عن اي دستور تتحدثون؟
كنت اعتقد، وغيري كثر، ان الوزير فوزي صلوخ الذي عين وزيرا للخارجية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى التي شكلت صيف عام 2005، انه قد عُين في هذا المنصب بتزكية من الرئيس نبيه بري. لكني اكتشفت ان الوزير الذي عرفته سابقا قبل ان يعين وزيرا وخلال شغله لحقيبته الوزارية، لم تكن صلاته السياسية مرتبطة بالرئيس بري فقط.
يروي وزير الخارجية السابق، ابن بلدة القماطية في مذكراته التي صدرت العام الماضي بعنوان " مذكراتي وزيرا للخارجية "، يروي بالتفصيل الممل قصة تعيينه وزيرا للخارجية في حكومة الرئيس السنيورة، وكيف اتصل به المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل ذات يوم صيفي وطلب منه الحضور الى مكتبه ليعلمه انه تم اختياره لشغل حقيبة وزارة الخارجية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وكيف طلب منه التوجه الى قريطم للقاء رئيس تيار المستقبل انذاك سعد الحريري ومن ثم الاتصال بالرئيس المكلف فؤاد السنيورة والذهاب اليه للتعارف، وكيف اخضعه السنيورة لامتحان وطرح عليه اسئلة متعددة، وكيف انه تلقى اتصالا من السيد نصرالله وتحادث معه وشكره على ثقته لاختياره لهذا المنصب. الوزير صلوخ استرجع ذكرياته في هذا المجال وكيف ان السيد نصرالله كان ابدى اعجابه بالمقالات التي كان يكتبها في الصحف، والذي كان ابلغه هذا الاعجاب يوم ذهب لتقديم واجب التعذية له باستشهاد نجله هادي، وكيف ابلغه السيد نصر الله يومها حين صافحه انه كان دائما يتابع كتاباته وتحليلاته وهو معجب بها.
وبما اني كنت اجهل هذه الحقائق تذكرت الشعار الذي كان يردده الفيلسوف سقراط والذي كان يقول : "اني اعرف شيئا واحدا، وهو اني لا اعرف شيئا " وبطبيعة الحال احسست اني كنت مدعيا بالمعرفة ازاء قضايا كنت اظن اني ممسك بها، وتبين اني لا اعرف منها شيئا، مع اني كنت التقي الوزير صلوخ بشكل شبه يومي في تلك الفترة .
مناسبة هذا الكلام عن النسب السياسي لوزير خارجية لبنان في حكومة الرئيس السنيورة، هو الحديث عن وزير خارجية لبنان في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الدكتور عدنان منصور، الذي لم يكتب مذكراته بعد، لكن بمجرد ان تفتح موقعه الالكتروني، فانك تدرك بسرعة سبب المواقف الباهرة التي اطلقها ويطلقها هذا الوزير تجاه ايران وسوريا، وكيف انفرد وزيرنا بالطلب من مجلس الجامعة العربية اعادة سوريا بشار الاسد الى مقعدها الذي ابعدت عنه في الجامعة.
في صدر الصفحة الاولى للموقع الالكتروني للوزير منصور تظهر مقالاته عن ايران قبل اي شيء اخر، حتى قبل سيرته، وهو كتب مقالة عام 2010 عن العلاقات الايرانية اللبنانية ليشكو فيها من ان المسؤولين اللبنانيين لم يتجاوبوا مع العروض المتكررة والصادقة من قبل ايران تجاه لبنان عن الاستعداد لتقديم اية مساعدة يريدها هذا البلد . الكاتب ظهر منزعجا ومستغربا، من التردد اللبناني وعدم المبالاة في الرد على العروض الايرانية .
الوزير منصور يعرض في صدر موقعه مقالة اخرى ينتقد فيها سياسة الاتحاد الاوروبي، التي حسب قوله، تخون التاريخ الاوروبي وتصر على الالتحاق بالركب الامريكي ...الخ وقد ظهر منزعجا كيف ان اوروبا رفضت مرارا وتكرارا تطوير العلاقات مع ايران ومضت في سياسة العقوبات، والكيل بمكيالين واحد مع اسرائيل واخر مع ايران .
وفي سيرته الذاتية نجد ان الوزير منصور عمل في ايران سفيرا للبنان مطلق الصلاحيات من العام 1995 الى العام 2007 اي نحو 12 سنة متواصلة.
وحين نطلع على هذه الوقائع ندرك بطبيعة الحال لماذا تم اختيار الوزير منصور في موقعه الحالي وما هي خلفية مواقفه وتصرفاته.
حين ادلى رئيس الهيئة الايرانية للاعمار في لبنان حسام خوش نويس في ربيع العام 2007 بحديث الى احدى الصحف الصادرة في بيروت، انتقد فيه الحكومة اللبنانية واتهمها بانها توافق على الهدر في ادارتها لعملية اعمار ما دمره العدوان الاسرائيلي، طرحت على نفسي السؤال، كيف لموظف ايراني قدم الى لبنان للمساعدة في اعادة الاعمار ان يتصرف بهذه الطريقة، اي ان يوجه اتهامات للحكومة التي تستضيفه بانها تسكت على الهدر، وما هو مصدر قوته؟ ولماذا كان يتولى هو الاجابة على اسئلة رئيس الحكومة اللبنانية انذاك فؤاد السنيورة خلال اجتماع عاصف، من دون ان ينتظر جواب السفير الايراني نفسه عن الاسئلة التي توجه له، مع ان السفير كان حاضرا للاجتماع. كان تصرفا غريبا يومها، ووجه الغرابة هو ان موظفا يقوم هو بالاجابة والمبادرة الى الكلام فيما السفير يكتفي بالمراقبة. لم افهم معاني ما جرى يومها الاعندما اذاعت طهران منذ مدة ليست ببعيدة، ان حسام خوش نويس رجل الاعمار والانماء الذي قتل في سوريا لم يكن الا القائد في الحرس الثوري الايراني حسن شاطري، وقد كان موقعه ومركزه مرموقا وهاما، بدليل الشخصيات التي حضرت تشييعه في طهران، وردة الفعل التي ظهرت عبر وسائل الاعلام في لبنان وايران نتيجة مقتله. هنا تذكرت مرة ثانية قول سقراط وقررت ان اضعه شعارا احفظه في ذهني وتفكيري، اي انني حقيقة لا اعرف شيئا عن قضايا كثيرة، رغم اعتقادي اني قد اعرف شيئا عنها.
ترى لماذا يتصرف الوزير عدنان منصور بهذه الطريقة ؟ ولماذا قال ما قال في القاهرة؟ ولماذا سمح للسفير السوري ان يخرج بعد مقابلته في قصر بسترس ويعلن ان وجهات النظر كانت متطابقة، وان الجيش السوري سيرد على اطلاق النار الذي يتعرض له من الجانب اللبناني؟
لماذا يشارك حزب الله في القتال في سوريا باسم الجهاد والدفاع عن سكان قرى منطقة القصير ؟
ولماذا انفرد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد بالدفاع عن موقف وزير الخارجية معلنا ان موقفه في القاهرة هو الموقف الرسمي الصحيح ؟
حين سئل الوزير منصور، عن موقفه في القاهرة، رد بان ما قاله هو موقفه الشخصي ويتحمل مسؤوليته وهو قد كتبه من دون ان يعود الى احد !
وحين انتُقد وقيل انه خالف في موقفه وتصرفاته في القاهرة الدستور اللبناني لانه قرر موقفاً من دون العودة لرئيسي الجمهورية والحكومة، علما ان الدستور يحدد ان رئيس الحكومة هو الناطق باسمها، رد الوزير منصور بالقول : " لا اعرف لماذا يقولون اني خالفت الدستور .. كيف حدث ذلك "؟
قال بعض الذين عايشوا حسن شاطري خلال وجوده في لبنان، انه كان قليل الكلام كثير العمل بصمت، وانه في احد الايام ظهر السرور عليه، وقد توجه الى من حوله بفرح كبير ليقول لهم اتريدون ان تعرفوا لماذا انا فرح ؟
فرد من كانوا حوله لماذا ؟ فاجاب شاطري : اني فرح لان ابني سيتزوج بفتاة لبنانية.