الطريق الى الانتحار (الجزء السادس والأخير)

النوع: 

 

كانون الثاني 1990 الانتحار

الانتحار هو الوصف الدقيق لما عرف بحرب الالغاء او معركة توحيد البندقية التي بدأت عمليًا في 30 كانون الثاني عندما توجهت وحدة من الجيش اللبناني باتجاه مدرسة قمر -التحويطة حيث يقيم مهجرون بداخلها كما هناك مركز لوحدات الدفاع الشعبي التابعة للقوات اللبنانية وحصل اشتباك محدود بين الطرفين الا ان العماد عون عقد مؤتمرًا صحافيًا ذلك المساء معلنًا انه كان يرغب باعادة بناء المدرسة ليتعلم الاولاد الا ان القوات لا تريد ان يتعلم اولادكم داعيًا امهات مقاتلي القوات الى دعوة ابناءهم لترك القوات اللبنانية والتوجه الى ثكنات الجيش مطلقًا عبارته الشهيرة “لن نسمح بعد اليوم ببندقية خارج اطار الجيش” قاصدًا طبعًا بندقية القوات حيث ان البنادق خارج الجيش كانت موزعة على امتداد الاراضي اللبنانية بما فيها بندقية بعض الوية الجيش نفسه التي كانت بامرة قادة الطوائف والميليشيات اللبنانية المسلمة لكن الانتحار ليكون ناجزًا كان يقتضي قتل الذات فكانت الحرب الاعنف ابتداء من صباح 31 كانون الثاني 1990 المشؤوم الذي غير وجه لبنان منهيًا مرحلة من الحضور المسيحي الفاعل في لبنان ومؤسسًا لمرحلة من الاحباط والتشرذم المسيحي ستمتد 15 سنة.

معارك ضارية خاضها الطرفان ادت الى تدمير المناطق الحرة وانهاك الفريقين وعدد كبير من القتلى والجرحى والاسرى وفيما كان العماد عون يتهم القوات بموافقتهم على اتفاق الطائف الذي برأيه يؤمن لسوريا امكانية السيطرة على لبنان كانت الحرب الدائرة تؤمن بالفعل للسوريين هذه السيطرة لا بل وتلغي كل امكانية للمواجهة معهم في المستقبل وبالطبع فقد سعت سوريا لاستمرار المعارك وزيادة الشرخ بين المسيحيين فأمنت للعماد عون الذخائر من خلال اسعد حردان (الحزب القومي السوري- كان الراهب الانطوني انطوان ضو صلة الوصل معه) وايلي حبيقة كما ادخلت المؤن والمشتقات النفطية من خلال حزب الله وقام المكتب المركزي للتنسيق الوطني برئاسة روجيه عزام بتوجيه تظاهرات “انفتاح” باتجاه الضاحية الجنوبية معقل حزب الله حيث اطلق المتحدث باسمهم بيار رفول عبارة “ثورة العماد من ثورة الخميني” كما توجهت تظاهرة اخرى باتجاه المتن الاعلى حيث استقبلهم مؤيدوا الحزب السوري القومي الاجتماعي كما توجهت تظاهرة باتجاه عاليه معقل الحزب التقدمي الاشتراكي وكانت قد توجهت ايضًا تظاهرة باتجاه المختارة من مؤيدي العماد عون في الشريط الحدودي واستقبلهم وليد جنبلاط والقى فيهم خطابًا ورد المتحدث باسم التظاهرة بكلمة تضمنت العبارة التالية :”اللي ابعدونا عنك اذلناهم من صفوفنا”.

سعى البطريرك صفير لوقف المعارك داعيًا مقاتلي الطرفين للتمرد على قرارات قيادتيهما مهددًا بانزال الحرم بكل من العماد عون والدكتور جعجع وجواب العماد عون كان “لا سلطة للكنيسة علي”.

عون:لجنة الوساطة فشلت وليس للبطريرك سلطة علي لاني لا استمد سلطتي من الكنيسة. (النهار 04-08-1990)

شهدت هذه الفترة تبدلا كبيرًا في مواقف العماد عون تجاه سوريا وحلفائها وتحميل القوات اللبنانية كافة مآسي الحرب واخطاءها ونمت العلاقة مع القوميين وجماعة ايلي حبيقة الذين عادوا الى بيروت الشرقية وشكل حديث العماد عون الى جريدة الشرق في 3 آب 1990 نموذجًا معبرًا لمدى التحول من شعارات حرب التحرير الى رفض الحدود بين البلدين، وبالنتيجة فرضت هذه المعركة ستاتيكو جديد تمثل بخطوط تماس داخل المنطقة الشرقية وبانهيار قوة الفريقين كما باستياء دولي عارم اسقط كافة الخطوط الحمر التي كانت تمنع السوريين من اقتحام المناطق الحرة لا بل بالعكس فقد اصبح السوريون هم الحل الذي يمكن ان ينهي “الجنون” الحاصل وتمت الصفقة الاميريكية السورية لاقتحام المناطق الحرة وتسليم 1990 حيث اجتاح السوريون مناطق الادارة اللبنانية للسوريين وهكذا كان في 13 تشرين 1 العماد عون واعدموا حوالي 120 ضابطًا وجنديًا لبنانيًا وسيطروا على القصر الجمهوري ووزارة الدفاع الوطني وسرقوا ملفاتها وانهوا حقبة من الممانعة المسيحية وبدأوا عملية اتمام السيطرة على لبنان واليكم ما تناولته اذاعة الفاتيكان عن تلك المرحلة :

هل يمكن أن يغفر المسيحيون اللبنانيون للعماد ميشال عون؟

هذا السؤال طرحته إذاعة الفاتيكان تدليلا منها على فظاعة المذبحة التي أوقعتها الحرب في صفوف مواطني المناطق الشرقية. وقد ترافق هذا السؤال مع أجواء سياسية محمومة خيمت على الهدنة الهشة التي تعرضت لخروقات عدة. ونقلت “فرانس برس” عن مصدر مقرب من العماد عون قوله: استسلام القوات اللبنانية وحده سيضع حدًا للمعارك.

وقبيل ايام معدودة من السقوط اجتمع وفد من المكتب المركزي للتنسيق الوطني تألف من روجيه عزام وجوزف غصن وبيار رفول الى اسعد حردان المسؤول السوري القومي والمقرب جدُا من السوريين والذي عمل على مساعدة العماد عون في حربه على القوات وفي ذلك الاجتماع اتصل المسؤول القومي باللواء غازي كنعان طالبًا موعدًا للوفد المذكور معه فكان ان حدد لهم موعدًا في 13 تشرين 1 اي في اليوم نفسه الذي ستجري فيه العملية، هذه.  المعلومات ذكرها روجيه عزام نفسه في كتابه وذلك في الصفحة 570 لم يفصح الاستاذ عزام عن الهدف من ذلك الاجتماع لكنه قد يكون اعطى للعماد عون متنفسًا ما جعله يعلن في اسبوعه الاخير ان: “لا تتوقعوا عملية عسكرية وكل ما سيحصل في القريب العاجل انني سأكون رئيس حكومة الجمهورية الثالثة!” وعلى هذا الأساس قال لإذاعة “صوت أميركا” الثلاثاء 9 تشرين الأول: “المعركة ليست عسكرية بل هناك معركة في سبيل الحرية والديمقراطية”. ولما سئل عن الجهات التي تؤيده في مواقفه، أجاب: “اعتقد أن الجميع يؤيدونني ما عدا… القوات اللبنانية”. الجميع من هم؟ الجنرال فندهم: الرئيس فرنجية، وليد بك، حزب الله، الشريط الحدودي…! وقبل ساعات من الاجتياح نفى الجنرال الجمعة 12 تشرين الأول ما نقلته “رويتر” عن اتصال تم بينه وبين السفير ألا لكي يخلي قصر بعبدا ويشكل حكومة منفى في فرنسا. وعلق حرفيًا:

“لا يطلبون عادة من الوطني أن يترك وطنه ويذهب. يطلبون من العميل الهرب إذا أرادوا إعطاءه فرصة…”

لكن كل من الاستاذ فايز القزي والاستاذ البير منصور اكدوا في كتبهم ان العماد عون وقع ذلك المساء على ورقة من 10 بنود تضمنت اعترافًا بشرعية الرئيس الهراوي وبموافقة العماد عون على دخول الحكومة والوثيقة سلمت للسفير الفرنسي الا ولم يعرف ما بات مصيرها والوثيقة منشورة في كتاب “موت جمهورية” للاستاذ البير منصور ص 417 بخط العقيد عامر شهاب وموقعة من العماد عون وكان الشهيد جبران التويني قد لفت الى هذا الامر 2001 تضمن ما يلي : -08- في مقال بعنوان “طعنة الجنرال” بتاريخ 30 “لم تعد تعيش الواقع بعدما توقفت عقارب ساعتك عام 1989 ولن اقول 1990 او آخرها عند طلب موعد مع اللواء الركن غازي كنعان وعلى غير علم الذين كانوا حواليك، او ساعة توقيعك اتفاقات مع السفير الفرنسي حول الطائف وأيضًا دون علم الذين كانوا حواليك! دون ان نذكر المفاوضات السرية التي كنت تجرها مع “دولة الطائف” من اجل العودة الى لبنان” وفي صباح السبت 13 تشرين الأول 1990 ، في الساعة السابعة والدقيقة الخامسة، تولى سرب من الطيران الحربي السوري (وبكل أسف) قصف قصر بعبدا ووزارة الدفاع في اليرزة وعدد من مرابض المدفعية. وكان ذلك بدء العملية العسكرية ضد العماد عون.وبعد دقائق، فتحت النار من مرابض المدفعية والراجمات والدبابات على كل المحاور في المتنين. وبعد 45 دقيقة، أعلن عن وجود العماد عون في السفارة الفرنسية في الحازمية.

ومن هناك، من السفارة، أعلن العماد عون إستسلامه. فأذاع بصوته بيانًا مقتضبًا قال فيه: “بسبب الظروف السياسية والقتالية والعسكرية الراهنة، وحقنًا للدماء، وتخفيفًا للأضرار، وإنقاذًا لما تبقى، أطلب من أركان قيادة الجيش تلقي الأوامر من العماد إميل لحود”.

انتهت مع اسقاط العماد عون مرحلة من تاريخ وطن لتبدأ مرحلة اخرى اشد قسوة وضراوة خاضها المسيحيون بايمان كبير وانتهت الى انسحاب ذليل للسوريين كان المفترض ان يشكل حافزًا للمسيحيين كي يزيدوا من لحمتهم لكن العكس هو ما يحصل كأننا لم نتعلم شيئا على ما قال غبطة البطريرك صفير وانهي هذا البحث بما كتبه سمير قصير في عودة الجنرال وكان : 2005/05/ عنوان المقال “عودة الاب الضال” بتاريخ 06 “عون الراجع هو عون الذي لا يتغير، يحاكم ولا يحاكم. المسألة تذهب ابعد من اختزال الفعل التاريخي بعظمة الفرد، وفقًا لفهم مبتسر للتجربة الديغولية في فرنسا. فإذا كان تجاهل الحجم الشعبي للحدث ينم عن مفهوم فوقي للعمل السياسي، فإن تجاهل دور القوى السياسية الاخرى يفيد بوجود سوء تفاهم مقلق حول معنى المعركة الاخيرة “.

الكاتب: 
ادغار بو ملهب
التاريخ: 
الثلاثاء, أبريل 29, 2008
ملخص: 
معارك ضارية خاضها الطرفان ادت الى تدمير المناطق الحرة وانهاك الفريقين وعدد كبير من القتلى والجرحى والاسرى وفيما كان العماد عون يتهم القوات بموافقتهم على اتفاق الطائف الذي برأيه يؤمن لسوريا امكانية السيطرة على لبنان كانت الحرب الدائرة تؤمن بالفعل للسوريين