الطريق الى الانتحار (الجزء الأول)

النوع: 

 

تعددت الآراء حول ظاهرة العماد عون وانقسمت بين اقسى المؤيدين وأشد المعارضين ورأيت نفسي في الفئة الثانية محتارًا مذهولا من تنكر المجتمع الذي انتمي اليه لتضحيات كبيرة قدمتها احزاب الجبهة اللبنانية خلال فترة الحرب ولما كان من الصعب الدخول في حوار عميق مع مؤيدي الجنرال ولي بينهم اصدقاء كثر وذلك كونه يمثل بالنسبة اليهم المنقذ الذي انتظروه طويلا بعد سنين طويلة من المعاناة والقهر ومن الصعوبة بمكان ان يتقبلوا اي انتقاد للقائد المنقذ الذي لا يخطئ حتى لو لم يفهموا بعض مواقفه وبعض تحالفاته.

وحيث انني اهوى السياسة واتابعها ما قيد لي ان املك معلومات كثيرة تتعلق بهذه الشخصية الجدلية رأيت انه من واجبي ان اكتب عن بعض الحقائق والوقائع التي قد تكون جارحة ومحبطة للآمال لكنها بالتأكيد حقائق دامغة لا بد من ان تقال وتصل الى الوجدان حيث ان “الحقيقة يجب ان تقال مهما كانت صعبة” هكذا علمنا بشير وهكذا سيكون… وانني اذ اوجه هذا البحث الى الاصدقاء اولا وبخاصة الى العونيين من بينهم لا لشيء الا لاعلاء مستوى الحوار فيما بيننا بحيث ننتهي من اللغة الخشبية ومن التخوين كما من التجريح الشخصي الى لغة العقل حيث نناقش الفكر واسلوب العمل السياسي لنخلص الى نتائج عملية وواقعية اثبت من خلالها الاسباب التي جعلتني لا اكون في صفوفكم لا بل اكثر من ذلك جعلتني اكون في موقع الخصومة معكم ويهمني في هذا المجال ان اؤكد على الاحترام الكامل للتيار الوطني الحر سيما المناضلين من بينهم الذين تشاركوا مع مناضلين آخرين شرف مواجهة النظام الامني اللبناني السوري وما تأتى عن ذلك من تضحيات وعذابات شتى.

ولاضفاء المصداقية على المعلومات الواردة في هذا البحث استعنت بعدد من الكتب سيما كتاب “من ميشال عفلق الى ميشال عون” للكاتب الاستاذ فايز القزي وهو احد اصدقاء الجنرال من اواسط الثمانينات حتى اليوم وباني علاقة الجنرال مع سوريا اواسط الثمانينات كما كان الممّثل الشخصي للعماد عون في الحوار الذي دار في تونس بين العماد عون والقوات اللبنانية بعد اندلاع حرب الالغاء وكان الدكتور توفيق الهندي ممثلا للقوات في حينه.

كما استعنت ببعض المعلومات الواردة في كتاب سيرة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير “السادس والسبعون” في جزئه الاول الممتد من عام 1986 إلى عام 1992 ، دعمه مؤلفه الصحافي أنطوان سعد بمقابلات مع سيد بكركي وانطباعات له شخصية .1990- ومدونة كما يتضمن الكتاب تقييم الكنيسة لاحداث عامي 1989 كما يحتوي البحث على معلومات كثيرة وردت في مقالات ومواقع الكترونية وكتب عديدة اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتب كل من الاساتذة:

– روجيه عزام (مؤسس المكتب المركزي للتنسيق الوطني المؤيد للعماد عون ( “Liban L’instruction d’un crime”)

– ايلي سالم (وزير خارجية ثم مستشار الرئيس امين الجميل) “الخيارات الصعبة”

-آلان مينارغ “اسرار الحرب اللبنانية”

-بول عنداري “هذه شهادتي”

– سركيس نعوم “ميشال عون حلم ام وهم” …

تعريف

ميشال نعيم عون رقمه العسكري 58020 ولد في حارة حريك في 30 ايلول 1935 ماروني متأهل من ناديا سليم بناته ميراي وكلودين وشنتال كان آمر فصيلة في فوج المدفعية الثاني العام 1959 آمر بطارية في فوج المدفعية الثالث العام 1964 عين بعد ذلك قائد كتيبة مدفعية في العام 1976 ثم قائد لواء الدفاع وقطاع عين الرمانة –بعبدا في العام 1980 ثم قائد اللواء الثامن في العام 1983 وتم تعيينه في العام 1984 قائدًا للجيش على اثر حركة 6 شباط التي اطاحت بالعماد ابراهيم طنوس وادت الى انقسام الجيش بين جيش مسيحي في المناطق الشرقية وجيش مسلم في المناطق الغربية.

ومع بداية الحرب كان العماد عون من الضباط المقربين من حزب التنظيم وهو الحزب الذي اسسه رئيس جهاز المخابرات في عهد الرئيس سركيس جول بستاني وترأسه الاستاذ جورج عدوان وهو قاد بعض المجموعات المقاتلة من الجيش والميليشيات في معارك تل الزعتر ضد الفلسطينيين (كتاب روجيه عزام ص 502 ) ثم تقرب من الشيخ بشير الجميل من خلال صداقته لاحد ابرز مفكري حزب الكتائب في حينه الاستاذ انطوان نجم الذي وضع الأجانب العماد عون بعض الخطط واوراق العمل لصالح بشير ونستطيع ايجاد بعض هذه الوثائق في كتاب آلان مينارغ “اسرار الحرب اللبنانية”.

واستمرت علاقة العماد عون بالقوات اللبنانية بعد بشير سيما في مرحلة الوزير الراحل ايلي حبيقة وكان جليًا تدخل العماد عون لانقاذ الوزير حبيقة من داخل مبنى الامن في الكرنتينا المطوق من قبل الدكتور سمير جعجع وذلك اثر طلب سوري مباشر عبر اتصال اجراه اللواء حكمت الشهابي بالعماد عون وقد ذكر الاستاذ روجيه عزام ذلك في كتابه في الصفحة 448

نقلا عن العماد عون وذلك في حديث مباشر بينهما كما ورد في الكتاب.

1988 العلاقة مع سوريا – مرحلة 1986

في هذه الحقبة كان العماد عون قائدًا للجيش محاطًا بمجموعة من الضباط الاوفياء سيما العميد الركن فؤاد عون الذي كانت له مهمة تدوين المشروع الذي يطمحون اليه فكان كتاب “ويبقى الجيش هو الحل” (صدر عام 1988 ) عبارة عن مشروع سياسي وعسكري انما بادارة عسكرية بحتة وقد يكون لغياب الادارة السياسية للمشروع الاثر الاكبر في فشله كما ان هذه الحقبة شهدت اتصالات ووعود وعهود بين قائد الجيش والسوريين عمل على انضاجها مجموعة من الوسطاء كان ابرزهم الاستاذ فايز القزي(بعثي سابق) ، ويظهر بوضوح في كتاب الاستاذ القزي “من ميشال عفلق الى ميشال عون” الصادر عام 2003 ان للاستاذ القزي دور كبير في بناء العلاقة بين الجنرال والسوريين على خلفية قناعته بان الجنرال يحمل مشروعًا لبناء الدولة وقد كان لصديق الاستاذ قزي الوزير البير منصور دور كبير في التأسيس لهذه العلاقة ويروي الاستاذ قزي قصة اول اجتماع مع عبد الحليم خدام على الشكل التالي:

 ” فلم نخرج من الجلسة الاولى للقاء عبد الحليم خدام الا وكان البير منصور يحمل تكليفًا باستطلاع برنامج عون السياسي ليعود في الاسبوع اللاحق يحمل تصور عون الشفهي للعلاقة مع سوريا ومشروعه السياسي الخارجي والداخلي وقد نقل ذلك بصحبة محسن دلول الى  بلودان”.(فايز القزي-“من ميشال عفلق الى ميشال عون” ص 141(ويظهر بوضوح من خلال الكتاب ان ابرز مشاريع العماد عون هو القضاء على الميليشيات وان كان هذا الهدف هو اساسي لبناء الدولة انما الثغرة كانت في اعتبار الميليشيات هم المشكلة بذاتها فيما الميليشيات هم نتاج المشكلة الاساسية للبلد الا وهي تركيبته الطائفية والتوازنات فيما بين الطوائف كما علاقته الملتبسة بمحيطه العربي والاسلامي كما دوره في الصراع العربي الاسرائيلي فالعمل على حلّ المشكلة الاساس كان سيؤدي حتمًا لانهاء دور الميليشيات فيما الغاء الميليشيات دون حل سياسي كان نوعًا من الانتحار وما يدل على هذا المشروع ما ورد في كتاب القزي:

” خرجنا (فايز القزي والبير منصور) من لقاء عون بقناعة مشتركة واحدة هي ان استمرار الميليشيات المسيحية والدرزية هو الترجمة العملية لنجاح مشروع الفرز الطائفي اهم اركان المؤامرة الاسرائيلية على لبنان”. (فايز القزي-“من ميشال عفلق الى ميشال عون” ص 146)

وفيما كان عون يسعى لاتفاق شامل مع السوريين (بحسب رواية القزي) يتضمن الغاءًا للميليشيات كان السوريون يحاولون الاستفادة من العماد عون للتخلص من عدوهم اللبناني الشرس الا وهو ميليشيا القوات اللبنانية فنقرأ في كتاب الاستاذ القزي ما يلي:

“لم يتأخر السوريون في الكشف عن نواياهم حيال هذه العلاقة (مع العماد عون) فبدأت دمشق تلوح بالموافقة على دعم الجيش وقائده في صراعه مع الرئيس امين الجميل ومع القوات اللبنانية.

غير ان هذه العلاقة التي استغرقت جلسات ولقاءات متتالية لترسيخ دعائمها والداعية الى ضرب القوات اللبنانية فقط او كمرحلة اولى لم يقتنع عون بجدواها وطالب بالتفاهم مع السوريين على المشروع السياسي الكامل والبديل معتبرًا ان مصير القوات ودورها على الساحة اللبنانية مرتبط بعلاقة جلية مع الميليشيات الاخرى المتواجدة على الارض …

وبدأت فعلا مرحلة الحوارات المكوكية: وعود من دمشق بتقديم كل الدعم ضد الرئيس الجميل والقوات اللبنانية مقابل عهد يقطعه عون بالغاء القوات اللبنانية والتضامن السياسي مع سوريا وكانت وعود من عون شاركت انا في نقلها الى دمشق تحمل تضامنًا مع دورها الاقليمي وخصوصًا تجاه اسرائيل…

استمر هذا الجدل شهورًا كان خلالها السوريون يتمسكون بانهاء دور القوات اللبنانية في المنطقة الشرقية تمهيدًا لبسط سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني وفقًا لمشروع سياسي يتم البحث فيه والتوافق حوله في مرحلة لاحقة ولم يكن مشروع الحل واضحًا فلا عون ولا السوريون يفصحون الا عن مرحلته الاولى وهي ضرب القوات اللبنانية. (فايز القزي- “من ميشال عفلق الى ميشال عون” ص 159-160)

تجدر الاشارة هنا الى ان الجيش اللبناني كان يتلقى مساعدة شهرية بقيمة 500000 $ من المملكة العربية السعودية تسلم مباشرة الى العماد عون من خلال رجل الاعمال رفيق الحريري ما مكنه من تأمين التقديمات الاجتماعية لجنوده في فترة اقتصادية صعبة (كتاب روجيه عزام ص 467)

الكاتب: 
ادغار ابو ملهب
التاريخ: 
الأربعاء, أبريل 23, 2008
ملخص: 
مع بداية الحرب كان العماد عون من الضباط المقربين من حزب التنظيم وهو الحزب الذي اسسه رئيس جهاز المخابرات في عهد الرئيس سركيس جول بستاني وترأسه الاستاذ جورج عدوان وهو قاد بعض المجموعات المقاتلة من الجيش والميليشيات في معارك تل الزعتر ضد الفلسطينيين (كتاب ر