هل حان وقت المهزلة؟

النوع: 

 

في مقابلة اجرتها مجلة الوسط مع القائد السابق للشعبة الثانية فترة السبعينات العقيد غابي لحود، قال مسترجعا الاحداث قبل انفجار الحرب الاهلية : " الحقيقة اننا كنا امام ازمة لا يملك احد حلا لها ..... كان متعذرا جمع اللبنانيين حول  اطلاق العمل الفدائي ، وكان متعذرا جمعهم حول قرار منعه ..." ! هكذا كانت صورة المأزق امام ازمة لا يملك احد حلا لها انذاك فانفجر لبنان.

اغلب الظن اليوم، ان لبنان دخل ازمة مفتوحة لا قعر لها ولا نهاية يمكن ان تلوح للمراقب، وهنا المشكلة الفعلية. الاطراف المتواجهة منذ الـ 2005 وصلت في مواقفها الى حدود اللاعودة بسبب فقدان الثقة المتبادلة،  نتيجة التجارب وتطور الاحداث.

قبل اندلاع الربيع العربي ووصوله الى سوريا قال السفير الامريكي السابق في لبنان جيفري فيلتمان من موقعه في وزارة الخارجية كمسؤول عن شؤون الشرق الاوسط وبصراحة غير مسبوقة .. " كنا نعمل على عزل سوريا لكننا اكتشفنا اننا نحن من اصبحنا في عزلة .." كلام فيلتمان  انذاك كان يحاول تصوير الموقف اثر فتح اقنية واسعة بين نظام آل الاسد والعديد من الدول العربية والغربية ومنها الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي ارسل مستشاريه لحفر اقنية علاقات واسعة مع الرئيس السوري بعد ان كان قطعها جاك شيراك .

اليوم لم يعد لهذا الكلام من معنى، قبل اندلاع الربيع العربي وعبوره الى سوريا عن طريق اطفال درعا كان النظام السوري قد استعاد اوراقا كثيرة كان خسرها نتيجة انتفاضة الاستقلال في لبنان وانسحاب جيشه. ثم وجد سعد الحريري نفسه رئيسا سابقا للحكومة بطلب من بشار الاسد الذي عاد للتأثير في لبنان بعد ان سبق وتراجع دوره ، لكن اليوم، فقد تغيرت الاحوال وبات النظام اسيرا لدعم ايران وامدادات بوتين العائد الى الساحة الدولية من البوابة السورية .

ما يجري الأن في المنطقة، هو انكشاف  حفرة استراتيجية عميقة وقعت فيها ايران في سوريا، وبالتالي حزب الله. الحفرة تتسع يوما بعد يوم، مستهلكة معها كل صنوف الدعم العسكري والمادي .

 كان نظام الاسد قد خطف انفاس السوريين واحتفظ بها، لكنه نسي ان للانسان كرامة فكانت ثورة رجال حوران وكانت بداية النهاية لنظام من دون قلب او روح او مخيلة .

المشكلة الحاصلة الان اكبر من قدرة ايران وحزب الله على الاحتمال والقبول، في حال سقوط النظام السوري ومجئ نظام اخر. لذلك تجري الاستعدادات من قبل ايران لمواجهة طويلة حتى عن طريق ميليشيات.   

لا تستطيع ايران وبالتالي حزب الله تحمل اكلاف خسارة نظام الاسد، رغم انها خسارة شبه مؤكدة بفعل قانون الطبيعة وبفعل توالي الايام واستمرار المعارك. 

قالت تجربة لبنان في الحرب الاهلية ان الرئيس سليمان فرنجية لم يسلم حين تعرض قصر بعبدا للقصف من مدافع جيش لبنان العربي بل ترك مكتبه الى مكان اخر اكثر امنا في العمق الكسرواني ، فهل سيستسلم بشار الاسد حتى لو سقطت دمشق بيد الجيش الحر ؟ او جبهة النصرة ؟

بالطبع لا لن يستسلم ، لذلك هي معركة طويلة وطاحنة تشهدها سوريا .

 في لبنان، الذي لم يكن ينقصه سوى اشتراك حزب الله في معارك سوريا، بات متعذرا جمع اللبنانيين على تأييد النظام السوري كما بات من الصعوبة بمكان جمع اللبنانيين ايضا على محاربة النظام السوري .

اليوم تصل خطوط  الاحتقان والتوتر الى مستويات غير مسبوقة ، فلا يكاد ينقضي نهار من دون ان يشاهد الشعب اللبناني شجارا بالكراسي وقناني المياه داخل احد استديوهات البرامج الاخبارية الحوارية. او اشتباكا كلاميا بين نواب او سياسيين. 

لم تعد اللغة تتسع للشتائم وتعابير التهجم والتحقير والتهديد والتنديد من قبل كل طرف في مواجهة خصمه.

بالامس قالها امين عام حزب الله حسن نصرالله بمجرد انه انزعج من الشيخ  احمد الاسير فابلغه وابلغ سكان مدينة صيدا قائلا : " انصحكم بان لا يتم ارتكاب الاخطاء معنا في الحسابات ...." وكل ذلك من اجل شقق للمقاومة !

قوى الثامن من آذار تمسك بالسلطة وهي لن تتركها الا اذا ضمنت انها  ستعود اليها، وقوى الرابع عشر من آذار لن توافق على هذا السيناريو او تسلم به، والمواعيد باتت تقترب من نهايتها :

 قرب انتهاء ولاية مجلس النواب من دون اتفاق على قانون للانتخابات، مما يؤشر لامكانية بقاء الحكومة بكل مشكلاتها مع تمديد للمجلس النيابي ، قرب انتهاء ولاية قائد الجيش ، والمجلس العسكري، ومدير عام قوى الامن الداخلي وغيرهم كثر .. الدولة شبه المتلاشية في لبنان قد تنزلق الى الانهيار، وكل ذلك يتم وسط عنف لا سابق له في سوريا بدأ يفيض باتجاه لبنان فيما بعض اصحاب احلام الرئاسة الاولى لم يعد لديهم الكثير من الوقت، فقد حان موعد القطاف .

  سبق ان افلتت الفرصة نهاية الثمانينيات، وبالتالي لا يجب تفويتها مرة ثانية الأن .

قديما قيل ان التاريخ يعيد تكرار نفسه، لكن في المرة الاولى عبر مأساة وفي المرة الثانية عبر مهزلة ... فهل اقترب اوان المهزلة ؟ 

الكاتب: 
د. عارف العبد
المصدر: 
التاريخ: 
الاثنين, مارس 4, 2013
ملخص: 
قرب انتهاء ولاية مجلس النواب من دون اتفاق على قانون للانتخابات، مما يؤشر لامكانية بقاء الحكومة بكل مشكلاتها مع تمديد للمجلس النيابي ، قرب انتهاء ولاية قائد الجيش ، والمجلس العسكري، ومدير عام قوى الامن الداخلي وغيرهم كثر .. الدولة شبه المتلاشية في لبنان قد