاح ويُعيد المسؤولية»، مشيراً الى «انّ الازمة اليوم هي ازمة مسؤولية من جهة واستباحة المال العام من جهة ثانية، الامر الذي يمنع بالتالي تطبيق اتفاق الطائف».

ويلاحظ الحسيني انّ «الشعبَ معتادٌ على انّ مال الحكومة ليس ملكاً لأحد، ولهذا قدّمنا طعناً امام مجلس شورى الدولة لأنّ هذا المال يخصّهم وحدهم، والمطلوب الى هذه الخطوة، مواكبته بعمل شعبي».

وفي سياقٍ منفصل، يشير الحسيني الى انه «في غياب المؤسسات والحكومة والمجلس النيابي والرئاسة تكون المخاطر داهمة، ولكنّ قدرنا هو المواجهة والتصدي لأيّ تقسيم، فعلى رغم كل المحاولات لتقسيم لبنان الى كونتونات ومربّعات أمنية، فإنه بقيَ موحداً، وهذا الامر ينسحب ايضاً على العراق وسوريا إذ هناك استحالة في تقسيمهما في حال وجود ايّ محاولات في هذا الاتجاه».

ويشدّد على «ضرورة تطبيق الدستور، وإلّا كنا امام نظام المحاصصة، ولهذا يجب تصليب الارادة الشعبية في المحافظة على الدستور لكي تحلّ كلّ المشكلات من دون التفكير في ايّ تعديل له، لأنّ هذا الامر يتطلب ايجاد المؤسسات الدستورية المخوّلة هذا الاجراء».

ويرى انّ «تطبيق اتفاق الطائف لا يتعلق بوجود نيّة من عدمها، وانما يتعلق بالامكانية والاستمرار لعدم التطبيق»، لافتاً الى انّ «سلسلة الرتب والرواتب على سبيل المثال اصبحت أمراً مهيناً ومسخرة، ولهذا تتزايد النقمة الشعبية».

ويضيف الحسيني: «انّ عبارة» 128 حرامي» أصبحت على ألسنة الناس التي لن تجد حلاً إلّا بقانون الانتخاب الذي له مفعول سحريّ، إذ بدلاً من مشاركة 30% في صناديق الاقتراع تصبح النسبة 80% بمشاركة صحيحة لجميع الفئات ومن ضمنها مَن هم في عمر 18 سنة». ويرى انه «يمكن انهاء الفراغ الرئاسي والصورة المزيّفة للسياسيين من خلال قانون الانتخاب وتطبيق اتفاق الطائف الذي يبرز حقيقة الكيان اللبناني».

الطائف لم يكن مثالياً ولكن ضرورياً

في هذا السياق، يرى النائب السابق ادمون رزق أنّ «اتفاق الطائف إيجابي ولكنّ السلبية تكمن في الانحراف عن تطبيق مواده وخرق الدستور ونقض الوفاق»، مشدّداً على أنّه «لا يمكن تعديل اتفاق الطائف ولا الكلام عن آخر جديد، لأنه وُجد لحلّ الأزمة وفي المرحلة الراهنة لا يمكن تعديله في ظلّ الخلافات والانقسامات العمودية والوضع الذي يسوده الجهل».

وإذ يسأل رزق «مَن سيجلس اليوم على طاولة واحدة للتعديل؟»

يقول لـ«الجمهورية» إنّ «مجلس النواب كان يمثل الشعب الذي يريد العيش موحداً، ولكنّ الانقسامات السياسية والعقائدية والاحتلال الاسرائيلي، والفراغ الرئاسي، والوصاية السورية أدّت إلى ذلك الاتفاق للخروج من المأزق»، مشيراً إلى أنّه «لم يكن الحلّ المثالي ولكنه كان ضرورياً لوضع أسس لبناء مؤسسات الدولة، كذلك، وُضعت لجنة مصغّرة لصوغ النصوص التي يحتويها الاتفاق وتمّ تعديل الدستور». ويضيف: «وضعنا اسساً مبدئية للطائف واعتُبرت إصلاحات سياسية ودستورية يجب تطبيقها نصاً وروحاً من خلال العيش المشترَك والشراكة في المسؤولية بدلاً من المحاصصة وتقاطع السلطة».

ويرى رزق أنّ «استمرار الوصاية السورية ضرب اتفاق الطائف خصوصاً مع تعيين نواب مخالفين للاتفاق، فأغرق المجلس النيابي بقانون انتخابي غير ديموقراطي وغير ميثاقي»، لافتاً إلى أنّ «إنشاء مجلس نيابي في العام 1992 غير منتخب من الشعب شكل خطراً على اتفاق الطائف، كذلك أدّى إلى عدم تطبيق الدستور». ويضيف: «لم يتعرّض اتفاق الطائف للخيانة، وإنما تمّ التنكر له من خلال السلطة المزيّفة والوضع غير الشرعي تبعاً لتعيين النواب في العام 1991».

ويشير إلى أنّ «اتفاق الطائف يتضمّن أسساً ترتكز على السيادة والنظام الحرّ والتحرير واللّامركزية الادارية الموسعة والمساواة التي تحافظ على العيش المشترَك والشراكة في المسؤولية والسلطات من الناحية العددية والشكلية»، لافتاً إلى أنّ «المشكلة تكمن في الجهل أو التواطؤ أو سوء النية في تأليف الحكومات وتطبيق الدستور ومُهَله من جهة، وإضافة الطبعة الأجنبية الخارقة للإتفاق من جهة أخرى»، ويعتبر أنّ «النقطة الإيجابية الوحيدة هي وجود الوحدة والمسلّمات الوطنية لدى جميع الأفرقاء السياسيين، ولذلك فإنّ الإختلاف اقتصر بينهم على الأداء السياسي والمنافسة على المواقع والمراكز».

سيّئٌ وتطبيقه أسوء

والى ذلك يرى النائب السابق والخبير الدستوري حسن الرفاعي أنّ «اتفاق الطائف لم ينجح منذ ولادته، فالنصوص سيّئة والتطبيق أسوأ مما هو عليه، وهذا ما دفعنا إلى ما نحن فيه اليوم».

ويقول لـ«الجمهورية»: «إنّ في نصوص اتفاق الطائف إيجابية واحدة وهي المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ولهذا السبب يجب تعديله وتطويره، ولكن بعد تخطّي المرحلة الراهنة إذ إنّ المطلوب هو الهدوء والسلام». ويضيف: «ليس من المحبَّذ تعديل الاتفاق في المرحلة الراهنة بسبب الوضع السياسي من جهة والاقتصادي من جهة أخرى».

ويؤكد الرفاعي أنّ «التعديل ليس من اختصاص السياسيين، وإنما للجان متخصصة من القضاة»، مشيراً إلى «أنّ المواد الأساسية المطلوب تعديلها في الدستور هي تلك الغامضة، ولا سيما منها المادة 49 التي تنصّ على أنّ نصاب انتخاب رئيس الجمهورية يتطلّب أكثرية الثلثين في الدورة الأولى فيما الدورات الثانية 50 %، ولكنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ابتكر الثلثين في الدورات كافة». ويختم الرفاعي قائلاً: «الأحزاب هي التي تحكم اليوم وتتخذ القرارات وفقاً لمصالحها».

الكاتب: 
سندرا الصايغ
التاريخ: 
السبت, أكتوبر 18, 2014
ملخص: 
تطبيق اتفاق الطائف يرتكز على ثلاثة امور هي تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي، وتطبيق اتفاق الهدنة مع اسرائيل والمُبرم في الباب السابع من ميثاق الامم المتحدة للعام 1947، وترسيخ العلاقة اللبنانية ـ السورية على قواعد ثابتة في اطار استقلال وسيادة كلّ من البل