الطريق الى الانتحار (الجزء الثاني)
ولتحقيق مشروعه قام العماد عون بحملة تعبئة منظمة لنفوس ضباطه وجنوده ضد من اعتبر انه يأخذ دورهم معتمدًا على تجاوزات كانت تحصل من وقت لآخر حيث التداخل الجغرافي المشترك لعب دورًا اساسيًا في هذا الامر فيما كانت الوية الجيش المتواجدة في بيروت الغربية تتماهى مع الميليشيات ما لم نقل انهم كانوا جزءًا منها ولم يكن من حضورمستقل للجيش الا في المناطق الشرقية وان كان قد بقي للجيش اللبناني من دور فذلك مرده الى استراتيجية مسيحية تقوم على الحفاظ على دور الدولة ومؤسساتها في مقابل استراتيجية الوحدة مع سوريا والذوبان في المحيط العربي ومنطق الجيش الانعزالي ونتابع القراءة حول هذا الموضوع في كتاب الاستاذ القزي:
“…كّثف عون ندواته ولقاءاته مع الضباط الكبار والصغار واعتمد نهجًا وطنيًا في تعبئة النفوس مركزًا على مشروع وحدة المؤسسة العسكرية وتقدمها وتفوقها على جميع الاشكال والتنظيمات شبه العسكرية في كافة المناطق اللبنانية تمهيدًا لوحدة البندقية في ظل شرعية قوية وعادلة.
فتكرست ظاهريًا اشكال العداء لكل الميليشيات خصوصًا القوات اللبنانية بسبب التواجد الجغرافي المتداخل المشترك وراحت تأخذ شكل الصدام الكلامي طورًا والمناوشات العسكرية احيانًا وبالرغم من ذلك فقد استمر عون متمسكًا بموقفه الرافض لانهاء دور القوات اللبنانية واعلن ذلك بشكل حاسم لدى المؤسسة العسكرية فرجح الموقف الذي يعتبر القوات كسائر الميليشيات والمسلحين الآخرين يزيلهم مشروع سياسي وطني واحد يشمل لبنان كله”.
(فايز القزي-“من ميشال عفلق الى ميشال عون” ص 161)
لكن جدية العلاقة مع السوريين كانت مرتبطة بدعم السوريين لوصول عون لرئاسة الجمهورية فالعماد عون وضباطه كانوا يسعون للوصول الى السلطة حيث يمكنهم تنفيذ مشروعهم ولو كلفهم ذلك تنازلات ووعود للسوريين ولكن فاتهم ان السوريين في مكان آخر وهم ان سعوا للقضاء على القوات اللبنانية فذلك لا يعني ابدًا تسليمهم البلد لمن لا يؤمن بأن لبنان هو القطر المسلوخ عن سوريا وهنا ظهر العسكر اللبنانيون كهواة سياسة في مواجهة احد ابرز الشخصيات السياسية المخضرمة في القرن المنصرم حيث تمكن الرئيس حافظ الاسد من التلاعب بهم فأخذ منهم كل ما يريده مقابل لا شيء ويتابع الاستاذ قزي:
” استقرت العلاقة بين عون وسوريا على شبه تفاهم وشبه مشروع نتيجة الوعود المتبادلة التي لم تتحول الى عهود وفي فترة من الزمن كانت تقع في ارتجاج موزون يتعالى طورًا ويهبط احيانًا ولكنه بقي في حدود التعامل الجاد دائمًا والامل شبه المترجم الى الواقع احيانًا اخرى وكدنا نقتنع بأن العلاقة باتت شبه مكتملة وان القليل من الوعود التي اوحى بها عون وأخرجناها نحن كوسطاء بصيغة عامة تكفي للحصول على الموقف السوري الايجابي المؤيد لسلطة عون السياسية من دون البحث في تفاصيل العلاقة وبقيت الضبابية السياسية دائمًا هي المناخ الغالب على العلاقة بين عون والسوريين وكأنها الصيغة المرتجاة من الطرفين وان كنا قد مررنا بمراحل واوقات حسبنا اننا بلغنا الهدف في هذا السباق المحموم لا سيما مع نهاية ولاية امين الجميل.
وكان لمحسن دلول دور اساسي برعاية هذه العلاقة فبواسطته اجتاز عون تجربة خطف طائرة الهيليكوبتر الى حمانا من قبل الضابط ماجد كرامه الموالي لوليد جنبلاط من دون ان تسقط الوعود السورية لعون دون ان يتورط عون في حملة عسكرية مجهولة ضد المختارة، لكن اعلان ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية فاجأنا ولم نع خطورته وأبعاده الا عندما أعلنت سوريا تأييدها له وطلبت منا اقناع عون بالتضامن مع موقفها”. (فايز القزي-“من ميشال عفلق الى ميشال عون” ص 162)
وحيث ان الاستاذ القزي تحدث عن وعود ورسائل بين الجنرال والسوريين دون ان ينشر تلك الرسائل ما يضفي نوعًا من الضبابية على تلك الوعود ما يجعلنا نعتمد على مصادر غير قريبة من الجنرال لنطلع على مضمون تلك الرسائل بانتظار ان تنشر من قبل الجنرال او الاستاذ القزي او من قبل السوريين انفسهم وبانتظار ذلك نقرأ للاستاذ جوزف حداد رئيس “جبهة الشعب” القريبة من السوريين في مجلة الشراع الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 2006 بأن اللواء غازي كنعان اطلعه على رسالة خطية موجهة من العماد عون 529 للسوريين يتعهد فيها الجنرال بإنهاء حالة القوات اللبنانية على الساحة المسيحية وبسط سيطرته على المنطقة الشرقية وبعدها الانطلاق من الشرقية للعمل على ضبط إيقاع المنطقة الغربية.
كما نقرأ للكاتب بول عنداري في كتابه “هذه شهادتي” ص 272 رسالة موجهة من الجنرال الى الرئيس الاسد وجهها صيف عام 1988 ، اكتفي بايراد بعض ما جاء فيها دون تعليق حيث ان كلماتها تعبر عن نفسها:
“انني عسكري، وبهذه الصفة فانني اتمنى ان يعتبرني القائد الكبير حافظ الاسد ضابطًا صغيرًا في جيشه (…) وانا قد عايشت الازمة واقدر كل التقدير ما قدمته دمشق للبنان عامة وللمسيحيين خاصة وواجبي اذا ما حظيت بتأييدها فوصلت ان ارد لها الجميل.انني اتفهم مصالح سوريا في لبنان واسلم بأن امن لبنان من امن سوريا وعلى هذا فأنا مستعد لان اقدم اي تعهد يطلب مني لضمان امن سوريا في لبنان وانطلاقًا منه ان سوريا تخشى ان يفيد العدو الاسرائيلي من الخاصرة الضعيفة في لبنان ومن حق سوريا علينا ان نوفر لها اسباب الطمأنينة وان نشرع وجودها العسكري في لبنان لمواجهة اي اعتداء محتمل عليها كذلك انا مستعد لعقد اي اتفاقات امنية اضافة الى تمتين العلاقات المميزة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية كلها. اعرف بحكم موقعي ان لسوريا خصوما يناهضوها ويشاغبون على امنها في لبنان وفي هذا المجال انا مستعد لان اقطع دابر جماعة عرفات ومستعد لان ارسل جماعة العراق الى دمشق معلبين في صندوق السيارة”.
ترشيح السوريين لسليمان فرنجيه كان بمثابة الضربة القاضية لطموحات العسكر فاستلام السلطة كان اساسيًا في مشروعهم وقد وضعوا الخطط اللازمة لتنفيذ ذلك لا بل اكثر فقد ابلغوا من يعنيهم الامر انهم من سيتسلم السلطة بعد انتهاء ولاية الرئيس الجميل فنقرأ في كتاب “ويبقى الجيش هو الحل” عن الخطة لاستلام السلطة وعن الطريقة “الغير شكل” (العبارة وردت في الصفحة 252 ) التي ستعتمد فقد ورد في الصفحة 254 ما يلي:
“(…)كيف ستكون تجربة الجيش الجديدة لجعل 23 ايلول 1988 بداية حل(…)؟
أ-احترام الولاية الرئاسية الحالية حتى الساعة 24 من تاريخ 22 ايلول 1988 مهما تكن الصعوبات والضغوط.
ب-عدم اجراء انتخابات رئاسية للحيلولة دون مجيء رئيس تسوية واطالة عمر الازمة ست سنوات اخرى والاستعاضة عن ذلك بتشكيل قيادة سياسية جديدة باحدى الطريقتين:
-الاولى على طريقة 18 ايلول 1952 اي ان يشكل رئيس الجمهورية حكومة عسكرية قبل انتهاء ولايته يسلمها السلطة والكاملة.
-الثانية ان يشكل الجيش قيادة عسكرية سياسية تتسلم السلطة عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، او في اي وقت تخلو فيه سدة الرئاسة، او تشكل حكومة انتقالية من السياسيين، او حكومة او حكومات امر واقع.
ج-في حال تقرر بشكل جدي اجرء الانتخابات الرئاسية يجب العمل على ايصال رجل عسكري يحظى بتأييد الجيش ومحبته وثقته وعند تعذر وصول هذا العسكري دعم مرشح غير عسكري ولكن يحظى بثقة الجيش ويتعهد باتباع الحل المقترح وترك يده حرة لتنفيذ هذا الحل” يظهر بوضوح من الخطة الموّثقة ان الض?باط قد اخذوا قرارهم بالقبض على السلطة فلم يحصل في التاريخ اللبناني ان جاهر الجيش بنيته لاستلام السلطة فالمعلوم ان الجيش يخضع للسلطة السياسية ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول تكليف الرئيس الجميل للعماد عون بترؤس حكومة عسكرية انتقالية فهل كان ذلك بارادته؟ ويكفي ذكر الحادثة التالية لتبيان القرارالمتخذ بالقبض على السلطة فقد ورد في كتاب “الخيارات الصعبة” لمستشار الرئيس الجميل 515 ما يلي: – آنذاك الاستاذ ايلي سالم في الصفحات 514
“دخل عون الى مكتبي وقال لي انه عازم على تسلم السلطة اذا لم يجر انتخاب رئيس، لانه لا يستطيع ان يعرض الجيش للفوضى التي تنشأ في اعقاب ذلك، سألته: كيف ستفعل ذلك؟ فقال: سأستولي على القصر الجمهوري وجميع المكاتب الحكومية في المنطقة الشرقية. ثم اضاف يجب ان يظل الجيش موحدًا وان تبقى الشرعية في ايد امينة، سألته: هل يذكر لي ذلك كي انقله الى الرئيس، فقال،اجل اذا شئت ذلك.وحين قلت ذلك للرئيس بدا غير قلق وكان رده:”لن يجرؤ على ذلك” دليل اضافي على نية الجنرال بالقبض على السلطة كان مساهمته في تعطيل الانتخابات الرئاسية وان كان للقوات اللبنانية الدور الكبير في منع انتخاب الرئيس فرنجية على خلفية العلاقات السيئة بينهما الا ان واجبات الجيش كانت تقضي بتأمين الظروف الامنية الضرورية لتلك الانتخابات لكن تقاطع المصالح مع القوات في شأن معارضة وصول فرنجية حدى بالعماد عون لارسال اثنين من كبار ضباطه هما عادل ساسين وفؤاد الاشقر لمقابلة الدكتور جعجع ونقل الرسالة التالية:
” اطلب ما تريد لكن اوقف الانتخابات. فرد جعجع “سلموا لي على الجنرال وقولوا له خلص ما يعتل هم”.
(سركيس نعوم :”ميشال عون حلم ام وهم” 1992 ص 49)